وكالة أنباء الحوزة - لابد ان نشير الى مكانة السيِّدة الزهراء (عليها السلام) في القرآن كونها من العترة الطاهرة والثقل الثاني وترجمة الوحي واساس الدين، وكل هذا يعني ان كلامها حجة علينا ومن الواجب على جميع المسلمين طاعتها واتباعها بنص القرآن ووصية النبي الاعظم (صلى الله عليه واله)، فقد لفت القرآن إلى فضائلها وعناها في العديد من الآيات، كتأكيد لعصمتها، وتنزيهاً لها عن كلّ الدنايا.
لقد مدح القرآن الكريم فاطمة الزهراء بآياتٍ تتلى أناء الليل وأطراف النهار نتيجة لمواقفها ولتفانيها في سيل الدعوة الاسلامية، وقد روى المؤرخون والمفسرون نزول عدد من آيات الذكر الحكيم في مدحها، والآية القرآنية الكريمة التي جعلناها مستهلاً لهذا المقال هي التعبير الحقيقي عن الشرف الكبير الذي خصها بها الله تعالى فقال عز من قائل (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[1]، وقال تعالى: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)[2]، ومما رواه المفسرون في هذا الصدد إنّ سيّدة النساء فاطمة الزّهراء (عليها السلام) مشمولة للمذكورين في الآيتين الشّريفتين ، وكان النبي الاكرم بعد نزول آية التطهير كلما خرج الى الفجر يمر ببيت السيدة فاطمة فيقول :" الصلاة يا أهل البيت إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، مستمراً على هذه المسيرة ثمانية أشهر"، وإنّ الآية مختصّة بأهل البيت (عليهم السلام)، كما أنها شاملة للنبيّ الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، ما يوحي بأنّ هناك خصوصيّة في المسألة تختلف عن الوضع العام الذي يتعلّق بالناس بشكل عامّ، لا سيّما في ما يتعلق بمقام النبيّ الاكرم.
وفي ضوء ذلك، تكون الإِرادة الإلهيّة هي الإرادة التكوينيّة التي تتدخل في تكوين الخصائص الذاتية في داخل الذات، ما يحقّق للشخصيّة ملكاتٍ روحيّةٍ ثابتةٍ متحركةٍ في اتجاه إيجاد الجوّ الفكري والروحي الذي يدفع إلى اختيار الحقّ في القول والفكر والعمل، لا الإرادة التشريعيّة التي تقتصر على توجيه التكاليف، اذن إنَّ السيّدة (عليها السلام) صدِّيقة معصومة من أهل بيت الرّسالة الذين أحبّهم تعالى وأحبّوه بطاعته والإخلاص إليه، فكانوا النموذج القدوة للشخصيّة المؤمنة، وكذا في غيرهما مثل الآيات الشّريفة في سورة الدهر: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُور)[3] فالزهراء فاطمة من شهد الله لها بأنها من الابرار الذين يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً، وممن يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً وممن يطعمون الطعام على حبه، ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة.
ومن الآيات، آية (المباهلة)، وهي قوله (عزَّ وجلَّ): (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)[4]، وقد أكد المفسرون واتفقت الرواية على أن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) حضر للمباهلة ولم يحضر معه إلا علي وفاطمة والحسنين (عليهما السلام) فلم يحضر لها إلا نفسان وابنان وامرأة واحدة وقد امتثل أمر الله سبحانه فيها.
وفي تفسير العياشي، بإسناده عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن فضائله فذكر بعضها ثم قالوا له زدنا فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه حبران من أحبار النصارى من أهل نجران فتكلما في أمر عيسى فأنزل الله هذه الآية: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم إلى آخر الآية فدخل رسول الله فأخذ بيد علي والحسن والحسين وفاطمة ثم خرج ورفع كفه إلى السماء، وفرج بين أصابعه، ودعاهم إلى المباهلة"، قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام) "وكذلك المباهلة يشبك يده في يده يرفعهما إلى السماء فلما رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: والله لئن كان نبيا لنهلكن وإن كان غير نبي كفانا قومه فكفا وانصرفا"
نستنتج من ذلك ان السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) لها مكانه سامية في القرآن الكريم والسنة النبوية وفي المجتمع الإسلامي، ولقد فضلها الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم لأنها كانت عالمة في دينها بما قدمته من علوم القرآن والسنة الشريفة ، فضلا عن الدور الريادي الذي قامت به في كشف الانحراف الحاصل بعد موت النبي الاكرم والذي تمثل بسلب حق الامام علي (عليه السلام) الشرعي الذي امر به الله ورسوله .
جعفر رمضان
[1] الأحزاب، الآية 33.
[2] الشّورى، الآية 23.
[3] الإنسان، الآية 5.
[4] آل عمران ، الآية 61.