وكالة أنباء الحوزة - مما لاشك فيه ان سيرة ام البنين (عليها السلام) المطهرة هي اعادة سيرة امرأة جعلها الله بلسان زوجها الامام علي (عليه السلام)، عاشت مع الله ولله وفي سبيل الله انطلقت بروحها بعيداً عن ذاتها وعاشت مع الامامة في فكرها واحساسها وحركتها فأصبحت دستوراً يتحرك في الحياة كأنها حاضر مستمر يزورنا ليدخل علينا دفء ونعيماً نتحرك فيه على خطى ثابتة للوصول الى الهدف المنشود في معرفة الله تعالى.
اذن هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعـب بن عـامر بن كـلاب بن ربـيعة بن عـامر بن صعصعة بن معاوية بن هـوازن[1]، وكنيتها أم البنين، وأمها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب[2].
وفـي رواية إن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قـال لأخيه عـقيل، وكان عـالماً بأنـساب الـعـرب وأخبارهـم : " أنظر لـي امـرأة قـد ولـدتها الـفحول مـن العـرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً " ، فقال عقيل :" تزوج فـاطمة بنت حـزام الـكـلابية ، فأنه لـيس في العـرب أشجع من آبائها "[3] . ولـم تـذكر كـتب التأريخ سـنة ولادة هـذه الـسيدة الـمطهرة، ويمكن القول أن زواجها من الإمام علي (عليه السلام) قبل سنة 26هـ ، وهي سنة ولادة العباس (عليه السلام) ، وبـذلك يكون عـمرها يـوم ولادة العباس ما بين (18ــ 22) سنة ، وبـذلك تـكون ولادتها الـكريمة تقع مـا بين ( 5 ــ 9 هـ) ، وقيل إن عمرها يوم كربلاء كان خمساً وخمسين سنة[4] .
وما إنْ بلغها مقتل سبط النبي الاكرم الامام الحسين (عليه السلام) إلا وخنقتها العبرة فكانت تبكي بكاء الثكالى، وكـانت (عليها السلام) تخـرج بـعـد واقـعة الطُـف إلى الـبقيع تـندب سبط النبي الاكرم (عليه السلام) وأولادهـا الأربعة وهم "العباس وجعفر وعثمان وعبد الله "، وهـي تحمل حفيدها عبيد الله بن العـباس، فيجتمع الناس لسـماع رثائها فيبكون لـشجي الندبة، حيث كانت تقول :
لا تدعوني ويك أم البنين تذكريني بليوث العرين
كانوا بنون لي أدعى بهم واليوم أصبحت ولا من بنين
أربعة مثل نسور الربى قد واصلوا الموت بقطع الوتين[5]
وهناك جانب كبير لابد ان نأخذه بنظر الاعتبار الا وهو موقف ام البنين السياسي من قضية الاسلام، والخط الاصيل للإسلام، فلم تكن معزولة عن حركة المجتمع، وكذلك عن الحياة السياسية ، وقضايا الحق والعدل والظلم، بل كانت تشارك مشاركة حقيقية، حسب ما قدر لها، وعندما تقتضي الحاجة والضرورة فإنها (عليها السلام) تساهم بدرجة بحيث تتعرض للآلام والاذى .
ولأم البنين (عليها السلام) مكانة عظيمة عند المسلمين بشتى طوائفهم فاجتمعت الاراء على ان لها مكانة وشأن عند الله ، وانها السيدة المطهرة وفقا للمنظور الاسلامي ولا يشاركها تلك المكانة سوى القليل من النساء، بالإضافة الى ذلك تستمد ام البنين مكانتها عند الشيعة من انها ام لأبناء امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليهم السلام).
واتفقت الروايات التاريخية ان في الثالث عـشر من جمادى الثانية سنة 64هـ توفيت أم البنين (عليها السلام) ودفنت في البقيع[6]، ولا ينكر أحد مـن العـرب إن قـومها مـن شجعان الـعـرب، فـهـذا ملاعـب الأسنة " أبو البراء" عـامر بن مالك بن جعـفـر بن كـلاب ، جـد ثمامة والدة أم البنين (عليها السلام) ، حيث لم يعرف العرب مثل شجاعته وفروسيته[7] ، ومنهم "الطفيل فارس قرزل"، وهو والد عمرة الجدة الأولى لأم البنين (عليها السلام) ، وكـان مـن شجعـان الـعـرب ولـه أشــقـاء مـن خـيرة الـفـرسـان مـنهم ربيعة وعـبيدة ومعـاوية ، ويقال لأمهم أم البنين .
وكذلك "عـامر بن الطفيل" ، وهـو أخو عـمرة الجدة الأولى لأم البنين (عليها السلام)، وكـان مـن ألـمـع شـجعان الـعرب فـي شـدة بـأسـه حـتى ذاع اسـمه بين العرب ، بالإضافة الى "عـروة الرجال" بن عـتبة بن جعفـر بن كلاب ، والد كـبشة الجدة الثانية لام البنين (عليها السلام) ، وكان مـن الشخصيات البارزة بلاد الحجاز، وكان يـفـد مـلوك عـصره فـيكـرمـونه ويجـزلـون لـه الـعطاء ويحسنون وفادته[8] .
نستنتج من ذلك ان امير المؤمنين(عليه السلام) كان يعد ام البنين اعدادا رسالياً وفكرياً لتسليم مهام الرسالة ، وانها قامت بالدور الريادي في كشف الانحراف الحاصل بعد ثورة الطف ، كما انها اصبحت (عليها السلام) القدوة الكاملة للنساء والرجال على حد سواء لما قدمته من تفان واخلاص في سبيل الدعوة الاسلامية ولما قدمته من نصيحة وايثار وضحت بكل غال ونفيس من اجل ذلك.
جعفر رمضان
[1]محمد بن سعد بن منيع الزهري أبن سعد ، الطبقات الكبرى، ( بيروت: دار صادر ، 1985م )، مج 3 ، ص 20؛ أبو محمد باقر محسن بن عبد الكريم بن علي العاملي الشقرائي الأمين ، أعيان الـشيعة ، تـحـقـيق حـسن الأمـين ، (بـيروت: دار الـتعارف للـطباعة ، 2000م ) ، مج 11، ص 476 – 477.
[2]محمد باقر القائني البيرجندي، الكبريت الأحمر في شرائط المنبر ، تحقيق: محمد شعاع فاخر ، ( قم: مطبعة شريعت ، 2004م )، ج 2، ص 272؛ أشـرف الـزهيري الـجعفري ، السيدة أم الـبنين سـيرتها وكرامتها، (بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 2006م)،ص39.
[3]لوط بن يحيى بن سليم الأزدي الغامدي أبو مـخنف، مـقـتل الحسـين، تعليق: ميرزا حسن الغفاري،(قم: المطبعة العلمية،1398هـ) ، ص175.
[4] الجعفري ، المصدر السابق ، ص 48؛ الأمين ، أعيان الشيعة ، مج 11 ، ص 476
[5]مـحمد بن طاهر ، إبصار العين في أنصار الحسين ، تحقيق محمد جعفـر الـطبسي، (طهران : مطبعة حرس الثورة الإسلامية ، 1419هـ) ، ص64 ؛ محمد علي الناصري ، ، مولد العباس أبن علي ، (قم : مطبعة أمير،1414هـ) ،ص 94.
[6] أشـرف الـزهيري الـجعفري، المصدر السابق ،ص 169،170
[7]عبد الرزاق المقرم ، العباس (عليه السلام)، تحقيق محمد الحسون ،(قم:مطبعة الاجتهاد،2006)، ص 122.
[8] عبد الرزاق المقرم ، الـمصدر الـسـابق ، ص 123