بحسب ما أوردته وكالة أنباء الحوزة، فإن من الشخصيات البارزة في القرن الثالث الهجري، التي كان لها تأثير كبير في نشر معارف أهل البيت (ع) في إيران، هو العلامة الجليل عبدالعظيم الحسني (ع). فقد كان في زمانه ذا مكانة مرموقة، وبسبب حضوره في محضر الإمامين الجواد (ع) والهادي (ع)،
نقل عنهما الكثير من الأحاديث. وقد أكّد الشيخ المفيد هذا الأمر، موضحًا أنه أدرك الإمام الرضا (ع) أيضًا، ونقل عنه أحاديث. كما أن عبدالعظيم (ع) كان على اتصال تام بكبار علماء الشيعة ورواة الحديث من الدرجة الأولى، وكان معاصرًا وجليسًا لعدد كبير من أصحاب الأئمة الصادق (ع)، الكاظم (ع) والرضا (ع).
ويذكر الشيخ الصدوق في كتابه "كمال الدين" إيمان عبدالعظيم (ع) ومكانته العلمية وفضائله الأخلاقية كما نُقلت عن الأئمة المعصومين (ع)، حيث قال: "عندما شرف عبدالعظيم (ع) بلقاء الإمام الهادي (ع) وعبّر عن معتقداته، قال له الإمام (ع): أنت من أوليائنا الحقيقيين."
وبمناسبة وفاة هذا السليل العظيم للإمام الحسن المجتبى (ع)، أجرينا مقابلة مع حجّة الإسلام محمد صالح مشفقيپور، نستعرض فيها سيرته وشخصيته.
عبدالعظيم الحسني (ع) من وجهة نظر الأئمة المعصومين (ع)
قال حجّة الإسلام مشفقيپور في مستهل حديثه: إنّ الإمام الهادي (ع) يصف عبدالعظيم الحسني (ع) بأنه "من أوليائنا حقًا"، وهذه العبارة تدل على المقام الرفيع لهذا السيد الجليل. فمن المعروف أن الأئمة (ع) لا يطلقون مثل هذه العبارات إلا في حق أوليائهم الخُلّص، الذين بلغوا درجة عالية من الإيمان والطهارة.
ثم يضيف: عندما يعرض عبدالعظيم (ع) عقيدته أمام الإمام الهادي (ع)، فيسرد أصول الدين من التوحيد والنبوة والإمامة والعدل والمعاد، ويُظهر التزامه بولايـة الأئمـة الاثني عشر، يجيبه الإمام (ع): «يا أبا القاسم، والله إنّ هذا لَهوَ دينُ الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبُت عليه، ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة».
هذا الكلام يكشف لنا عن مدى رسوخ العقيدة والمعرفة في قلب عبدالعظيم الحسني (ع)، حتى إن الإمام المعصوم (ع) يطمئنه بأن عقيدته مطابقة تمامًا لما يريده الله من عباده.
فضل زيارة مرقد عبدالعظيم الحسني (ع) يتابع حجّة الإسلام مشفقيپور: ورد في روايات متعدّدة أن زيارة قبر عبدالعظيم الحسني (ع) تعادل في الفضل زيارة قبر الإمام الحسين (ع)،
وهذا ليس بالأمر الهيّن. ففي الحديث الذي نقله ابن قولويه، يقول الإمام الهادي (ع): «من زار قبر عبدالعظيم الحسني (ع) في الري، كمن زار الحسين بن علي (ع) في كربلاء». وهذا التشبيه لا يُقصد به المساواة من حيث المقام، بل من حيث الأجر والثواب، وهو تعبير عن عظمة هذا السيد وعلو مكانته عند أهل البيت (ع).
قبره مَأمن للمؤمنين ومَرجع لأهل الحوائج ويضيف: من الملفت أنّ الناس في مختلف العصور كانوا يتجهون إلى مرقد عبدالعظيم (ع) لقضاء الحوائج وطلب الشفاعة، وهذا بحد ذاته دليل عملي على ما ورد في الروايات من فضل هذا السيد الجليل، وأنه "أمين الله في الأرض"، كما وصفه الإمام الهادي (ع) في بعض الروايات.
عبدالعظيم الحسني (ع) ناشر لمعارف أهل البيت (ع)
يقول حجّة الإسلام مشفقيپور: أحد الأبعاد المهمة في شخصية عبدالعظيم الحسني (ع) هو دوره كمحدّث وناقل موثوق لأحاديث الأئمة المعصومين (ع). فقد نقل الكثير من الروايات عن الإمام الجواد (ع) والإمام الهادي (ع)، وكان الناس في عصره يرجعون إليه في مسائل الدين والعقيدة.
كما أن العلماء الكبار – مثل الشيخ الصدوق – يعتمدون على رواياته في كتبهم، مما يدل على وثاقته ومكانته العلمية والروحية. موقع عبدالعظيم (ع) في شبكة الأمان العقائدي ثم يشير المتحدث إلى أنّ عبدالعظيم الحسني (ع) كان يشكل جزءًا من "شبكة الأمان العقائدي" التي وضعها الأئمة لحماية مذهب أهل البيت (ع) في زمن الشدة والتقية.
فقد كانت الريّ آنذاك منطقة مركزية مهمّة، وكان وجود شخصية مثل عبدالعظيم الحسني (ع) فيها، بصفته مرجعًا علميًا وروحيًا، يوفّر حصانة للمؤمنين هناك ويمنحهم الثقة في ممارسة دينهم.
علاقته بالإمام الهادي (ع)
ويروي حجّة الإسلام مشفقيپور: من المثير أن الإمام الهادي (ع) لم يكتفِ فقط بالإشادة بعقيدة عبدالعظيم (ع)، بل كان يُخاطبه بلقب "أبا القاسم" – وهو أسلوب فيه احترام ومودة – ويقول له: "أنت ولينا حقًا". هذا الخطاب المليء بالحنان والاحترام يكشف عن عمق العلاقة بين الإمام وعبدالعظيم، ويؤكد أن هذا السيد الجليل لم يكن مجرد ناقل حديث، بل كان من المقربين الخواص.
الختام واختتم كلامه بالقول: من المؤسف أن كثيرًا من الناس لا يعرفون هذه المقامات العالية لعبدالعظيم الحسني (ع)، مع أنه من السلالة الطاهرة، ومن أعمدة العلم والإيمان في عصره، وهو اليوم راية للهداية ومأوى للزائرين في مدينة الري.
وعلينا أن نُحيي ذكراه ونُعرّف الأجيال بمقامه الجليل.
تعليقك