وكالة أنباء الحوزة - على الرغم من وضوح المعنى الحقيقي للانتظار وجلائه في النصوص الدينية، فقد وُجِّهت إليه تفسيرات وقراءات متعددة. يعود قسم كبير من هذه القراءات إلى فهم المفكرين والعلماء، فيما يعود قسم آخر إلى تصورات بعض أفراد المجتمع الشيعي عن قضية الانتظار.
وأبرز تفسيرين في هذا المجال هما:
1. الانتظار الصحيح البَنَّاء
هو الانتظار المحفِّز والملزِم، وذلك نفسه الانتظار الحقيقي الذي وصفته الروايات بأنه «أفضل العبادة» و«أفضل جهاد أمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقد قدّم الشيخ محمّد رضا المظفر (*) تفسيراً موجزاً شاملاً لهذا المفهوم، ونصه كما يلي: «وممّا يجدر أن نذكره في هذا الصدد، ونذكِّر أنفسنا به: أنّه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ المهدي أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل المسلم أبداً مكلَّف بالعمل بما أُنزل من الأحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة، وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ما تمكَّن من ذلك وبلغت إليه قدرته، «كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته» (بحار الأنوار، ج72، ص38). فلا يجوز له التأخّر عن واجباته بمجرد الانتظار للمصلح المهدي، والمبشّر الهادي؛ فإنّ هذا لا يسقط تكليفاً، ولا يؤجِّل عملاً، ولا يجعل الناسَ هملاً كالسوائم».(عقائد الإمامية، ص 113)
وباختصار، فإن الثقافة الحقيقية للانتظار تقوم على ثلاثة أركان أساسية:
أ. عدم الرضا عن الوضع القائم وعدم القبول به.
ب. التمسك بالأمل في مستقبل أفضل.
ج. الحركة والسعي للانتقال من الوضع القائم إلى الوضع المنشود.
2. الانتظار الخاطئ الهدّام
أما الانتظار الهدّام والمعطِّل، الذي هو في الحقيقة مظهر من مظاهر التهاون الديني، فهو موضع ذمّ علماء الدين وتقريعهم، وقد حذّروا أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) منه.
وفي هذا الصدد يكتب الشهيد مرتضى مطهري: «[هذا النوع من الانتظار] هو الفهم السطحي السائد لدى الناس للمهدوية ولقيام المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه)، وهو فهمٌ يُحصِرُ الأمرَ كُلَّهُ في طابعٍ انفجاريٍّ محض؛ إذ لا يُعزَى هذا القيام – في هذا التصوّر – إلا إلى انتشار ورواج مظاهر الظلم والتمييز والاختناق وسلب الحقوق والفساد فقط... وهذا الفهم الخاطئ – الذي يتجلّى في هذا النمط من انتظار الفرج المؤدّي إلى تعطيل الحدود – يُعَدُّ من مظاهر التهاون الديني، وهو لا يتوافق البتة مع الموازين الإسلامية والقرآنية». (قيام وثورة المهدي عليه السلام، ص 54)
كما أن مؤسس جمهورية إيران الإسلامية قد ذمّ بشدة أولئك الذين يحملون مثل هذه التصورات، في كلمات قيّمة له بعد بيان التفسيرات الخاطئة للانتظار. (**)
وبالتالي، فإن المنتظر الحقيقي لظهور الإمام المهدي الموعود (عجل الله تعالى فرجه) لا ينبغي له أن يكون مجرد متفرّج.
وللحديث بقية ستأتي في الأجزاء التالية إن شاء الله...والجدير بالذكر أن هذا الجزء مُقتبس من كتاب "درسنامه مهدویت" (بحوث منهجية في المهدوية) للمؤلف خدامراد سليمانيان مع بعض التعديلات.
لمراجعة المبحث باللغة الفارسية يرجى الضغط هنا.
المحرر: أ. د
المصدر: وكالة أنباء الحوزة
(*) الشيخ محمّد رضا المظفر (1322 - 1383 هـ) هو فقيهٌ وأصوليٌّ ومتكلِّمٌ، ويُعَدّ مِن أبرز المحقِّقين الشيعة في هذه الحقول العلمية إضافة إلى الفلسفة والمنطق والعقائد.
(**) قد عبّر الإمام الخميني (قدس سره) عن هذا المعنى في كلمة له بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) في 15 شعبان 1408هـ، حيث قال: «...بعضیها انتظار فرج را به این میدانند که در مسجد، در حسینیه، در منزل بنشینند و دعا کنند...». (راجع: صحيفة النور، ج21، ص13).





تعليقك