أفاد مراسل وکالة أنباء الحوزة أنه أجرى الحوار مع سماحة الشیخ محمود جلول إمام مجمع مجمع «التوحيد الإسلامي» في العاصمة النروجية أوسلو وتحدّث معه حول تعاطي رجال دین مع التطورات الحديثة وجدیر بالذکر أن هذا الحوار أجری مع سماحته في السنوات الماضیة وفيما يلي نصه:
شيخنا الغالي ما هي أهم التحديات المعاصرة التي تواجه رجال الدين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
بطبيعة الحال التحدي الاكبر للعلماء في هذا الزمن هو في أن يظهروا الاسلام بشكله الحقيقي، فأكبر تحدٍّ يواجه المسلمين اليوم هو محاولة تشويه الاسلام وأن تنحرف الصورة عن حقيقتها من خلال بعض ممارسات من يدعون بأنهم مسلمين، بالإضافة الى الهجمة الاعلامية الكبرى على الاسلام و المخطط الاستكباري الكبير الذي يريد الإطاحة بكل الإسلام، وأن يأخذ رأس الاسلام ككل، فمن هنا تأتي مسؤولية علماء الدين بأن ينشروا الوعي لدى الناس بأنه لابد من تمثيل الاسلام تمثيلاً حقيقياً و أن يعكسوا الصورة الواقعية الحقيقية التي جاء بها النبي الاكرم(ص)؛ صورة إسلام السلام، إسلام المحبة، إسلام الوعي وقبول الآخر، إسلام الحوار، إسلام الإنفتاح على الجميع، الإسلام الذي يدعو إلى العقلانية، الإسلام الذي ينشد التعايش بين كافة الناس و ليس بين المسلمين في ما بينهم.
أريد مفاجئتکم بخبر ولا أدري إذا كنتم قد سمعتم عن رجل دين إيراني لابس زي العلماء ذهب إلى شاطئ البحر وأقام برامج ثقافية دينية على شاطئ البحر، هل تفضلون مثل هذه النشاطات؟
أنا اعتقد بأننا ينبغي أن نستغل أية فرصة في أي زمان وفي أي مكان من أجل الدعوة إلى الله، وهذا ما نستوحيه من القران الكريم في قصة يوسف(ع) إذ جاءه شخصان قصّا عليه رؤيا رآها كلٌ منهما فقال: «يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِد القهّار» إذا فالنبي يوسف (ع) إستغل الزمان وإستغل المكان وإنتهز الفرصة حتى داخل السجن فدعا إلى الله سبحانه وتعالى، فلا يوجد مكان لا يمكن لك ان تدعو فيه إلى الله سبحانه وتعالى حتى لو كان هذا على شاطئ البحر، فلنحارب الشيطان في مكان عمله، إذا كان هذا مكان عمل الشيطان فلنحاربه هنا.
رجل دین معمم ولابس زي العلماء دخل في ملعب کبیر عند المشاهدین ویرید متابعة المباریات. ما هي وجهة نظرکم بالنسبة إلی هذا؟
أنا شخصياً أفعل ذلك، أنا أحضر مباريات كرة القدم وأشاهد كرة القدم،نعم وإلى الآن أدخل إلى الملعب لأنني كنت أمارس هذه اللعبة ولدي إلى الآن أصدقاء كثيرين أتشارك معهم هذه الهواية، ولازلت أحب هذه اللعبة وأحب أن اشاهدها، وعندما تسمح لي الفرصة للدخول إلى الملعب فأنا أدخل وأشاهد، نعم في الكثير من الأحيان أدخل بعمامتي وأحقق الكثير؛ لأن هذا يجعل الناس يتجمهرون حولي ويسألون؛ شيخنا لماذا أنت هنا؟! فأقول لهم أنا أحب كرة القدم مثلكم، فينطلقون بالحديث الديني حتى في الملعب فيكون هذا مفتاحا للكلام الديني حتى في ملعب كرة القدم، وربما ألتقي أشخاصا لم يسبق لهم أن صادفوا شيخاً طوال حياتهم، فصادفوني في الملعب ونشأت بيننا علاقة وتحسن إلتزامهم الديني في إثر ذلك والحمدلله.
