وكالة أنباء الحوزة - في زمنِ الظلم والطغيان، برزَت شخصياتٌ إسلاميةٌ حملتْ مشعلَ الهداية، فكانتْ حياة هؤلاء امتداداً لسيرة الأنبياء. ومن أبرزِ هذه الشخصيات، العالِمُ المجاهدُ السيد محمد باقر الصدر وهو مرجعٌ ديني، وفيلسوف، ومفكّر شيعي عراقي من أصولٍ لبنانية، ويُعتبرُ أحدَ أبرزِ مؤسسي "حزب الدعوة الإسلامية" ومنظّري أفكاره، وصاحبَ مؤلفاتٍ رائدةٍ في الفكر السياسي الشيعي.
لم يكنْ مصيرُ هذا العالِمِ إلاّ أن يُستشهدَ في سبيلِ عقيدتِه، حيث أعدَمَه نظامُ البعثِ الصدامي في 9 نيسان/أبريل 1980 بتهمةِ "الولاء لإيران". لكنَّ دمَه الطاهرَ أصبحَ نوراً يُضيءُ دربَ الأُمّة.
المقالُ الآتي الذي كتبه الشيخ عماد مجوت يُبرزُ كيفَ جسّدَ الشهيدُ الصدرُ النموذجَ القرآنيَّ للعالِمِ العامل، الذي ذابَ في الإسلامِ كما ذابَ أسلافُه من الأنبياءِ والأوصياء.
ونص المقال كما يلي:
ربما لا يفوت متدبر في القرآن الكريم أن يتسائل عند مروره بقوله تعالى: ﴿وَرُسُلًا قَد قَصَصناهُم عَلَيكَ مِن قَبلُ وَرُسُلًا لَم نَقصُصهُم عَلَيكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ موسى تَكليمًا﴾ [النساء: ١٦٤] وقوله: ﴿وَلَقَد أَرسَلنا رُسُلًا مِن قَبلِكَ مِنهُم مَن قَصَصنا عَلَيكَ وَمِنهُم مَن لَم نَقصُص عَلَيكَ﴾ [غافر: ٧٨] عن الحكمة من ذكر بعضهم دون البعض الآخر؟ فيأتي الجواب من القرآن ولو احتمالاً إن ذكر البعض تحديداً لأجل ما تحمله حركته من موعظة وعبرة وتسلية لأصحاب الرسالات: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيكَ مِن أَنباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ في هذِهِ الحَقُّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرى لِلمُؤمِنينَ﴾ [هود: ١٢٠]. وأصل القصص القرآني إعتبار أصحاب القلوب والعقول المتحررة من أسر الهوى: ﴿لَقَد كانَ في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبابِ ما كانَ حَديثًا يُفتَرى وَلكِن تَصديقَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصيلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ﴾ [يوسف: ١١١].
ربما من السهولة بمكان أن يكون الإنسان عالماً فقيهاً اصولياً فيلسوفا مرجعاً ولكن من الندرة بمكان أن يكون عبرة ومعتبراً وصورة نبوية لرسل السماء ذوبانا في نكران ذاته لجعل كلمة الله تعالى هي العليا.
محمد باقر الصدر النموذج القرآني ممن "في قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِأُولِي الأَلبابِ"، لحملة الرسالة ليقال لهم إنه مصداق "ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ" وأنه "ما كانَ حَديثًا يُفتَرى وَلكِن تَصديقَ الَّذي بَينَ يَدَيهِ" من إسلام محمد وعلي صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما. محمد باقر الصدر العالم الذي ما تحدث عن أسرته أو وطنه أو قوميته ولكنه تحدث عن الإسلام.
محمد باقر الصدر العالم الذي لم يفرض أن يكون واجهة الإسلام بل أكتفى أن يكون جندياً لخدمة الإسلام، فلم يجد في نفسه حرجاً أن يقول عن الإمام الخميني رض أنه (حقق حلم الأنبياء)، ولم يجد حرجاً أن يقول (ذوبوا في الخميني كما ذاب الخميني في الإسلام) ما دامت الغاية إعلاء كلمة الله تعالى.
مات الكثير الكثير من علماء وفقهاء ومراجع نفوسهم زاكية ولكنهم كانوا مصداقاً لقوله "وَمِنهُم مَن لَم نَقصُص عَلَيكَ"، واستشهد هو رض ليكون مصداقاً لقوله "مِنهُم مَن قَصَصنا عَلَيكَ".
محمد باقر الصدر النموذج والظاهرة المجسدة للإسلام المحمدي بمحجته البيضاء، فهو العبقري في العلم، والزاهد في حطام الدنيا ولو بعنوان يجعله أمام اسمه، والمنكر لذاته حيث يحضر الدين .
محمد باقر الصدر المدرسة والجامعة التي ينبغي أن تكون حاضرة في رحابها الأجيال، ومسؤوليتنا هي ذلك: ﴿وَكَذلِكَ أَعثَرنا عَلَيهِم لِيَعلَموا أَنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيبَ فيها إِذ يَتَنازَعونَ بَينَهُم أَمرَهُم فَقالُوا ابنوا عَلَيهِم بُنيانًا رَبُّهُم أَعلَمُ بِهِم قالَ الَّذينَ غَلَبوا عَلى أَمرِهِم لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَسجِدًا﴾ [الكهف: ٢١]. فإن المدح للغالبين لأنهم بنوا على أصحاب الموقف الإيماني مشهداً. (1)
الكاتب: الشيخ عماد مجوت
المصدر: واحة (وكالة أنباء الحوزة في النجف)
(1) إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي وكالة أنباء الحوزة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها.
تعليقك