أفاد مراسل وكالة أنباء الحوزة، أنّ آية الله علي رضا أعرافي مدير الحوزات العلميّة في إيران كان قد أصدر بياناً يتحدث عن الظروف الراهنة بعد تفشي فيروس كورونا المستجد، مؤكداً فيه جاهزية الحوزات العلمية والطلبة ورجال الدين للوقوف إلى جانب الشعب الإيراني والمسؤولين ومساندتهم في هذه المحنة حتى الإعلان عن تطهير كل شبر من أرضنا منه بشكل نهائي؛ وجاء نص البيان كالتالي:
"قُلْ لَنْ یُصِیبَنَا إِلَّا مَا کَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"
"اللَّهُمَّ اجْعَلْنِا فِي دِرْعِكَ الْحَصِینَةِ الَّتِي تَجْعَلُ فِیهَا مَنْ تُرِیدُ"
سلام من الله عليكم والحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، وأفضل الصلاة والسلام على الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وأتم السلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد المصطفى صلى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وخاتم الأوصياء الإمام المهدي المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)
أفجعنا جميعاً نبأ انتشار فيروس كورونا المؤسف. يتقدم المراجع العظام والأساتذة والطلبة والفضلاء وإدارة الحوزات العلمية وجميع المؤسسات الحوزوية بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره ويملؤها الحزن بأحر التعازي لأسر الضحايا والمفجوعين، سائلين المولى عز وجل أن يتغمّدهم بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته، داعين الله الشفاء العاجل لجميع المرضى.
أسرد فيما يلي أبرز النصائح التي أوجهها إلى الشعب الإيراني العظيم والمقاوم, ولاسيما في مدينة قم والحوزات العلمية:
1- إن النوازل والكوارث الطبيعية والإنسانية في منظور الشريعة الإسلامية ماهي إلا امتحانات واختبارات إلهیة للعباد، من أجل رفع منزلة المؤمنين وإعلاء درجاتهم عند الله تعالى، وتحذير للمقصرين والمتهاونين في شرائع الله وطاعته، وعامل في تفجير الطاقات العلمية وتطوير العلوم البشرية؛ إذن لابدّ من الإلتفات إلى أنّ هذه النوازل والامتحانات الإلهيّة تستلزم منا عدّة أمور لاجتيازها وهي : غرس المبادئ والتمسك بثوابت العقيدة الإسلامية، والإهتمام بضرورة الإصلاح وتزكية النفس، وحماية الأمة من الزيغ والضلال والانحراف، والتذكير بعظمة القدرة الإلهية والتوسل إلى ذات الله تعالى، وطلب الشفاعة بمصابيح الهدى والأولياء، خاصة في هذه الأيام المباركة من شهر رجب الأصب, حيث نوصي بالجوءٌ إلى الله عز وجل والإحتماء به والتضرّع والتذلّل بين يديه والافتقار إليه، كذلك إحياء هذا الشهر بالعبادة والتهجد والدّعاء والذّكر والمناجاة، وليكن فرصة لتعميق القيم الروحية والمعنوية والأخلاقية والعبادة.
۲- على الجميع تطبيق تعاليم الدين الإسلامي القويم والإلتزام بإرشادات المراجع العظام، واتباع النصائح والتوجيهات الصحية والوقائية الصادرة عن المؤسسات والجهات المعنية والمختصة، وأن يتخذ المواطنون شتى الاحتياطات فردية كانت أم جماعية، ومن جانبها تؤكد الحوزات العلمية لاسيما علماء الدين على الحرص الشديد على ضرورة تطبيق جميع التدابير والإجراءات الوقائية والإحترازية اللازمة والاستفادة من الخبرات والإنجازات العلمية في هذا المجال، ولاشك أنهم السباقون إلى ذلك، وقد لاحظنا ذلك في الأحداث الأخيرة حيث إلتزمت جميع المؤسسات والمراكز الحوزوية بما فيها قسم العلاقات الدولية، وسفريات الطلبة الأجانب (غير الإيرانيين) إلتزاماً كاملاً بتلك المقررات والإرشادات.
3- يُعد التكتيك والتخطيط الفني الصارم والشامل، شرطاً مهماً للتغلب على المصائب والابتلاءات الطبيعية كفيروس كورونا المستجد، ومهمة المسؤولين في هذا الصدد حساسة جداً إذ تتطلب التنسيق والتعاون بين كافة الجهات المعنية لتنفيذ الأدوار المطلوبة، في حين يمكن للنقد السديد والبناء الذي يطرح ما يصب في مصالح الأمة والشعب أن يلعب دوراً فعالاً في إرتقاء هذه التكتيكات، ولا بد أن تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية خير نموذج يحتذى به في استراتيجيتها وتدابيرها الأساسية المبنية على القيم والأسس الإسلامية والنظريات العلمية والتقنية الممنهجة والواضحة في مواجهة مثل هذه النوازل والمصائب، ولا شك أن الاعتماد على المنطق العلمي والتحلي بروح الوطنية العالية، يعدان شرطاً أساسياً لتحقق هذا النجاح والتوفيق.
4- يعد توسيع المراكز البحثية والمعرفية التي من شأنها أن تضع الحلول وتعالج المشاكل والمعضلات الاجتماعية والكوارث الطبيعية، وتطوير وتنمية صناعة الأدوية ضرورة حتمية، لأن قوة الثورة الإسلامية وعظمتها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطوير السريع بشقيه العلمي والتكنولوجي، ولحسن الحظ فإن سجل الجمهورية الإسلامية حافل بالإنجازات والتطورات والإبداعات العلمية والتقنية، لذلك يجب تعزيز وتحفيز هذا التقدم وبلورته في مختلف المجالات وخاصة في مكافحة مثل تلك الأوبئة.
5- يرجى الإلتزام بالحدود والقيود الموضوعة ضمن النشاطات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة أيام العطل، والحرص على تطبيق جميع النصائح والإرشادات الصحية والطبية التي أكد عليها المسؤولون والتي تتطلب الكثير من الإجراءات والقرارات لتنفيذها، كما ينبغي البحث عن حلول جديدة ومبادرات مبتكرة واستخدام تكنولوجيات حديثة في حالات الطوارئ للتقليل من نسبة الأضرار والخسائر قدر الإمكان؛ وعلى الحوزات العلمية والجامعات أن يتمعنوا هذه الرؤية جيداً ومن الضروري استخدام البيئة الإلكترونية والاعتماد عليها في جميع العمليات التعليمية والبحثية والدعاية والأنشطة الثقافية في المدارس والمراكز الحوزوية.
6- إن مبدأ التضامن والتعاون والتكافل الاجتماعي وفقاً للتعاليم الدينية والأخلاقية والإسلامية، والقيم الإنسانية في الأزمات الاجتماعية، أمور لا ينبغي التغاضي عنها، ولا بد من التغلب على جميع أنواع المشاكل والتحديات التي تستهدف تآزر وتضامن المجتمع ومراعاة الأصول والأسس الأخلاقية في مجالي الاقتصاد والسوق، ورعاية احترام الناس والمحرومين، وبإرادة الله تعالى وعنايته أثبت شعبنا العظيم مراراً وتكراراً هذه الهوية والثقافة، وتجلى ذلك بوضوح في إدارة الفيضانات التي حصلت بداية هذا العام، وأثبتت الحوزات العلمية وعلماؤها تضامنهم ووقوفهم الدائم بجانب المتضررين والمنكوبين من أبناء الشعب، وهذا ما ستتم مواصلته في الظروف الراهنة أيضاً.
7- ينبغي بث روح المحبة والتآلف والطمأنينة بين جميع فئات المجتمع في أي ظرف من الظروف لاسيما الظروف العصيبة الراهنة، وعلى الجميع أن يأخذ هذا المبدأ منهجاً يعمل به، كما يجدر الذكر أن للإيمان بالله سبحانه وعالم الغيب والشهادة والتمسك بالعبادة والصلاة والفضائل الأخلاقية دور فعال في منح الإنسان السلام النفسي والمعنوي والاجتماعي.
8- إن روح الصمود والإرادة الصلبة والعزيمة والثقافة العالية هي السر الكامن وراء تقدم وانتصار المقاومة في جميع الميادين، ويجب التحلي بمثل هذه الصفات في مواجهة الشدائد والابتلاءات
وعدم الاستسلام للقلق والخوف والذعر، وعلينا أن نتغلب وننتصر على هذه المشكلة بالوحدة والتضامن والتظافر.
9- يجب ألا نغفل عن جهود الأعداء والحاقدين في استغلال البلدان والشعوب المستقلة, وعدم إعطائهم حجة ممكن أن يقوموا باستغلالها لمهاجمة ثقافة الشعوب وتدمير اقتصاد الدول والمستضعفين في العالم وإضعاف خطاب الثورة الإسلامية والقيم الدينية.
