أفادت وكالة أنباء الحوزة أن الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري أجرى سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الثالث من الحلقة السابعة إلى وجوب اختيار الأمة للتكليف الأصلي، مبينا أن للتكليف الشرعي الرئيسي زمنا ووقتا مناسبا، فلو جيء به في غير محله لا فائدة ولا نفع فيه، وفيما يلي نص الحوار.
المقدم: لماذا يجب على الأمة أن تختار التكليف الأصلي، علماً بأن التكاليف الأخرى هي أيضاً تكاليف دينية وشرعية؟
سماحة السيد: جزء من الإجابة هو أن اختيار التكليف الأصلي لأنه أصل، يعني بين الأصل والفرع، يذهب الإنسان إلى الأصل، وبين الثانوي والرئيسي، يذهب إلى الرئيسي، ولكن الجزء الآخر من الإجابة هو أنه عندما يأتي القائد المعصوم وغير المعصوم ويحدد أن هنالك تكليف أساسي ورئيسي، وهو يعلم أن هذا التكليف إن نُفّذ وطُبّق من قِبَل الأمة، وإن التزمت به الأمة، ستكون نتائجهُ أكثر إيجابية، وسوف تكون منقذة ومفيدة للإسلام. نحن ذكرنا أن الإمام الحسين شخّص بأن هذه الحكومة فاسدة وجائرة وقال: «مثلي لا يبايع مثله»، وقال أيضاً أيها الناس انصروا الحق وانصروني مقابل يزيد، فلو افترضنا أن الناس جاءت بأكثرها والتزمت بالتكليف الأصلي، نذهب إلى نتيجة الحكم، وقطعاً لو كنا ذهبنا إلى نتيجة الحكم لكان أفضل، على الرغم من أن الامام الحسين قام بالهدف وحقق نتائج القيام حتى من دون وجود ناصر، ولكن نتائج الحكومة أفضل من نتائج الشهادة، لأن الحكم يؤدي إلى عدم وجود الظالم، وسيادة العدالة، وانتشار المعارف الإسلامية، وظهور معارف أهل البيت، ولكان أهل البيت قطعاً هم المنحي و الخط البياني والخط التصاعدي، ولما ذهب بعد ذلك أهل البيت إلى القتل وإلى السجن وإلى أمثال ذلك، ولكن أين كانت المشكلة؟ في الأتباع وفي الأمة. ولذلك فإن أداء التكليف الأصلي في الواقع لو التزم به أكثر الناس، لأدى إلى نتائج مثمرة للإسلام والمسلمين. ولنذكر هنا من باب المثال حركة التوابين التي يشير إليها السيد القائد أيضاً، فإن أردنا أن نقارن التوابين مع أصحاب الإمام الحسين، نقول بأن هؤلاء كان عددهم يبلغ اثنين وسبعين، وأولئك يصل عددهم زهاء خمسة آلاف، هؤلاء كانوا استشهاديين وذهبوا إلى الشهادة، وأولئك أيضاً ذهبوا إلى الشهادة، هؤلاء استشهدوا في يوم واحد، وأولئك أيضاً استشهدوا في يوم واحد. ولكن لو أردنا أن نقارن بين الحركتين وبين الموقفين وبين الأثرين وبين النتيجتين، لا يمكن المقارنة بينهما أساساً لا دنيوياً ولا أخروياً، فحركة التوابين ليس لها أي أثر اجتماعي، بل وحتى في الزيارات نحن نقول: «وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين»، ولكن لا نقول مع التوابين، لماذا؟ وما هو السبب؟ وأين يكمن الإشكال؟ السبب هو أن التوابين لم يأتوا في الوقت المناسب، ولم يؤدوا التكليف الأصلي.
وهنا يأتي موضوع مهم، وهو أن التكليف فيه زمان وفيه مكان وفيه طبيعة محددة. وأنا الآن آتي بمثال لنرى كم هو مهم أثر أداء التكليف الأصلي وعدم أدائه. فقد يقول قائل: ما الذي حدث في كربلاء؟ ألم يقتل الإمام وأصحابه جميعاً؟ فما المشكلة في أن يترك الإنسان هذا التكليف؟ نقول: هناك معمل كمبيوتر مثلاً، ويوضع فيه الجهاز على السكة لإيصال القطع إليه، وهنالك مجموعة من العمال، وأنا الآن عامل، جاءني الجهاز وصل أمامي ويتوقف لنصف دقيقة مثلاً، من أجل أن أضع هذه الآلة فيه وأقوم بتكليفي، ثم يذهب الجهاز إلى شخص آخر، وهو أيضاً عنده آلة أخرى وتكليف آخر، وعندما يؤدي جميع العمال تكاليفهم يتكامل الجهاز، ولو أنّ عاملاً واحداً فقط لم يضع الآلة لربما تعطّل كل الجهاز، ولكن هناك نقطة مهمة وهي أنه: هل يمكن أن يعود لي الجهاز مرة ثانية إذا غفلت عن أداء التكليف؟ كلا، والتوابون كانوا كذلك، فإنهم عندما تخاذلوا وتأخروا مع غض النظر عن الأسباب والعلل، قُتل الحسين (ع) وفاز من فاز ولعن من لعن وتأخر من تأخر. فإن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، ولذلك فإن التوابين لو فعلوا ما فعلوا، لا يمكنهم أن يصبحوا من أنصار الإمام الحسين (ع)، حتى المختار أيضاً كان شخصية عظيمة، ولكن نحن لا ندعوا أن نكون مع المختار في الجنة، بل نقول مع أصحاب الحسين (ع). انظروا إلى أهمية التكليف وخطورة التكليف، ولذلك في قضية تكليف عاشوراء، كان الزمان هو العاشر من محرم، والمكان كربلاء، والهيئة حمل السلاح، بالضبط كان هذا هو التكليف، فلو جاء شخص في يوم الحادي عشر من محرم وليس في العاشر، وذهب إلى الكوفة لا إلى كربلاء، وجاء مبلغاً وليس حاملاً للسلاح، لا ينفعه ذلك، ولو أصاب شخص الزمان وجاء في العاشر من محرم وأصاب المكان أيضاً حيث جاء إلى أرض كربلاء، ولكن جاء ويقول: أنا أريد أن ألقي محاضرة، هنا سيقول له الإمام الحسين (ع): أنت خارج السرب والركب الحسيني، ولو جاء إنسان حاملاً للسلاح وإلى أرض كربلاء، أيضاً لا ينفعه ذلك.
كالصوم مثلاً حيث يبدأ الإنسان بالصيام من أول الفجر، ويستمر ممسكاً حتى يقارب الغروب، ولكنه يفطر قبل دقيقة واحدة من المغرب، فتذهب كل الساعات التي صامها هباءاً منثوراً. أنا أعتقد بأننا كمسلمين نمتلك الكثير من الدقة في هذه الأمور من قبيل الصلاة والصوم وما شاكل وهو جيد ومطلوب، ولكن لا توجد لدينا دقة في المواقف، بل نتعاطىى معه على مزاجنا، فالإمام الحسين يُذبح، والإمام الكاظم في السجن، ومراجعنا وعلماؤنا يقتلون، وإسرائيل تحتل، والجمهورية الإسلامية يعتدى عليها، وأمريكا تحتل، وهكذا تتوالى الأحداث، ونحن لا نمتلك حساسية تجاه المواقف، في حين ندقق جيداً ونحتاط حتى في المسائل المستحبة، ولكن أين هذه الاحتياطات في الإسلام، والإسلام عبر التأريخ يُذبح، وهذه قرون وقرون وقرون ﴿وَأَكثَرُهُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ﴾، ونفس هؤلاء يدققون كثيراً في مسائل الصلاة والصوم والحج.
إذن فمسألة التكليف وتشخيص التكليف الأصلي مسألة أساسية للإنسان، وخصوصاً إذا جئنا إلى زماننا. فإن الأمور التي حدثت في كربلاء بتفصيلها ليست قصة بما هي قصة، وإنما هي دروس وعبر متشابهة، ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَاَ بيْنَ النَّاس﴾ كما يعبّر القرآن الكريم.
ومسألة تشخيص الأهم من المهم أيضاً مسألة وقع فيها الكثير واشتبه فيها الكثير، وخصوصاً ما يرتبط بنفس المسألة التي كانت في زمن الإمام الحسين (ع)، ألا وهي وجود الحاكم الجائر. فإنه منذ بعثة النبي (ص) أو ما بعد ثورة الإمام الحسين (ع) لنقرأ تاريخ العالم الإسلامي من بني أمية إلى العباسيين إلى الدولة العثمانية إلى البعثيين في العراق إلى الشاهنشاهية في إيران إلى. . . كل هذا يشبه ظرف الإمام الحسين (ع)، وهو وجود الجائرين والظلمة، وهناك نداءات كثيرة صدرت من أهل البيت (ع)ما بعد حركة الإمام الحسين (ع) أو من الفقهاء، ولكن الناس ذهبت إلى التكاليف الفرعية وانشغلت بها. ولذلك يجب على الإنسان أن يلتفت إلى الأهم والمهم لكي لا يسقط كما سقط السابقون بأنهم كانوا على صلاتهم وعلى صومهم وعلى قراءة القرآن باقون، ولكنهم خذلوا الحق بكل بساطة.
نحن اليوم نمر بظروف صعبه جداً ومنعطف تأريخي في المنطقة وفي الجمهوريةالإسلامية وفي لبنان والعراق والبحرين واليمن وسوريا، وهذه هي ساحات كربلاء. فإن ساحة كربلاء تعني ساحة التكليف والموقف الحسيني، هنالك ثواب ولكن هنالك واجب. فإن المشي إلى مدينة كربلاء فيه ثواب كبير قطعاً، ولكن لا يرقى إلى الواجب، ولم نسمع فقيهاً أوصل المشي إلى الوجوب رغم أن فيه ثواب مؤكد، إلا أن الساحة هي الواجب؛ الساحة تعني في كل زمن يجب أن أبحث عن ساحة كربلاء لا عن مدينة كربلاء، لأن الساحة قد تختلف، كما أن العاشر من محرم كزمان هو يوم شهادة الإمام الحسين وأصحابه سنة 61 ه، وهذا لا يتغير، ولذلك نحن في كل زمن يوم العاشر من محرم نحيي شهادة الإمام الحسين وأصحابه، ولكن هنالك عاشوراء وهو ليس بالضرورة أن يكون دوماً يوم العاشر، بل قد يقع عاشوراء في الربيع، يعني الزمان الذي أكلف فيه أن أنصر الحسين ولكن في زماني؛ هذا هو معنى عاشوراء.
كل أرض يمكن أن تكون كربلاء وكل يوم يمكن أن يكون عاشوراء، وعلى سبيل المثال عندما دخلت إسرائيل إلى جنوب لبنان في سنة1982، أصبحت الجنوب هي عاشوراء وساحة كربلاء. فأنت اللبناني تستطيع أن تلبي نداء الإمام الخميني في الدفاع عن المقدسات ومواجهة إسرائيل وأيضاً تستطيع أن تأتي إلى زيارة الأربعين أو أن تقيم مجلس عزاء في بيروت، ولكن عندما تكون في الجنوب، فإنها هي ساحة كربلاء، وهي عاشوراء بالنسبة لك سواء كنت في شعبان أو في رمضان أو في يوم العاشر.
إيران منذ عام 1980 بدء كربلائها، ومن لبى نداء الإمام الخميني دخل هذه الساحة، لأن عاشوراء بدأت عندهم في الحرب المفروضة، فمنهم من ذهب وضحى وقدّم، وهنالك الأم التي قدمت أولادها، أفهل هذه هي الحسينية، أم تلك المرأة التي تطبخ فقط في زاويه من زوايا المدينة وتذكر الحسين، ولكن ليس لها شأن بالإسلام، والتي نحن نسميها الحسينية.
عندما دخل الاحتلال إلى العراق في 2003، هنالك ثلة مجاهدة ذهبت للمقاومة، وهي لم تذهب إلى كربلاء ولم تمش في الأربعين لأنها تحمل السلاح، وأمثال هؤلاء هم الحسينيون الحقيقيون. طبعاً أنا لا أقول أنه من يلبس السواد ليس بحسيني، بل أقول: الحسيني ليس فقط من يلبس السواد.
في بعض الأحيان لا يوجد تكليف حسيني، ولكن في كثير من الأحيان هنالك تكليف حسيني، فمن خوطب بالتكليف، ووجد نفسه قادراً على حمل السلاح وترك السلاح بحجة أنه يزور الحسين، ربما يكون قد فرّ من ساحة كربلاء إلى مدينة كربلاء، وفرّ من الواجب وذهب إلى الثواب. وطبعاً هنا الثواب غير حاصل له، لأنه يكون خاذلاً كما خُذل الإمام الحسين باسم الدين، وخُذل باسم الصلاة. لذلك يجب أن لا نكتفي بالسواد واللطم والبكاء، بل يجب أن نفتش عن معنى مدينة كربلاء ومعنى ساحة كربلاء الموجودة لكل أمة في لبنان وسوريا والعراق وإيران. فالحسيني الحقيقي هو من يتواجد في ساحة كربلاء، وليس الذي يتواجد في مدينة كربلاء.