في الوسط الشیعي، في الحوزات العلمیة، البعض یخالفون مثل هذه النشاطات و الحضور في هذه المجالات، ماذا تقولون لهؤلاء المخالفین؟
نقول لهم الزمان والمكان لهما مدخلية في الشرع الإسلامي وفي الفقه الإسلامي، الفتاوى تتغير وفقا للزمان ووفقا للمكان ووفقا للعناوين الأولية والعناوين الثانوية، ربما لا نحصل على فرص كما أخبرتكم بالشكل الذي يحصل في ملعبٍ لكرة القدم مثلاً، أنا أقول لكم أكثر من ذلك، أنا أعيش في النرويج بأوروبا منذ ٣٠ سنة، و أنا في أيام الآحاد أنزع لباسي العادي وأرتدي ملابس كرة القدم وأنزل وألعب مع الشباب، ألعب معهم كرة القدم وثم نجلس بعد ذلك ونتحدث عن الدين، ورأيت بأن هذه العلاقة التي بنيتها مع هؤلاء الشباب استطعت من خلالها أن أصل إلى قلوبهم وأن أفتح عقولهم بعد ذلك، ونحن نعلم بأن القلب هو مفتاح العقل عليك أن تفتح قلب الإنسان قبل أن تفتح عقله، ومن هنا إستطعت من خلال لعبة رياضية أن أدخل إلى قلوبهم أولاً، واستطعت أن أفتح عقولهم بعد ذلك كي ينفتحوا على الدين، فلذلك نقول لهؤلاء عليكم أن تجربوا كل شيء يوصل الناس إلى الله، نحن عملنا كمعممين أن نأخد بيد الناس في طريق الله سبحانه وتعالى، فأية وسيلةٍ اي اسلوبٍ أية طريقةٍ ضمن ما أحله الله سبحانه وتعالى فلنأخذ بها ولنعمل بها، ولننظر إلى غيرنا كيف يضلون الناس بكل الوسائل؛ فهم لا يتركون وسيلة لإضلال الشباب إلا واستخدموها، فعلينا ألاّ نترك وسيلة من أجل هداية الناس إلا ونستخدمها.
ما هي الخطوط الحمراء التي یجب علی رجال الدین مراعاتها و عدم الإقتراب منها؟
نعم بطبيعة الحال لابد أن يكون رجل دين أوالشخص المعمم، لابد له أن يكون أكثر التزاماً من الغير، لابد له أن يكون قدوة لغيره، فلا يمكن أن ترى الإنسان المعمم يتكلم بالغيبة مثلاً أو ينظر لا سامح الله نظرة حرام، عليه أن يحتاط في جميع أموره الخاصة والعامة، فأنا لا أعتقد أنه من ممكن أن نحدد خطّا أحمر ولكن علينا أن نقول أن أسلوب الحياة للإنسان المعمم ينبغي أن يكون ضمن دائرة الإحتياط وإلا وقع في الكثير من المحاذير.
