وكالة أنباء الحوزة - ليست جديدًا، ولا مُفاجئًا، أنْ يُعلن الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب عن عزمه “توسيع” مِساحة دولة الاحتلال الإسرائيلي، سواءً بضمّ الضفّة والقطاع وترحيل الفِلسطينيين إلى سيناء أو الأردن، أو اقتطاع أراضٍ جديدةٍ من دُوَلٍ مُجاورةٍ خاصَّةً سورية وكُل الأردن، وأجزاء من المملكة العربيّة السعوديّة والعِراق ومِصر.
الجديد الذي يجهله ترامب أنّ إسرائيل الصُّغرى، التي يعرفها، وجعل من القُدس المُوحّدة عاصمة لها، تنكمش مِساحتها حاليًّا، وتتحوّل إلى دولةٍ طاردةٍ لمُستوطنيها، وغير قادرة على حِماية ما تبقّى منهم، وفقدت كُل سُبُل الرّدع بعد عمليّة “طُوفان الأقصى” التي أفقدتها هيبتها، وفضحت ضعف جيشها، وعُنصريّتها، وتعطّشها لسَفكِ دِماءِ الأطفال، وباتت تُعرّض اليهود لخطرِ محارقٍ أُخرى.
***
يبدو أنّ ترامب الذي ما زالَ يَحلُم بتطبيق “صفقة القرن” التي وضع خُطوطها الرئيسيّة جاريد كوشنر صِهره، والتّلميذ الأفشل للفاشِل بنيامين نتنياهو، ينسى أنّ هذه الدّولة “الصّغيرة” التي يُريد توسيع حُدودها تُمنَى بهزيمةٍ كُبرى على يَدِ أصغر “دولة” على وجه المعمورة اسمها قطاع غزة، ولا تزيد مِساحتها عن 150 ميلًا مُربّعًا، وأُخرى أصغر اسمها “دولة” مُخيّم جنين في الضفّة الغربيّة، مِساحتها لا تزيد عن كيلو مِتر واحد مُربّع، اقتحمها الجيش الذي لا يُهزَم أكثر من 13 مرّة، ولم يستطع السّيطرة عليها ولن يستطيع.
عندما يهرب مِليون مُستوطن إسرائيلي (حسب صحيفة هآرتس) من “أرضِ الميعاد” إلى ملاذاتِ آمنة في أوروبا وأمريكا وكندا، للنّجاةِ بأرواحهم في أقل من عشرة أشهر من بدء “طُوفان الأقصى” والحبْل على الجرّار، فإنّ هذه “الدّولة” لا تحتاج إلى توسيع، وإنّما إلى إعدادِ قبرٍ لدفنها في مزبلةِ التّاريخ بعد انتهاء عُمرها الافتراضي، مِثل كُل “المُعلّبات” الاستعماريّة الأُخرى ذات الصّلاحيّة المحدودة.
ترامب ينطبق عليه المثل الذي يقول: “يذهب إلى الحج والنّاس راجعة”، لأنّه لا يعرف، وربّما لا يُريد أنْ يعرف لغبائه، وجهله، أنّ العرب الذي يعرفهم، ويسوقهم صِهرُه كوشنر بالعصا، ويُجبرهم على الرّكوع طائعين لتوقيع اتّفاقات سلام أبراهام القديم منها والجديد، لم يعودوا يجلسون خلف مقعد قيادة المِنطقة، وإنْ امتلك بعضهم الكثير من المال، وأنّ هُناك عربًا جُدُدًا، يقودهم ثلاثة قادة رئيسيين إلى طريق المجد والتّحرير لا يخافون إلّا الله، وهُم السيّد حسن نصر الله، والمُجاهد يحيى السنوار، والسيّد عبد الملك الحوثي، واستطاعوا بمُقاومتهم، وصلابتهم، وشجاعتهم، أنْ يُغلقوا ثلاثة بحار(الأحمر والعربي والمتوسّط)، ومُحيط هندي، أمام الأساطيل الأمريكيّة والفرنسيّة والبريطانيّة وكُلّ السّفن العسكريّة والتجاريّة الإسرائيليّة، ويملكون الآلاف من الصّواريخ الدّقيقة والمُجنّحة، وفرط صوت، والمُسيّرات الانغماسيّة (الانتحاريّة) المُتطوّرة جدًّا، علاوةً على مِئات الآلاف من المُجاهدين تحتلّ الشّهادة قمّة أُمنياتهم.
