وكالة أنباء الحوزة - عند بحث فوائد الإمام الغائب (عليه السلام)، تناولنا الآثار الوجودية لذاته، وشرحنا أن بقاء العالَم واستمرار حياة جميع الخلق كلها مرتبط بوجوده. وفي هذا المقام، نسرد بعض مظاهر الرأفة اللامتناهية له التي تجلّت في صور متعددة؛ ليتبين للجميع أنّ إمام الخير والرحمة، رغم غيبته واختفائه، فإن شعاع رأفته يمتدّ في كل مكان، ويشمل الجميع على قدر استعدادهم وقابليتهم، ولطفه وعنايته جاريان كسريان نهر متدفق لا ينقطع.
وإنّ من أبرز تجليات هذه الرأفة مشاركتَه (عليه السلام) لأتباعه في أحوالهم، وهو سلوك يتحلى به عباد الله الصالحين. فكما أنّ التّوادّ والتراحم بين الإخوة في الدين يُعدّان من أجلّ صفات المؤمنين، فإن الإمام (عليه السلام) يجسّد المثال الأعلى في هذا السلوك الرفيع. فإن المؤمنين في المجتمع الإسلامي كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تألم له سائر الجسد، كما أنّ راحة كلّ منهم وسعادته تبعثان السرور في قلوب الآخرين، فهم - كما صرّح القرآن – إخوة.
وفي العديد من الروايات، عبّر الأئمة المعصومون (عليهم السلام) عن مشاعر التعاطف والمواساة تجاه شيعتهم، وهذا الشعور النبيل يمثّل سلوى وطمأنينة لقلوب محبيهم، وقوة تدعمهم في مواجهة صعوبات الحياة، وتقوّي صبرهم وصمودهم.
قال الإمام الرضا (عليه السلام): «مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ شِيعَتِنَا يَمْرَضُ إِلَّا مَرِضْنَا لِمَرَضِهِ وَلَا اغْتَمَّ إِلَّا اغْتَمَمْنَا لِغَمِّهِ وَلَا يَفْرَحُ إِلَّا فَرِحْنَا لِفَرَحِهِ» (بحار الأنوار، ج 65، ص 167).
وبالتالي، فإن الإمام المعصوم (عليه السلام) - بسبب شدة رأفته ومحبته لأتباعه - يكون في أعلى مراتب الاتصال بهم، وبحكم هذه المحبة يشاركهم أحزانهم وآلامهم؛ كالأم التي تمرض إذا مرض وليدها وتبتهج إذا فرح، لأن الولد عزيز عليها كروحها.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «وَاللَّهِ إِنِّي أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ» (بصائر الدرجات، ص 265).
ومن هذا نستنتج أن محبة الإمام المعصوم (عليه السلام) تختلف في جوهرها عن سائر المحبات، فهي محبة خالصة غير مشروطة ولا محدودة، لا تقتصر على القول بل هي متأصلة في أعماق قلبه ووجدانه، ولهذا فهو مرتبط بشيعته ارتباطاً كاملاً يشمل كيانه وروحه.
ومن أبرز الأمثلة على هذه الرأفة الإلهية في شخص إمام الزمان (عجل الله فرجه) ما ورد في قوله الشريف: «إِنَّهُ أُنْهِي إِلَي ارْتِيَابُ جَمَاعَةٍ مِنْكُمْ فِي الدِّينِ وَمَا دَخَلَهُمْ مِنَ الشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ فِي وُلَاةِ أَمْرِهِمْ فَغَمَّنَا ذَلِكَ لَكُمْ لَا لَنَا وَسَاءَنَا فِيكُمْ لَا فِينَا لِأَنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَلَا فَاقَةَ بِنَا إِلَى غَيْرِهِ» (بحار الأنوار، ج 53، ص 178)
وللحديث بقية ستأتي في الأجزاء التالية إن شاء الله.. والجدير بالذكر أن هذا الجزء مُقتبس من كتاب "نگین آفرینش" (جوهرة الخلق) مع بعض التعديلات.
لمراجعة المبحث باللغة الفارسية يرجى الضغظ هنا.
المحرر: أ. د
المصدر: وكالة أنباء الحوزة





تعليقك