وكالة أنباء الحوزة ـ ألقى الأستاذ حسن رحيم بور أزغدي محاضرة تحت عنوان الوحدة الإسلامية، معتبراً إياها ضرورة ملحة للعالم الإسلامي، وتطرق فيها إلى القضايا المشتركة عند الشعية والسنة، وفيما يلي نقدم لكم نص المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا نبي الرحمة أبي القاسم محمد (صلی الله علیه و آله).
الوحدة الإسلامية ضرورة ملحة
السلام عليكم سادتي الأفاضل الأخوة والأخوات العلماء الأعزاء والفضلاء والطلبة الشباب، إنني أقف بين أيديكم باعتباري أحد طلبة العلوم الدينية، وأوجه خطابي في هذه المحاضرة إلى الأخوة الشيعة الذين ربما تصوروا أو ربما صَوَّرَ لهم البعض أن اختلافنا مع الآخر يشمل جميع المصادر وهي متعارضة، وأن الحديث عن الوحدة الإسلامية مبحث سياسي، وهي وحدة مصطنعة وتشريفية. بتصوري أن الوحدة حتى لو كانت كذلك فهي نافعة، والوحدة أفضل مئة مرةٍ من الفرقة، ولكن لسنا في حقيقة الأمر بحاجةٍ إلى وحدة اصطناعية. ولو بحثنا في المصادر العلمية وفي مصادر أهل السنة، وأكرر إني أوجه خطابي للشيعة، فلو تأملنا مصادرهم ومنهج الفقه والكلام والعلم عندهم خاصةً عند الإمام الشافعي لاتضح أمامنا أننا لسنا بحاجة إلى تشريفات ٍأو وحدةٍ اصطناعية، وأن السنة لديهم علميةٌ وتاريخيةٌ. وسأشير إلى جانبٍ منها بالطبع حسب تجربتي، فإن المباحث الدينية كلما ابتعدت عن العلماء وبلغت عامة الناس فإنها ستكون جافةً سطحيةً وغير مؤدبة وتثير الفرقة والسبب يعود إلى أن عامة الناس لا يعرفون شيئاً عن المصادر العلمية والدينية وما كتب فيها، وكلما كانت المباحث علميةً وعميقة تصل إلى باطن الأحكام والمصادر والأخلاق والقيم الإسلامية، فإنها ستكون مباحث َ لطيفةً وأكثر أخويةً وعلمائية، وعلى العكس كلما كانت المباحث المطروحة في أوساط العوام كانت أكثر وقاحة وأكثر سطحية وملؤها الكذب والخرافة والاتهام. وإذا ما فعل بعض المحسوبين على العلماء مثل هذا فإنه من هذا القبيل وربما كان ظاهر الناس عُلمائياً لكن حقيقتهم وتصرفاتهم كالعوام. علينا أن نتبع أسلوباً علمياً في كل العالم الإسلامي، لله الحمد ليست هناك مشكلةٌ فيما خص إيران من هذه الناحية، لأن الوعي في صفوف الأمة كبير وكذلك بين القوميات والمذاهب الموجودة ورغم ثلاثين عاماً من المؤامرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية ودولارات النفط القادمة من الحكومات المرتبطة بالغرب والتي يصرفونها في البلدان الإسلامية ومنها إيران لإثارة النعرات المذهبية والقومية، ونأمل أن نشهد اليوم الذي يرتد السهم إلى نحور الأعداء الذين يحاولون زرعَ الفرقة في صفوف الأمة، خاصةً ترويج الفكر التكفيري لله الحمد فإن علماءَ إيران من الجعفرية والشافعية والحنفية وكافة أبناء إيران واعونَ لخطط الأعداء. نسأله تعالى أن يكونوا هكذا دوماً وألا يُخدعوا بألاعيب هؤلاء.
هنا أقترحُ أن ترفع خطوةٌ إلى الأمام في إيران ولنجعل من إيران مركزاً للثورة الإسلامية بصورةٍ عامة لا أن تكون شيعيةً محضة، ذلك أن إيران باتت اليوم الملهم للعالم الإسلامي في الوحدة والجهاد ضد الكفر فلو استطاع الأعداء تمرير أهدافهم في إيران فإن العالم الإسلامي سيقول إنّ البلد الذي ينادي بالوحدة الإسلامية هو ذاتهُ يعاني من المشاكل.
وعليه فإن الآخرين سيمتنعون عن الخوض في هذا المجال وقد فشلت هذه الخطط الجهنمية في إيران حتى الآن ونسأله تعالى أن تفشل فيما بعد أيضاً، لكنني هنا أريد القول أنه ينبغي على إيران التقدم بخطوةٍ أخرى وأن نتجاوز الوحدة السياسية والوحدة العاطفية والوحدة على أساسٍ وأصولٍ كُلي.
ولو دقّقنا وتأملنا بجديةٍ في المصادر الحديثة والتفسيرية والفقهية والكلامية لكل الفرق والمذاهب لوجدنا أن موضوع الوحدة والاشتراك في المواقف يفوق ما نعرفه والوحدة في المشتركات مؤصّلة، أما الاختلافات في الواقع العملي فهي لاتعدُ كونها مباحثُ نظريةً اجتهاديةً بين متكلمين وبين فقيهين وبين مفسّرين وبين محدّثَين وهي أمورٌ موجودة في ذات المذهب الواحد ويمكن العثور على ذلك بين الأخوة أهل السنة وكذلك داخل مذهب أهل البيت. وقد قلتُ في جلسةٍ مشابهةٍ إنّ التكفيريينَ الذين يعملون ويُنفّذون الفتنَة والوقيعةَ بين المسلمين بأموال النفطِ ويقومون بتنفيذ أوامر أربابهم الأميركيين والإنجليز كما هو الحال في العراق وباكستان اليوم وإذا نجح هؤلاء في مسعاهم لا يكتفون بالاختلافات المذهبية بل يذهبون إلى أبعد من ذلك ويزرعون الفتنة داخل المذهب الواحد مثلما كان هذا الأمر موجوداً من قبل في الخلافات بين الشيعة الزيدية والشيعة الإمامية وبين الشيعة الإسماعيلية والشيعة الإمامية، ويذكر ذلك تاريخ إيران حيث كانت هناك خلافات بين الشوافع والأحناف، وكان في العراق اختلافٌ بين الأشاعرة والحنابلة حيث كان أنصار كل فريقٍ يقتلون مخالفيهم من المذهب الآخر ويبيحونَ أعراض وأموال المذهب الأخر.
فلو ظهرت الخلافات فإنها لن تقف عند حدٍ معين، ولكن الأمر إذا كان على مستوى علميٍّ وأخلاقيٍّ ودينيٍّ كما ذكرَ الرسول والقرآن الكريم أي (لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم) هذه هيَ الاستراتيجية المنطقية التي ينبغي أن تُتَّبع والحمد لله ليس هناك في إيران خلافٌ بين مذهبين، فهناك الشوافع والأحناف أقرب المذاهب إلى الشيعة ولكلٍ من أبي حنيفة والشافعي روئً فقهية وكلامية قريبةٌ من مذهب أهل البيت خصوصاً عند الشافعية وفي البلاد التي تتعرض لدسائس الاستعمار اليوم مثل العراق وباكستان نرى أنّ الخلافات قائمة.
عزاء الإمام الحسين عليه السلام سنةٌ عند أهل السنة
قمتُ مؤخَّراً بزيارةٍ لباكستان وأفغانستان واجتمعتُ بكبار أهل السنة في أفغانستان وباكستان عدةَ مرات وقد شهدتُ في شهر محرَّم ومجالس عاشوراء في عدة مدن كبرى مثل كابل وهرات أن علماء أهل السنة من الحنفية كانوا في الصفوف الأولى للمعزّين، وفي إيران فالأمر طبيعي أكثر، حيث نرى علماء الأحناف والشوافع والمتدينينَ من أتباع المذهبين خاصةً الأخوة أتباع المذهب الشافعي يشاركون في مراسم عزاء الإمام الحسين عليه السلام إلى جوار إخوانهم الشيعة وهذا الأمر في إيران. وقد امتد اليوم إلى أفغانستان وباكستان وذُكرَ أنّ مراسم عاشوراء هذا العام قد أقيمت في أبهى صورها في أفغانستان وذلك بمشاركة علماء الحنفية إلى جانب علماء الشيعة، وكانت من أكثر المراسم من حيث المشاركة الشعبية، بعدها قيل أنّ أحد الأشخاص قدمَ من السعودية وهاجم علماء أهل السنة والحنفية في باكستان وأفغانستان وقال إنكم أخطأتم بمشاركتكم في مراسم عزاء الحسين.
لقد قال لي هذا الأمر أحد العلماء السنة الحاضرين في الاجتماع في باكستان وأفغانستان، وأضاف أنَّ ذلك السعودي قال لهم: يزيدٌ رضي الله عنه وكذا وكذا …..، وأضاف هذا العالم أننا قلنا لهذا السعودي إنَّ ما فعلناه كان طبقاً لما يفعله علمائنا والسلف الصالح، وإنَّ قضية الحسن والحسين سلام الله عليهما ليست بالقضية الشيعية، وقال إنَّ أباءنا وأجدادنا كانوا على هذه الشاكلة حيث يشاركون في مراسم عاشوراء وعزاء الإمام الحسين عليه السلام.
لقد هدَّدوا علماء أهل السنَّة لأنهم سوف لن يعطونهم المزيد من الدولارات إذا كرَّروا ذلك ووبَّخوهم على فعلتهم. وقال: لقد قلنا لهم هذه سُنَّةٌ نعمل بها منذُ أمدٍ بعيد، وإنَّ ما تطلبوه منَّا هو خروجٌ عن السُّنَّة، وإنَّ حكم بني أُميَّة وبني العباس والذي ترافق مع مظالمَ كثيرة لا يخص الشيعة أو السُّنَّة، فقد كان المذهبانِ ضحيةَ أهواءِ بني أمية وبني العباس، وبخلافهِ لماذا حملَ الإمام الشافعيُّ السّلاحَ في اليمن وكان إلى جوار الشيعة وإلى جانب العلويين وأهل البيت وإلى جانب يحيى بنِ عبدالله الزَّيدي من أحفاد الإمام الحسين وأبناءِ الإمام السجَّاد عليهما السَّلام، ويتبين من ذلك أنَّ قضيةَ بني أمية وبني العباس وحتى موضوعَ مُعاوية وما بعدهُ لا ربط لها بالشيعة دونَ السنَّة .
لماذا إذن كان أحمد بنِ حنبل يعتقد أنَّ الحسنَ بنَ علي كان الخليفة الخامس من الخلفاء أي بعد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، حيثُ يرى أنَّ الخلافة الإسلامية انتهت بالحسن ويقول إنَّ معاوية وما بعده لم يكونوا من الخلافة الإسلامية بل حولوها إلى ملكية واستبدادٍ.
وفي باكستان جلستُ مع مسؤول حزب الجماعة الإسلامية التي تُعدّ ُمن كبارِ أحزابِ باكستان المعتدلة وهم ذَوا ماضٍ إسلاميٍّ عريق وهو ذات الحزب الذي أسسهُ أبو الأعلى المودودي فقالوا: إنَّ آثار أبي الأعلى تشير إلى أنَّ ما حصلَ في كربلاء يُعدُّ هجوماً على أصل الإسلام وأساسهِ وإنَّ قتلَ الحسين بنَ علي يُعد كمن يرمي أصلَ الإسلام وأساس التوحيد والقرآن، ويقول إنه لا يعتبر الحكم من معاوية فما بعدهُ على صلةٍ بالإسلام، ولا يرون في أُولئك خلفاءً مسلمين أي بعد ما يُطلِقونَ عليهم الخمسة الأوائل أي إنهم لا يرونَ في بني أمية وبني العباس حكماً إسلامياً. هذا هو تعبير الإمام أحمد بنِ حنبل إلى أبي الأعلى المودودي في تاريخنا المعاصر.
وعندما انتصرت الثورة انتقلَ المودودي وهو من كبار علماء الحنفية إلى رحمة الله، وكان من أوائل الذين باركوا للإمام انتصار الثورة، حيث ذكرَ أن الثورة الإسلامية هيَّ هدية لكل المسلمين والعالم الإسلامي وإننا إلى جانبكم.
بعد العدوان الصهيوني على جنوب لبنان وفي تلك الأيام خرج مفتي البلاط السعودي ليقول أنه لا يحق لأحدٍ أن يساعد حزب الله في حربه مع اليهود لأن هؤلاء شيعةٌ وليسوا من السنَّة، بالطبع كان هذا الرأي هو رأيَ أربابهِ الأميركيينَ والبريطانيين لأنهم أولي أمره، والولايات المتحدة وبريطانيا والصهيونية أولي أمر وعَّاظ السلاطين في السعودية، وإلا فما بالكم مع حركة حماس في غزة حيث مولد الإمام الشافعي وهوَ فلسطينيٌّ و غزاويٌّ فهل أنَّ من يُقتلونَ في مدينة الشافعي وكانوا تحت القصف الصهيوني على مدى شهرين لم يكونوا من أبناء السنَّة؟ لماذا يا واعظ السلطان لم تدافع عنهم؟
ففي نهاية المطاف هناكَ بعض الاختلاف في بعض المسائل بين الفرق المختلفة مثل: الجعفريةِ والحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية، ولا ريبَ أنَّ البعضَ على خطأ والبعض الآخر على صواب لكن الكل يقول أنه يريد العمل وفقَ سنةِ الرسول… حتى نُقلَ عن الأئمةِ من أهل البيت عليهم السلام: (إنَّ من يعمل بالحجة العقلية والشرعية في حدِ استطاعتهِ فإنهُ غيرُ مأثوم حتى ولو كان مُخطأً لأنَّ أبناءَ آدم خطَّاءون …).
