أفاد مراسل وكالة أنباء الحوزة أنه أجرى حوارا مع سماحة الشیخ أحمد بن عبدالجبار السمین أستاذ في الحوزة العلمیة ومن المهتمین بفکر المرحوم العلامة الفضلی رحمه الله، وتحدّث معه حول سیرة وإنجازات المرحوم العلامة الفضلي، وفیما يلي نص الحوار.
هل يمكن أن تعطونا نبذة حول سيرة المرحوم عبدالهادي الفضلي (رحمه الله)، السیرة الدراسیة والعلمیة؟
في البدء أشكركم على هذا الحوار الذي هو فرصة لأوفي لشيخنا العلامة الفضلي شيئًا من حقّه.
أعتقد حتى نتعرّف على شخصية العلامة الفضلي لا بدّ من توضيح العوامل الموضوعية التي ساهمت في تكوين شخصيته العلمية المميّزة، وأرى أنّ ثمة عوامل ثلاثة هي المساهمة في ذلك:
أوّلًا: العامل الأُسريّ؛ إن الشيخ عبد الهادي الفضلي ينتمي إلى أسرة ذات امتداد علمي عريق في المنطقة العربية على وجه الخصوص، فوالده آية الله الميرزا محسن الفضلي (ت:۱۴۰۹هـ) من المجتهدين البارزين الذين لعبوا دورًا في الإرشاد الديني في مدينة البصرة أوّلًا والمنطقة الشرقية (الأحساء والقطيف) بعد هجرته إليها.
كما أنَّ سلسلة أجداده من الوجوه البارزة دينيًا واجتماعيًا في مدينة الأحساء، والذين كانت لهم أدوارهم البارزة في التبليغ الديني والتَّصدي للشؤون الاجتماعية.
كذلك والدته (ت: ۱۴۱۴هـ) عُرفت بوعيها الدّيني والثقافي، وعلامة ذلك أنَّها هي التي دفعت بالميزرا محسن والد العلامة الفضلي أن يبدأ بتدريسه العلوم الشرعية وهو آنذاك ابن الخمس سنوات.
ثانيًا: العامل البيئي؛ وأقصد به البيئات العلمية والثقافية التي عاش العلامة الفضلي في كنفها واستفاد من تجاربها، فلو أردتُ إحصاء البيئات التي تقلّب بينها منذ ولادته سنة (۱۹۳۵م) إلى وفاته سنة (۲۰۱۴م) فهي:
- مدينة البصرة في العراق مكان ولادته ونشأته الأولى، المدينة العريقة إسلاميًا وأحد أهم مراكز علوم اللغة العربية وآدابها، والتي كانت ذات تنوّع مذهبي واضح.
- مدينة النجف الأشرف التي اتخذها مهجرًا في مقتبل عمره، وهي المركز الديني الأبرز للثقافة والعلوم الإسلامية ومركز الزعامة الدينية لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وفي تلك الفترة التي هاجر فيها العلامة الفضلي كانت الحوزة العلمية في النجف الأشرف تعيش فترتها الذهبية في العطاء العلمي والأدبي كمًا ونوعًا.
- مدينة بغداد التي كان تردّده شبه الدائم عليها، المركز المهم للثقافة العربية، والتي تتميّز بالتعدد المذهبي والعرقي والثقافي.
- لينتقل سنة (۱۹۷۱م) إلى بيئات أخرى أسهمت أيضًا في بناء شخصيته الثقافية والعلمية، فقد هاجر إلى منطقة الحجاز (جدّة ومكة المكرمة والمدينة المنور) العاصمة الأولى للثقافة الإسلامية، والتي تمتلك ذلك العمق التاريخي إلى صدر الإسلام.
- في هذه الفترة هاجر بشكل مؤقت إلى مصر وكانت آنذاك الواجهة الثقافية العربية بالحضور البارز لمثقفيها وأكاديميّاتها المميّزة، والعمق الديني بزعامة الإسلام السّني في الأزهر الشريف.
إنَّ لهذا التَّعدد المتنوَّع في البيئات التي عاشها شيخنا الدكتور الفضلي، أكسبه مواهب متعدِّدة بتعدِّد الثَّقافات التي جال عليها واحتكّ بها وأفاد منها.
