۲ آذر ۱۴۰۳ |۲۰ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 22, 2024
سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد هاشم الحيدري

وكالة الحوزة ـ أجرى الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني،  إذ تطرق في القسم الثاني من الحلقة السادسة إلى دور الشعائر الحسينية كدرس وقاعدة في كل زمان لإحياء قضية الإمام الحسين (ع) وبالتالي إحياء الإسلام.

أفادت وكالة أنباء الحوزة أن الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري أجرى سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني،  إذ تطرق في القسم الثاني من الحلقة السادسة إلى دور الشعائر الحسينية كدرس وقاعدة في كل زمان لإحياء قضية الإمام الحسين (ع) وبالتالي إحياء الإسلام، وفيما يلي نص الحوار.

ما هو دور الشعائر في خدمة ونصرة الإسلام؟

هناك قضية نقف عندها وهو الدرس المهم لقضية الأربعين، وهو مقدمة لهذا الأمر. الأربعين الذي يمثل حركة زينب الكبرى والإمام السجاد بعد شهادة الحسين، كيف نقف عنده لنستلهم منه الدروس، وهذه نقطة مهمة. نحن هنا تحدثنا عن التأريخ وعن دور السيدة زينب والإمام السجاد كمنطلق لدرس وكقاعدة لدرس وكأصل لدرس، والدرس المهم هو: أن يقوم المؤمنون في كل زمان والناس في كل زمان بإحياء قضية الحسين كأصل وهذا ما يجري اليوم، وكذلك إحياء قضية الإسلام في زمانهم كامتداد وكفرع من قضية الحسين، وبتعبير آخر: الاكتفاء بذكر قضية الحسين دون التعريف والإحياء لقضية المسلمين في ذلك الزمن بمعنى أننا اليوم في سنة 2014، نأتي ونكتفي بقضية الحسين التأريخية دون التعريف بقضية الإسلام، ودون معرفة: أين يزيد اليوم؟ وأين الحسين اليوم؟ ومن الذي يمثل يزيد اليوم؟ ومن الذي يمثل الحسين؟ فإذا اكتفينا بذلك فقد حجّمنا قضية الحسين، بمعنى أن قضية الحسين تنتهي صلاحياتها سنة 61 للهجرة، ولم يبق منها إلا ذكريات. ولكن إذا انطلقنا من قضية الحسين بكل معالمها ومآسيها وبطولاتها وجئنا وسقناها إلى زماننا كمنقذ وكمصلح، عند ذلك نكون قد أحيينا قضية الحسين وأحيينا قضيتنا الإسلامية في زماننا. فإن قضية الحسين قادرة على أن ترعب الأعداء في كل زمان وتعالج وتساعد بعلاج قضايا المسلمين في كل زمن. وهنا أيضا التفاتة وهي أن الإمام الحسين حينما قام وهو صاحب الثورة، هل قام من أجل مظلومية أمير المؤمنين التي هي تاريخ، أم قام من أجل مظلومية أمه الزهراء؟ أو . . . كلا، قام من أجل الإسلام في زمانه وضحى بالدم لا من أجل  قضية تاريخية وإنما من أجل الإسلام في زمانه، حيث قال: «إذ قد بليت الأمة براعٍ مثل يزيد»، لأنه تعاطى مع الإسلام في زمانه، فكان الحسين بن علي (ع) سيد الشهداء وأبو الاحرار، كذلك السيدة زينب تحركت من أجل الإسلام في زمانها، وتحركت من أجل الحسين الحاضر، لا من أجل الحسين التأريخي. من خلال هذا نفهم أن من أهم دروس الأربعين هي أن الأربعين انطلق من دروس الحسين إلى واقعنا لنرعب الأعداء في واقعنا وفي زماننا، فإن كان الأمر هكذا فقد أُحييت قضية الحسين (ع).

إنّ بحث الشعائر موضوع حساس ولا شك أن مسألة البكاء والرثاء لها أهميتها، وهناك وجهات نظر في هذا الأمر، ولكن أنا التزم كما هي عادتنا بكلام سماحة السيد القائد في رؤيته للشعائر، حيث يقول في كلام مهم: «أيها الأعزاء! أيها المؤمنون بالإمام الحسين! إن بإمكان الإمام الحسين أن ينقذ العالم اليوم بشرط أن لا تشوَّه صورته بالتحريفات، فلا تَدَعوا المفاهيم الخاطئة والتحريفات تصرف القلوب عن وجه سيد الشهداء، ولابد من التصدي للتحريف، وهذا تكليف، وسأوجز بنقطتين: أولاً متابعة قضية عاشوراء من على المنابر، وعن طريق الرثاء بالصورة التقليدية وببيان وقائع يوم عاشوراء، فعادة ما تندثر الحوادث حتى الكبير منها مع مرور الزمن، ولكن حادثة عاشوراء خالدة بكل تفاصيلها، وما ذلك إلا ببركة هذه المجالس، ويتعين بالطبع ذكر الوقائع بطريقة متقنة، ويجب رواية الأحداث والرثاء والمديح ولطم الصدور وبيان حادثة عاشوراء وأهداف الإمام الحسين عن طريق المحاضرات الغنية من خلال الإشارة إلى الكلمات الواردة عنه. إن خلاصة ثورة الحسين تتمثل في أنه مرّ يوم على الإمام كانت الدنيا خاضعة لسيطرة الظلم والجور ولم تكن لأحد الجرأة على بيان الحقائق، وكان الظلام يلف الأرض والزمان حتى أن ابن عباس وعبد الله بن جعفر لم يرحلا مع الحسين (ع)، فما معنى ذلك؟ ألا يدل ذلك على وضع الدنيا حين ذاك، فالإمام الحسين وقف وحيداً في مثل تلك الظروف مع نفر قليل بوجه ذلك الظلم. » هذه النقطة الأولى وهي تبيان الحقائق من خلال المنبر الحسيني وذكر الأهداف.

«ثانيا: استثمار هذه الفرصة، فقد جدّد الإسلام حياته ونال حريته بفضل ثورة الحسين ودمه، وعليكم اليوم بالاستلهام من ذكر الحسين ومنبره واسمه وبيان حقائق الإسلام والتعريف بالقرآن والسنة وتوضيح نهج البلاغة كلام أمير المؤمنين. وإن من بين الحقائق الإسلامية هناك حقيقة مباركة تجسدت في إيران الإسلام؛ أي نظام الجمهورية الإسلامية؛ هذا النظام العلوي الولائي، فحكومة الحق تعد من أسمى المعارف الإسلامية، فلا يتوهم أحد بإمكانية بيان حقائق الإسلام مع التغافل عن حاكمية الإسلام والتي تجلت اليوم في إيران».

وأختم بكلمة وأتحمل مسؤوليتها في ظل كلام القائد وأقول: الترويج لثورة الإمام الحسين من خلال الخطابة والبكاء والشعائر هو إحياء لروح الجهاد الحسيني والمقاومة الزينبية؛ أي عندما نذهب إلى الشعر وإلى الخطابة، لابد أن تقوم بإحياء روح ما بعد الشهادة في زماننا، وهذه هي وظيفة المجلس الحسيني، لا أن نكتفي بذكر مظلومية الحسين لإبكاء الناس، كما هكذا يفعل البعض، فالبكاء هو وسيلة لإحياء روح الجهاد والاصلاح الحسيني وليس البكاء وسيلة لبكاء آخر. فأحياناً نحن نبكي لكي نبكي لبكاء ثانٍ، وأنا اقول ليس البكاء وسيلة للبكاء التالي والآخر، أي أن الإبكاء الذي ورد في الرواية، إنما هو لخلق الروح ورفع الظلم المنبثقة من ثورة الحسين، هذا هو هدف الإبكاء. فإن كليهما بكاء ولكن مرة يكون البكاء وسيلة ومرة يكون هدفاً. فالبكاء مطلوب في كلام القائد والإمام الخميني وحركة المراجع والتباكي مطلوب كذلك ولكن لماذا؟ هل للبكاء أم لما بعد البكاء، كالصلاة هل هي وسيلة أم هدف؟ الصلاة وسيلة، نعم إنها هدف وسطي كذلك البكاء هدف وسطي، ولكن هناك شيء ما بعد البكاء وهو إحياء الروح وإرعاب العدو، فإنه ليس كل بكاء يخيف العدو، فإن كان البكاء هدفاً فهو لا يخيف العدو. وأنا أعتقد أنه إذا أصبح البكاء هدفاً سوف نتوقف عنده ولا يمكننا أن نستوحي من ثورة الحسين وأهدافه وتنطفئ بدموعنا، على خلاف ما لو كان البكاء وسيلة لما بعده كما في الصلاة بأن تكون قربة إلى الله.

مثال: مجموعة من المؤمنين جاءوا لبناء مسجد في منطقة ما، فبنوا المسجد ووصلوا إلى وسط الجدار، فجاء مجموعة من المجرمين وقالوا: ماذا تفعلون؟ لا نريد هنا بناء مسجد في المنطقة، لأن صوت الأذان يزعجنا. وحدثت معركة بينهم فكان المؤمنون يدافعون عن بيت الله وهؤلاء ضد بيت الله وضد الإسلام، حتى استشهد جميع المؤمنين. فأخذ الأحفاء يحيون المناسبة في رأس السنة ويبكون ويقرأون القرآن ويطعمون الطعام ويرجعون وهكذا يأتون في كل عام إلى أن أصبحت مراسم وطقوس لإحياء ذكرى هؤلاء، وفي زمن ما مرّ حكيم وقال لهم: ماذا تفعلون؟ ذكروا له القصة، فقال لهم: والمسجد لا يزال ناقصاً، لم لا تكملون بناء الجدران؟

الكثير منا يبكي على الحسين (ع) ولم يرتقِ إلى أهداف الإمام الحسين (ع) ولم يجسد الهدف الحسيني؛ أي الإصلاح في زماننا، في شركاتنا وحكوماتنا وجامعاتنا ومنازلنا ومواقعنا وفضائياتنا. فإن أردنا أن يكون الحسين(ع) حياً علينا أن لا نكتفي بلبس السواد واللطم والعزاء؛ نعم وهذا مهم فعلينا إحياء الأربعين ولكن أن نجسد الإصلاح، وأن نكمل بناء المسجد بالبناء الحسيني.

