وكالة أنباء الحوزة - في دراسة مختصرة، يتم تناول مفهوم "الانتظار" في المرويات الدينية من خلال محورين: الانتظار بالمعنى العام، والانتظار بالمعنى الخاص (المهدوي).
وفيما يلي بيان المحور الأول:
الانتظار بالمعنى العام
في هذا المعنى، تريد التعاليم الدينية أن تؤكد على فضيلة "انتظار الفرج العام"، وأن تُشيع الأمل في المستقبل بين الناس، وفي نفس الوقت تذم اليأس وتنهى عنه.
وقد أعطت التعاليم الإسلامية لهذا النوع من الانتظار (الانتظار العام) أهمية كبيرة، حتى أن بعض الأحاديث وصفت هذا الانتظار بأعلى الأوصاف، منها:
1. الانتظار هو عبادة
القرآن الكريم يحدّد الغاية من الخلق في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56). وتقوم سنة النبي وأهل بيته (عليهم السلام) بترجمة هذه الغاية إلى ممارسات عملية.
وفي هذا السياق، يرفع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) "انتظار الفرج" إلى مقام العبادة، بقوله: «اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ عِبَادَةٌ» (الأمالي للشيخ الطوسي، ص 405).
وبما أن العبادة جوهرها عمل، فإن انتظار الفرج يعني منهج حياة وسلوكاً يُمارَس.
2. الانتظار هو أفضل العبادة
لا تقتصر مكانة الانتظار على كونه عبادة فحسب، بل إن النصوص الدينية ترفعه إلى درجة سابقة بين العبادات ذاتها. فبعد التأكيد على كونه عملاً عباديًا، يمنحه الحديث النبوي الصدارة والتفوّق، معلناً: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ» (كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 287). وهذا يعني أن له ثواباً أعظم وأثراً أعمق في تهذيب النفس وبنائها.
3. الانتظار هو أفضل الأعمال
ثمّ تأتي الخطوة التصاعدية الأكثر إثارة: فليس الانتظار أفضل العبادات وحسب، بل يتعدّاه ليصبح أفضل الأعمال مطلقاً التي يمكن أن تقوم بها أمة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا يشمل جميع أنواع الطاعات والعبادات والأخلاق الحسنة. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان هذه المرتبة الفريدة: «أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص 644).
4. الانتظار نفسه هو فرج
أثبت علم النفس الحديث أن للأمل دوراً بالغ الأهمية في السلوكيات الاجتماعية. وبعبارة أخرى، فإن انتظار مستقبل مشرق وزاهر يجعل حياة الإنسان الحالية مشرقة ونشيطة أيضاً.
وتُؤكّد بعض الأحاديث أنَّ مجرّد انتظار الفرج يُعَدُّ بحدِّ ذاته فرجاً وانفراجاً. وفي هذا السياق يقول الإمام السجاد (عليه السلام): «اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ مِنْ أَعْظَمِ الْفَرَجِ» (كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص 319).
5. الانتظار هو أفضل الجهاد
في التعاليم الدينية، عُرف الجهاد في سبيل الله بأنه من أعظم الأعمال. وقد أولت النصوص الدينية لهذه الفضيلة اهتماماً بالغاً في آيات القرآن وأحاديث المعصومين (عليهم السلام).
وبخصوص أهمية انتظار الفرج - بالإضافة إلى ما سبق - نجد في بعض النصوص ما يلفت الانتباه، وهي التي عدّت الانتظار "جهاداً" بل "أفضل الجهاد". ومن هذه الأحاديث أيضاً يُستفاد بوضوح أن الانتظار هو نوع من العمل.
ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أَفْضَلُ جِهَادِ أُمَّتِي اِنْتِظَارُ الْفَرَجِ» (تحف العقول، ص 37).
ذم اليأس (النَّقِيض)
في المقابل، نجد أن اليأس من رحمة الله مذموم جداً في الإسلام، بل إن القرآن يصف اليأس بأنه صفة الكافرين، كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87).
أما المحور الثاني من البحث فهو "الانتظار بالمعنى الخاص" أو "انتظار الفرج المهدوي"، الذي يركز على انتظار تحقق المجتمع الإلهي على يد الإمام الموعود (عجل الله فرجه)...
وللحديث بقية ستأتي في الأجزاء التالية إن شاء الله...والجدير بالذكر أن هذا الجزء مُقتبس من كتاب "درسنامه مهدویت" (بحوث منهجية في المهدوية) للمؤلف خدامراد سليمانيان مع بعض التعديلات.
لمراجعة المبحث باللغة الفارسية يرجى الضغظ هنا.
المحرر: أ. د
المصدر: وكالة أنباء الحوزة





تعليقك