الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 - 08:57
مكانة الانتظار في الثقافة الشيعية (3)

وكالة الحوزة - إذا كان لـ"انتظار الفرج العام" مكانة روحية سامية، فماذا يضيف "انتظار الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)"؟ تكشف الروايات عن حقيقة مدهشة: الثواب الأكبر لا يكون في بلوغ زمان الظهور، بل في حالة الانتظار الصادق بحد ذاتها، حتى لو لم يعش المنتظر ليرى تحقق ما ينتظره.

وكالة أنباء الحوزة - كما ورد في الجزء السابق، تنقسم المرويات الواردة بشأن مفهوم "الانتظار" إلى قسمين رئيسيين. وقد تم تناول القسم الأول (الانتظار بالمعنى العام). أما القسم الثاني فيتناول "انتظار الفرج بالمعنى الخاص"، وهو ما سنتطرق إليه في هذا الجزء.

الانتظار بالمعنى الخاص (المهدوي)

في هذا المعنى، لا يَعني الانتظار مجرد ترقب غامض، بل هو ترقبٌ واعٍ لمستقبل تتحقق فيه كل مواصفات المجتمع الإلهي. والمصداق الوحيد لهذا المستقبل هو عصرُ حكم آخرِ حُجج الله تعالى، وهو الحجة بن الحسن المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه).

وتكشف لنا بعض كلمات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) عن المكانة المركزية لهذا الانتظار في تشكيل هوية المؤمن وسلوكه. منها:

1. الانتظار يُعدّ من معالم الدين المرضي

فعندما يحدّد الإمام الباقر (عليه السلام) معالم الدين المرضي عند الله، يذكر بعد سلسلة من الوصايا: «...وَالتَّسْلِيمُ لِأَمْرِنَا وَالوَرَعُ وَالتَّوَاضُعُ وَانْتِظَارُ قَائِمِنَا...» (الكافي، ج2، ص23).

2. الانتظار وصية جامعة للخلاص

ويؤكد الإمام الصادق (عليه السلام) على هذا المنهج بقوله: «عَلَيْكُمْ بِالتَّسْلِيمِ وَالرَّدِّ إِلَيْنَا وَانْتِظَارِ أَمْرِنَا وَأَمْرِكُمْ وَفَرَجِنَا وَفَرَجِكُمْ» (رجال الكشّي، ص138).

الانتظارُ يُعدُّ غايةً في حدِّ ذاته

تؤسس هذه النصوص فكرة عميقة وهي أنّ انتظار ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ليس مجرد وسيلة للوصول إلى المجتمع الموعود فحسب، بل هو غايةٌ محمودة وهدفٌ قائم بذاته. أي أنّ مجرد التواجد في حالة الانتظار الحق يمنح المؤمن أرفع الدرجات، سواء أدرك زمن الظهور أم لم يدركه.

ولتوضيح هذه الحقيقة العالية، جاء في رواية أن سائلاً سأل الإمام الصادق (عليه السلام): «مَا تَقُولُ فِيمَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ مُنْتَظِراً لَهُ؟» فأجابه الإمام (عليه السلام): «هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ مَعَ الْقَائِمِ فِي فُسْطَاطِهِ». ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْئَةً، ثُمَّ قَالَ: «هُوَ كَمَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ» (بحار الأنوار، ج52، ص125).

وهكذا يربط الحديث المذكور بين "المنتظر المخلص" و"الصحابة المباشرين" للقائم (عجل الله تعالى فرجه) بل وللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، مؤكداً أن جوهر الأجر يكمن في حالة الانتظار ذاتها، لا في بلوغ زمن الظهور.

وللحديث بقية ستأتي في الأجزاء التالية إن شاء الله..والجدير بالذكر أن هذا الجزء مُقتبس من كتاب "درسنامه مهدویت" (بحوث منهجية في المهدوية) للمؤلف خدامراد سليمانيان مع بعض التعديلات.

لمراجعة المبحث باللغة الفارسية يرجى الضغط هنا.

المحرر: أ. د

المصدر: وكالة أنباء الحوزة

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha