الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 - 20:54
بشرى ولادة الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) وخاصية إمامته المبكرة

وكالة الحوزة - في العاشر من رجب سنة 195 هـ، أشرقت الدنيا بميلاد الإمام التاسع، حاملاً معجزة النطق في المهد ونوراً ساطعاً أضاء العالم، ليرسم بوجوده آية جديدة في استمرار قيادة السماء للأرض، ويؤكد أن الإمامة هبة إلهية لا تحده الأعمار.

وكالة أنباء الحوزة - كانت ولادة الإمام محمد الجواد بن الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) في يوم الجمعة العاشر من شهر رجب كما نقل ابن عياش.

وأما حدث المولد العظيم وساعته وما جرى فيه من الكرامة، فتحكيه السيدة الكريمة حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر (عليها السلام) قالت: لمّا حضرت ولادة الخيزران أم أبي جعفر (عليه السلام) دعاني الرضا (عليه السلام)، فقال: «يا حكيمة احضري ولادتها»، وأدخلني وإيّاها والقابلة بيتاً، ووضع لنا مصباحاً، وأغلق الباب علينا.

فلمّا أخذها الطلق طُفئ المصباح، وكان بين يديها طَست، فاغتممت بطفء المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بَدَر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب، يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء. فجاء الرضا (عليه السلام) وفتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه ووضعه في المهد، وقال لي: «يا حكيمة إلزمي مهده». قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله». فقمت ذعرة فزعة، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: سمعت من هذا الصبي عجباً! فقال: «وما ذاك؟» فأخبرته الخبر. فقال: «يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر».

وعن يحيى الصنعاني قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وهو بمكة وهو يقشّر موزاً ويطعم أبا جعفر (عليه السلام)، فقلت له: جُعلت فداك، هو المولود المبارك؟ قال: «نعم يا يحيى، هذا المولود الذي لم يولد في الإسلام مثله مولود، أعظم بركة على شيعتنا منه».

وأما تعظيم الإمام الرضا (عليه السلام) لمولوده المبارك، فإنه ما كان يناديه إلا بكنيته منذ نعومة أظفاره. فقد تحدّث محمد بن أبي عباد ـ وكان يكتب للرضا (عليه السلام) وضمّه إليه الفضل بن سهل ـ قال: ما كان (عليه السلام) يذكر محمداً ابنه إلا بكنيته، ويقول: كتب إليَّ أبو جعفر... وكنت أكتب إلى أبي جعفر... وهو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم. وترد كتب أبي جعفر (عليه السلام) في نهاية البلاغة والحسن، فسمعته يقول: «أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي».

العمر ومنصب الإمامة:

ليس غريباً إذا قلنا: إنه لا مدخلية للعمر في تسنّم منصب الإمامة، ولو أن ظاهرة الإمام الجواد (عليه السلام) كانت الأولى من نوعها في الإسلام على ما هو معهود ومعروف! إلا أنها لم تكن الأولى في العالم على مستوى حركة الأنبياء والرسل وأوصيائهم السابقين، فذاك عيسى بن مريم آتاه الله الحكمة والنبوة وكان في المهد صبياً، وقبله كان يحيى، فقد آتاه الله الحكم والكتاب وهو صبي ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾.

«فإن الظاهرة التي وجدت مع هذا الإمام، وهي ظاهرة تولّي شخص للإمامة وهو بعدُ في سن الطفولة ـ على أساس أن التاريخ يتّفق ويُجمع على أن الإمام الجواد توفي أبوه وعمره لا يزيد عن سبع سنين ـ ومعنى هذا أنه تولّى زعامة الطائفة الشيعية روحياً وفكرياً وعلمياً ودينياً وهو لا يزيد عن سبع سنين؛ هذه الظاهرة التي ظهرت لأول مرة في حياة الأئمة في الإمام الجواد (عليه السلام)» (1).

ثم إن الإمام الجواد (عليه السلام) نفسه قد أدرك الشك والحيرة من بعض أصحاب أبيه في هذا الأمر؛ لأنهم لم يألفوا ذلك من قبل، فأراد في بعض المواقف تبيان هذه الظاهرة، وإلفات نظر المترددين إلى الحقيقة التي غابت عن أذهانهم. فقد روى الكليني بالإسناد عن علي بن أسباط قال: خرج (عليه السلام) عليَّ، فنظرت إلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد، فقال: «يا علي، إن الله احتج في الإمام بمثل ما احتج في النبوة، فقال: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (2)، وقال: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ (3)، ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ (4)، فقد يجوز أن يؤتى الحكمة صبياً (5)، ويجوز أن يعطاها وهو ابن أربعين سنة» (6).

وفي رواية الكليني الأخرى عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: قال علي بن حسان لأبي جعفر (عليه السلام): يا سيدي، إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك! فقال: «وما ينكرون من ذلك، قول الله عز وجل؟ لقد قال الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ (7)، فوالله ما تبعه إلا علي (عليه السلام) وله تسع سنين، وأنا ابن تسع سنين».

من خلال التأمل في الروايات التي مر ذكرها، يتبيّن لنا تركيز الأئمة (عليهم السلام) على دور الإمامة في حياة الأمة، ومقارنتها بالنبوة. وطبيعي أن تُقرن الإمامة بالنبوة لما بينهما من سنخية واحدة، فالإمام (عليه السلام) إنما يلفت نظر الناس إلى أن العمر لا مدخلية له في منصبي النبوة والإمامة؛ لأنهما منصبان يتعينان من قبل الله سبحانه وتعالى، والله تعالى لا يختار لرسالاته إلا المعصوم المتحصّل لجميع الكمالات. وعليه، فهو تبارك وتعالى لا يتعامل مع سن المبعوث بقدر ما يتعامل مع ظروف المرحلة التي تمر بها الرسالة والأمة، ومدى الحاجة إلى الشخص المختار لتدارك حالة المجتمع في مقطع زمني معين تكون الحاجة إليه هناك ماسة وضرورية.

فالإمام يريد أن يقول للناس: عليكم أن تنظروا إلى الإمام... أن تتعاملوا مع منصب الإمامة، كما تنظرون إلى مقام النبوة وتتعاملون معها. فالإمامة امتداد طبيعي للنبوة، لذلك تكتسب نفس قداستها؛ لأنهما ـ كما قلنا ـ من مختصات السماء، وما ترسله السماء يجب أن يكون له قدسية خاصة، وأنها ـ أي الإمامة ـ «... أجلّ قدراً، وأعظم شأناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم...» (8).

ولما كان هذا حال الإمامة والإمام، يجريان مجرى النبوة والأنبياء، فإنه يجوز على الإمام أن يتولى الإمامة وهو ابن سنتين ـ مثلاً ـ أو أقل من ذلك أو أكثر، كما جاز ذلك في النبوة وهو ما عرفناه من قبل في مثال يحيى بن زكريا، وعيسى بن مريم (عليهما السلام).

إعداد: قيس العامري

كتاب: الإمام محمد الجواد (عليه السلام) سيرة وتاريخ

كتاب: أعلام الهداية، ج 11

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): مقطع من محاضرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره).

(2): سورة مريم، الآية: 12.

(3): سورة يوسف، الآية: 22. وسورة القصص، الآية: 14.

(4): سورة الأحقاف، الآية: 15.

(5): في الرواية الأخرى: الحكمة وهو صبي.

(6): أصول الكافي، ج1، ص494، ح3. ومثله أيضاً ج1، ص384، ح7، باب حالات الأئمة في السن.

(7): سورة يوسف، الآية: 108.

(8): أصول الكافي، ج1، ص199، ح1.

المصدر: العتبة الحسينية

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha