۵ آذر ۱۴۰۳ |۲۳ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 25, 2024
الأستاذ حسن رحيم بور أزغدي

ألقى الأستاذ حسن رحيم بور أزغدي محاضرة تحت عنوان التيارات المعاصرة و مواجهة ثقافة عاشوراء، وتطرق خلالها إلى الظروف التي كانت تسود المجتمع آنذاك كما وتحدث عن علاقة قضية عاشوراء بحاضرنا.

وكالة الحوزة ـ ألقى الأستاذ حسن رحيم بور أزغدي محاضرة تحت عنوان التيارات المعاصرة و مواجهة ثقافة عاشوراء، وتطرق خلالها إلى الظروف التي كانت تسود المجتمع آنذاك كما وتحدث عن علاقة قضية عاشوراء بحاضرنا.

وفيما يلي نقدم لكم نص المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان المحاضرة: التيارات المعاصرة و مواجهة ثقافة عاشوراء.. علاقة قضية عاشوراء بحاضرنا


إنَّ الحديثَ عن الحسين يُعدُّ بمثابة الفكرة والنظرية وليسَ شخصيةً فقط، لقد تمَّ التعامل مع قضية الحسين عليه السلام على مر التاريخ بأشكالٍ مختلفةٍ فكرية وتاريخية، وكذلك من جهة المباحث الثقافية في إيران أشيرُ إلى نوعين منها فقط، وسأكتفي في هذا البحث بالحديث عن زاويةٍ مُحددة كانت ذاتَ مصداقٍ قبلَ الثورة وظلت كذلك بعدها. فهناكَ تعامل المحايد مع القضية باعتبار أن قضية الحسين عليه السلام لا تعني الإيرانيين فحسب، والقولُ إنَّ كُلَّ ما وقعَ للإمام الحسين في عاشوراء وكلَّ ما حصلَ من اعتداءٍ عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وقتل الإمام و أصحابه هو عبارةٌ عن حادثةٍ تاريخيةٍ عربية وقد نَفَذَ تاريخُها، وأنَّ استذكارَ قضية الإمام الحسين عليه السلام يُعدُّ مضيعةً للوقت، لأنَّ ما حصلَ في سالف الزمن لا يخصُّ مُجتمعنا، لقد كانت هذه الرؤيةُ موجودةً قبلَ انتصار الثورة وأخذت أشكالاً قومية، حيثُ قالوا إنَّ مجموعةً من العرب تبارزوا فيما بينهم فقتلَ بعضهم بعضاً، وهُزِمَ قسمٌ ورَبِحَ المعركة قسمٌ آخر، وقامت فئةٌ أخرى للاعتراض على الرأي القومي وأرادت بزعمها أن تُدافع عن الإمام عليه السلام، واستذكار قضيته بالقول: إنَّ والدةَ الإمام زين العابدين عليه السلام إيرانية، وعليه فهوَ من حيثُ الأم مُرتبطٌ بإيران ليمنحوا طابعاً عقيدياً وارتباطاً وثيقاً مع قضية الإمام الحسين عليه السلام. كانَ هذا أعلى مراتب التدخل التنويري في قضية الإمام الحسين عليه السلام.
وبعدَ الثورة الإسلامية تمَّ طرحُ القضية بشكلٍ آخر، حيثُ قالوا إنَّ تأريخَ استهلاكِ قضية الإمام الحسين عليه السلام قد نفذ، وأنَّ القضية ترتبط بالماضي التاريخي، ولا علاقة لها بما يجري اليوم، وإنَّ القضية دارت وقائعها في صدر الإسلام، وإنَّ الشيعة زادوا من حماستها دونَ مُبرر، وأضافوا لها أبعاداً في القيم. وقالوا إنها مسألةٌ تخصُّ العصر والدين وترتبط بالكفر والعدل والظلم، لكنَّ المسألةَ لم تكن بهذه الأبعاد وقد تمت إضافةُ ذلكَ فيما بعد. والحقيقة هي عبارةٌ عن معركةٍ بينَ قبيلتين عربيتين بين بني هاشم وبني أميَّة حولَ الكرسي والحكم والتاريخ، وقد تجلَّى قسمٌ من تاريخ صدر الإسلام حولَ هذا الأمر وعليه فهؤلاء يَرَوْنَ أنَّ اقصاء الإمام عليّ بعدَ النبي كانَ على هذا المفهوم والأساس، حيثُ اقتتلَ الأبطالُ من قُريش فيما بينهم حولَ الدنيا والحكم وهكذا فسَّروا الحروبَ التي خاضها الإمام عليٌّ مع الخوارج وغيرهم باعتبارها حروباً داخلية بين العرب وقد سرى هذا النوع من التفسير إلى الإمام الحسن عليه السلام ومن ثَمَّ إلى الإمام الحسين عليه السلام وهكذا فسَّروا ما حصلَ في عاشوراء.
لقد كتبوا في السنوات الأخيرة أنَّ حربَ الحسين ويزيد كانت بينَ قبيلتين وقد بدأت في جدَّي الطرفين، حيثُ قامَ جدّ الحسين عليه السلام بإقصاء جدّ يزيد عن سلطة قريش، أي غَلَبَ النبيُّ الأكرم أباسفيان وكانَ من أشراف وكبار قومه ومن أصحاب الثروة والقوة في مكة، حيثُ ذلَّه أيَّما إذلال، فجاءَ أبناءُ هؤلاء وانتقموا من بعضهم ومنحوا هذه المعارك ألقاباً من حركة أدعياء التنوير، وللأسف قرأت في بعض الصحف ما يُشير إلى ذلك. وللأسف كَتبَ أحدهم: لا يمكنُ وقفُ نزيف الدم بإراقة الدم، وقال: إنَّ الرسول أراقَ دماءَ قُريشٍ في بدر، وجاءَ يزيدٌ ليُجيبَ ما حصلَ في بدر، وحاربَ الإمامَ الحسين، لكنَّ الأمرَ تواصلَ لأنَّ إراقة الدم ستسمر، وكانَ ينبغي وقفُها في مكانٍ ما، وإلا مالنا نحنُ وحربُ بني هاشم وبني أميَّة، إنها قبائل عربية تقاتلت فيما بينها، فتارةً يقتل هذا ذاك، وتارةً بالعكس. إنَّ تكرار هذه القضية كُلَّ عام، واستمرارَ ارتداء السواد والبُكاء واللطم، واستذكَار عاشوراء وتاسوعاء، لا تعني إلا الاستمرار في ثقافة العنف، وإراقة الدماء والانتقام القبائلي، وهذا لا ينفع وينبغي أن يُقدِّمَ الإنسانُ خدمةً كبيرةً لحقوق الإنسان من خلال العمل بمبدأ التسامح والتساهل، وعلينا وقفُ هذا المسلسل من العنف وإراقة الدماء. فقد قَتَلَ أصحابُ النبيّ في بدرٍ أصحابَ وقادةَ بني أميَّة، وهكذا استمرت دوامةُ العنف والقتل، وقد انتقمَ يزيدٌ لمقتل أبائهِ وأجدادهِ في عاشوراء وكربلاء، ولا ينبغي علينا الاستمرارُ في هذا الموضوع، وهذا النوع من التسطيح في القضيَّة هو تحديداً ما كانَ يزيدٌ يُرَدِدُهْ، لا أدري هل أنَّ أنصارَ حركة التنوير يعلمونَ أنَّ ما يدعونَ إليهِ هو ذاتُ الكلام والجُمَلْ التي كرَّرها وقالها يزيدٌ وأصحابُه.

أوضاع قريش قبل الإسلام

وعندما انتهت واقعة الطف بشهادة الإمام الحسين عليه السلام، وسيقَ الأسرى من بيت الرسول إلى دمشقَ وقصر يزيد، وعندما وضعوا رأسَ الإمام في طَشتٍ أمامَ يزيد وبدأ يضربُ بعصاً خيزرانية على ثغر الإمام وأسنانه ويُكرِّر ذلك أمامَ رأس الإمام ويفعلُ ذلكَ أمامَ نساء وأطفال الإمام، ثُمَّ ردَّدوا شِعرَهُ المشهور:
ليتَ أشياخي ببدرٍ شَهِدوا  
أي شهدوا هو ما فعل بالإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، ثُمَّ يواصلُ شِعرَهُ ليقول:
لَعِبت هاشمٌ في المُلكِ فلا خبرٌ جاءَ ولا وحيٌّ نَزل
وأنَّ وَالدَ الحسين وجدَّهُ أرادوا أخذَ القوة والسلطان منَّا، فذهبوا وصنعوا نظريةً كما يقول المعاصرون، وطَرَحوا الله مُقابل الأصنام وبدلاً من حياة الأشراف والطبقية، طرحوا مسألة العدل الاجتماعي، وأرادوا إزالة الزنا والشِراب ِوالجِنسِ والرِّبا، لأنَّ ثقافة جزيرة العرب في زمان بعثة الرسول الأكرم كانت تدور حولَ هذه الموضوعات، وأرادَ الرسول صلى الله عليه وآله تغيير ذلك، حيثُ كانت العلاقات الاجتماعية تدور في أجواء الجنس والعنف والشراب والرِّبا والقِمار، ولم يكن الزنا في ذلك الحين من أجل الحصول على المال والنقود، بل كان الزنا يُعَدُّ قيمةً اجتماعية حيثُ كانت جدَّةُ يزيد أمُ معاوية وزوجة أبي سفيان هند من النساء التي كانت ترفعُ علماً وهي من النساء التي لا تحتاج إلى المال، حيثُ كانت تُمارس الفحشاء والزنا لأنهُ كانَ قيمةً اجتماعية. حيثُ كانَ ارتباط نساء الأشراف مع سائر الأشراف والتُجَّار، وزعماء القبائل، بمثابة القيمة الاجتماعية.
وهكذا كان حال الاقتصاد قائماً على الرِّبا، والعلاقات الجنسية قائمةً على أساس الزنا، وكانوا يُقيمونَ الحربَ على أتفه الأمور كالأطفال، لقد كانَ القتلُ ثقافةً عندهم في الجاهلية وكانت مسألةُ إراقة الدماء مسألةً عاديةً في مكة ويثرب. وكانت هناك حربٌ بين الأوس ِ والخزرج في يثرب استمرت لفترةٍ طويلة بينَ القبيلتين، وكانَ رِجالُ القبيلتين يقتلونَ بعضهم بعضاً ويخطفون نساء بعضهم بعضاً. وكانَ العربُ يتقاتلونَ على أتفه الأمور كأن يكونَ جَمَلاً مثلاً، وعليه جاءَ الرسول لِإزالة هذه الثقافة وإحلال الأخلاق محلَّ ثقافة العنف وإفشاءَ المحبة والإنسانية، جاءَ ليُوصي بالجار، ويقول للأغنياء والميسورين إنَّ عليهم أن يلتفتوا للفقراء. أوصى الجارَ بالجار حتى قال البعضُ إنَّ تأكيدَ الرسول على الجار جعلهم يظنونَ أنَّ الجارَ يَرِثُ جاره وكانت المرأةُ تُعَدُّ بضاعةً جنسيةً ومدعاةً للعار في الأسرة، وعندما كان الرجل يُبَشَّرُ بالأنثى يكفهرُّ وجههُ ويشعر بالخجل ويغضب لأنهُ رُزِقَ بأنثى.

لا فرق بين الذكر والانثى في الإسلام

في مثل هذا المجتمع جاءَ الرسول ليقولَ أنَّ البنتَ والمرأة إنسانٌ كامل تقف إلى جوار الرجل وهيَ مُتممٌ للذكر وليست إنساناً من الدرجة الثانية، حيثُ تُشيرُ الآيات القرآنية إلى أنهُما يتمتعانِ بذات الفرصة والإمكان لنيل الكمالات الإنسانية والإلهية. حيثُ يَرِدُ في القرآن الكريم: ( وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ[1])، لقد تَعمَّدَ القرآن الكريم في مُخاطبة بني البشر بنوعيه الذكر والأنثى بالإشارة إلى من يُريد الكمالات والعبادة لله، وألا يتصور البعض أنَّ التفاوت والاختلاف بين الرجل والمرأة يدعو إلى حقوقٍ ووظائف للرجل على المرأة، فإنَّ هناك الكثير من التشابه والاشتراك يدعو إلى أن تكونَ حقوقهم وواجباتهم مُشتركةً ومُتشابهة، وهناك بالطبع وظائف مُختصَّة لا يستطيع الجنس الآخر القيام بها، وهي من خصوصيات خلق الله، وعليه يكون هناك فرقٌ واختلافٌ في الحقوق والواجبات في تلكَ النواحي وحسب، ولكن هما في الإنسانية وإمكانية التقرب إلى الله والكمالات الإنسانية، و الرُشد وتكامل الإنسان لا يختلفان عن بعضهما، وكانت هذه الدعوة التي طرحها الإسلام طارِئاً كبيراً على ثقافة الجزيرة العربية، وفي يومنا هذا تظلُّ دعوة الرسول غيرَ مُستساغة لبعض سكان الأرض.
في هذا الصَّدد قال الشهيد مرتضى مطهَّري رحمه الله: (إنَّ الظُلمَ الذي مُورِسَ ضدَّ المرأة في الغرب كانَ فيما مضى من التاريخ على شاكلةٍ واليوم هو على شاكلةٍ أخرى). فيما مضى من التاريخ كانت إنسانية المرأة في عِداد الأمور المنسية، أما اليوم فإنَّ وجودها كامرأةٍ وإنسانٍ قد مُحيَّ من الذاكرة، في دورةٍ زمنية تمَّ تناسي كون المرأة إنساناً، وفي دورةٍ آخرى كونها امرأة وتمَّ في كلتا الحالتين النيلُ من المرأة، وعليه فإنَّ أدعياء حركة التنوير يقولونَ إنَّ الرسولَ كانَ رجلاً واحداً لا ندَّ له وعليه لم يستطع إزاحتهم عن مواضعهم، لذلك بدأ في مسألة إيجاد ثقافةٍ خاصة وطَرَحَ شِعاراتٍ في مجال الاقتصاد، وطَرَحَ مسألة العدالة ونفى الربا، وفي مجال الأخلاق الاجتماعية نفى العلاقات الغيرَ مشروعة ومسألة الجنس. وفي مجال العنف جاء لتعديل العلاقات الإنسانية وفرض الاحترام للإنسان ودَمِهِ وماله وعِرضه.
كانَ المشركون يقولونَ إنَّ ما يأتي به النبي مُخْتَلَقٌ وليسَ من لَدُن البارئ وما يُوحي إليه، وعندما يتلو عليهم آيات القرآن يقولونَ إنهُ من تأليفه!! حيثُ يذهب ويستوحي مما قالته اليهود والنصارى ويتلوه على الناس.كل هذا يأتي ضمن مخططٍ وبرنامجٍ ثابتٍ من قبل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ولو لم يقل إنَّ ما جاءَ به هو من عند الله، فإنَّ الشباب من حوله لن يكونوا ليُخدعوا بأقواله، ولذلك فإنَّ من يؤمن به هو غبيٌّ وساذج، وكانوا يسخرونَ من الآية القرآنية التي تقول: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً[2])، والواردة في سورة بني إسرائيل حولَ قتل النفس البريئة ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.

قيادة المجتمع بالبطش والقوة

هكذا نزلت الآيات القرآنية على مُجتمعٍ كان قتل النفس عنده كشرب الماء، وفي يومنا هذا يواصل المشركونَ قتل الناس، لكن مع أخذ التطور العلمي بالاعتبار، إضافةً إلى إيجاد آلياتٍ ونظريات جديدة، وفي ظل الظروف القديمة لم يكن الإنسان بحاجةٍ إلى طرح تبريراتٍ كما هو اليوم حيثُ يتمُّ التبرير للقتل، وكان الإنسان فيما مضى بحاجةٍ إلى ضحيةٍ وإنسانٍ بيده السيف ليضرب، أما اليوم فإنَّ عمليات القتل تتمُّ وفقَ آلياتٍ تنويريةٍ ويتم طرحُ حقوق الإنسان والحرية والديموقراطية، ويقول هؤلاء للآخرين نحنُ مُتمدنونَ وأنتم وحشيون، إننا ديموقراطيون، فإن اتبعتمونا كان بها، وإذا رفضتم ذلك قُمنا بحقنكم بمبادئ الديمقراطية وأصولها من خلال القنابل الكيمياوية والميكروبية.
وفيما مضى لم يكن الناس ليعرفوا هذه الطُرق في القتل، وكانوا يعيشونَ عصوراً قديمة، وكانوا يفعلون ذلك بضرب السيف، لكنَّ القتل في يومنا هذا يتمُّ بعدَ وضع التبريرات والتنظير لها، إنهم لا يقومونَ بالقتل بواسطة السيف، إنهم يعمدونَ إلى القتل من خلال الضغط على زرٍّ واحدٍ ليموتَ نِصفُ مليون آدمي. وهذه طريقةٌ أكثرَ حضارية ولن يتعكر فيها صفوُّ أحدٍ ولا حتى تندثرَ ملابسهُ أو تتمزَّق ويمكن للمجرم أن يفعلَ ذلكَ وهو جالسٌ خلفَ حاسوبه أو في غرفة مُطالعتهِ في المنزل أو عندما يحتسي القهوة ويُدخنُ السيجار، ويمكن للإنسان أن يبحثَ في ذلكَ ويطرحَ محاضرةً تنويريةً قبلَ أن يضغطَ على الزر وبعدَ ساعتين، يُسلِّمُ تقريراً يقول: إنهُ تمَّ في المدينة الفُلانية قتلُ خمسة آلاف شخص أو عشرة آلاف شخصٍ من الرجال والنساء والأطفال.
إنَّ هذا النوع من الجرائم والعنف يتمُّ في يومنا هذا، والتنظير لها وجعلها آلية، ولم تنتهي بل تتضاعف. تتضاعف عشرات المرات في الكم والنوع وباتت أكثر خطراً وفتكاً، نعم لقد جاء الرسول الأكرم ليُعارضَ ثقافة العنف في مجتمع جزيرة العرب، وهي لم تكن بالانتشار الذي نُشاهده اليوم، فكلُّ الذين ذهبوا ضحيةَ معارك التاريخ مما جنتهُ أيدي جنكيز خان، وفرعون وأمثالهم، لم يبلغ مِعشارَ ما سقطَ في الحرب العالمية الثانية، إنَّ الإعلام يُحاول تصوير الحرب على أنها كانت عالميةً، أي بمشاركة العالم، لكنها لم تكن كذلك وكانت حرباً بينَ الغربيين، وكذلك الحرب العالمية الأولى، لقد كانت حربُ الغربيين أنفسهم، وكانت من أجل تقسيم الغنائم والعالم، لقد انجرَّت الحرب إلى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وتحوَّلَ العالم إلى جبهة حربٍ لمصالح القوى الأوروبية والولايات المتحدة، لم تكن هناكَ حربٌ عالمية، لقد وقعت هذه الحرب بعدَ دخول الغرب في العصر الحديث وهي الفاشية والماركسية والليبرالية، وكُلُّ المدارس التي جاء بها العصر الحديث والبالغة أربعٌ وعشرينَ مدرسةً ونظريةً فكريةً وسياسية خلالَ النصف قرن الأخير.