ثالثًا: العامل التَّربوي؛ وأريد به تلك الحواضن التي ترعرع فيها الدكتور الفضلي في نشأته العلمية والثقافية، فقد عاش الفضلي طالبًا في فترة زمنية من أصدق ما يُطلق عليها أنَّها فترة قمّة نهضة الثقافة الإسلامية والعربية في القرن العشرين، هذا الترعرع كان بين الحوزة والجامعة.
فقد انتقى شيخنا الفضلي المميّزين من أساتذة الجامعة والحوزة ليتلمّذ عليهم ويستفد من عطاءاتهم النوعية، وأهم هؤلاء:
في الحوزة العلمية تلمّذ على: السيد محسن الحكيم (ت: ۱۳۹۱هـ) المرجع والإمام البارز في قيادة المذهب الإمامي في عهده، السيد أبو القاسم الخوئي (ت: ۱۴۱۳هـ) الأستاذ الأبرز في تأريخ الحوزات العلمية الإمامية والمرجع الأوّل في عهده، الشيخ محمد رضا المظفّر القائد البارز لحركة التجديد والإصلاح الحوزوي في عهده، السيد محمدباقر الصدر(ت:۱۴۰۰هـ) أحد روّاد النهضة الإسلامية الحديثة والشخصية الأبرز في الحوزة جهادًا واجتهادًا، وغيرهم.
وفي الجامعات: الدكتور مصطفى جواد والدكتور إبراهيم السامرائي والدكتور محيي الدين العلماء البارزون في اللغة العربية وآدابها، والدكتور أحمد حسن الرحيم أحد أهم علماء التربية في العراق، والدكتور خاتم الكعبي الأستاذ البارز في العلوم الإنسانية، وغيرهم.
لقد أثّر هؤلاء الأساتذة في بناء شخصية العلامة الفضلي، فصارت بحقّ الرَّائد الذي أسهمت التجارب المختلفة والمتنوّعة في بنائه الأخلاقي والعلمي والحركي، وهذا ما يضعه في عداد الأوائل الذين يستحقّون الدراسة لسدّ النواقص التي تعيشها الحوزة والجامعة.
ما هي إنجازات وأهم الکتب التي ألَّفها المرحوم الفضلي؟
لو عطفنا الحديث إلى الإنجازات التي حقَّقها شيخنا العلامة الفضلي في مسيرته، يمكن تقسيمها إلى التالي:
أوّلًا، الإنجازات التَّعليمية: وهي المشاريع التي ساهم في إعدادها على المستوى التعليمي، والتي تتمثّل في عدد من المشاريع:
۱. تدوين المقرَّرات الدراسية للحوزة العلمية: لقد صبّ العلامة الفضلي الكثير من جهده المبارك في حدود نصف قرن من الزمن في هذا المشروع الذي يعد المشروع الأبرز في حياته.
لقد استوعب هذا المشروع الذي قدّمه للحوزات العلمية والجامعات جلّ العلوم الإسلامية ومقدّماتها، على شكل مجموعات، وهي: مجموعة علم أصول الفقه (۴ كتب في ۵ أجزاء)، مجموعة علم الفقه (۴ كتب في ۱۰ أجزاء)، مجموعة علوم القرآن والحديث (۴ كتب)، مجموعة المعارف العقلية (۴ كتب)، مجموعة أصول التحقيق والبحث (كتابان)، مجموعة اللغة العربية (۴ كتب)، ليكون مجموع ما قدّمه من مقررات دراسية لهذا المشروع الرائد (۲۲ كتابًا في ۲۹ مجزءًا).
إنَّ معطيات هذا المشروع تكشف عن خاصيتين تميّزان الدكتور الفضلي:
الخاصّية الأولى: الموسوعية العلمية التي مكّنته من التأليف في كل هذه العلوم على نحو تخصّصي، وهذا مما لم يحصل إلّا للقليل من العلماء والمفكرين المعدودين في عالم الفكر، وهو بهذا صار في مصافّ الموسوعيين في العالَم، فليس من السهل على المؤلِّف أن ينتقل في تأليفاته من عِلم لآخر وبنفس الحضور.
وهي تكشف عن جدّية البناء الفكري الذي عمل عليه في تنشئة وتطوير شخصيّته.
الخاصّية الثانية: الأسلوب التربوي الذي امتلكه في تأليفاته المذكورة، فالدَّارس والمدرِّس لهذه الكتب لن يجد عناءًا في متونها، فقد ابتعد عن التعقيد في صياغة العبارات فاستفاد من عربيّته الحديثة البليغة في استعراض المطالب العلمية، ليترك الطالب والأستاذ يبحران في المعنى دون ضياع الجهد في النّص.
اكتفي هذا القدر من التوضيح والاستعراض في هذا الجانب.
۲. تربية طلاب الحوزة والجامعة: لقد قضى شيخنا الفضلي قسمًا كبيرًا من حياته في المراكز العلمية حوزةً وجامعةً، وقد تخرّج على يديه العديد من الطلاب الذين أصبحوا فيما بعد أعلامًا في العلم والفكر، والملفت أنَّه (رحمه الله) مارس التربية العلمية للطلاب منذ المراحل الابتدائية إلى المرحلة الجامعية، فضلًا عن تدريسه في الحوزة العلمية.
فكان استاذًا لسنوات طويلة في مدارس منتدى النشر التي كان علماء الدين في النجف الأشرف يعلّمون أبنائه فيها، ثم بعدها عيّن أستاذًا في كلية الفقه إلى أن هاجر عن النجف الأشرف، كما أنَّه مارس التدريس في الحوزة العلمية النجفية وقت كان فيها الأساتذة البارزون فيها، فبتدأ بالتدريس من الكتب الأولى في مرحلة المقدّمات ثم كتب مرحلة السطوح فقهًا وأصولًا.
لينتقل بعدها للتدريس في الجامعات وبالتحديد جامعة الملك عبد العزيز في مدينة جدّة، ليبدأ بعد التقاعد منها في التدريس في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في مدينة لندن.
كما أنَّه أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه ومناقشتهما في العديد من الجامعات.
هذه الجولات في عالَم التربية والتعليم هي التي أكسب العلامة الفضلي هذه الخبرة المتراكمة في التدريس وبالتالي انعكست في تأليفاته في مشروع المقررات الدراسية.
۳. المساهمة في بناء أكاديميات للعلوم الشرعية: لقد آمن شيخنا الفضلي بأهميّة تنظيم دراسة العلوم الشرعية، وكثيرًا ما كرَّر فكرته القائلة: إنَّ الحوزات تمتلك العمق والأصالة العلمية لكنّها تفتقر إلى التنظيم التعليمي والذي ينبغي عليها أن تستفيده من الجامعات. بل كان لديه همّ تبادل الخبرات بين المؤسستين العلميتين أعني الحوزة والجامعة.
لهذا وجدنا في مسيرته إسهاماته الأساسية في مشاريع الأكاديميات الشرعية منذ سكاناه في النجف الأشرف، كمشاركته في كلية الفقه وتدوين المقررات الدراسية مع أستاذيه الشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد تقي الحكيم والكوكبة التي معهما، ومشاركته في وضع البرنامج التعليمي لكلية أصول الدين في بغداد مع رفيقه السيد مرتضى العسكري، وفي كلية لندن للتربية، وحوزة الإمام الصادق في لبنان، معهد السيد خديجة الكبرى في قم المشرّفة، والجامع العالمية للعلوم الإسلامية في لندن، وأخيرًا في جامعة آل البيت (عليهم السلام) العالمية التي كان المشرف العام عليها.
ثانيًا، الإنجازات الفكرية: واعتقد أنها تتمثّل في البحوث والدراسات والمقالات التي كتبها عندما كان طالبًا في الحوزة والجامعة وأستاذًا فيهما، وهي عديدة ومتنوعة بين الدين واللغة والأدب والتاريخ والثقافة العامة وغيرها والنقطة الهامة هنا هي أنَّ جلّ إن لم يكن كل تلك المنجزات الفكرية في تمثلاتها لم يكتبها ترفًا فكريًا، وإنما جاءت رغبة في سدّ ثغرة مرتبطة بالثقافة الإسلامية أو العربية، أو معالجة إشكالية معيّنة تحتاج إلى من يقوم للتصدي لها، وهنا أعطي مجموعة من النماذج، منها: لديه بحث فقهي أصيل حول حكم الغناء في موضوعه وحكمه، لقد كتبه إجابة لسؤال وُجّه إليه من أحد الأشخاص، كما أنَّه كتب مجموعة من البحوث حول مواقيت الحج نتيجة ملاحظته أنَّ كل ما كُتب حولها جاء نظريًا، ليقوم بزيارات ميدانية لمواقع المواقيت فيكتب حولها من خلال المعاينة بالإضافة إلى البحث النظري، كما أنَّ أرّخ للمؤلَّفات الأحسائية منذ بداياتها وحتى وقت كتابته للبحث، وكتب بحثًا حول تولي المرأة للمناصب السيادية في الإسلام إجابة منه لأسئلة من إحدى الأخوات التي كانت مشغولة بأطروحة دكتوراه حول موضوع المرأة، وغيرها الكثير الذي يطول الحديث عنه.
ثالثًا، الإنجازات التربوية العامة: وأقصد من الإنجازات التربوية العامة مقابلًا بينها وبين الإنجازات التربوية الخاصة التي تحدّثت عنها في الحوزة والجامعة. وهنا سأقصر حديثي عن هذه الإنجازات في الفترة سكانها في المنطقة الشرقية على ساحل الخليج، أما في المرحلة العراقية فلها مجال آخر.
صحيح أنَّ الشيخ الفضلي لم يكن متصدّيًا للشأن العام من خلال صلاة الجماعة وما اشبهها مما اعتاد عليه المبلّغون، إلّا أنه له اهتمامه الخاص في تربية غير المتخصصين، ومن المؤكّد أن استقراره في المنطقة الشرقية كان البدء بتشكيل النهضة الثقافية في هذه المنطقة، وأظن هذا ما يتَّفق عليه المتابعين للشأن الثقافي في المنطقة.
لقد سار في إحداث هذه النهضة الثقافية عبر مجموعة من المحاور:
المحور الأوّل: المحاضرات الثقافية العامة التي حرص شيخنا الفضلي على المشاركة في إلقائها في المواسم الثقافية خصوصًا في شهر رمضان المبارك منذ عام ۱۴۱۰هـ إلى ۱۴۲۰هـ، وقد كانت هذه السنوات العشر خصبة بالطرح الأصيل الذي عرّف الناس بالإسلام والتّشيع، فتناول في محاضراته العشرات من الموضوعات التي تراكمت في الذاكرة الشعبية لتشكّل ذلك المخزون الإسلامي المستقر في النفوس والمنعكس على السلوك.
على المستوى الشخصي ما استطعت أن أجمعه من محاضراته التي ألقاها من المنطقة الشرقية في القطيف والأحساء بِقراهما والدمام أكثر من ۱۰۰ محاضرة تتراوح بين الساعة إلى الساعتين والنصف بحضور كثيف يصل في بعضه إلى المئات.
المحور الثاني: تحت ظل تلك الحركة التي أحدثتها محاضراته العامّة، عمل الدكتور الفضلي على إحداث موجه جديدة في نهضته الثقافية تتمثّل هذه الموجة تنشأة جيل من المؤلّفين في الثقافة الإسلامية العامة والتخصصية؛ فتصدى لدعم الطاقات الحوزوية والجامعية الشَّبابية وغير الشبابية التي تمتلك الموهبة في الكتابة والتأليف، وأبرز مظاهر هذا الدعم هو كتابته تقديمات لتلك الكتب والبحوث والمقالات، وقد جمعتُ أغلب تلك التقديمات في كتاب مطبوع تحت عنون (تقديمات كتب وبحوث في الدين واللغة والثقافة والتاريخ) ضمّ تقديماته لأكثر من ۱۶۰ كتاب وبحث.
كما أنَّ شاركة في تقييم البحوث المشاركة في المسابقات الثقافية في المنطقة.
المحور الثالث: استقبال النخب الثقافية والعلمية في مجلس بيته الذي كان يعدّ بحق منتدى ثقافي ترتاده كل الطبقات والاتجاهات الثقافية الدينية وغير الدينية، مستفيدين من رؤاه وآرائه في القضايا المختلفة.
في تقديري لقد شكّل ذلك المجلس دورًا في نشر ثقافة تقبّل الاختلاف مع الآخرين مع التمسّك بالمبدئية، وهذا ما كانت تحتاجه المنطقة في تلك الفترة من حياتها التي عُبّئت بالخلافات نتيجة الاختلافات.
ربما تكون هذه أهمّ المحاور التي جال فيها شيخنا الفضلي لتكوين تلك النهضة الثقافية العارمة والتي نأمل أن تمتدّ وتتطوّر بشكل أكبر.
هل تّمت ترجمة كتب العلامة الفضلي إلى لغات أخرى؟
نعم لقد تُرجمت كتب ومقالات العلامة الفضلي إلى العديد من اللغات؛ الإنكليزية والألمانية والفارسية الهوسا والإندونيسية والآذرية وغيرها وهذه الترجمات الكثير بعضها مطبوع وبعضها غير مطبوع، ولن أعدد الكتب المترجمة إلى اللغات الأخرى، ولكن أجد من المناسب أن أشير هنا إلى جامعة آل البيت (عليهم السلام) العالمية التي حملت على عاتقها تحفيز طلابها غير العرب إلى الاهتمام بترجمة كتبه إلى لغاتهم الأم، وهذا ما شكّل رصيدًا كبيرًا عندهم نأمل أن يتوجهوا إلى طباعته.
ما هي اللجان المختصّة بفكر وتراث العلامة الفضلي، وما هي أهم أنشطتها في هذا الخصوص؟
ما أعرفه أن هناك العديد من اللجان التي عملت وتعمل على فكر وتراث العلامة الفضلي، أذكر هنا ما يحضرني:
۱. (لجنة مؤلفات العلامة الفضلي) التي أُسست بإشراف الشيخ نفسه، وكانت بإدارة ابنه المرحوم فؤاد وبمعية مجموعة من الأعضاء المثقفين المهتمين بفكر الدكتور الفضلي، والتي كان اهتمامها منذ التأسيس بتحقيق وطباعة تراث الشيخ الكتوب، وقد أخرجت أغلب مجموعات المقررات الدراسية وحَرَّرت مجموعة المحاضرات المسموعة إلى كتب، ثم أصبحت اللجنة بإدارة الأستاذ جواد ابن الشيخ الفضلي، فأكمل تلك المسيرة التي بدأتها اللجنة، وأهم منجزات اللجنة هو إخراجها لموسوعة العلامة الفضلي التي تضمّ أغلب مؤلفاته الشاملة للكتب والبحوث والمقالات والحوارات والديوان الشعري والكشكول و... وهي في ۴۸ مجلّدًا.
كما أنَّ اللجنة تعمل على إخراج ما تبقى من تراث الشيخ، وأهمّه تقريراته التي كتبها لدروس أساتذته في كلية الفقه وجامعة بغداد في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، وغيرها من تحقيقات لكتب تراثية.
۲. (لجنة إحياء فكر العلامة الفضلي) التابعة لجامعة آل البيت (عليهم السلام) العالمية في مدينة قم المقدسة، والتي أخذت هي الأخرى على عاتقها تبني فكر العلامة الفضلي في بنائها التعليمي والثقافي بقدر الإمكان، كما أنها أخذت على عاتقها الإحياء السنوي لذكرى السنوية لرحيله، وفي كل سنة تتبنى طباعة أثر من آثاره غير المطبوعة، وقد وصل عدد مطبوعاتها ۷ كتب.
۳. (دائرة معارف العلامة الفضلي) والتي تهتم بتحقيق تراث المرحوم الفضلي سواء بالتنسيق مع اللجنتين السابقيتن أو مستقلًا، كما أن لها نشاطًا الكترونيًا متمثلاً في موقع (www.alfadhli.org) وتطبيق لمؤلفاته بعنون (مكتبة الفضلي) وخدمة واتساب لنشر مقاطع من كلماته في المناسبات الإسلامية والعامة، وتقيم دائرة المعارف أيضًا دروسًا منهجية في كتبه الدراسية.
وهناك لجان أخرى تهتم بفكره ونتاجاته.
بوصفكم من المهتمّين بفكر العلامة الفضلي وتاريخه ما هي طموحاتكم بهذا الخصوص؟
أعتقد أن المشروع الفكري للعلامة الفضلي لابد أن يتحقق فيه الأمور التالية:
أوّلًا: جمع وإخراج كلّ تراثه المكتوب والمرئي والمسموع، وفي تقديري هناك الكثير مما ينبغي البحث عنه لإخراجه، فقد ألقى العديد من المحاضرات في لبنان وسوريا وأمريكا وبريطانيا وغيرها من الدول التي كان يزورها، كما أن عنده تراث كتبه في النجف كتقريراته لدورس أساتذته في الفقه والأصول من أبرزها تدوينه للدورة الأصولية الرابعة لأستاذة السيد الخوئي وفي الفقه شرح كتاب الطهارة من العروة، وما كتبه من دروس أستاذه الشيخ محمد رضا المظفر والسيد محمد تقي الحكيم في علم الأصول، وغيره مما عدّه من تراثه النجفي المفقود.
ثانيًا: إعادة انتاج هذا التراث بكل صور الإنتاج التقليدية والمعاصرة؛ بدء بطباعة أعماله الكاملة ورقيًا، وتحويل هذه الأعمال بصورة إلكترونية (موقع إلكتروني – DVD- تطبيقات على الأجهزة الذكية وغيرها)؛ ليسهل تداولها عند الباحثين وأساتذة وطلاب الحوزات والجامعات.
ثالثًا: كتابة سيرته التفصيلية وعرض الأحداث التي مرّ بها وساهم في صناعتها، بدءًا بتاريخ الحوزة الاجتماعي والعلمي والتعليمي، مرورًا بتأسيس الحركة الإسلامية في العراق والأحداث التي مرّة بها، والأحداث الكبرى التي مرّت بالعالَم الإسلامي خلال القرن الميلادي الماضي.
كل هذا يحتاج إلى تأريخ من خلال عيون الفضلي ورؤيته، وسنرى الأفق الواسع الذي يمكن الاستفادة منه.
هذه الأمور الثلاثة هي ما يحتاجه فكر العلامة الفضلي خلال المنظور القريب والمتوسط.
هل لديكم أي ذكريات مع المرحوم الدكتور الفضلي ومواصفاته؟
ربما من أهم ما يُذكر هنا: أنني بداية التحاقي بالحوزة العلمية رأيتُ فيها الأطياف المختلفة والاتجاهات المتعددة في كل شيء تقريبًا، فلم أستطع أن أحدد الطريق الذي ينبغي سلوكه لخدمة الإسلام في المستقبل، فلجئت إلى كتابة رسالة إليه أبثّ فيها هذه الحيرة! فأوصلتها إليه مع صعوبة الإيصال آنذاك.
فجائني جواب الرسالة من بشكل مقالة يحدد فيها ما ينبغي لطالب الحوزة أن يسير عليه، وذلك في ثلاثة محاور، أعرضه اختصارًا:
۱. الحوزات العلمية من خلال الواقع وتطلعًا إلى المستقبل الأفضل: تناول فيه ما ينبغي أن يدرسه الطالب من علوم ومواد دراسية تؤهله لمواكبة متطلبات العصر.
۲. الثقافة العامة ودوره في بناء شخصية الطالب الحوزوي: كتب فيه البرنامج العملي الذي ينبغي أن يسير عليه في قراءاته الثقافية، والخطة العلمية التي يراعيها في انتقائه للكتب والموضوعات.
۳. عوامل تنمية موهبة الكتابة: من خلال كتابة المقالة وكتابة البحث.
إنَّ جوابه عن هذه الرسالة ألمسني عمق التجربة التربوية والخبرة العلمية التي يتميّز بها شيخنا الفضلي عن سواه من العلماء المفكرين، فمن السهل أن يمتلك الشخص حصيلة معلوماتية واسعة ومتنوّعة وعميقة، إلّا أن الصعب صناعة الخبرة مما هو مساير لاكتساب المعرفة، والذي لا يلتفت إليه الشخص نفسه في حركته.
ما هي كلمتكم الأخيرة التي تحبون أن تقولوها؟
في خاتمة هذا الحوار، أدعو المؤسسات التعليمية والبحثة الحوزوية والجامعية إلى تكثيف الرَّصد لمعرفة الشخصيات التي أثَّرت أو من شأنها أن تؤثّر في عالمنا الإسلامي في كل المجالات التي مرّت على المسلمين، ودراسة هذه الشخصيات للكشف عن عوامل تميّزها ونجاحها وعوامل إخفاقها، فتتبنى كل مؤسسة أو مجموعة من المؤسسات شخصية من هذه الشخصيات بحسب اهتمام هذه المؤسسات، لتكون أفكار هذه الشخصية هي القاعدة والمنطلق لأنشطة المؤسسة، لتتطوّر الأفكار والرؤى بما يخدم الفكر الإسلامي والمسلمين فيصلوا إلى ما أراده الله تعالى لهم.
أجری الحوار: محمدجواد حسین زاده