أي أنَّ الإنسان إن أخطأ في طرق العبادة أو الكلام إلا أنهُ معذورٌ عندَ الله لأنهُ تحرك بصدق نيةٍ وإخلاص لكنه أخطأ الهدف.
ينبغي أن تقومَ استراتيجيتُنا على البحث في الكلام والفقه والتفسير والحديث والسُنَّة والقرآن والتَّاريخ، والحوار العلمي والأخوي يجب أن يقومَ أيضاً على أساسِ المستنداتِ لا أدب التكفير أو أفكار عامة الناس ووحدة الأصول. وهناكَ تبدو المشتركات أكثر من عدمها. وينبغي على المسلمين ونحن نعيشُ ذكرى ولادة الرسول حيثُ تتجددُ فكرة الوحدة أن يكونوا يقظين لمؤامرات الكفار والغرب الَّذين يُحاولونَ زرع أنواع الفتن في صفوف العالم الإسلامي، تارةً باسم الفرقِ والمذاهب، وتارةً باسمِ القوميات والشّعوب، وهم يواصلونَ إشغال المسلمين بأنفسهم على مدى قرنين من الزمن. وعلينا أن نخرج من دائرة المؤامرة الغربية وأن نتقدمَ خطوةً باتجاهِ إشغال الكفار بأنفسهم وأن نعملَ على إعادة عظمةِ الأمة الإسلامية وحضارتها العريقة وأن نخرج من سلطة الغربِ من سلطة الكافرين. ففي يومنا هذا أصبحنا نُقلدُ الغربَ في لباسنا وصِناعتنا وجامعاتنا وإعلامنا وثقافتنا وفي كل شيءٍ تقريباً.
الوهابية خطرٌ على كل المذاهب
القضية المُهمة هي أن نعودَ إلى هويتنا الإسلامية بالاعتمادِ على القرآن والسُنَّة، وعندما نقولُ نحنُ العودة إلى سُننِ أهل البيت فهيَ من سُنة الرسول لا فرق، ولا ينبغي تكرارُ جملةِ أيُّها المسلمون علينا أن نتَّحد وأنَّ الوحدة أمرٌ محُبَّب. نعم هيَ كذلك لكنها أصبحت من الدّروس الابتدائية.
لقد مرَّ ثلاثونَ عاماً ونيَّف على انتصار الثورة الإسلامية ورغم أنَّ الأمرَ ينبغي تَكرارهُ حتى بعدَ ثلاثمئةِ عامٍ لكن هذه المقولة تعتبر قاعَدة التوافق. علينا أن نبلغ السقفَ في شِعار الوحدةِ الإسلامية. بالطبع أُعيدُ وأُكرّر أنه ما من مشاكل تُعيقُ طريقَ المذاهب في إيران، فهناك وحدةٌ والحمد لله ويتم التحاور على الدوامِ خاصةً مع الأخوة من أتباع المذهبين الشافعي والحنفي.
ربما كانت هناك بالطبع بعضُ الاختلافات مع الحنابلةَ، فهم يختلفون مع الجميع، وهنا لا أقصدُ كُلَ الحنابلة ولكن خرجَ منهم الوهابيون الذين لا يقبلونَ بأي مذهبٍ من مذاهب أهل السُنَّة الذين ليسوا على خلافٍ مع الشيعةِ وحسبْ، وأتصورُ أنكم تحدثتم مع بعضهم، فلو سألتموهم أيُّ مذهبٍ فقهيٍّ تتَّبعون الفقه الحنبلي أم الشافعي أم المالكي أم الحنفي؟ فإنَّ جوابهم سيكون لا نتبعُ أحداً من هؤلاء! وسيقولونَ نتبعُ الكتابَ والحديث. حسناً فالشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل يقولونَ الكتابَ والحديث أيضاً وعندما يعودُ سائرُ المذاهب إلى الأولياء والصحابة والعلماء. يعودُ هؤلاء إلى محمد بن عبد الوهاب لكنهم يُصرِّحون أنهم لا يتَّبعونَ أحداً لكنهم يتَّبعونَ محمد بن عبد الوهاب. حسناً فلتتبعوا من ترغبون نحنُ لا نكفركم ولكن اتركوا المسلمينَ وما يختارون. ليكن الشافعي تابعاً للإمام الشافعي والحنفي لأبي حنيفة والجعفري للإمام جعفر الصادق.
تأسيس غرفة علمية مشتركة
إننا نعيشُ عصرَ إعادة المجد لأمةِ الرسول الأعظم، وأكبرُ الوظائف للمسلمين في هذه الظروف هو الاهتمام بالمشتركات الكثيرة بين الأمةِ الواحدة على أن نتركَ السطوحَ ونتوغل في أعماق الوحدة والمشتركات. وينبغي لعلماء سائر المذاهب أن يجلسوا ليعطوا آرائهم وأفكارهم حولَ الاقتصاد وكيفَ ينبغي أن يكون. وكيف ينبغي أن يكونَ نظامُ التربية الإسلامية وطبيعة النظام في إطارٍ من المباحثِ العلمائية والحوزوية، لأننا باِختصار نعاني اليوم من الحضارة العلمانية والتي ترفضُ الكتابَ والسُنَّة من الأساس وإنها لا تقبلُ بمبدأ النبوة. هم يقولون إنَّ عصرَ الدين قد انتهى وقد تمَّ رميُّ الدين في سلةِ المهملات! ويقولونَ لقد انتهى الدين والتفكيرُ الديني! إنَّ مشكلتنا الأساسية تكمن اليوم في تسلط الغرب على العالم الإسلامي وعِوضاً أن يجلسَ علماءُ ومُفْكّرُو العالم الإسلامي للنظرِ فيما هم فاعلون وكيف يمكن التخلص من السلطة الثقافية والاقتصادية والسياسية والإعلامية والأخلاقية والنظرية والمعارفية للغرب، وكيف نبحثُ عودة الحضارة الإسلامية نعودُ بعدَ ثلاثينَ عاماً لنقول: هيَّا بنا إلى الوحدة لنتمسَّك بالوحدة. هذه الأمور من البديهيات علينا أن نتقدم عشرَ خطواتٍ أُخرى.
