وكالة أنباء الحوزة في بداية الندوة، قدّم حجة الإسلام ميرخندان شرحًا لمفهوم «العالم الثاني» في الفضاء الافتراضي، معتبرًا إياه بيئة مستقلة تؤثر في هوية الفرد وسلوكياته.
وأوضح أن الفضاء الرقمي لا يُعدّ مجرد مكمل للعالم المادي والذهني للإنسان، بل هو تجربة وجودية جديدة مكوّنة من ثلاثة عوالم رئيسية: العالم الواقعي (المادي)، العالم الذهني (النفسي)، والعالم الرقمي (الافتراضي).
وأضاف أن إغفال الوالدين لهذه البيئة يجعل جزءًا كبيرًا من عملية التربية خارج نطاق الأسرة، خاضعًا لتأثير رسائل وأنماط سلوكية غير مناسبة.
وأكّد حجة الإسلام ميرخندان على الدور المحوري للأب في التعامل مع البنات ضمن هذه البيئة، مشددًا على ضرورة أن يتحول الأب من موقف الرقابة الصارمة أو السلبية إلى موقف «الصديق والمرافق»، لبناء بيئة آمنة قائمة على الحوار.
وفي ضوء تجاربه الميدانية، أشار إلى أن الأساليب السلطوية الجافة أو الإهمال التربوي كلاهما يؤديان إلى الإخفاء، وتراجع الثقة المتبادلة، وظهور مشكلات أكثر تعقيدًا لاحقًا.
وبيّن أن المشاركة الفعالة للأب، والانخراطه في الأنشطة الرقمية التي تمارسها ابنته، وفتح أبواب الحوار، تمثّل الركائز الأساسية للوقاية من الانحرافات والمخاطر المحتملة.
وقد تناول جانبًا مهمًا في كلمته حول أهمية «الثقافة الإعلامية» لدى الوالدين، مشيرًا إلى أنها تشمل ثلاث كفاءات أساسية:
تفسير وفهم الرسائل الإعلامية.
التقييم النقدي للمحتوى المستقبَل.
إنتاج محتوى واعٍ ضمن البيئة التفاعلية للفضاء الرقمي.
وأوضح أن غياب هذه المهارات عند الوالدين يُفشل أيّ محاولة للتوجيه أو التربية الرقمية. ومن الحلول المقترحة لرفع مستوى الثقافة الرقمية لدى الأسري
إقامة ورش تدريبية في المدارس والمراكز الثقافية.
تشجيع الوالدين على قراءة المصادر المتخصصة.
عقد جلسات تحليل جماعية للمحتوى الرقمي بمشاركة الأبناء.
متى وكيف يُسلَّم الهاتف الذكي للبنات؟ وردًا على استفسارات الحضور حول السن والظروف المناسبة لمنح الهاتف الذكي للبنات، أوصى حجة الإسلام ميرخندان بعدم تسليم الهاتف المستقل المزود بشريحة اتصال خاصة قبل نهاية المرحلة الثانوية. وبيّن أنه في حالات الضرورة، مثل حضور الصفوف الافتراضية أو إنجاز الواجبات الرقمية، يمكن للبنات استخدام هواتف الأهل أو أجهزة العائلة المشتركة، ضمن أوقات محددة (مثل 30 إلى 60 دقيقة يوميًا).
كما أشار إلى أن الحاسوب المنزلي يُعدّ خيارًا أكثر أمانًا وسهولة في الرقابة، بشرط أن يكون في مكان مفتوح في المنزل وتحت إشراف غير مباشر من الوالدين.
وفي ختام الجلسة، تطرق إلى آليات التعامل مع الانحرافات والمحتوى الضار في الفضاء الرقمي، مؤكدًا أن الخطوة الأولى عند رصد سلوك مقلق هي «الحوار المتعاطف»؛ حوار يُتاح فيه للابنة التعبير عن مشاعرها ودوافعها دون خوف من التوبيخ أو الحكم. وضرب مثالًا بجمل مثل: «أنا أفهم لماذا تتابعين هذه الصفحة» أو «يهمني أن أعرف ما الذي يجذبك»، مؤكدًا أن هذه العبارات تسهّل فتح قنوات الحوار.
وأضاف أنه في حال تجاوز المشكلة لقدرة الأسرة، يجب الاستعانة بأخصائيين في علم النفس، أو مستشارين أسريين، أو خبراء في الثقافة الرقمية. استراتيجيات إيجابية وسلبية في التربية وأشار إلى وجود تقسيم بين «التدابير الإيجابية» و«التدابير السلبية» في إدارة سلوكيات الأبناء،
مع التأكيد على أن الأولوية دائمًا للتدابير الإيجابية، كالتعليم، وتقديم النماذج السليمة، والأنشطة المشتركة. أما الإجراءات السلبية (مثل تقليص الوقت المسموح أو فصل الشحن مؤقتًا) فلا يُلجأ إليها إلا بعد استنفاد كافة الخيارات الإيجابية،
وتُعتبر حلولًا تكميلية نهائية. رفقة الأب هي أساس التربية الرقمية
وشدّد حجة الإسلام ميرخندان في الختام على ضرورة الفهم العميق لشخصية الفتاة ومراحل نموها، مبينًا أن الصداقة والمرافقة الوجدانية بين الأب وابنته تُشكّل الأساس المتين للتربية الناجحة في العصر الرقمي.
ودعا الوالدين إلى تخصيص الوقت والاهتمام الكافي للتعرّف على الجوانب الفردية والعاطفية والنفسية لأبنائهم، ليتمكنوا من الاستجابة الفعّالة لحاجاتهم وتحدياتهم في هذا العالم الرقمي المعقد.
تعليقك