وكالة أنباء الحوزة - قال مسؤول منطقة جبل لبنان والشمال في حزب الله والمسؤول الإعلامي والثقافي في تجمع العلماء المسلمين في لبنان الشيخ «محمد عمرو» خلال مقابلة مع مراسلنا: كان الامام الصادق يعلم تفاصيل الحركة العباسية ومقدار، وانها ستسلك سبيل الامويين في قمع كل مخالف وقتل كل معارض مهما كانت حرمته وقرابته ونسبه. وهذا ديدن الملوك والفراعنة عبر التاريخ، فالقران الكريم يبين لنا ذلك بان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وان الفراعنة يامرون الناس بعبادتهم والعبادة هي الطاعة الكاملة والعمياء، وان الملوك والفراعنة يفسدون في الارض، ويقتلون النفس التي حرم الله قتلها، ويجعلون الناس احزابا ومذاهب متفرقة ومتناحرة ومتقاتلة؛ ليبقوا مسيطرين على الامم والشعوب، وهذا دين الاباطرة والملوك والامراء في كل زمان ومكان ولاي دين انتسبوا، ومن هنا وجب على الانبياء والمصلحين والاولياء عبر التاريخ وبحسب النص القراني مواجهة هؤلاء الاباطرة والفراعنة والملوك بالكلمة والموقف والثورة ان استطاعوا، والاصل هو رفض الظلم كيفما كان ومن اي جهة كان وفي اي ظرف والرفض يتدرج بحسب الظروف الموضوعية الواقعية من الرفض القلبي الرفض الكلامي الى الرفض بالمقاومة والثورة والاية تقول. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت ... والمقصود بالدفع هو المقاومة واية اخرى تقول ونقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق، فلا بد من مواجهة الطلم والباطل؛ ليتبين الحق من الباطل والضوء من الظلام. ودور ائمة الهدى وبيت النبوة هو ايضاح وتبيان وجلاء نور الله سبحانه بدفع جحافل ظلام الفسق والكفر والظلم والجور.
و فیما یلي نص المقابلة:
الحوزة: كما تعلمون عاش الإمام في وقت كان المسلمون يجهلون امور دينهم واحكام شريعتهم؛ لان الحكومات انذاك اهملت الشؤون الدينية اهمالا تاما حتى لم يعد البعض يفقه امور دينه. ما هو دور الإمام في إحياء الدين في ذلك الزمن؟
لنعلم الظروف المحيطة بحياة الامام الصادق عليه السلام لابد من تاسيس للموضوع من دعوة رسول الله صلى الله عليه واله وبالمختصر. فقد كان لرسول الله (ص) دوران اساسيان في حركته كخليفة لله في الارض:
١-التبليغ وهو ايصال الوحي الى الناس وافهامهم روح الدين وماهيته العقائدية والتشريعية والاخلاقية وحفظ ما يريده الله من الانسان -الذي جعله خليفة له وامر الملائكة بالسجود له- حفظ ذلك تطبيقا على نفسه وتبليغا للناس.
٢-قيادة وادارة مجتمع المؤمنين والمسلمين وذلك للحفاظ على بيضة الاسلام.
ونحن نؤمن بان الامام علي عليه السلام واولاده المعصومين لهم نفس دور النبي( ص) طبقا لآية : انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. فقد نزلت بالامام علي عليه السلام بحسب غالبية المفسرين من السنة والشيعة وايضا باية المباهلة حيث جعل عليا نفس محمد و ابنائه ابناء رسول الله وهؤلاء الخمسة هم اهل بيته حصرا بحسب مصداق وتفسير الاية وبغالبية تفاسير اهل السنة والشيعة؛ ولهذا كان دور ال البيت هو دور رسول الله الا الوحي، ومن هنا نستطيع فهم ادوار الائمة عليهم السلام، حيث منع عليا عن الخلافة؛ لان الخلافة حبل الله. طرف بيد الله والطرف الاخر بيد الناس اي يلزم لكي يتحول التكليف الالهي الى تكليف فعلي هو ايمان الناس وبيعتهم، وهذا لم يحصل لعلي عليه السلام، حيث ان سقيفة بني ساعدة وما خرج منها هو ان العرب (اي ممثلي بعض القبائل العربية المجتمعة في السقيفة) لم يقبلوا عليا خليفة لرسول الله حتى ولو كان الرسول قد اوصى بذلك، فالولاية والخلافة والتي هي قيادة وادارة والتي كانت لرسول الله لم تعد لعلي عليه السلام مع حقه الواضح والصريح فيها؛ ولهذا لم يعد لعلي سوى التبليغ وحفظ روحية الدين وماهيته.
