الثلاثاء 15 أبريل 2025 - 13:28
الخطأ الذي وقع فيه منتقدو المذهب

الحوزة/ صرّح سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي بأنّ المنتقدين للمذهب قد اختلط عليهم الأمر، فخلطوا بين "جوهر المذهب" و"التعصّبات الدينية" أو "الأفكار المنحرفة". والحقُّ أن التعاليم المذهبية، متى ما نُظِر إليها بعين الإنصاف، لم تأتِ إلا لهداية الإنسان وسعادته، وإنْ تطوّرت مع الزمن في سياق الكمال.

وكاله أنباء الحوزة‌ سؤالٌ ورد إلى سماحته: ما سبب الخلافات والنزاعات بين أتباع الأديان؟ وهل الدين ذاته هو سبب العداوة والحروب؟

الجواب الموجز: إنّ بعض الكتّاب الغربيين اتّهموا الأديان بأنّها أصل النزاعات والتفرقة بين البشر، غير أنّ الحقيقة على خلاف ذلك.

أولًا: الخلافات غالبًا ما تقع بين أتباع المذهب وخصومه، لا بين المؤمنين الحقيقيين أنفسهم.

ثانيًا: المجتمعات التي ابتعدت عن الدين لم تسلم من الحروب، بل تفاقمت فيها بصورة أفظع.

ثالثًا: الأديان السماوية – وخاصة الإسلام – ساهمت في إزالة الحواجز العرقية والجغرافية، فأطفأت نيران كثير من الحروب.

رابعًا: بعض الحروب الدينية لم تكن اعتداءً، بل كانت جهادًا لتحرير الإنسان من الظلم والاستعباد.

الجواب التفصيلي:

اتّهم بعض المفكرين الغربيين الأديان بأنها سبب الانقسام والصراع، مستندين إلى صفحات التاريخ التي تذكر حروبًا دينية دامية، فحاولوا من خلالها تشويه صورة المذاهب ووصمها بالعنف. لكنهم غفلوا عن حقائق جوهرية:

أولًا: النزاعات لم تكن نابعة من صلب المذهب أو من تعاليمه الأصيلة، بل كانت نتيجة تحريف الدين، أو بسبب التعصّب الأعمى، أو نتيجة مزج التعاليم السماوية بخرافات دخيلة.

ثانيًا: إذا تأمّلنا في المجتمعات التي أُبعد عنها الدين، نرى أنّها لم تنعم بالسلام، بل اندلعت فيها الحروب بأشكال أفظع وأكثر شراسة، تحت شعارات سياسية أو مصالح اقتصادية أو قومية. فهل هذه نتيجة غياب الدين؟ أم أنّ الطبع البشري المتغطرس هو العلة الحقيقية؟

ثالثًا: الإسلام وغيره من الأديان الإلهية نادت بالمساواة ورفض التفرقة العرقية، وسعت إلى إذابة الفوارق المصطنعة، فكان لذلك أثر عظيم في تقليص أسباب الصراع. وقد أعلت هذه الأديان من شأن القيم الإنسانية النبيلة كالمحبة والرحمة والتعاون، وسعت لترسيخها بين الناس.

رابعًا: الأديان لم تقف مكتوفة الأيدي أمام الظلم، بل قادت ثورات تحررية ضد المستبدين، كما فعل الأنبياء مع الجبابرة من الفراعنة والنماردة. وحروب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) مع مشركي مكة وطواغيت الروم والفرس لم تكن عدوانًا، بل تحريرًا للإنسان من ربقة الجهل والاستعباد. النتيجة: الذين ينتقدون المذهب قد جانبوا الصواب حين ظنّوا أن الخطأ في الدين، بينما الخطأ الحقيقي هو في التفسيرات المنحرفة والتعصّبات الضيّقة.

فلو نظرنا إلى جوهر تعاليم الأديان، لوجدناها كلها تهدف إلى سعادة الإنسان، وتكاملت عبر العصور لتبلغ ذروتها في الرسالة الخاتمة. تشبيه بديع: الأديان السماوية كالغيث النازل من السماء، طاهر مبارك، يحيي الأرض والقلوب. ولكن حين يسقط المطر على أراضٍ ملوّثة، بعضها مالح وبعضها فاسد، يتغير طعمه ورائحته.

فالعطب ليس في الغيث، بل في الأرض التي لم تُهيّأ لاستقباله. وهكذا هي تعاليم السماء، لا يُلام الدين إن حُرّف، بل يُلام من حرّفه أو ساء فهمه. المرجع: مقتبس من كتاب "تفسير نمونه"، لسماحة آية الله العظمى ناصر مكارم الشيرازي، دار الكتب الإسلامية، الطبعة السابعة والأربعون، المجلد ٢، الصفحتان ٢٩٩ و٥٥٣

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha