وكالة أنباء الحوزة_ استضافت إيران قبل أيام مؤتمر الحوار الثقافي بين إيران والدول العربية بمشاركة ضيوف من مختلف الدول العربية وفي هامش هذا المؤتمر عقدت ندوة علمية بحضور النخب الثقافية والفكريه من إيران والدول العربية في مركز المصطفى للدراسات (التابع لجامعة المصطفی (ص) العالمية) في مدينة قم المقدسة أدارها الدکتور محمدعلي میرزائي وقد ناقش المشاركون في هذه الندوة السبل والحلول العملية لتنشيط العلاقات بين إيران والدول العربية. وتعمد وكالة أنباء الحوزة إلى نشر المداخلات والمناقشات المطروحة في هذه الندوة في حلقات.
إخوتنا في إيران مطالَبون بأن يتجاوزوا الفضاء الجغرافي الخاص بالمذهب الشيعي في المجتمعات العربية
قال الدكتور نضال الصالح رئيس اتحاد الكتّاب العرب في سوريا والأستاذ في جامعة دمشق خلال مداخلته في الندوة: اسمحوا لي أن أفكر بصوت مسموع و أن أنطلق من الثنائية التي تبنى عليها ثنائيات كثيرة. فما إن عبّرت الثورة الإسلامية في إيران في نهاية السبعينيات عن نفسها وجهرت بنفسها حتى تم تصدير الأكذوبة الغربية تحت عنوان: تصدير الثورة الإسلامية إلى جوارها وإلى بقية أقطار العالم، لكن هذه الأكذوبة سرعان ما انكشف زيفها ولم تجد لها المرتسمات على أرض الواقع ولذلك مضت هذه القوى المعادية للثورة الإسلامية إلى تكريس ثنائية جديدة شديدة الهشاشة لكنها شديدة الفعل على أرض الواقع وهي الثنائية المذهبية السنية الشيعية.
وأضاف الدكتور الصالح أنا من مدينة حلب السورية التي قدمت أمثولة عظيمة عن شأن المجتمع السوري كله للعلاقات القائمة بين مختلف المذاهب في الإسلام بحيث أنا مضى على عمري نحو خمسين عاما ولم أكن أعرف أن سكان مدينتَي نبل والزهراء في حلب ينتمون إلى المذهب الشيعي. هذه الأمثولة العظيمة سرعان ما استثمرها أعداء التقارب بين المذاهب لكي ينفخوا في نار الضغينة بين أعضاء المجتمع الواحد ولذلك استثمروا هذه الثنائية استثمارا قبيحا ورخيصا من جديد في أرض عربية اتسمت طوال تاريخها بالهويات الوطنية الجامعة.
وتابع أستاذ جامعة دمشق إذا أردنا أن نصنع فعلا حوارا ثقافيا عربيا إيرانيا فلابد أن نفكر بصوت مسموع كما بدأت وهذا التفكير يجب أن ينطلق تماما من أن إخوتنا في إيران مطالَبون على نحو دقيق بأن يتجاوزوا الفضاء الجغرافي الخاص بالمذهب الشيعي في المجتمعات العربية لكي يكون عملهم معنيا بالفضاء الإجتماعي العربي عامة وليس بفضاءات محددة منها. على سبيل المثال عندما يكون هناك فرع لجامعة المصطفي العالمية في دمشق مقره في منطقة ينتمي فضاؤها الإجتماعي إلى مذهب خاص(الشيعة) هذا يعتبر خطأ تاريخيا في تقديري كما يعني تقديم أضحية كاملة لأعداء الحوار الإيراني العربي. لماذا لا يتحرر فرع هذه الجامعة في دمشق من هذا الفضاء الجغرافي الإجتماعي الضيق فيكون معنيا بكل الفضاء السوري كي نستطيع أن نوقف مد الأكذوبة التي تنفخ في نار السني الشيعي؟
و أشار رئيس اتحاد الكتاب العرب في سوريا إلى الجزئية الأخرى والأخيرة قائلا: هذه الجزئية تتعلق بأنه هل النخب الثقافية العربية تستطيع أن تصنع حوارا و تجسد علاقات حوار حقيقي بين الإيرانيين والعرب؟ أنا في تقديري لا يمكنها أن تفعل ذلك، ليس بسبب الإرادات السياسية المعوقة لأن صانع القرار السياسي يمكن أن يكون فاعلا ويمكن أن يكون معوقا في هذا المجال وما يمكّن ذلك ليس المجتمع الأهلي بل هو أن يكون هناك علاقات وطيدة حقيقية في الشارع العربي بمعنى أن تمضي إيران بكل امكاناتها وطاقاتها وقدراتها إلي الشارع العربي بمختلف أطيافه وتجلياته وتعدده وتقدم نفسها بوصفها فاعلة حقيقية في صناعة حوار عربي إيراني.