ما هي شؤون رجال دین التي البعض یصرون علیها ویؤکدون علی الإلتزام بها؟
أعتقد من وحي حياتي في الغرب بأن أهم ما يمكن أن نركز عليه الآن «شؤون الشباب» لأن الشباب هم الفئة الأكثر استهدافاً من قبل الإستكبار ويريدون للشباب بأن ينحرف، فالشباب هو المستقبل، فإذا انحرف الشباب اليوم دمروا مستقبلنا، وعلينا أن نهتم بالشباب، أن نتطلع إليهم، وأن نستمع إليهم؛ أن نستمع إلى حاجاتهم، ماذا يريدون وما هي مشاكلهم؟ عندما نعلم بأن شخصاً ما ابتلي بالمخدرات مثلاً فينبغي ألاّ نحكم عليه بأنه إنسان ساقط، ربما هنالك مشكلة ما أو تأثير ما وقع عليه جره إلى هذا الشيء أو إلى هذا الانحراف، علينا أن نأخذ بيده، علينا أن نكون كالأطباء تماماً، طبيبٌ دوارٌ بطبه، أن لا نترك مجالاً، أن لا ندع وسيلة إلاّ ونأخذ بيد الشباب، فكما قلت، هم الفئة الأكثر استهدافاً الآن، فهذا أكثر ما ينبغي أن يصر عليه علماء الدين، طبعاً إضافةً إلى ذلك أنا أعتقد بأنه لابد من الإهتمام بالأطفال ولا بد من الإهتمام بالنساء في أن تطلب المرأة العلم قبل كل شيء، أن تطلب العلم في أعلى درجاته وفي أعلى مستوياته، وهنا عندي نصيحة أخوية لكل المعممين بأن يدرسوا أو على الأقل ان يطلعوا على علم الإجتماع وعلم النفس، فهذا مفيد لهم جداً في عملية تربية الشباب وثقيفهم ويساعدهم كثيراً على فهم الشباب من أجل أن يستطيعوا حلّ مشاكلهم وأن يوجهونهم التوجيه الصحيح والمناسب.
حول سماحتکم، ماذا تفعلون في الغرب حالیا؟
نحن نقوم بنشاطات متعددة، وفقنا بحمد الله لبناء مسجد لأتباع مذهب أهل البيت (ع) في العاصمة أوسلو، وهو المسجد الوحيد لأتباع أهل البيت(ع)، وهذا المسجد فيه نشاطات يومية وعلى مدار الأسبوع، عندنا تدريس حوزة صغيرة؛ فيها تدريس للنساء فيها تدريس للرجال، عندنا تدريس للشباب باللغة النرويجية لأن عندنا ناس من جنسيات مختلفة وأيضا مراعاة للذين لا يتكلمون اللغة الأم، عندنا نشاطات للأطفال تعليمهم اللغة العربية ولتعريفهم على الإسلام والقرآن الكريم؛ بالإضافة إلى ورشة الترجمة، نحن نقوم بترجمة العديد من الكتب، إنتهينا الان من ترجمة حياة المعصومين الأربعة عشر (ع)، وكتاب عن عاشوراء؛ قصة عاشوراء كاملة مصورة للأطفال، كتاب حول العقائد وكيفية الصلاة باللغة النرويجية، كل هذا باللغة النرويجية لكي يتمكنوا من فهمه، لأنني اعتقد بأن علينا أن نعمل على أن يفهم أبناؤنا في الغرب الدين وليس من الضرورة أن يفهموا الدين باللغة العربية، فالأهم أن يفهموا الدين، لأننا إذا انتظرنا حتى يتعلموا اللغة العربية أو اللغة الفارسية ومن ثم نعلمهم الدين هذا سيأخذ وقتاً طويلاً إن لم نقل من المستحيل أن يتقنوا هذه اللغة من أجل أن يتعلموا الدين باللغة العربية أو الفارسية، الأهم هو أن يتعلموا الدين فإن كان ذلك يتحقق باللغة الأجنبية فلا بأس من ذلك.
كلمتکم أخيرة؟
أتمنى لكم ولنشاطكم وللحوزة العلمية المزيد من التطور و التقدم، وأنا أحب أن أرى الحوزة العلمية في مستوى متقدم دائماً، وأن تعمل الحوزة العلمية على المزيد من التخصصات في داخلها من أجل أن تبرز هذه الحوزة كأمرٍ واقعٍ في عالم له وقعه وتأثيره العلمي والثقافي على كل البشرية لأن مذهب أهل البيت (ع) وعلوم أهل البيت (ع) فيها فائدة لكل البشر وأتمنى لكم التوفيق إن شاء الله.
أجری الحوار: محمدجواد حسین زاده