۵ آذر ۱۴۰۳ |۲۳ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 25, 2024
سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد هاشم الحيدري

وكالة الحوزة ـ أجرى الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الأول من الحلقة الثامنة إلى دراسة لخطابات الإمام الخامنئي حول عبر عاشوراء، مبينا الأسباب التي أدت بالأمة وبعد خمسين عاما أن ترتكب تلك الفجيعة العظمى وهي قتل ريحانة الرسول الأعظم محمد (ص)، وسبي أهل بيته.

أفادت وكالة أنباء الحوزة أن الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري أجرى سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الأول من الحلقة الثامنة إلى دراسة لخطابات ومحاضرات الإمام الخامنئي حول عبر عاشوراء، مبينا الأسباب التي أدت بالأمة وبعد خمسين عاما أن ترتكب تلك الفجيعة العظمى وهي قتل ريحانة الرسول الأعظم محمد (ص)، وسبي أهل بيته، وفيما يلي نص الحوار.
المقدّم: بسم الله الرحمن الرحيم 
على مدى الحلقات السابقة، تحدثنا عن أكثر من عنوان في نهج الحسين ووصلنا إلى الحلقة الأخيرة تحت عنوان «عبر عاشوراء وأسباب خذلان الأمة للإمام الحسين عليه السلام»، ولو أننا تحدثنا عن هذه الأمور بشكل موجز ولكن سماحة السيد هاشم الحيدري يريد أن يجمع هذه العناوين في حلقة مستقلة كما عوّدنا بأسلوبه المميّز.
في آخر حلقة من نهج الحسين تحت عنوان «عبر عاشوراء» بحسب أقوال السيد القائد كما اعتدنا في أكثر من حلقة، كيف تناول الإمام الخامنئي موضوع عبر عاشوراء؟
سماحة السيد: بسم الله الرحمن الرحيم
في الحلقة الأولى ابتدأنا بالسلام على الحسين وفي هذه الحلقة نختم ونقول:
السلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليك مني سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون قد وُفّقنا ونوفّق إن شاء الله في هذه الحلقة. والمهم أن يكون للمتحدث والمستمع والمحاور الإخلاص والثواب والقرب من الله سبحانه وتعالى.
كما ذكرتم كان المسار في هذه الحلقات هو مسار الولاية وسماحة الإمام الخامنئي. وفي الحلقة الأخيرة أيضاً نبقى مع الإمام في توجيهاته وفي رؤيته لعاشوراء.
وفي الواقع أنا من باب تكليفي الشرعي، اخترت أن تكون هذه السلسلة ضمن فكر الولاية وفكر الإمام الخامنئي، لأنه أعطى فكرة جديدة ومهمة ومنسجمة مع روايات الإمام الحسين عليه السلام وحركته وروايات أهل البيت حول كربلاء. وأظنّ أنه كل من استمع إلى الحلقات وسمع كلام الإمام القائد، وجد أنه يطرح رؤية جديدة. ولا أخفيكم أن المنبر الحسيني في الجمهورية الإسلامية يأخذ مباشرة من القائد ومندكٌّ وذائبٌ في القائد ويترجم ويفصّل الكثير من كلام القائد إلى أمثلة وإلى دروس وعبر حتى يدخل في الحياة الاجتماعية في هذا البلد، ولكن في العالم العربي هنالك فاصلة عن فكر الولاية، إلا لربما في بعض المحطات وفي بعض الزوايا هنا وهناك، ولكن المؤسف أن كثيراً من خطبائنا بعيدون عن فكر الولاية في هذا المضمار، كما هو حال الكثير من المضامير الإسلامية المهمة.
قد يلومني البعض ممن لا يعتقد بهذا الخط وهذا المنهج قائلاً بأنك ذهبت إلى شخص وتقرأ كلامه، ولكن أقول بأن كل علمائنا كبار عظماء عبر هذه الحوزة العلمية التي عمّرت 1200 سنة، إلا أننا نقف اليوم عند عالم كبير وقائد عظيم ومرجع فقيه مفكر يشهد له من يقرأ علومه وفكره ويستمع إلى خطاباته. وأختم قولي هذا بأن من مظلومية سماحة الإمام الخامنئي هو أنه يُحصَر في البُعد السياسي. وللأسف نسمع من بعض المقربين ومن بعض أنصاف الكبار قولهم أنه قائد سياسي، ويُبعده عن الجانب الفقهي والأصولي والفكري والنهج الإسلامي الأصيل. ولكني أعتقد أننا لو أنصفنا لوجدنا أن القائد يتربع على عرش الفكر الإسلامي السياسي الاجتماعي، خصوصاً عندما يقرأ قائد دولة، وهو فقيه، تأريخ أهل البيت يقرؤه من منظار التجربة، كما أن الفقيه عندما يستنبط، وهو يدخل في المجتمع، يختلف استنباطه عمن يجلس في زاوية من الزوايا.
لقد أبدع القائد في موضوع عبر عاشوراء، وتحدّت بشكل واضح ومفصّل في محاضراته وخطاباته. يقول هنا: «الواقعة التي حدثت كانت في صدر الإسلام، وقد ذكرتُ في وقت ما أن الأمة الإسلامية حريّ بها أن تفكر في السبب الذي وصل بالبلاد الإسلامية بعد وفاة الرسول بخمسين سنة فقط»، هذه نفس أمة رسول الله.. هذه ليست أمة مستوردة من الشرق أو الغرب أو آسيا أو أوروبا. «إلى أن يجتمع أبناؤها من وزير وأمير وقائد وعالم وقاضٍ وقارئ للقرآن في الكوفة وكربلاء ويمزّقوا كبد رسول الله صلى الله عليه وآله بتلك الطريقة الفجيعة. على الإنسان أن يطيل النظر في الأسباب التي انتهت إلى تلك الحالة. وقد سبق لي أن تحدثتُ في هذا الموضوع قبل سنتين أو ثلاث تحت عنوان عبر عاشوراء. طبعاً هذا شيء آخر يختلف عن موضوع دروس من عاشوراء.» والدروس، كما يبيّن، هي كدرس الشجاعة والإيثار وما إلى ذلك، ولكنّ العبر تعني المآسي التي حدثت.. تعني لماذا بادرت الأمة إلى قتل الحسين؟ هذه هي العبر. هنا يذكر السيد القائد مثالاً ويقول بأنك مثلاً تمشي في الشارع فترى حادثة اصطدام شديد بين سيارتين، فتتوقّف متسائلاً: لماذا حدث ذلك؟ هل للسرعة الزائدة أو لعدم الالتفات وأمثال ذلك.. هذه هي العبر. 
«سبق لي وقد ذكرت أن الأمور وصلت إلى الحدّ الذي جعلهم يأتون بحرم الرسول»، يعني السيدة زينب والنساء، «إلى الشوارع والأسواق أمام أنظار الناس ويصفونهم بالخوارج، والخوارج في الإسلام مصطلح يُطلق على من يخرجون على الإمام العادل ويشقّون عصا الطاعة وهم يستحقون لعنة الله ورسوله والمؤمنين.. هذا هو معنى الخوارج. لقد أشاعوا أن سبط رسول الله وابن فاطمة وابن أمير المؤمنين خارج على الإمام العادل، وذلك الإمام العادل هو يزيد بن معاوية! وصدّقهم الناس. إن أفراد السلطة الحاكمة أناس ظلمة، يقولون ما يحلو لهم، ولكن لماذا يصدّقهم الناس؟! ولماذا يلتزمون الصمت إزاءهم؟! إذن هذا التساؤل مهم، ما الذي جرى حتى تصل الأمة إلى هذا الحد؟»
هذا بغض النظر عن فضاعة ما جرى من الخيول التي وطأت صدور الشهداء إلى قطع الرؤوس، فإن أصل الفكرة وأصل القضية فجيعة، وهي مصيبة ما أعظمها من مصيبة كما في الزيارة.
ثم يقول القائد: «إن ما يثير هواجسي هو هذا الجانب من القضية، لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحدّ؟ ولماذا أصيبت الأمة الإسلامية، وهي على تلك الدرجة من التدقيق في تفاصيل الأحكام الإسلامية والآيات القرآنية، لماذا أصيبت بهذه الحالة من الغفلة والتهاون والتراخي الذي انتهى إلى بروز فاجعة كهذه؟ هذه المسألة تشغل فكر الإنسان، وهل نحن أقوى عزماً وأشدّ شكيمة من مجتمع الرسول وعهد أمير المؤمنين؟ وما نفعل حتى لا يجري مثلما جرى؟» إذن المهم أن نأخذ العبر من كربلاء.
المقدّم: سماحة السيد! بعد أن تحدثنا عن عبر عاشوراء في كلام الإمام الخامنئي، نعود قليلاً إلى التأريخ لكي نَصِله بحاضرنا، لماذا وصل ذلك المجتمع إلى تلك الحالة بحيث يقتل سبط نبيّه، وخاصة أن الفارق الزمني لم يكن كبيراً ولم يمض إلّا خمسين سنة، وكان البعض قد عاصر النبي وعاصر الإمام الحسين، ولم يكن الوقت كافياً لكي تنسى الأمة أحاديث النبي وتوجيهاته؟
سماحة السيد: هناك بلا شك أسباب كثيرة، لكن الأبرز من هذه الأسباب أولاً ما يُعبّر في علم الاجتماع ربما بالعقل الجمعي، وهو اتّباع العوام للخواص.. هذا السبب الأول. وهو أمر سلبي إذا كان اتباع لخواص أهل الحق من أهل الدنيا، فإن كان الخواص من أهل الدنيا، سيكون اتباع العوام لهم اتباع لأناس منحرفين. 
ولذلك يقول سماحة السيد في هذا البُعد: «لو نظرنا إلى أسماء أهل الكوفة»، وسماحته يتكلم بدقة، فإنه باحث تأريخي وقارئ رائع في التأريخ الإسلامي، «لو نظرنا إلى أسماء أهل الكوفة الذين كاتبوا الإمام الحسين ودعوه للقدوم إليهم، لوجدنا أنهم جميعاً من طبقة الخواص ومن أكابر القوم ووجهاء الناس، وكان عدد الرسائل هائلاً بلغ مئات الصفحات»، وبالطبع فإن عدد المكاتبين بالآلاف، ولكن كأنه كانت تُكتب رسالة واحدة ويوقِّع عليها مجموعة من الناس، «وربما ملأت عدة خروج، والذين كتبوها غالباً من الأعيان والوجهاء، طبعاً من هذه يتبيّن كم هو عدد الخواص من أنصار الحق ممن كان على استعداد للتضحية بالدنيا في سبيل الدين وهذا ما يمكن أن يُستَشف من خلال الرسائل. ولكن بما أنّ عدد الذين كانوا يميلون إلى التضحية بالدين في سبيل الدنيا كان أكبر، آلت النتيجة إلى مقتل مسلم بن عقيل في الكوفة بعدما كان قد بايعه ثمانية عشر ألفاً، وبعدها مقتل الإمام الحسين. ومعنى هذا أن حركة الخواص تجلب في أعقابها حركة العوام.» يعني بتعبير آخر هم المؤثرون، إما شيخ عشيرة، أو طبيب، أو مهندس، أو رجل دين، فإن هؤلاء لهم تأثيرهم.
هذه الظاهرة عبّرنا عنها بالعقل الجمعي، كما في المثل المعروف في بعض البلدان: «حشرٌ مع الناس عيد»، كن مع الأكثرية، لتكون في عيد ولكيلا تتولّد لديك مشكلة، وهذا هو حال الكثير منا، أي لا نتحرّك بإرادتنا، وإنما نتحرك بالعقل الجمعي ومع المجموعة. هذه المشكلة واجهت الإمام الحسين عليه السلام. ولذلك عندما دخل مسلم بن عقيل إلى الكوفة وتحرّكت الأكثرية مع مسلم، فإن الكثير من الناس لم تتبع مسلماً لأنه مسلم، بل اتّبعته لأن الأكثرية اتّبعت مسلماً. وعندما دخل ابن زياد، اتّجهت الأكثرية إلى ابن زياد، سواء خوفاً أو طمعاً أو تهديداً أو ترغيباً؛ هذا بحثٌ آخر. وذلك الذي لم يكن معتقداً بمسلم وإنما كان معتقداً بالأكثرية، عندما وجد الأكثرية اتّجهت صوب ابن زياد، اتجه هو كذلك إلى ابن زياد.. صفّقوا هنا لمسلم وصفّقوا هناك لابن زياد.. هتفوا هنا مرحباً يا مسلم وهتفوا هناك مرحباً يا ابن زياد.. هذا هو العقل الجمعي. وهذا من الأسباب المهمة، ليس فقط في كربلاء وإنما عبر التأريخ. ولذلك دوماً ما يحذّرنا القرآن من اتّباع العشيرة: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا﴾، ﴿إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾، وأمثال ذلك.. القرآن ينتقد هذه الحالة. إذن في الواقع، من الأسباب المهمة لمصير الأمة التي ذهبت إلى قتل الإمام الحسين هو اتّباع العوام للخواص، بمعنى العقل الجمعي وحركة الأكثرية.
المقدّم: سماحة السيد! هل هناك أسباب أخرى مرتبطة بباطن الإنسان أم أنها لا تتعدى الأسباب السياسية والظاهرية؟
سماحة السيد: قد يقول البعض بأن هذا السبب الأول هو بحث اجتماعي وسياسي، ولكن البحث يستمر إلى أسباب باطنية وأسباب تخص الإنسان وباطنه، ولذلك العلاج هنا ليس علاجاً ظاهرياً وإنما هو علاج في داخل الإنسان، ويجب على الإنسان أن يفتش عن هذا العلاج. 
أنا أقرأ أيضاً فقرات للقائد المعظّم الإمام الخامنئي، يقول: «ما الذي حصل خلال السنوات العشرين هذه بحيث بلغ الأمر هذا الحدّ»، طبعاً هنا يتحدث عمّا بعد شهادة أمير المؤمنين إلى قضية الإمام الحسين، «وأي مرض خطير هذا الذي بمقدوره الوصول بالمجتمع الذي كان يقف على هرمه النبي صلى الله عليه وآله»، إنه نفس مجتمع رسول الله وأمير المؤمنين، «إلى هذا الحد وعلى مدى بضعة عقود من الزمن»، بعد وفاة النبي، «وعلينا أن نخشى هذا المرض»، وسنأتي لنقول ما هو هذا المرض، «إذا كان إمامنا الخميني العظيم يضع نفسه في عداد المتخرّجين من مدرسة النبي صلى الله عليه وآله ويشمخ مفتخراً، فإن افتخاره يكمن في قدرته على فهم الأحكام التي جاء بها النبي والعمل بها والتبليغ لها، ولكن أين إمامنا الخميني من النبي صلى الله عليه وآله»، لا قياس بينهما فالنبي خير البشر، علماً بأن السيد القائد يريد المقارنة بين أن مجتمعنا هذا وصل إلى نقطة إيجابية ولكن ذلك المجتمع وصل إلى نقطة سلبية، مع العلم أن هناك فارق بين النبي وبين الإمام الخميني ولا قياس بينهما، «فالمجتمع الذي كان قد شيّده النبي صلى الله عليه وآله، أصيب بتلك الحالة»، إن لسماحة السيد طريقة في جذب المستمع، حيث لم يذكر حتى الآن ما هو هذا المرض، «بعد مرور سنوات معدودة وعلى مجتمعنا التحلّي بالحذر لئلا يصاب بذلك الوباء، وهنا تكمن العبرة. علينا أن نشخّص ذلك الوباء، ونعتبره خطراً جسيماً يُهدّدنا فنجتنبه. وإني أعتقد أن هذا البلاغ من عاشوراء هو الأهم»، إذن يأتي سماحة السيد إلى أهم قضية، «بالنسبة إلينا اليوم من بين سائر دروس عاشوراء وبلاغاتها. إذن علينا أن نشخّص الوباء الذي نزل بذلك المجتمع بحيث يُطاف برأس الحسين عليه السلام سبط الشخصية الأولى في الإسلام وابن خليفة المسلمين علي بن أبي طالب عليه السلام في تلك المدينة التي كان أبوه يتربّع على سدّة الحكم فيها، ولم يتحرّك فيها متحرك»، قبل عشرين عاماً كان يحكم أمير المؤمنين في هذه الكوفة، وإذا يمرّ رأس الحسين فيها ولم يحرّك أي أحد ساكناً، «ومنها ينطلق الناس نحو كربلاء»، أي إن الناس الذين ساروا لقتل الحسين، انطلقوا من الكوفة، «ليقتلوه وأصحابه عطاشى ومن ثم يقومون بسبي حرم أمير المؤمنين. ثمة كلام كثير في هذا الموضوع، وإنني أذكر آية»، وهنا يحدّد هذا الوباء، «من القرآن الكريم كردّ على هذا التساؤل، فالقرآن قد أجابنا وحدّد لنا الداء حيث يقول: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ (مريم، 59). إن العوامل الجوهرية لهذا الانحراف والضلال تتمثل في أمرين: أولاً الابتعاد عن ذكر الله»، المتمثل في قوله: ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ﴾. يقول السيد القائد بأن مظهر ذكر الله هو الصلاة.
المقدّم: ألم يكن هؤلاء من المصلين؟
سماحة السيد: كانوا ولكن كانت صلاتهم بعيدة عن العمق والحقيقة، وكانت عادة وليست عبادة. «ونسيان الله». والكثير منا بالمناسبة هكذا، أنا وأمثالي، حيث أخذنا الصلاة كعادة عن آبائنا وعن مجتمعنا، ولكننا هل نذكر الله في مواطن كثيرة؟ وأساساً عندما نكبّر في الصلاة، أليس الكثير من مشاكلنا وملفّاتنا تحضر في الصلاة ونبحثها في الصلاة ونأتي إلى حلّ بعد حلّ، وقبل السلام ننجز القضية ونحلّها.. هذا هو واقعنا. والإمام الخميني في كتاب الأربعون حديثاً أو في سرّ الصلاة يشير إلى ذلك.
«وإفراغ الحياة من الجوانب المعنوية، هذا أولاً وثانياً اتّباع الشهوات - ﴿وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ - والأهواء النفسية، وبتعبير موجز حبّ الدنيا والانكباب على جمع الثروة والأموال والاستغراق باللذائذ الدنيوية». كلّ هذه من المباحات، ولكن إن قُدِّمت على الموقف، كانت هذه هي النتيجة. 
أختم بمثال بسيط: عمر بن سعد قائد الجيش.. إنّه لم يكن إنساناً مجرماً في تأريخه، ولكنه هنا قال له ابن زياد: اقتل الحسين لأعطيك ملك الري، يعني محافظ طهران. لقد كان عمر بن سعد قريباً من أجواء الحسين ولم يكن سيئاً بالمعني الظاهر طبعاً قبل يوم العاشر، ولكنه طلب هنا من ابن زياد أن يمهله ليلة ليفكّر. وهنا توجد مقولة للسيد القائد وهي أنه طالما سمح عمر بن سعد لنفسه التفكير في قتل الحسين عليه السلام فقد سقط في الامتحان. فاستيقظ في الصباح وكان قراره قتل الحسين، وبالتالي قتل الحسين ولم يعطه الله سبحانه وتعالى ملك الري. رغم أن ابن سعد كان يعرف الحسين تماماً وهو يختلف عن يزيد وابن زياد، وكان قريباً من أجواء الحسين، ولكن عندما خُيّر بين الدنيا والآخرة، حيث كان ملك الري منيته بحسب تعبيره، اختار قتل الحسين وقتل الحسين من أجل دنيا، وما هي إلا أيام وانتهت هذه الدنيا. هذا هو السبب الثاني الخطير جداً وهو حبّ الدنيا كما يعبّر السيد القائد.
المقدم: هل يوجد المزيد من الأسباب قبل أن ننتقل إلى دور البصيرة والوعي؟
سماحة السيد: نعم هناك أسباب أخرى، مثل عدم عمق العقيدة وضحالة العقيدة. فالكثير منّا ورثنا العقيدة من آبائنا، ولا يوجد لدينا عمق في العقيدة. ففي قضية الإمام الحسين كانوا يعرفونه أنه سبط رسول الله، ولكن كم كانت عقيدتهم به؟ القرآن الكريم دوماً ما يقدّم ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ على ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، والإيمان والعقيدة كما يعبر عنها بعض العلماء كعقدة الحبل، كلما كانت هذه العقدة أشد وأقوى كلما كانت الرخاوة أقل. والذي يظهر في المواقف الصعبة ليس أثر الصلاة ولا أثر الصيام وإنما يظهر أثر العقيدة ويظهر ما في القلب. ولذلك نجد عمر بن سعد قد ظهر ما في قبله في هذا الامتحان الصعب وهو حبّ الدنيا، وكانت عقيدته بالإمام ضعيفة. بل كان هناك أناس أقرب وأقوى عقيدة كالضحاك، حيث ينقل السيد ابن طاووس في كتابه اللهوف كما أظن، أن الضحاك كان قد جاء مع الإمام الحسين والتحق به وخاض ليلة العاشر وبقي في ليلة العاشر وصبّح صباح اليوم العاشر وخاض المعركة ودخل في حرب، ولكن لأنه عندما عرض عليه الإمام الحسين النصرة، قال: يا أبا عبد الله، أنا ألتحق بك ولكن بشرط. وضع هنا شرطاً فما هو هذا الشرط؟ قال: طالما كنت أُفيدك سأبقى معك، ولكن في الوقت الذي لا أفيدك، كما إذا كان مع العدو عشرات الآلاف وأنا وحيد معك، ولم يعد لوجودي فائدة، أنا في حلّ من البيعة. هنا وضع شرطاً ولكن هل الشرط هذا دنيوي أم أخروي؟ دنيوي. فقال له الإمام الحسين لا إشكال في ذلك.. تفضل، بحسب النقل. وبدأت المعركة واستشهد الأصحاب، واستشهد بعض أهل البيت أيضاً كما أذكر في الرواية، وبقي الإمام الحسين وحيداً أو مع مجموعة قليلة. جاء الضحاك إلى الإمام وقال له يا سيدي ومولاي، وكان يؤمن به كإمام ويعلم أنه سبط رسول الله. قال له هل تتذكر الشرط؟ فأجابه الإمام نعم. قال: أنا الآن لا أُفيدك بعد. قال له: ماذا تريد أن تصنع؟ أجاب: أريد الخروج، فقال له: افعل. فخرج الضحاك من كربلاء، وهو قاب قوسين أو أدنى أن يكون من أصحاب الإمام الحسين. 
طبعاً هنا أودّ أو أعلّق تعليقة بسيطة: أنا لا أدري هل كان الضحاك في الخيمة في ليلة العاشر عندما قال الإمام لأصحابه: أنتم في حلّ من بيعتي، أم لا. فلو كان قد خرج في ذلك الوقت فلا إشكال، وسيكون من الأصحاب، لأن الإمام قد أسقط التكليف عنهم في تلك اللحظة، ولكن عندما بقوا، جّدد الإمام البيعة معهم.

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha