أفادت وكالة أنباء الحوزة أن الباحث الإسلامي العراقي سماحة السيد هاشم الحيدري أجرى سلسلة حوارات حول قضية عاشوراء والنهج الحسيني، إذ تطرق في القسم الأول من الحلقة السابعة إلى الحجة الشرعية على الناس في العصور المختلفة التاريخية، مبينا أنها قد تكون غير واضحة وجلية في بعض الأحيان، لكن التكليف لم يسقط، وعلى الإنسان أن يعرف ذلك من خلال وضعه الخاص، وفيما يلي نص الحوار.
سماحة السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
بطبيعة الحال نحن نعلم ونعتقد أن في كل زمن منذ آدم عليه السلام وبداية البشرية وإلى نهاية البشرية لابد من وجود مصدر للتكليف، وما يعبر عنه بالحجة الشرعية، وهذا المصدر هو المبرئ للذمة لحركة الإنسان وسلوك الأمة وبشكل عام. نحن بإمكاننا أن نقسم تأريخ البشرية وحتى زماننا إلى أربعة أقسام: تاريخ الأنبياء وهم الحجج، وتاريخ الأوصياء عليهم السلام وهم الحجج، وتاريخ السفراء الأربعة في زمن الغيبة الصغرى وهم الحجج أيضاً، يعني نواب الإمام الحجة، وتاريخ الفقهاء في زمن الغيبة الكبرى وهم الحجج كذلك. هذا بشكل عام ومختصر عنوان الحجة الشرعية في كل زمن، وبالطبع الأخذ من هذا المصدر الشرعي هو المبرئ للذمة كما ذكرت، ولكن نحن نعلم أنّ بعض التكاليف تكون واضحة وبعضها غير واضحة كالتكاليف العامة الصعبة مثل قضية الامام الحسين عليه السلام، وقضية الغدير، وقضية موسى، ومواجهة إبراهيم للطواغيت في زمانه. فإن الحجة الشرعية كالنبي أو الإمام المعصوم لا يأتي ويخاطب كل شخص قائلاً له: أنت افعل كذا، هذا الشيء غير موجود وإنما هناك تكليف عام، فالإمام الحسين على سبيل المثال أعلن أن «مثلي لا يبايع مثله»، وعلى المتلقي أن يطبّق هذا التكليف العام على وضعه الخاص من خلال وضعه كصحته، وعمره، وأنه رجل أو امرأة، ومتعلم أو غير متعلم، وغني أو فقير، فقد يأتي التكليف العام مثلاً بضرورة الجهاد بالأموال، وأنا فقير فأعرف أن هذا التكليف لا يخصني وإذا كنت غنياً أعلم أنه يخصني ويخاطبني. إذن عندما نتحدث عن الحجة الشرعية لا يتبادر إلى الذهن أن جميع المكلفين يأتيهم التكليف فرداً فرداً، وبالتالي تكون الأمور واضحة، بل هناك تكليف عام، وعلى الإنسان أن يستنبط منه من خلال وضعه الخاص أنه ماذا يفعل؟
ولأضرب مثالاً واضحاً: كاتب أهل الكوفة الإمام الحسين عليه السلام وأرسلوا الرسائل، وعلى ضوء الرسائل أرسل الإمام الحسين رسوله ومبعوثه مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، فدخل الكوفة وحدث ما حدث، وبقي مسلم لوحده، وأخذ يبحث عن أنصار في أزقة الكوفة ولا ناصر، وهذه من العبر الكبيرة، فجلس عند باب أحد البيوت، وكانت صاحبة الدار امرأة عجوز، وبعد أن حصل حوار بسيط بينهما، عرفت أن هذا هو رسول الإمام الحسين، وهنا التكليف في بعض الاحيان يأتي على أساس المعرفة، فبمجرد أن عرفت أن هذا رسول الامام الحسين، دخلت مباشرة في امتحان جديد، هل ستنجح فيه ام لا؟ قبل أن تعرف وقبل أن يأتي مسلم، كانت طوعة امرأة عادية ربما غير مخاطبة لأن الرجال هم من كان عليهم أن ينصروا مسلم، ولكن عندما عرفت في تلك اللحظة تصدت للأمر وفتحت الباب وأدخلت مسلم وآوته، دون أن ترسل رسالة استفتاء كما في زماننا إلى مكتب الإمام الحسين عليه السلام ولجنة الاستفتاءات تجيبها بعد ساعات أو أيام، بل في تلك اللحظة دخلت طوعة في امتحان وشخّصت بفطرتها وبعقلها وأسقطت التكليف العام على وضعها.
وسبق وأن تحدثت عن موضوع البصيرة في أداء التكليف، ولكان لقائل أن يقول: إذا كان الحجة موجوداً وهو الذي يعطيني التكليف، فما الداعي للبصيرة؟ وما هي ضرورة البصيرة؟ البصيرة في هذه المواضع، وفي التكاليف الجزئية. أنا الآن في مكان وأنت في مكان، أنا بعمر وأنت بعمر، أنا بوضع صحي يختلف عن وضعك، أنا بزيّ يختلف عن زيّك، أنا بدرجة علمية تختلف عن درجتك العلمية الأكاديمية، فالاختلافات كثيرة والتكليف واحد يخاطبنا جميعا كأمة، فأنا آخذ لي بحسب بصيرتي ووعي وإخلاصي وإيماني، وأنت تأخذ لك بحسب بصيرتك ومعرفتك ووعيك وإيمانك وهكذا. ولذلك يحتاج الإنسان دائماً أن يكون مستعداً لأداء التكليف. إذن عوداً على بدء وكخلاصة لسؤال التكليف؛ التكليف يؤخذ من الحجة الشرعية ولكن مع معرفة أن هناك جزئيات في هذا التكليف على الانسان أن يعرفها وأن يستنبطها وأن يحصل عليها من خلال بصيرته ووعيه وقدرته واستعداده وأمثال ذلك.