وكالة أنباء الحوزة - بمناسبة الذكرى 44 لرحيل العلّامة الطباطبائيّ، وتزامنًا مع تاريخ وفاته في 15 نوفمبر، شارك آية الله الأعرافي، مدير الحوزات العلمية في إيران، في حفل تأبين العلامة بمدينة الأهواز. وذلك في إطار زيارته لمحافظة خوزستان.
وقد وجّه سماحته في مستهلّ كلمته التحيةَ إلى الحضور، مقدّمًا تعازيه بمناسبة الأيام الفاطمية، وَكَرَّمَ ذِكْرَى الشهداء والعلماء البارزين، وشكر القائمين على هذا الاجتماع.
ثم استهلّ الحديث عن ذكرياته مع العلامة، فقال: في السنوات الأولى من دراستي بقم، كنّا نسكن في شارع صفائيّة. وفي ذلك الوقت، لم يكن العلّامة يدرّس بسبب إصابته بداء باركنسون، غير أنّ لقاءاتٍ محدودة كانت تُعقد في منزله. فأنا كنتُ صبيًّا في عمرٍ يتراوح بين 12-14 عامًا، أُحدّد أحيانًا أوقات مروره من الزقاق لأتمكّن من رؤية وجهه النّورانيّ والهادئ والمليء بالمعنويّة؛ وهو وجهٌ لا يزال راسخًا وحاضرًا في ذهني.
كما نقل عن آية اللّه جواديّ الآمليّ أنّ العلّامة تلقّى توصيةً هامّةً من المرحوم السيّد عليّ القاضيّ عند دخوله للنّجف الأشرف، إذ أوصاه بأن يضع لتزكية النفس وتهذيبها برنامجًا كما يضع برنامجًا للدرس والبحث، وهي وصيّة ظلّت ترافقه إلى آخر عمره.
نقطة تحوّلٍ في تفسير القرآن الكريم
وتطرّق مدير الحوزات العلميّة إلى مكانة العلّامة الطباطبائيّ كأحد أبرز مفسّري القرآن الكريم في العصر الحديث، مؤكّدًا أنّه شكّل نقطة تحوّلٍ في تاريخ التفسير في العالم الإسلاميّ. ونقل عن آية اللّه الخوئيّ أنّه لو أُتيحت له الفرصة لتأليف تفسيرٍ واسعٍ لكان عمله موسوعةً شاملةً في العلوم الإلهيّة، ولكن هذا الأمر تحقّق على يد العلّامة. وأوضح أنّ نواة العمل التفسيريّ للعلاّمة تشكّلت في النجف الأشرف، ونمت في تبريز، وبلغت ذروته في قم المقدسة، وكانت حصيلتها تفسير «الميزان» الذي رسّخ منهج «تفسير القرآن بالقرآن» على أسسٍ اجتهاديّةٍ وعقلانيّةٍ في العالم الإسلاميّ.
إعادة بناء الفلسفة الإسلاميّة على يد العلّامة الطباطبائيّ
وفي جزءٍ آخر من كلمته، تناول آية اللّه الأعرافيّ دور العلّامة الطّباطبائيّ في إحياء الحكمة المتعالية، مبيّنًا أنّ العلّامة كان من كبار مفسّري الحكمة الصدرائيّة، وقد أعاد بناء الفلسفة الإسلاميّة وفتح آفاقًا جديدةً لها من خلال مؤلّفاتٍ مثل «بداية الحكمة» و«نهاية الحكمة»، ممّا جعلها مستعدّةً لمواجهة العالم الحديث.
وأضاف سماحته أنّ العلّامة الطّباطبائيّ كان أوّل عالمٍ حوزويٍّ في العصر المعاصر واجه الفلسفة الغربيّة بشكلٍ مباشرٍ وعلميٍّ. وقد فتح العلّامة باب الحوار مع العالَم الحديث، ولولا هذا المنهج الفلسفيّ المقارن لما نشأت كثيرٌ من التيّارات الفكريّة والنظريّات التي غذّت الثورة الإسلاميّة.
الصّفات الأخلاقيّة والعرفانيّة والمعنويّة للعلّامة الطباطبائيّ
وأشار آية اللّه الأعرافيّ إلى أنّ العلّامة، رغم عبقريته العلميّة، كان يتمتّع بروحٍ لطيفةٍ وأخلاقٍ نافذةٍ وتواضعٍ لا مثيل له، وأنّ الحضور بجواره كان يبعث على السكينة المعنويّة، مبيّنًا أنّه كان نموذجًا بارزًا في السلوك الأخلاقي والعرفانيّ إلى جانب كونه من كبار مفكّري العالم الإسلاميّ.
التأثير المتعدّد الأبعاد للعلّامة الطباطبائيّ في التاريخ المعاصر
وأشار آية اللّه الأعرافيّ إلى التأثير الواسع للعلّامة الطباطبائيّ في مجالاتٍ وميادين مختلفةٍ، موضحًا أن هذا التأثير يتجلّى في خمسة محاور رئيسةٍ هي: «الابتكار في تفسير القرآن الكريم وتأسيس المنهج العقليّ والاجتهاديّ في التفسير»، و«إعادة بناء الحكمة المتعالية وتجديدها»، و«المواجهة العلميّة مع الفكر الغربيّ الحديث»، و«تربية تلامذة بارزين يجمعون بين العلم والأخلاق والمعنويّة العميقة»، وأخيرًا «امتلاكه مواهب متعدّدة في مجالاتٍ مثل الخطّ، والعمارة، والرياضيّات، والأدب».
وأكّد آية اللّه الأعرافيّ أنّ معظم مفكّري الثورة الإسلاميّة والحوزات العلميّة المعاصرة تأثّروا بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ بالعلّامة الطباطبائيّ، منوّهًا إلى أنّ شخصيّة العلّامة هي شخصيّةٌ خالدةٌ تنتمي إلى قرونٍ، وعلى الحوزة اليوم أن تفتح آفاقًا علميّةً وفلسفيّةً وحضاريّةً جديدةً على غرار ما فعله.
وأخيرًا توجّه مدير الحوزات العلمية إلى شؤون الحوزة في المنطقة، موضحًا أن المشاريع والقرارات المتعلّقة بشؤون الحوزة في محافظة خوزستان ستتمّ متابعتها، مؤكّدًا عظمة رسالة الحوزة في هذه المنطقة. وأضاف أنّ العبء الأساسي لهذه المسؤولية يقع على عاتق علماء وكبار هذه المنطقة، ثمّ تابع قائلًا: "إنّنا - بوصفنا خدّامًا صغارًا - يجب أن نقف إلى جانبهم من أجل تحقيق الأهداف السامية للحوزة ورسالتها".
***
يذكر أن السيد محمد حسين الطباطبائي (1904-1981م)، الملقب بالعلامة الطباطبائي، من أبرز علماء الشيعة في القرن الرابع عشر الهجري. ولد في تبريز وتلقى علومه في النجف الأشرف، ثم استقر في قم المقدسة. من أهم أعماله تفسير "الميزان" في 20 مجلداً - الذي اعتمد منهج تفسير القرآن بالقرآن -. أسهم سماحته بشكل كبير في إحياء العلوم العقلية في الحوزة العلمية بقم، وترك إرثاً علمياً ضخماً من خلال تلامذته البارزين وحواراته الفكرية مع المفكرين الغربيين.
لمراجعة التقرير باللغة الفارسيّة يرجى الضغط هنا.
المحرر: أمين فتحي
المصدر: وكالة أنباء الحوزة





تعليقك