أمَّا النقطةُ الأخرى أيها الأخوة فهيَ أننا لا نُريدُ وحدةً مُصطنعةً وتَشريفاتية. الوحدة ينبغي أن تكونَ ضاربةً في عمق الأفكار الدينية للمذاهب الإسلامية المختلفة وفي التاريخِ والسُنَّة والوحدةُ في الأصول وكذلكَ في بحث الاختلافات، وبتصوري أنَّ بحثَ ذلكَ لن ينالَ من أحد ولا ينبغي أن يكونَ كذلك.
وأريدُ من خلال هذا المنبر أن أطرحَ هذا الموضوع، وهو أن يجلسَ العلماءُ مع بعضهم البعض ويتحاوروا وينبغي أن نؤسس غرفةِ حوارٍ مشتركةٍ بين المذاهب الجعفرية والشافعية والحنفية في إيران، ومن خلال هذا المنبر أدعو وبِبَركةِ الرسول صلى الله عليه وآله أن يتم التأسيس لهذهِ الغرفة، ولتكن مركزاً للمطالعات الفقهية والكلامية في باب التفسير والقرآن والحديث. ولنجلس مرةً واحدة حولَ بعضنا البعض ونبحثَ الأمور على شاكلةِ طلبةِ العلوم الدينية. ولو حصلَ مثلُ هذا الأمر فإنَّ الناتجَ حتى ولو كانَ هناكَ تفاوتٌ واختلافٌ فلا بأس، لأنه ناجمٌ عن عمل كبار العلماءِ في كلِ فريق، وليتمَّ ذِكرُ موارد الاختلاف والحُججِ والاستدلالات وسوفَ تَرَوْنَ أنَّ لا شيءَ سيكونُ خطراً، لأنَّ الأمرَ تمَّ بينَ مجتهيدَينِ فهما يعرفان أنه لا ينبغي لأحدها أن يُكفّرَ الأخر.
وعندما يكون البحثُ بهذه الطريقة سنشاهدُ أيها الأخوة مواردَ الاتفاق والاشتراك وما أكثرها ولو اختلفنا في موردٍ أو أكثر فإنَّ السماءَ لن تنطبقَ على الأرض. المهم أن نعرفَ موارد الاختلاف ولكن بروحٍ علميَّةٍ وواعية وأن نفهمَ موارد الاتفاقِ أيضاً. وعندما يكون هناكَ اختلافٌ فهو ناتجٌ عن رؤيةٍ علميةٍ وليسَ عَبثيَّة وهذا هو المهم، ويُعَدُ هذا المَحفِلْ لو انطلقَ أُنموذجاً جيداً لكل العالم الإسلامي ويمكن أن يؤدي إلى نتائجَ إيجابيةٍ على مستوى العالم ويُمكنهُ أن يرفعَ الكثيرَ من نقاط سوء الفهم. وربما كانت التعابيرُ في بعض الأحيان مختلفةً لكنها واحدة في المعنى. حتى ولو أنَّ هذه الاجتماعات ترافقت مع بُحوثٍ حاميةٍ وتخللها رفع الأصوات فلا ضيرَ لأنها مباحثُ عُلمائية. قيلَ إنَّ البعضَ كانوا يمرونَ أمامَ طلبةِ العلوم الدينية في قُم ومشهد وإذا بهم يواجهونَ مباحثَ الطلبة فيما بينهم والتي قد تصلُ أحياناً إلى حدِّ التلاسن ورفع الأصوات على بعضهم. هيَ من ظاهرها هكذا لكن الناسَ لا يُدرِكونَ ذلك وهم يَرونَ أنَّ الطلبة يتشاجرون وكلٌ يَكيلُ للآخرَ ألقاباً ويتهمهُ بعدم الفهم. ذاتَ مرةٍ ذكروا أنَّ أحد الأشخاص شَهَدَ مباحثَ الطلبة فذهبَ إلى آخرينَ وقالَ إنَّ هؤلاء يتشاجرون وسيقتل أحدهم الآخر وعندما رَجَعَ إليهم رأى أنَّ الشِّجارَ قد انفضَ وجلسَ الاثنانِ يرتشفانِ الشايَ معاً ويتحدثان ويضحكان سويةً. فسألَ أيُّ الصورتين هيَ الصحيحة؟ فقالَ له الاثنان معاً: هناكَ كنا نتباحثُ في مسألةٍ شرعية وهنا نحنُ أصدقاء بعدَ المُذاكرةِ والبحث. ينبغي إحياءُ هذهِ الثقافة أيُها الأخوة فليسَ فيها أيُّ ضَرر، وهيَ تُقربنا إلى الوحدةِ المنشودة أكثرَ فأكثر. وليتضح هنا كم هيَ المشتركاتُ بين السُنَّة والشيعة.
نقطة التقاءنا هم أهل البيت عليهم السلام
وينبغي أيضاً أن نفصلَ بين الغُلاة والمُفرطين، وأقصدُ غلاةَ الشيعة، فهناك غلاةٌ من العوام وهناكَ مُفرطونَ من أهل السُنَّة خاصةً الوهابيين. بالطبع عندما نقولُ وهابيين فنحنُ لانقصدُ عامةَ الوهابيين، فالبعضُ منهم يرفضُ نهجَ التكفير، لقد جلستُ إلى بعضِ عُلمائهِم وأشرفتُ على رؤاهم في أكثر من مرة توجهتُ فيها إلى الحج حتى إنَّ البعضَ يجهلُ بعضَ تصرفات المفرطين من الوهابية، أمَّا التكفيريون فهم فئةٌ خاصة وأنموذجٌ خاص.
هم يتحركونَ بواسطةِ دولارات النفط بدعمٍ أمريكيٍّ وبريطانيٍّ في المنطقة، هؤلاء يَنسِفونَ الوحدةَ بين السُنَّة والشيعة وهم ضدَّ الشيعةِ والسُنَّة على حدٍّ سواء، لكنهم يتقدمونَ خطوةً بخطوة، وفي نفس الموقف حيثُ يتحدثونَ عن الخلافات ويمكن الردُّ عليهم بالقول: إننا مُتحدونَ حولَ القرآن والسُنَّة، واختلافنا في مسألةِ تفسير أهل البيت، وبتصوري أنَّ أهلَ البيت هم نقطةُ الاتحاد القوية خاصةً من قبل المذهب الشافعي وأهلُ البيت من الأدوات الأساسية للوحدة. نعم بخصوصِ من يشملهم أهل البيت وهل ينبغي أخذُ الفقه منهم أم من أشخاصٍ أخرين. هناك اختلاف، هذا هو الخلافُ العلمي، ولكن بخصوص حبِّ أهل البيتِ وحرمتهم، كلنا يعرف الأشعار التي نُسبت للشافعي في حُبِّ أهل البيت، حيث يقول: ليشهد العالم إنّني رافضي. عندما كان يُوصَفُ الموالي لأهل البيت بالرافضيّ وواضحٌ من هم المقصودونَ بأهل البيت ولا يعني هذا أنَّ حُبَّ أقارب الرسول أو زوجاته، فلم يُعتَبَرُ أحدٌ أنَّ مُحبَّ زوجات الرسول هو رافضي.
إنَّ مسألةَ أهل البيت عند الإمام الشافعي إضافةً إلى أشعارهِ المشهورة نُقلت في مصادر الشيعة وأهل السُنَّة على السواء، حيثُ أوردَ العلامة المجلسي في بحار الأنوار أنَّ الشافعي كان يقول: قبرُ موسى بن جعفرٍ الترياقُ المجرب، هذا هو موقف الإمام الشافعي من زيارة أضرحة أهل البيت عليهم السلام حيثُ يؤكدُ أنَّ الشفاءَ عند زيارتهم. ويمكن لكم أن تُقارنوا بين هذا الموضع ومن يُجاهر اليومَ بأنَّ زيارة قبور الأولياءِ بدعةٌ وأنَّ زيارة مرقد الرسول أمرٌ فيه نظر وهوَ محلُ شكٍ وشُبهة.
هذا الوصفُ كان من الأهمية بمكانٍ أن نُقلَ في المصادر الشيعية، ولم يُذكَر هذا الأمر لمرةٍ واحدة وحسب بل تكرَّرَ ذِكرهُ في عدة مواقف، أي أنَّ الله سبحانه وتعالى يُشافي المرضى بحرمةِ أهل البيت عليهم السلام. إنَّ هذا نموذجٌ لعالمٍ سنيٍّ وهكذا ينبغي أن يكون.
لاحِظوا إنَّ المباحثَ عندما تصل إلى عامة الناس فإنها تُحوَّر وتتبدَّل ويوضعُ منها ما يوضع، لكننا عندما نعودُ إلى بحث العلماء وأصحاب الفن، نرى أنَّ المواقف ليست التي نعرفها، حيثُ نُسبَ إلى الإمام الشافعي قولهُ: لولا عليٌّ لما عُرفَ من الأحكامِ شيء. ورُغم أنَّ ثلاثَ حُروبٍ فُرضت على الإمام في فترة حُكمه التي استمرت خمسةَ أعوام إلا أنَّ فترةَ حُكمه حافظت على الأحكام. بالطبع فإنَّ لهذا الكلام أهميةٌ خاصة لأنه صدرَ عن عالمٍ صاحب مدرسةٍ في الفقه والفتوى. وهناكَ رسالةٌ سياسيةٌ في هذا الموقف الذي ينمُّ عن الروح العلوية وحبِّ أهل البيت عند الإمام الشافعي حيثُ قال بصريحِ العبارة: (إنَّ من حاربَ علياً هم مُعاويةُ ورهطُهْ وهم ضالون وعليٌّ على حق).
ولقد وردَ في مسند الإمام أحمد بن حنبل وفي سُننْ الترمذي وفي معجم الطبراني الكبير والكثير من المصادر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: أنهُ أخذَ بيد الحسن والحسين سلام الله عليهما وقال: (من أحبني وأحبَّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يومَ القيامة).
وجاءَ في مُسند أحمد بن حنبل ومُستدرك الحاكم ومعجم الطبراني عن أبو سعيد الخدري: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخلَ على فاطمة رضيَّ الله عنها وقال: (يا فاطمة إني واياكِ وهذا النائم -أي الإمام علي عليه السلام- وهما -أي الحسن والحسين- لفي مكانٍ واحدٍ يومَ القيامة).
وجاء في سُنن إبنِ ماجة والسُنن الكبرى ومسند أحمد بن حنبل والمعجم الأوسط للطبراني عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله: من أحبَ الحسن والحسين فقد أحبَّني ومن أبغضهما فقد أبغضني).
وعندما يقول الرسول صلى الله عليه وأله إنَّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، لا يمكننا القول إنَّ معاوية ويزيداً وبني أمية وبني العباس اجتهدوا أو أن نقول تقبل الله منكم يا مَنْ ذبحتم الحسين، وهذا يُخالفُ العقل والشرع، وفي هذا تكذيبٌ للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وهوَ يتعارضُ وصريحَ عبارة الرسول.
لقد جاء في مُسند أحمد بن حنبل ومعجم الطبراني وأمثالهما من أمهات كتب أهل السُنَّة عن عليٍّ عليه السلام قولَهْ: (شكيتُ إلى رسول الله حسدَ الناسِ إياي. فأجابَ الرسول أما ترضى أن تكونَ رابعَ أربعةٍ وأنَّ أولَ من يدخل الجنة أنا وأنتَ والحسن والحسين؟).
وهنا أُعيدُ وأقول رداً على بعض الذين يقولونَ إننا نختلفُ في أهل البيت، أقول إنَّ أهل البيت هم مدعاةُ وحدةْ خاصةً عند مذهب الإمام الشافعي، ومن الناحية السياسية وكما أسلفتُ فإنَّ الإمام الشافعي يُعدُّ شيعياً أي أنه وقفَ إلى صفِ أهل البيت وحاربَ إلى جوارهم وكذا كان من الناحية الفقهية والكلامية.
ويمكن لنا أن نتساءل لماذا أقدمَ الإمام الشافعي على اتخاذ هذا الموقف ووقف إلى جانب زيد بن علي بن الحسين وحملَ السلاح ضدَّ حكام البغي؟ لم تكن المعركة بين شيعةٍ وسُنَّة، فقد وقفَ الشيعة والسُنَّة في صفٍ واحد وقد تأزَّمت الأمور في صدر الإسلام الأول، حيث نُقلَ عن الإمام مالك نقلاً عن عمهِ أبي سُهيلٍ عن والده يقول: لقد أضرَّ بنو أمية وبنو العباس بالإسلام أيما ضررٍ، وقال: لا أعرفُ شيئاً مما أدركتُ الناسَ عليه إلا نداءٌ في الصلاة. فقد انتهكَ هؤلاء الإسلام وحرَّفوهُ ولم يبقى منه غيرَ النداءِ للصلاة حيثُ اضطرَّ الإمام مالك إلى إيرادِ هذا الحديث والرواية.
وقد ذكرَ الإمام أحمد بن حنبل أنهُ لا يعتبرُ فترةَ معاوية وما بَعدهُ فترةَ خلافةٍ راشدة بل حكماً ملكياً وسلطنةً ولا ربطَ لهما بالإسلام والخلافة الإسلامية، فلقد غيَّروا حتى الصلاة، وكان هذا تعبير الإمام الشافعي وقد وردَ هذا التعبيرُ في كتاب الأعلام وهناكَ مبحثٌ في ذيلِ الكتاب وهو ذاتُ الموضوع الذي أشار إليه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام عن بني أمية وأنَّ هؤلاء يفعلون أشياء لن تُبقيَ من الإسلام إلا اسمه ومن الكتاب إلى رسمه.
لاحظوا كم هيَ متقاربةٌ وجهات النظر والتصوُّرات حولَ ما يفعلهُ بنو أمية وهوَ ذاتُ الشيء الذي قاله الإمام الحسين ليزيد: (إنَّ مثلي لا يُبايعُ مثلك ولو فعلتُ فعلى الإسلام السلام). وهيَ ذاتَ التعابير التي استخدمها الإمامُ أحمد بنِ حنبل وذاتُها للإمام الشافعي. وعندما يقول الحسين إنه لو بايعَ يزيداً فعلى الإسلام السلام، ليسَ هناكَ عراكٌ سنيٌّ شيعي، فلم يتم طرح المباحث المذهبية لا في زمان الحسن ولا الحسين ولا موسى بن جعفر وحتى في زمن الإمام الجواد والهادي عليهم السلام.
فقد كانَ هناكَ عنوانٌ للصراعِ بين أهل البيت وبني أمية وبني العباس. وفترةَ الخلفاء الراشدين غير محسوبة في هذا الصراع، ولم يكن الأمرُ صراعاً سنياً شيعياً منذُ معاوية وما بعدَ معاوية، بل كان الصراع بين الإسلام والكفر. وكان صراعاً بين أهل البيت وأعدائهم حيثُ قال الرسول (أنا حربٌ لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم).
وهنا أريدُ التأكيد مرةً أخرى على أنَّ أهل البيت هم عاملٌ مساعدٌ لوحدة المسلمين وأريدُ التنبيه إلى أنَّ بعض الشيعة وطلبة العلوم الإسلامية لا يعرفونَ المصادر وكذلك الأمر مع الأخوة من أهل السُنَّة، وفي هذا قُصورٌ يرجع إلى الطرفين وعليه نرى أنَّ الطرفين يقولانِ أموراً غيرَ دقيقةٍ وينسبانِ أموراً لكبار علماء الفريقين وهنا أودُّ الحديثَ عن الإمام الشافعي، حيثُ يمكن أن يكونَ نموذجاً جيداً بين علماء الإسلام وعلماء أهل السنَّة بِخصلَتين. الأولى في أفكاره الحرة حيثُ طالعتُ ذلكَ ووصلتُ إليه كمحققٍ تاريخي. والثانيةُ في رؤية الإمام إلى أهل البيت، وهناكَ تعبيرٌ للإمام الغزالي حولَ عدم تعصب الإمام الشافعي، ويذكر أنّ هناك كانَ صديقاً للشافعي وتلميذاً حميماً يُدعى مُحمد، وكان الجميعُ يتأملُ أن يُعلنهُ الشافعي خليفةً لهُ، لكنهُ اختار أبا يعقوب من بعده، ولو كانَ متعصباً لكان قد وضعَ محمد لكونه أقربَ إليه من الآخر، وبعدَ فترةٍ تركَ محمدٌ المذهبَ الشافعي وعادَ إلى المالكي، أمَّا أبو يعقوب فباتَ مُنعزلاً لكنهُ في العملِ حاولَ أن يكونَ على أساس المِلاك العلمي.
الزيارةِ والشفاعة والتوسل
مع التأملُ في هذه الموضوعات نجد أن السُنَّة يقولونَ بما نقول نحن في الروايات الشيعية، وعلينا أن نخوضَ بذلك في غرف المناظرة والبحث العلمي، ولكن شتانَ بين أفكارِ أشخاصٍ مثلِ محمد بنِ عبد الوهاب والشافعي في الفقه والكلام والأخلاق الشخصية والحرية. ولو حصلَ ذلكَ أتصور أنَّ أتباعَ محمدِ بن عبد الوهاب لا يقبلونَ بالإمام الشافعي أصلاً، ولا بأبي حنيفة، ولو ذهبتَ الآن إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي حيثُ كنتُ في العام الماضي في الحج ترى تدريس الكلام والفقه في المسجد الحرام ومسجد النبي حيثُ كنتُ أواظبُ كلَ يومٍ قبل وبعد الصلاة للاستماع إلى المحاضرات الدينية، لكنني لم أسمع محاضرةً واحدةً يتحدثونَ فيها وفقَ المذهب الشافعي، ولو أنَّ أحداً منكم شاهدَ ذلكَ فليخبرني. إنَّ الفكرَ السائد أيها الأخوة اليوم هو أنَّ من ينادي يا رسولَ الله فإنه يكون مشركاً ومن يقسمُ بالنبي وآل بيته يكون خارجاً عن الملَّة ومن يزور قبور الأولياء فهو كافر.
إنَّ هذه الأدبيات الموجودة تختلف اختلافاً جذرياً مع ما يقوله الإمام الشافعي من أن قبر موسى بن جعفر هو الترياقُ المُجرَّب وأينَ هو اليوم ممن يقول أنه رافضيٌّ لأنه يحبُ أهلَ البيت؟
إنَّ وجهةَ نظر السعوديين تقول: إنَّ من يقول يا محمد أو يا علي فهو كافرٌ ومُشرك، لكنه إذا قال يا أمريكا يا إسرائيل فهو موحِّد! ومن يزور قبور الأولياء فهو كافر! لكن من يزور البيت الأبيض ولندن فذاكَ من المُستحبات، ومن يستشفعُ بأهل البيت والرسول فهو مُشرك، أمَّا التشفُّع بإسرائيل فهو مُستحب، ومن يريد الشفاعة بنظرهم فليذهب عندَ الصهاينة إنهم أولي الأمر، ونلمسُ هذه التصرفات في أعمالهم وأقوالهم وإنَّ من يقف إلى جانب إسرائيل ويعمل على قتل المجاهدين السُنَّة في غزة ويقضي عليهم عبرَ القصف فهوَ مسلمٌ خالص؟
وعليه فأموال النفط وأموال المسلمين حلالٌ على الأفراد الحربيين المعادين للإسلام ولقمةٌ سائغة وحليبٌ طاهرٌ في فم الأعداء، لكن الدفاع عن المسلمين في لبنان وفلسطين وأفغانستان والعراق فهيَ بدعة والاهتمامُ بحجرة النبي شرك، أي مجرد النظر إليها بدقة لا أدري من أينَ جاؤوا بهذه الفتاوى والأحكام وتقبيل القرآن الكريم حرامٌ، لكن تقبيلَ أيادي الإنجليز واجبٌ شرعي. أينَ هذه الأوصاف والنُّعوتْ من تصرفات وأحكام وأقوال الإمام الشافعي الذي كان يرى أنَّ الجهاد في ركابِ أهلِ البيت ضدَّ بني أمية وبني العباس ثوابٌ ومن يُقتل مع أهل البيت ضدَّ الأمويينَ والعباسيين فهوَ في صفِ شهداء بدرٍ وأُحُد، هذه أحكامُ وآراءُ أبي حنيفة والشافعي، لكننا اليومَ نواجهُ من يقولُ إنَّ الفرحَ لذِكْرى ولادة الرسول والحزن لذكرى رحيلهِ حرام؟
كنتُ ذاتَ مرةٍ في مسجد النبي، وقد جلستُ بعدَ إحدى الصلوات لِأستمعَ إلى درسٍ فقهيٍّ لشخصٍ كانَ فاقداً للبصر وكانَ أعمى القلبِ أيضاً، وقد وضَعَ نظارةً سوداءْ، وكانت المناسبة ذِكرى مولد النبي الشريف وإذا بي أسمعهُ يقول من خلال مذياعٍ بيدهِ إنَّ هناكَ من يحتفل بذكرى مولد الرسول وهذه بِدعة ولو فَعلَ المسلمُ ذلك إصراراً فإنَّ مالَهُ وعِرضَهُ حلالٌ للآخرين!! وبعدَ أن أنهى درسه توجهتُ إليهِ قائلاً: لو سمحتَ لي أريدُ أن أستوضحَ نقطةً مُعيَنة …فسألتهُ ما معنى البدعةَ بنظركم؟ فقالَ: كلُ شيءٍ لم يكن موجوداً في السُنَّة … فقلتُ إنَّ كُلَ شيءٍ لم يكن موجوداً في زمن الرسول فهوَ بِدعة؟ فقالَ: بلى.. فقلتُ لهُ: إنَّ وقوفَكمْ خلفَ المذياعِ بِدعة لأنَّ الرسولَ لم يفعل ذلك، وإنَّ النظارة التي تَضُعها على عينيك هيَ بدعةٌ لأنها لم تكن موجودةً في زمن الرسول، وعليه فإنَّكَ تأتي بالبدعِ يا شيخ…. وبدلاً من إجابتي أمسكَ بيدي وصاحَ بأعلى صوته أتَسْبُّ الصحابة؟ وفجأةً جاءَ أربعةٌ من أزلام الشرطة وقالوا ماذا حصل؟؟ قلتُ لهم سألتهُ عن البِدعة في الممارسةَ الحالية للمسلمين، وقلتُ للشرطة أنه كيفَ يمكن أن يكون الاحتفالُ بمولد الرسول بِدعة؟ فقالَ من فعلَ شيئاً ليسَ على عهد الرسول فهوَ بِدعة. وهذا يعني أنَّه كانَ ينبغي للرسول أن يحتفلَ بعيدِ ميلادهِ ليُصبحَ الأمرُ سُنةً، وأصررتُ عليه أن يُعرفَ لي معنى البدعة، وقلتُ له إنَّ الإمامَ الشافعي عرَّفَ البدعةَ والسُنَّة مثلما عرَّفَ ذلكَ الإمامُ الصادق …. ومُفادُها ليسَ كلُ مالم يكن موجوداً في السُنَّة فهوَ بِدعة، والأدقُّ أن نقول إنَّ كل ما هوَ ليسَ في السنَّة وننسبهُ إليها فهوَ بِدعة. وعليه فإنَّ الأمورَ الغيرَ الموجودةَ في العبادات ولا تتعارضُ مع ضوابط الدين فإنَّ القيامَ بها طبقاً للضوابط الشرعية لاتُعدُّ بدعةً، وهذا بالتحديد رأيُّ الإمام الشافعي.
أمَّا الرأيُّ الوهابي فهو يتعارضُ تماماً مع رأي أبي حنيفة والشافعي، لا أستطيعُ تَقبُلَ الأمر، كيفَ تبدو زيارة قبر الرسولِ وأهل البيت شركاً وخروجاً عن الملَّة؟ لكنَّ التماسَ التعامل مع الإنكليز والأمريكيينَ واجبٌّ شرعي..
لا أدري كيفَ يتعاملُ هؤلاء مع رِواياتٍ دامغة، على سبيل المثال ما جاءَ في صحيح البُخاري المُجلَّد 4 الصفحة 229، حيثُ نُقلَ أنَّ الرسول صلى الله عليه وآله كانَ في طريقه إلى البطحاء وقد توضأ وصلى صلاة الظهر ركعتين قصراً وكذلكَ في صلاة العصر، ثمَّ يقول قامَ الناس وأقبلوا على يد الرسول يُقبلونها ويمسحونَ بها على رؤوسهم ووجوههم، وكان الناس يتسابقون على تلقف قطرات الماء التي تسقط من يد ووجه الرسول، فهل في هذا شركٌ وبِدعةٌ وحرام؟ ويقول الراوي إنه أخذَ بيد الرسول ووضعها على وجهه وكانت ذاتَ رائحةٍ زكيةٍ كالمسك.
وفي صحيح البخاري المجلد 2 الصفحة 114 .. أنَّ النبيَّ كانَ إذا مرَّ بشهداء أحُدْ ألقى عليهم التحية ودعا لهم. انظروا ماذا يقول الوهابيونَ في هذا:
فالأموات تتبدلُ عِظاماً لما ينبغي على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يُسلمَ عليهِمْ وعلى من يُسلم؟ هل نُسلم على مجموعة من الأموات؟ إننا جميعاً ضدَّ مبدأ عبادة الأموات. فنحنُ نُقرُّ ونؤمنُ أن عبادةَ كلِ شيءٍ عدا الله هو شرك. سواءٌ كانَ نبياً أو إماماً أو من أهل البيت، وعندما يأتي أحدُ الزائرينَ ويسجد للأرض ربما قالَ شيئاً طبقاً لصدقِ وعيهِ ولكن عندما نسألهُ لما سجدتَ يا رجل ولمن؟ وفي بعض الأحيان يقفُ أحدُ الشيعة أمامَ الإمام ويسجُد ولو سألتهُ لما فعلتَ ذلك؟ وهل أنكَ فعلتَ ذلكَ من أجل الإمام الرضا؟ وربما خرَّ زاحفاً قُبالة الضريح من شدة الاحترام للإمام لكنه لا يسجد للإمام الرضا عليه السلام أبداً..
ليس الأمرُ بالجديد لدى الإمام الشافعي فهو في باب الزيارة ومحبة أهل البيت يمتاز بموقفٍ صلبٍ فهو يقول إنني أسجدُ سجدةَ شُكرٍ لله لأنهُ وفقني بزيارة الإمام الرضا عليه السلام. بالطبع هناك عوام الشيعة والمُغالون والذينَ ينبغي إصلاحُ أمورهم واعتقاداتهم.
نُقلَ عن الإمام السجاد عليه السلام القول: إنَّ البعضَ قالوا إنَّ عزير ابنُ الله وقال َآخرونَ من المسيحيين إنَّ المسيحَ ابنُ الله. وقالَ البعضُ في أهلُ البيت منَ الغلوِّ ما لا يصُح، وعليه لاهم منا ولا نحنُ منهم وأننا لا نرى فيهم شيعة. ومن يقول إنَّ لأهل البيت صفاتٌ من الله أو ينسبُ لنا تقسيم الأرزاقِ والحياةَ فهو ليسَ مِنَّا لا بل نُكفرهم.
وهناك الكثير من المصادر الروائية الشيعية تتحدث عن الغلاة والردُ عليهم، وفي المعجم الكبير ومجمع الزوائد و الدر المنثور و كنز العمال نُقلَ عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القول: (من جاءني زائراً كانَ حقاً عليَّ أن أكونَ لهُ شفيعاً يومَ القيامة).
وهناكَ طُرحت مسألةُ الزيارة والشَّفاعة وقد اشترطَ الرسولُ ذلكَ بخالص النیة، هذا ما نراهُ في مصادر أهلِ السُنَّة وهيَ كثيرَةٌ. وفي السُنن الكبرى جاءَ أيضاً، من زارني كنت له شفيعاً، ومَنْ حجَّ البيت ولم يزُرني فقد جافاني. هذه الروايات ليست عبادةً للرسول أو الموتى، وهيَ ليست بشركٍ، لقد نقلَ أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من زارني بعدَ موتي كانَ قد زارني حياً.
وقد شهدتُ بنفسي عندَ حرم الرسول حيثُ كنتُ واقفاً قُبالة الضريح وأؤدي السلام والتحية فجاءني أحدُ الوهابيين وكانَ هناكَ زائرونَ من جنسياتٍ أُخرى وقد انهالت دموعُهم وكان َبعضهم يُناجي الرسول فإذا به يضربُ ظُهورنا ويقول لقد ماتَ محمد وكرَّر الضربة فقلتُ له: هل أنَّ كُلَ من ماتَ وذهبَ عن هذا العالم قد انتهى؟ ضِحكَ من جوابي واستفساري وقالَ اذهب إلى الجحيم. أنا على اطمئنانٍ من أنَّ هذا الشخص لم يُطالع مصادر أهل السُنَّة ولم يرى صحيحَ البُخاري ولا مُسند أحمد بنِ حنبل وما جاءَ فيه من روايات.
لقد نقلَ أبو هُريرة عن الرسول: (من زارني بعدَ وفاتي كانَ كمن زارني في حياتي)، إنَّ الموتَ أو الحياة لا ربطَ ولا تأثير لها على الزائر. وعندما تقف أمام قبر الرسول وتقول السلامُ عليك فإنَّكَ كمن يُسلمُ على الرسولِ أمامه. كانَ رسول الله إذا خرجَ إلى المقابر قال السلامُ عليكم يا أهلَ الديار من المؤمنينَ والمسلمين.
لقد أكدَّ الإمامُ الشافعي على مداومةِ الإيمان والعمل الصالح اللذين يستوجبان ِالاستشفاءَ والتوسل شريطةَ أن تكونَّ الأعمالُ صالحةً وبنيةِ القُربى إلى الله، وينبغي الالتفاتُ إلى أنَّ المتوسل بالرسول وآلِ بيته عليهِ أن يُقربَ الأولياءَ إلى الله ذو الفضل الكبير. أي أن يدعو له بالمقام الذي لديهم إلى الله لقضاء حاجته ولا يجوزُ أن نطلبَ الحاجةَ من الإمام ذاته فهو لا يستطيع القيامَ بما يقومُ به الرب، وأنَّ التوسل بأهل البيت سلام الله عليهم هوَ لأنهم أعزاءٌ عندَ الرسول الكريم صلى الله عليه و آله.
والقرآن لا ينفي الشفاعة حيثُ يقول لا شفاعةً بدون إذن الله سبحانه، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه.
وهناك الكثير من الأقوال والأشعار المروية عن الصوفية الشوافع من مُحبي أهل البيت عليهم السلام حيثُ رُويَ أن أحمد البياباني وهو عرَّافٌ وصوفيٌّ كبير عاشَ في النصف الثاني من القرن السابع الهجري وكانَ أولَ الأمر ابن أسرةٍ ميسورة الحال تعمل في خدمةِ آرغون شاه. ثُمَّ ما لبسَ أن تغيرَ المسار وأصبحَ الشخصُ عابداً والتحقَ بجمع المُتصوفين، وكتبَ كتاباً كبيراً باسمِ المجالس الأربعين ويقول: إنَّ قائلَ لا إله إلا الله لا ينفعُ أن يكونَ مسلماً من غير أن يكسبَ رضى محمدٍ رسول الله. وإن لم يكسب رضى الرسولِ محمدٍ صلى الله عليه وآله لن يكونَ مُسلماً. وأنَّ ذلكَ غيرُ مُتيسرٍ لولا مودةُ أهل البيت وأبناء الرسول، ولن يكونَ الإنسانُ مؤمناً دونَ محبةِ أهل البيت وأنَّ مودةَ النبي تجلبُ الخير الكثير.
ها قد شارفَ وقتُ المحاضرة على الانتهاء أشكركم جميعاً على صبركم وحلمكم واستماعكم لِأقوالي وربما كانَ بعضُ الحاضرين لا يوافق على ما جاءَ في حديثي وله استدلالاته الفقهية، فلا ضيراً في ذلك لأنَّ القصدَ هو بحثٌ علمي وعُلمائي وإحياءٌ لهذا المسير دونَ أن نتناسى التمسك بالوحدة والأخوة، ِوالوقوف صفاً واحداً مع الأخوة في كافة المذاهب سواءً من الشوافع أو الأحناف في إيران.
شكراً لكم مرةً أُخرى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: رابطة الحوار الديني للوحدة
رمز الخبر: 346331
٢٠ أغسطس ٢٠١٦ - ١٩:٠٤
- الطباعة
وكالة الحوزة ـ ألقى الأستاذ حسن رحيم بور أزغدي محاضرة تحت عنوان الوحدة الإسلامية، معتبراً إياها ضرورة ملحة للعالم الإسلامي، وتطرق فيها إلى القضايا المشتركة عند الشعية والسنة.