هذه المقدمة التي مرت كانت ضرورية؛ لنستطيع فهم حركة الائمة عليهم السلام في كل اوقاتهم وظروفهم المحيطة، ومن هنا وبعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام ووصول الامر إلى زيد بن معاوية بابادة ال البيت وهذا كان مراده، حيث قال قائد جيشه في كربلاء: لا تبقوا لاهل هذا البيت من باقية، وهذا هو لب الصراع، لكن شاء الله ان يبقي في الارض حجة، وكان الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام والذي حمل لواء الامامة ودور التبليغ في ظرف لم يبقى من مؤمن بخط ال البيت الا مقتولا او مسجونا او طريدا. ومن هنا نجد ان الدور الذي قام به الامام زين العابدين عليه السلام هو تبليغ الدين بواسطة الادعية والمناجاة، حيث كانت الوسيلة الوحيدة لايضاح موارد العقائد والشريعة والاخلاق مع تطبيقها سلوكيا وعمليا، فكان المثال والقدوة في العبادة والدعاء والتبتل حتى سمي زين العابدين وسيد الساجدين والقاب كثيرة وفي اواخر ايام الامام الباقر عليه السلام كانت الدولة الاموية على شفى السقوط بسبب خلافاتهم الداخلية وفسقهم وفجورهم العلني وفساد الولاة والرعية.
وكانت حركة بني العباس تتغلغل في مفاصل بلاد المسلمين تحت عنوان: الرضا من ال محمد ولان السلطة لم تعد لها قبضة حديدية على صدور المؤمنين بخط ال البيت استطاع الامام الباقر ان يؤسس الجامعة الاسلامية، وان ينشر علوم رسول الله، وان يبقر العلم تفصيلا وتفقيها وان يضع الاسس لعلم الاصول والفقه ولغالبية العلوم المحمدية الاصيلة، حيث ورث الامام جعفر الصادق عليه السلام هذه المدرسة من والده بعد الوفاة، واصبحت على يديه جامعة عالمية (بتعبيرنا المعاصر)؛ لانه انتسب اليها اكثر من اربعة الالف تلميذ وكان فيها المئات من الفقهاء اللذين يقولون علمني جعفر بن محمد او قال جعفر بن محمد حتى ان ائمة المذاهب الاربعة كانوا تلاميذ الامام او تلاميذ تلاميذه، ومن هنا يطلق اتباع مذهب اهل البيت على انفسهم (الجعفريون) نسبة لمدرسة الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام.
الحوزة: كان من اهم ما عني به الامام هو نشر الفقه الاسلامي الذي يحمل روح الاسلام وجوهره وتفاعله مع الحياة. كيف ترى موقع الامام بين الشيعة والسنة؟
كما تقدم فان الامامين الباقر والصادق قد فتحا بيتهما والمسجد لبحوث الفقه والاصول والعقائد والاسس العلمية الدينية، فاقبلت عليهم العلماء والفقهاء من كل حدب وصوب؛ لينهلون من معين النبوة، وكان الوافدون من مختلف المذاهب والمشارب الفكرية والعقائدية والفقهية حتى من غير المسلمين منهم من اتى للمجادلة ومحاولة ابطال مذهب اهل البيت ومنهم من جاء؛ ليناقش عقائديا ومنهم من اتى طالبا علما، وانتشر العلم في زمن الاما الصادق وخصوصا المناظرا العقائدية والفلسفية؛ لان في بداية عهد العباسيين دخلت العقائد والفلسفات اليونانية والفارسية والهندوسية والوجودية والجبرية وكثير غيرها. فكان لا بد لحامل لواء النبوة ان يتصدى لكل الانحرافات في شتى ميادين المعرفة والعلوم، وهكذا كان. وانتشر علم رسول الله صلى الله عليه واله .
الحوزة: فقد تفوق الامام (ع) على جميع اهل عصره في جميع الفضائل والكمالات ومكارم الاخلاق والصفات. هل كان المرجع الاعلى للعلماء ومعلمهم جميعا في عصره؟
وهكذا استطاع الامام الصادق عليه السلام ان ينشر علم رسول الله ومذهب الحق بالدليل العلمي المبني على الاستدلال بالقران الكريم وبالرواية الصحيحة عن رسول الله والمنقولة من امام ثقة الى ولده الامام الثقة بسلسلة روائية لا يشوبها اي شائبة ذلل او خطا او نسيان او تحريف او نقصت، بل من جبرائيل عن الله العلي الى رسول الله الى باب علمه علي بن ابي طالب الى ولدي هاذين امامان ان قاما او قعدا الى زين العابدين الى الباقر فالصادق على نبينا وعليهم السلام .