يجب مراعاة هذه النصائح في جميع الخطط والقرارات، فأجهزة الأنظمة الدعائية والأذرع الغربية يظهرون مشكلاتهم على أنها صغيرة ويسعون لتضخيم وتهويل مشاكل الآخرين لتقويض ثقافتهم واقتصادهم، وهذا ما رأيناه بشكل واضح في أحداث الصين الأخيرة، لذلك يجب على الجميع الاهتمام بحماية البنية التحتية الاقتصادية ومواصلة العمل الجاد وضرورة التسلح بالوعي واليقظة الكاملة لمواجهة الحرب الإعلامية المؤدلجة.
۱۰- اتضح من خلال ما نقلته وسائل الإعلام مؤخراً أن فيروس كورونا انتشر في بعض دول غرب آسيا قبل شيوعه في إيران وللأسف حصد أرواح الكثيرين، نسأل المولى عز وجل أن يدفع عنا وعن جميع البشرية لاسيما الأمة الإسلامية هذا البلاء، لذلك لا بد من جميع الدول أن تتعامل بكل شفافية بخصوص فيروس كورونا وأن يتعاونوا ويتقاربوا على جميع الأصعدة من أجل مكافحته ولحل المشاكل الإقليمية الأخرى.
11- ينبغي على مدراء الحوزات العلمية الأفاضل والمدارس والمراكز والمؤسسات الحوزوية في المحافظات ضمن الصلاحيات الموكولة لهم أن يبذلوا قصارى جهدهم لتجنب وقوع أي خسائر في العملية العلمية والتعليمية والدعاية في هذا المجال، وعليهم الاستفادة من جميع التقنيات بما في ذلك البئية الإلكترونية، كما يجب عليهم بمساعدة الخبراء والمسؤولين في المحافظات والمؤسسات المعنية أن يقوموا بتقديم كل ما في وسعهم لمساعدة المتضررين من الفيضانات الأخيرة وفيروس كورونا، وأن لا يبخلوا في الاستجابة للاحتياجات الثقافية والنفسية لأبناء شعبنا الكريم في أيام هذا الشهر المبارك، وبالطبع ، يجب أن تستمر العملية التعليمية في الحوزات كما كانت بكل حيوية ونشاط والعمل على عدم إيقافها أو تعطيلها.
12- تقف الحوزات العلمية وعلماء الدين دائماً بكل إرادة وعزم إلى جانب الشعب الإيراني العظيم كافة وقم بشكل خاص ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل سعادة وسلامة واستقرار أفراد شعبهم الطيب. كما أن جميع الحوزات العلمية في أنحاء البلاد والعالم وجميع المراكز والمؤسسات الحوزوية لاسيما الحوزة العلمية في قم المقدسة تفتخر بهذا الرابط المتين والمتماسك، والآن وفي هذا الظرف الذي يمر به البلد تعلن الحوزات العلمية ومؤسساتها بشكل عام والطلبة الحوزوين والأساتذة والفضلاء الشباب وجميع التشكيلات الحوزوية في الجمهورية الإسلامية عموماً وفي قم المقدسة بشكل خاص عن جاهزيتها التامة بكل حب ووفاء لتقديم كل ما باستطاعتهم من أجل مكافحة فيروس كورونا المستجد وكذلك مساعدة المتضررين والمنكوبين من السيول والزلازل الأخيرة، وهم لن يألوا جهداً في فعل أي شيء يصب في سبيل رفع الروح المعنوية لدى الشعب، وبفضل الله تعالى وعونه تواصل الحوزات العلمية جهودها الإغاثية لإحتواء الأزمة ودرء الخطر في مختلف المجالات بعد التنسيق مع الجهات المعنية.
وفي النهاية أتقدم بفائق الشكر والتقدير لجميع المسؤولين والأشخاص الذين يسعون بشتى الوسائل لتجاوز الظروف العصيبة التي يمر بها مجتمعنا لاسيما هذه المشكلة، وأخص بالشكر الكوادر الطبية والصحية الأكارم الذين يناضلون في الخطوط الأمامية .
في الختام نسأل المولى عز وجل أن يدفع البلاء عن هذه الأمة وأن يمن عليها بالصحة والعافية ونتمنى للشعب الإيراني والأمة الإسلامية العزة والكرامة والنصر المؤزر.
آية الله أعرافي
مدیر الحوزات العلميّة في إيران