وكالة أنباء الحوزة - يستحق المجاهد خليل الحية رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة وعضو مكتبها السياسي، ورئيس وفد مفاوضاتها في الخارج، وسام الشجاعة والاستحقاق بسبب مضمون خطابه المصور الذي القاه مساء امس، وأعلن فيه الانسحاب من “مهزلة” المفاوضات غير المباشرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر الوسيطين المصري القطري وبرعاية أمريكية، والمستمرة منذ 22 شهرا دون ان تُدخل رغيف خبز او علبة حليب واحدة للرضع في قطاع غزة، وأمهاتهم التي جفت ضروعهن من الجوع القاتل.
المجاهد الحية قال بالحرف الواحد: “لا معنى للاستمرار في المفاوضات تحت الحصار والإبادة والتجويع لأطفالنا ونسائنا، وأهلنا في قطاع غزة، ودعا الشعوب العربية والاسلامية الى الزحف نحو فلسطين وحصار السفارات الاسرائيلية لكسر الحصار.
والأهم من كل ما تقدم، في نظرنا، ليس قوة هذا الخطاب غير المسبوقة، وانما أيضا صراحته، وتسمية الأشياء بأسمائها دون خوف او مجاملة، خاصة عندما قال عن الانزال الجوي للمساعدات الغذائية: “نرفض المسرحيات الهزلية التي تسمى بعمليات الإنزال الجوي لانها لا تعدو عن دعاية للتعمية على الجريمة، وأشار الى ان كل 5 عمليات انزال تساوي حمولة شاحنة صغيرة”، مؤكدا “ان من يريد انهاء الجوع عليه فتح المعابر، وخاصة معبر رفح الذي بات معبرا للموت”.
حركات المقاومة الإسلامية في قطاع غزة، وخاصة “حماس” والجهاد الإسلامي، ما زالت تقاوم الاحتلال من تحت الأنقاض ومن عمق الانفاق رغم الجوع والمجازر، ولا يمر يوم دون ان تنفذ عمليات قنص للقوات الاسرائيلية ودباباتها وعربات جنودها، وتوقع في صفوفها خسائر بشرية ضخمة، من حيث اعداد القتلى والمصابين، وهذه العمليات الشجاعة والبطولية في زمن الاستسلام العربي، هي التي فضحت قدرات جيش الاحتلال وقيادته، وهي التي أجبرت العدو الإسرائيلي على السماح بالعودة الهزلية المحدودة للمساعدات، سواء عبر الانزال الجوي، او الفتح الخجول جدا للمعابر امام بعض الشاحنات، وعززت الهبة الجماعية العالمية ضد الجزارين الاسرائيليين، وأرغمت بعض حكوماتهم على الخروج من قوقعة الانحياز للقاتل.
المجاهد الحية لم يتردد مطلقا بوضع أصبعه على الجرح عندما وجه نداء حارا الى شعبي مصر والأردن الأقرب الى الحدود الفلسطينية، وطالبهما بأن لا يتركا غزة تموت جوعا، ووصف معبر رفح بكل جرأة بأنه بات معبرا للموت، الأمر الذي عرضه لحملات انتقاد شرسة من بعض أجهزة اعلام البلدين خرجت عن مقاييس “ادب الحوار” والمخاطبة.
هذه المقاومة التي رفضت التنازل مليمترا واحدا عن شروطها المشروعة للقبول بوقف اطلاق النار والافراج عن الاسرى الإسرائيليين، لم تنخدع او ترضخ لضغوط الوسطاء العرب استجابة لإملاءات “العدوين” الإسرائيلي والامريكي ومصائدهم، هذه المقاومة وقيادتها اثبتت انها على درجة عالية من الوعي والمسؤولية، والدراية، علاوة على القدرات الهائلة لإدارة هذه المفاوضات بطريقة ثبتت مصداقيتها وأعطت ثمارها، وأجبرت العدو على الخنوع، والقادم أعظم.
المجاهد الحية، وكل قادة المقاومة الميدانية في قطاع غزة، اثبتوا انهم محصنين من “الخديعة”، ومصرين على إيصال معجزة “طوفان الأقصى” الى محطتها النهائية، وهي فضح حقيقة العدو المحتل الدموية الاجرامية، وتمزيق كل الأقنعة المزورة التي تخفي وجهه البشع امام العالم بأسره، وهذا إنجاز عظيم نراه ينعكس في اتساع دائرة الغضب في أوساط شعوب الدول الداعمة له، والمنخدعة بأكاذيبه، وادعاءاته كممثل للديمقراطية وحقوق الانسان في المنطقة.
جميل جدا ان يميز المجاهد الحية نيابة عن قيادته في القطاع، بين الذين يقفون في خندق المقاومة، والآخرين الذين يقفون في مقصورة المتواطئين او المتفرجين، ويحرص على تقديم الشكر لأهلنا في اليمن الذين لم يتوقفوا يوميا عن إطلاق صواريخ الفرط صوت الى قلب تل ابيب وحيفا وأسدود عسقلان وإيلات، ويقصفون حاملات الطائرات الامريكية وكل السفن التابعة للاحتلال، او المحملة بالبضائع له، ولم ينس ان يشكر أهلنا في الاتحاد المغاربي، وخاصة في الجزائر وتونس وليبيا والشعب المغربي الذين انطلقوا في مسيرات محملة بالأغذية لكسر الحصار على قطاع غزة.
هذا هو الأسلوب الوحيد الناجع في المخاطبة الذي اتبعه المجاهد الحية، ممثلا لقيادته الجماعية وحاضنته الشعبية الصاعدة والداعمة في القطاع المحاصر المجوّع، بعيدا عن المجاملات الكريهة لحكومات متواطئة مع حرب الإبادة، وتقيم الجسور البرية لتزويد المجرمين القتلة بالأغذية الطازجة، بينما يعتقلون كل الشرفاء الذين يتظاهرون تضامنا مع المجوعين حتى الشهادة في القطاع البطل.
المقاومة بهذا الجهاد والصمود، وهذه اللغة الشجاعة المدعومة بالعمليات الفدائية البطولية اليومية، هي وكل الحلفاء الداعمين لها، هم الذين سيعيدون رسم خريطة الشرق الأوسط وليس بنيامين نتنياهو الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد تعاظم الهزائم عليه، وعلى جيشه، بفعل بطولاتها في الميدان.. والأيام بيننا.
الكاتب: عبد الباري عطوان
المصدر: رأي اليوم
تعليقك