وهكذا استطاع الامامان العظيمان ان ينشرا علم الرسول الذي هو كمال الدين وتمام النعمة الالهية للبشر وبحسب النص القرآني وان يودعاه صدور الالاف من العلماء والفقهاء والمحدثين وخصوصا ائمة المذاهب الاربعة وبعض ائمة مذاهب اندثرت، وفتحا باب الاجتهاد الفقهي في الشريعة طبقا لقواعد واسس ثبتها الامام الصادق عليه السلام، فكان بحق اب الفقه والبحث العلمي واب للعلماء الاوائل.
الحوزة: وعن الإمام الصّادق(عليه السَّلام): (العامِل لظلم والمُعين له والرّاضي به شُركاء ثلاثتهم). [الكافي ج2: 333.] كيف يمكن التحذي الى هذا الحديث وكلام الإمام في الظروف الراهنة؟كيف ترى سيرة الامام في المجال السياسي والتعامل مع الحكام من جهة ومع الثوار من جهة أخرى واستلهامها في الزمن الحالي؟
ولان الامام الصادق عليه السلام يعلم بحساسية الظروف السياسية الموجودة، وان بني العباس وعندما يستتب الامر لهم بواسطة الحديد والنار والشعارات الحقة والتي يراد بها باطل، وكان الامام الصادق يعلم تفاصيل الحركة العباسية ومقدار، وانها ستسلك سبيل الامويين في قمع كل مخالف وقتل كل معارض مهما كانت حرمته وقرابته ونسبه. وهذا ديدن الملوك والفراعنة عبر التاريخ، فالقران الكريم يبين لنا ذلك بان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها وان الفراعنة يامرون الناس بعبادتهم والعبادة هي الطاعة الكاملة والعمياء، وان الملوك والفراعنة يفسدون في الارض، ويقتلون النفس التي حرم الله قتلها، ويجعلون الناس احزابا ومذاهب متفرقة ومتناحرة ومتقاتلة؛ ليبقوا مسيطرين على الامم والشعوب، وهذا دين الاباطرة والملوك والامراء في كل زمان ومكان ولاي دين انتسبوا، ومن هنا وجب على الانبياء والمصلحين والاولياء عبر التاريخ وبحسب النص القراني مواجهة هؤلاء الاباطرة والفراعنة والملوك بالكلمة والموقف والثورة ان استطاعوا، والاصل هو رفض الظلم كيفما كان ومن اي جهة كان وفي اي ظرف والرفض يتدرج بحسب الظروف الموضوعية الواقعية من الرفض القلبي الرفض الكلامي الى الرفض بالمقاومة والثورة والاية تقول. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت ... والمقصود بالدفع هو المقاومة واية اخرى تقول ونقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق، فلا بد من مواجهة الطلم والباطل؛ ليتبين الحق من الباطل والضوء من الظلام. ودور ائمة الهدى وبيت النبوة هو ايضاح وتبيان وجلاء نور الله سبحانه بدفع جحافل ظلام الفسق والكفر والظلم والجور. وبما ان الامام الصادق عليه السلام كان بظرف سياسي حساس ولم يكن شرط الولاية متوفرا كما اسلفنا انفا بان طرفه بيد الله والطرف الاخر بيد الانسان، وهذا الانسان ما زال ضائعا حائرا غارقا بضلاله وفسقه وولايته للظلمة؛ لذلك لابد من توجيهه نظريا وايمانيا لرفض الظلم واستنكاره مقدمة لحركته الاصلاحية، وهكذا كان كلام الامام عليه السلام انه لا بد للمؤمن من رفض الظلم بقلبه وبلسانه وثم بيده وان المعونة للظالم ولو بكلمة هي شراكة له في ظلمه وهذه التعاليم والقواعد السياسية الاصيلة والتي اسسها الامام الصادق وقبله كل ائمة اهل البيت، حيث يوصي الامام علي عليه السلام ولديه الحسن والحسين بقوله كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا كل ذلك جعل حركة الامام الخميني رضي الله عنه حركة ضمن خط اهل البيت وثورة مجيدة وصافية ونقية في وجه الظالمين اينما كانوا. وهي ثورة المستضعفين في وجه المستكبرين وثورة الامام الخميني المقدسة هي التي انتجت دولة الولاية وانتجت محور المقاومة الممتد من طهران الى العراق فسوريا فلبنان والى فلسطين واليمن، وسيمتد باذن الله حتى يسلم الراية لمن يملا الارض قسطا وعدلا، ويعيد خلافة رسول الله وولايته وقيادته الى ارض الواقع، وينشر علم رسول الله صلى الله عليه واله، فتمتلئ الارض بنور ربها، وتعمها عند ذاك الرحمة والبركة والسلام الالهي.