وكالة أنباء الحوزة - نؤمن بأن الله تعالى لا يفعل شيئاً صغيراً أو كبيراً إلا بحكمة ومصلحة، سواء أدركنا تلك الحكمة أم لم ندركها. كما أن جميع أحداث الكون صغيرها وكبيرها تتم بتدبير الله وإرادته، ومن أهم هذه الأحداث غيبة الإمام المهدي عليه السلام. لذا فإن غيبته تكون وفق حكمة ومصلحة، حتى لو لم نعلم فلسفتها.
ومع ذلك، قد يسعى الإنسان الذي يؤمن بحكمة أفعال الله ويخضع لها، إلى معرفة أسرار بعض الأحداث الكونية ليحصل على طمأنينة نفسية وثقة قلبية أكبر بفهم حكمة الظواهر. لذلك، سنتناول بالبحث حكمَ غيبة الإمام المهدي عليه السلام وآثارها مع الإشارة إلى الروايات الواردة في ذلك:
تأديب الناس
عندما لا تقدر الأمة نعمة النبي أو الإمام ولا تقوم بواجباتها تجاههما، بل تعصي أوامرهما، فإن من العدل أن يبعد الله عنها قائدها حتى تفيق إلى رشدها وتدرك في زمن الغيبة قيمة وجودهما وهكذا تكون الغيبة لمصلحة الأمة، حتى لو لم تدرك ذلك.
قال الإمام الباقر عليه السلام: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا كَرِهَ لَنَا جِوَارَ قَوْمٍ نَزَعَنَا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ.» (علل الشرائع، ج ١، ص ٢٤٤)
الاستقلال وعدم الخضوع لعهود الآخرين
المصلحون الذين يسعون إلى إحداث تغيير وثورة يضطرون في بداية حركتهم إلى عقد اتفاقات مع بعض الخصوم لتحقيق أهدافهم. لكن المهدي الموعود عليه السلام هو المصلح العظيم الذي لن يهادن أي قوة ظالمة في طريق إقامة حكومة العدل العالمية، لأنه مأمور – وفقاً للروايات الكثيرة – بمحاربة كل الظالمين بصرامة. ولذلك يبقى في غيبة حتى تتكامل الظروف المناسبة للثورة، كي لا يُجبر على عهد مع أعداء الله.
ورد في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام بيان سبب الغيبة: «لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا قَامَ بِالسَّيْفِ.» (كمال الدين، ج ٢، ص ٤٨٠)
اختبار الناس
امتحان الناس هو من سنن الله تعالى، حيث يختبر عباده بوسائل مختلفة ليتبين مدى ثباتهم على طريق الحق. والنتيجة معروفة لله، لكن الهدف هو تزكية العباد وإظهار جوهر إيمانهم.
قال الإمام الكاظم عليه السلام: «إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَدْيَانِكُمْ لَا يُزِيلُكُمْ عَنْهَا أَحَدٌ. يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ امْتَحَنَ بِهَا خَلْقَهُ.» (الكافي، ج ١، ص ٣٣٦)
حماية حياة الإمام
من أسباب ابتعاد الأنبياء عن أقوامهم هو الحفاظ على حياتهم، حيث كانوا يختفون عند التهديد لينجزوا رسالتهم لاحقاً، كما حدث مع النبي محمد صلى الله عليه وآله عندما خرج من مكة واختبأ في الغار. وهذا كله بمشيئة الله.
وفي روايات كثيرة، ذُكر أن حماية الإمام المهدي عليه السلام من القتل هي أحد أسباب غيبته.
قال الإمام الصادق عليه السلام: «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ ظُهُورِهِ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: يَخَافُ الْقَتْلَ.» (الغيبة للطوسي، ج ١، ص ٣٣٢)
مع أن الشهادة هي أمنية أولياء الله، إلا أنها تكون محمودة عندما تكون في سبيل أداء الواجب الإلهي ومصلحة الدين. أما إذا أدى القتل إلى ضياع الأهداف الإلهية، فإن الخوف منه يكون عقلائياً. وقتل الإمام الثاني عشر عليه السلام – وهو آخر الذخائر الإلهية – يعني انهيار آمال الأنبياء والأولياء جميعاً، وعدم تحقيق وعد الله بإقامة حكومة العدل العالمية.
ختاماً وردت في الروايات نقاط أخرى حول أسباب الغيبة، ولكن الأهم هو أن الغيبة سر من أسرار الله، وسيُكشف السبب الرئيسي بعد الظهور. وما ذُكر هو بعض العوامل المؤثرة في غيبة الإمام العصر عليه السلام.
وللحديث بقية في الأجزاء التالية بمشيئة الله تعالى.. والجدير بالذكر أن النص مُقتبس من كتاب "نگین آفرینش" (جوهرة الخلق) مع بعض التعديلات.
لقراءة النص باللغة الفارسية اضغط هنا.
المحرر: أ. د
المصدر: وكالة أنباء الحوزة
تعليقك