نُريد لفت انتباه ترامب المحصورة خبرته، وثقافته، في مُطاردة السّاقطات، إلى أنّ “العرب الجُدُد” لا يُؤمنون بالحُدود التي رسَمها الاستعمار الغربي الذي ينتمي إليه، ولم يعودوا يتوسّعون أُفقيًّا وإنّما عموديًّا، وتحت الأرض وليس فوقها، باعتبار الأخيرة أي التوسّع الأُفقي، باتَ “موضة قديمة” لا تتماشى مع لُغة العصر الجديدة، فهُناك مدينة أنفاق تحت قطاع غزة تَبلُغ مِساحتها 500 كيلومتر، وقبل يومين كشف “حزب الله” عن أحد مُدُن لبنان الجديدة في قلب جبال الجنوب الشّامخة تحمل اسم “عماد 4″، بأوتوسترادات تتّسع لشاحناتٍ عملاقة، ولا تستطيع كُل قنابل أمريكا الخارقة للتّحصينات الجبليّة الوصول إليها وهي التي فشلت في الوصول إلى نظيراتها الرّمليّة في قطاع غزة، أمّا عن المُدُن الإيرانيّة المُماثلة التي تحتضن بعضها المُنشآت النوويّة، فحدّث ولا حَرَجْ.
الدّولة الأمريكيّة العميقة لن تسمح بفوز ترامب في الانتخابات القادمة، ليس بفوز ترامب في الانتخابات القادمة، ليس لمُستواه الأخلاقي المُتدنّي، وإنّما بسبب ارتمائه في أحضانِ الحركة الصّهيونيّة، وتوظيف أمريكا العُظمى في خدمة مُخطّطاتها، فهذه الدّولة العميقة، هي التي أطاحت بالرّئيس الحالي جو بايدن، ومنعته من استِمرار الترشّح، واستِبداله بالسيّدة نائبته كامالا هاريس، ربّما الأكثر صُهيونيّة، في مُحاولةٍ يائسةٍ لوقف انهيار البلاد وتَزايُد احتِمالات الحرب الأهليّة في ظِل صُعود قِوى عالميّة أُخرى أكثر شبابًا وتطوّرًا وتسليحًا مِثل الصين وروسيا.
الدّولة الأمريكيّة العميقة لن تغفر لترامب إلغاءه للاتّفاق النووي مع إيران الذي أعطى نتائج كارثيّة وقادَ إلى تسريعِ هزيمة أمريكا في أفغانستان أمام طالبان، وتسليم دفّة الحُكم إلى الصّهيوني الأرعن كوشنر وتهيئة الميدان لصُعود القادة العرب الجُدُد الثّلاثة الذين ذكرناهم آنفًا.
***
الخدع الأمريكيّة التي ابتلع مُعظم المُطبّعين العرب طُعومها مُتطوّعين كانوا أو مُكرَهين، وتمثّلت في التّهديد والتّجويع، والتّركيع، والهيمنة الاقتصاديّة، لم تَعُد تُؤْتِي أُكُلَهَا، وباتت تُعطي نتائج عكسيّة تمامًا، وآخِرها مُفاوضات الدوحة والقاهرة التي انعقدت طِوال الأشهُر العشرة الماضية لتوفير الغِطاء الزّمني والعسكري لبنيامين نتنياهو على أملِ القضاء على المُقاومة في قطاع غزة، وحُكم حركة “حماس” له بقيادة السنوار.
الهزائم تهطل كالمطر على رأسِ نتنياهو، وجُنوده يتساقطون كالذّباب في قطاع غزة والضفّة الغربيّة وفي قلبِ تل أبيب، ومُستوطنوه يهربون بمِئات الآلاف من الجليل ومُستوطنات غِلاف قطاع غزة، لسببٍ بسيط وهو وجود مُثلّث القيادة العربي الجديد الذي لا يتردّد في قول “كلمة لا” كبيرة للغطرسة الأمريكيّة الغربيّة التي حكمت العالم مُنذ نهاية الحرب العالميّة الثّانية قبل 80 عامًا.
إسرائيل الكُبرى أصبحت سرابًا، والصّغرى تنكمش وتتآكل بسُرعة، وموعد الدّفن اقترب، وإذا كان لا بُدّ من التّوسيع فإنّه سيكون للضّريح، ونرجوكم اقرأوا المقال مرّةً أُخرى للتّأكُّد من ما نقول.. والأيّام بيننا.
الكاتب: عبد الباري عطوان
المصدر: رأي اليوم