وردا على ما أشار إليه الدكتور الصالح من تأسيس فرع جامعة المصطفى (ص) العالمية في المنطقة الشيعية في دمشق قال محمدعلي الميرزائي ممثلا عن جامعة المصطفى العالمية: من منطلق اتصالي بالمناخ السوري واللبناني أقول أن الإيرانيين حاولوا محاولات كثيرة خلال سنين طويلة ليحصلوا على رخصة لجامعة أو كلية في سوريا إلا أن محاولاتهم فشلت وسياسة النظام السوري كانت تقضي بأن تبقى جامعة المصطفى في تلك الرقعة المذهبية.
للوصول إلى مفهوم صحيح مشترك من الإسلام
الدكتور صباح زنكنة الخبير في شؤون الشرق الأوسط كان أحد المشاركين الإيرانيين في الندوة حيث قال في كلمته: في الواقع الموضوع شائك ولابد من وضع بعض نقاط المقاربة للوصول إلى فهم مشترك. أظن أن الأساس و القاعدة التي يمكن أن ننطلق منها هي مفهوم الأمة. هذا المفهوم يمكن أن يكون مفهوما يغطي كل هذه الثنائيات والثلاثيات وغيرها ومن مفهوم الأمة يأتي بناء الأمة وبناء المجتمع وأظن أن مجتمعاتنا تعيش في حالة ظلامية تجعلها عرضة لكي تأخذها المذاهب و هنا لا أقصد المذاهب الدينية بل المذاهب السياسية والفكرية التي تستطيع أن تتنازع أجزاء هذه الأمة وتنهش فيها وتفرقها إذن نحن لازلنا نعيش حالة من فقدان الهوية الجامعة وبافتقادنا هذه الهوية الجامعة يمكن أن يدخل من يريد حكاما كانوا أو استعماريين أو صهاينة أو أناس جهال أو قراءات جديدة لا تمت إلى الإسلام بصلة، لكن تطرح كقراءة للإسلام وتأتي بنزاعات جديدة.
وتابع زنكنة قائلا القراءات التي تطرح الآن عن مفهوم الإسلام أوجدت كثيرا من الردات والإرتجاعات نتيجة السلوكيات التي جاءت من هذه القراءات الخاطئة في التفريط والتطرف وفي عبودية العنف وسلوك الكراهية. هذه القراءة من الإسلام تبعدنا يوما بعد يوم عن المفهوم الحضاري للأمة الإسلامية وبذلك تستطيع أن تخلق الكثير من الشقوق والخدوش والثغرات وتبعد بعضنا عن بعض. هذا لا يفرق بين إنسان يعيش في إيران أو تونس أو بلد آخر. إذن هناك حاجة للإستنباط الجديد والفهم الجديد للهوية الجامعة التي تبني الامة الإسلامية والخطاب الذي يتناسب مع متطلبات العصر والفهم الصحيح للإسلام، والذي بإمكانه أن يغطي على جميع هذه الحالات والإنحرافات و القتال. نعم لاشك أن هناك قوى سياسية لا يعجبها العودة إلى مفهوم مشترك.
وأضاف زنكنة القوى السياسية إن كانت حاكمة أو في طريقها إلى استلام الحكم أو السلطة لا يعجبها أن تعيش حالة الهوية المشتركة وستحارب و ستقاتل و ستجد من يدعمها من القوى الإستعمارية. هناك عشرون أسلوبا ومنهجا خضعت لدراسة مراكز الدراسات الغربية حول هذا الموضوع بالذات وطبعا كل مركز كان يدرس الحالات التي نعيشها في عالمنا اليوم من وجهة نظر معينة. إذن هناك من يعمل على كشف هذه الجزئيات والإستفادة منها في الوقت المناسب. نحن بعودتنا إلى بناء هذه الهوية المشتركة والكثير من الأساليب و الطرق يمكننا أن نصبح أقوياء للتغلب على هذه العقبات التي تخلقها الدول. على سبيل المثال موضوع السوشيال ميديا استطاعت أن تأتي بإنسان لا يعرف شيئا عن السياسة وتجعله رئيسا لجمهورية أكبر دولة في العالم بحيث لا يكون حزب وراءه ولاتدعمه قوة دولية ولكن الميديا استطاعت أن تخلق شيئا من لا شيء وهذا الأمر ممكن أن يحدث في العالم العربي والإسلامي بإيجاد صيغة جديدة من التواصل.