واحدة من صفات المؤمن هي زيارة الأربعين، وهناك مقطع مهم فيه الزيارة يقول: «وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة»، يعني أولاً مستوى العطاء الحسيني على أعلى مستوياته وهو بذل الدم، وثانياً الإخلاص والفناء، وثالثاً إنقاذ الإسلام والعباد من الجهالة وخطورة المصير وحيرة الضلالة. لقد قام الإمام الحسين(ع) وبذل مهجته لأجل الإسلام واستنقاذ العباد في الدنيا والآخرة ولذلك تخليد الإمام الحسين(ع) تخليد استثنائي.

يتصوّر البعض أنّ حركة الإمام الخميني حركة سياسية حيث بناء دولة ومؤسسات، وأنا بكل صراحة أقول بأن حركه الإمام الخميني هي عين كربلاء، وإذا أردنا أن نشاهد كربلاء في زماننا، فإننا نشاهدها في حركة الإمام الخميني، وليس معنى ذلك أن البقية لم يقوموا، ولكن حركة الإمام الخميني قد جسدت كربلاء وعاشوراء بالمستوى الأعلى، ونذكر في ذلك في نقاط عدة:

1- بدأت الكثير من المواقف في حركة الإمام الخميني قبل انتصار الثورة في محرم الحرام، وكان الإمام الخميني يركز في حركته على محرم وصفر، وقد اشتهرت كلمته: «كل ما لدينا من محرم وصفر». فقد كان الإمام يولي اهتماماً بالغاً بمحرم وصفر وعاشوراء، وكان يحاول أن يمزج وقتياً الكثير من حركاته كالدعوة إلى المظاهرات في هذين الشهرين، فإن لعاشوراء مدخلية في الكثير من حركة الشعب الإيراني، والذي يقرأ تأريخ الثورة يجد هذا واضحاً.

2- كان الإمام الخميني يهتم بإقامة مجلس على الحسين بعد الثورة أيضاً، أي أنه بعد انتصار الثورة وبعد إقامة الدولة وبعد الجمهورية الإسلامية أيضاً استمر على إقامة المجالس الحسينية، والإمام القائد اليوم ومنذ سنوات طويلة يقيم المجالس لعدة ليالٍ في العشرة الأولى من محرم، يحضره الناس والمسؤولون ويقام بالطريقة التقليدية.

3-لقد تحدث الإمام والقائد كثيراً عن الحسين، وهذا ما تجلى في خطاباتهم، حيث يذكرون الحسين في الجبهات وفي الأمور السياسية، لا فقط في محرم وصفر، وهذا هو الربط بين الحسين وبين الدولة وبين الواقع.

4-الاهتمام بالشعائر في كل إيران من نفس الإمام ونفس القائد، إلى الدولة التي تدعم الشعائر وتدعم المواكب وتدعم هذا الطبخ والزاد والطعام بالطريقة التقليدية، وكل مدينة في إيران لها تقليدها الخاص في طريقة العزاء واللطم.

5- كان ذكر الحسين معجوناً بالجبهات في الدفاع المقدس، والكثير من الانتصارات التي حققوها كانوا قد ابتدأوها بذكر الحسين وزيارة عاشوراء وزياره وارث، حتى أن بعض الرواديد اشتهروا في الجبهات.

6-اهتمام السيد القائد برفع مستوى الخطباء، فإنه ولسنوات كان يلتقى بآلاف الخطباء والمبلغين على أعتاب شهر محرم الحرام وشهر رمضان، وخطابه يبثّ في التلفزيون الإيراني، لتقديم توجيهات حول المنبر الحسيني. ولقد كان الإمام الخميني والإمام الخامنئي يربطون قضايا المسلمين وقضية فلسطين وقضية لبنان والمقاومة وقضيه العراق ومظلوميته في زمن صدام بقضية الحسين (ع). وهذا أمرٌ سائد في خطاب الولاية وفي ثقافه الولاية. ففي أجوائنا نتحدث في المنبر الحسيني عن الحسين بما هو حسين، وأما الولاية فهي تنطلق من الحسين إلى القضايا الإسلامية وتعود من هذه القضية إلى الحسين، وهذا التعاطي والتداخل والانسجام يُقدَّم كوصفة حقيقية إسلامية لقضايا العالم الاسلامي من قِبَل الولاية.

 

 

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha