وكالة أنباء الحوزة - أصبح السيرك الأمريكي سيركًا دمويًا.. حقيقة وليس مجازًا بعد أن ظهر الرئيس السابق والمرشح الرئاسي الحالي تلطخ الدماء أذنه وجانبًا من وجهه، وأخذ يرفع قبضته عدة مرات ويصيح بكلمة غير واضحة ظنها البعض أولًا كلمة بذيئة تستخدم في خناقات ومشادات ناطقي الإنجليزية، ولكن بعد ذلك تبين أنه كان يصرخ بكلمة «قاتلوا» fight وليس بكلمة أخرى.
إنه السيرك الذي لا مدرب فيه ولا مشرف كي يرتب الفقرات ويحدد الأدوار ويحفظ التوازن بين المشاركين على الحلبة أو المسرح بعضهم البعض وبينهم وبين الجمهور، فلا يقوم لاعب الترابيز بدور المهرج، ولا يقوم المهرج بدور لاعب الأكروبات أو مروّض الخيول أو مدرب الفيلة، ولا تشتبك الأسود مع النمور أو تتمرد على القفز في حلقة النيران.
والمدرب أو المشرف المقصود في الساحة السياسية والاجتماعية الأمريكية هو الدستور والقانون والأعراف والتقاليد المستقرة في مجتمع رأسمالي ليبرالي يحوز إمكانيات هائلة للرفاهية والرخاء، حيث دخله القومي يقترب من الثلاثين تريليون دولار، وفيه أهم وأقوى المراكز العلمية والبحثية، ويملك أقوى جيش عرفته البشرية، ويتمتع بنفوذ خارجي هائل وواسع النطاق.. غاب ذلك المدرب المشرف فأصبحنا نشاهد ما نشاهده عيانًا بيانًا، ومنه ما يتصل بصميم الدستور والقانون ممثلًا في قرار قاضية أمريكية بإسقاط تهمة الاحتفاظ بوثائق تهدد الأمن القومي الأمريكي عن ترامب.. ليس لأن الوثائق غير موجودة، وليس لأن ما فيها من محتويات لا يهدد الأمن، ولكن لأن من قاموا بالتحقيق والقضاء في التهمة وإصدار الإدانة موجهون ولم تتوافر فيهم الشروط القانونية.. يعني بالبلدي الفصيح منتقين وموجهين ومتواطئين مع إدارة بايدن، وليبدو الأمر كما لو أننا في دولة عالم ثالث من درجة متدنية!
نعم إنه سيرك بلا منظومة قيم، نشاهد في حلبته رئيسًا يتعثر في ملابسه ويسقط، فلا يستطيع النهوض، وإذا نهض ينكفئ ثانية وثالثة.. ويخلط بين الأسماء والمناصب، فرئيس أوكرانيا اسمه بوتين، ونائبة ذلك الرئيس هي نائبة خصمه ومنافسه وعدوه اللدود.. ثم لا يتردد عن إظهار انحيازه وتعصبه الديني، إذ وقف يعانق النازي الصهيوني نيتانياهو ويعلن على الملأ أنه صهيوني، لأن أمه علمته كيف يكون صهيونيًا.
وإذا استطردنا فإن دوره في المجازر الوحشية اللاإنسانية واللابشرية.. بل والأدنى من الحيوانية في غزة وأيضًا في الضفة؛ دور أساسي ولولاه لكانت الدولة الصهيونية في حالة أخرى.. لا أقول إنها كانت زالت وهاجر سكانها إلى دولهم الأخرى، ولكن أقول كانت ارتدعت وتفاهمت ولم تستمر في المحارق غير المسبوقة.
وعلى جوانب أخرى، ووفق المثل الشعبي المصري «ما اسخم من سيدي إلا ستي»، فإن دونالد ترامب هو الآخر، ومهما كانت نتائج الإجراءات القانونية والقضائية، إلا أنه يبقى نموذجًا لرئيس لا يعتد كثيرًا أو قليلًا بقيم مجتمعه العليا وعلى رأسها تداول السلطة وفق الآليات المستقرة المعترف بها، فرأيناه يقتنص محتويات مكتبه الرئاسي، وشاهدنا أنصاره يهجمون على مقار السلطة التشريعية الأمريكية ويعيثون فيها عنفًا وصخبًا، وشاهدناه يوقع وبطريقة متحدية للقوانين والمنظمات الدولية ولحقوق شعوب عديدة ومشاعر مئات الملايين؛ على قرارات تعترف باغتصاب الدولة الصهيونية للقدس وللجولان.. وسمعناه وهو يمعن في تأييد ودعم الدولة الصهيونية ومتطرفي متطرفيها، ولا يلتفت- ولو لبرهة- لعدوانيتها واحتلالها لأراضي الآخرين، ولا يلتفت أيضًا للشعب الفلسطيني، ولا يقيم وزنًا لأمم العرب والمسلمين، بل وأمم العالم الثالث بأسره.
وعلى ذلك فإننا إذا تأملنا لبرهة حالنا المستقبلي القريب في ظل الأسخمين بايدن وترامب فإنه اليأس من أي أمل في توازن أمريكي يعيد بعض الأمور في منطقتنا والعالم إلى نصابها الصحيح وفق القوانين والقرارات الدولية.. ولا يصبح أمامنا إلا التشبث بالفعل المقاوم، ندخره للحظة التي يمكننا تفعيله فيها.
الكاتب: أحمد الجمال
المصدر: الأهرام