بغض بني أمية لآل محمد

من خلال ذلك أريد القول إنَّ رسالةَ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ما تزالُ قائمةً إلى يومنا هذا وهي رسالة التوحيد. هي حيّةٌ وإنسانيةٌ ولم يكن المشركونَ في يومها ولا في يومنا هذا ليسمعونها، إنهم يقولونَ إنَّ النبي كان يختلقُ هذه الآيات والأوامر ليُثيرَ الجماهير، ويتسلم السلطة، وبعدَ عشرينَ عاماً من العمل الذي بدأُهُ الرسول في السر والعلن قبل البعثة وبعدها قالوا إنَّ الرسولَ أغوى شبابنا والتحقوا به والآن لا يسعنا أن نفعل شيئاً، فقد شارفَ الرسول على فتح مكة فما علينا إلا أن نقول: لقد آمنَّا وندخل هذا الدين ثُمَّ نخطو الخطوة المناسبة. وهكذا نجحوا في خطتهم. لقد انتقمَ من هُزِمَ في بدر من الإسلام في كربلاء، وهناكَ يُعربُ يزيد عن فرحتهِ بالانتصار على الحسين ويُعلِّقُ تعليقتهُ الشهيرة: (لا خبرُ جاءَ ولا وحيٌّ نَزَلْ).
عندها يصبح يزيد حاكم العالم الإسلامي، والإمام الحسين يصبح يومها مُتطاولاً ومُتجاوزاً على القانون والأمن وينشد العنف ويُريد الفتنة، وعليه يُصدِرُ أمراً بهدر دمه وممن يا تُرى؟ من حفيد من حاربه الرسول لِكُفرهِ ولقيادته المشركين، ويُصبح حفيد الرسول متمرداً خارجاً على القانون، فيُقطعُ رأسه، وظنَّ يزيدٌ أنَّ الأمرَ قد انتهى وأصبحَ كلُّ شيءٍ في خبر كان، ووضِعَ رأس الحسين أمامهُ وقال: لقد قضينا عليكم، وأضاف: أعرفُ أنَّ كُلَّ ما قالهُ الرسول عن الوحي وعن الآخرة والله والملائكة والجن والجهاد والشهادة والعدل كانَ عبارةً عن شِعاراتٍ فارغة، وأنكم كنتم تنشدونَ القوة والسلطة حيثُ يقول في شِعرهِ: (لعبت هاشم بالمُلكِ فلا خبرٌ جاءَ ولا وحيٌّ نَزل).
وقد استسلمنا لكم أولَ الأمر، وها نحنُ نُعاودُ أخذَ السلطة منكم، ويقول إنَّ كربلاء هي مُقابل ما حصلَ في بدر. أولئك الذين سقطوا في بدرٍ لأنهم عارضوا الإسلام ورفعوا السلاح بوجهه وجاؤوا بعدَ ثلاثين أو أربعينَ عاماً ورفعوا المصاحفَ على الحراب وحاربوا الإمام علي عليه السلام.
أصبحت الوقائع كالتالي: الرسول ضدَّ أبي سفيان، ومعاوية ضدَّ الإمام علي في حرب صفين، حيثُ يُهزَمُ أبوسفيان ويستسلم بعدَ سنواتٍ وتُفتحُ مكَّة ويستولي الرسول على أموال جزيرة العرب، لكنهُ سرعان ما يلتحق بالرفيق الأعلى، وتأتي الأحداث التي أعقبت وفاة الرسول الأكرم والحكومات التي استمرت لعدةِ سنوات، ثُمَّ يأتي الإمام على مسند الحكم وتبدأ المواجهة بين الإمام الذي كان أولَ شخصٍ يؤمن بالرسالة وسَجَدَ لله وأولَ من رفع السيف لِإعلاء العدالة ورفعَة الدين، وكان َمنذُ بداية بلوغهِ في مكة بالخط المُقدم لكافة الحروب التي خاضها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ولم يتوان عن الحضور في ميادين الجهاد عندما كان يشعر بأنَّ الخطر يُداهم المسلمين، وعن هذا يقول الإمام عليه السلام: (عجبت للدهر)، ينبغي أن أتعامل مع أناسٍ حاربوا الرسول صلى الله عليه وآله، فأيُّ زمنٍ هذا يا تُرى؟ وللأسف يقول: باتَ العوام يسألونَ من هو على حقٍّ في هذا الصراع، والأنكا أنَّ الناسَ باتوا يقولونَ تُرى من منهم كانَ على حق؟ وأخذوا يطرحون التحاليل المختلفة في هذا الصدد، والسبب في وقوع هذه الحرب.
عجباً للإنسان كم ينسى، لقد انقلبت الأمور بعدَ أربعة عقودٍ من الزمن، تُرى ماذا حصل؟ إنهم يُقارنونَ بينَ الإمام ومعاوية، ثمَّ يقولونَ إنَّ معاويةَ كانَ داهيةً، ويستطيع إدارة المجتمع بصورةٍ أفضل، وهو ما لا يستطيع الإمام عليه، لكن الإمام يردُّ على ذلكَ ويُقسِمُ أنَّهُ أدهى العرب، لكنَّ التقوى تمنعهُ من فعل ذلك. الإمام كان يحترم الأصولَ التي يؤمن بها، ولم يكن معاوية بأدهى من الإمام عليه السلام ولم يكن سياسيَّاً بِقَدْرِهْ، حيثُ قالَ عليه السلام: (ما معاوية بأدهى مني).

واقعة الطف لم تكن لولا فتاوى علماء بني أمية

لقد قال البعض إنَّ الإمام علياً إنسانٌ وَرِعٌ لكنَّهُ لم يكن سياسيَّاً، لأنه لم يكن لِيُحبذَ الناسَ لنفسه، لكنَّ معاوية كانَ أفضل.
لاحظوا أنَّ الأشخاص الذينَ حاربوا القرآن في بدرٍ رفعوا القرآن في صفين على الرماح وسيطروا على السلطة والحكم بعدَ عشرينَ عاماً، وقاموا بقتل الحسين في كربلاء. لقد فعلَ يزيدٌ ذلكَ بفتوى صدرت من قاضي الحكومة من شُريحٍ القاضي، الذي كانَ قاضياً في زمن الإمام عليٍّ أيضاً. فلم يجرؤ بنو أميَّة على قتل الحسين حفيد رسول الله هكذا. لقد أقدموا أولاً على استحصال فتاوى علمائهم، لأنهم كانوا يعلمونَ أنَّ الحسين حفيد الرسول، كانَ مُبلِّغاً للدين الحقِّ والإسلام الصحيح، وأنَّ رَهْطَ بني أمية اشتهروا بالكذب وكانوا ممن يشربونَ الخمر، ويزنونَ ويَفْسِدُون، لكنهم لم يأتوا من هذا الباب بل قالوا إنَّ الحكومة القانونية هيَ بأيدينا الآن، وهؤلاء لهم عداوةٌ سابقة مع قبيلتنا، وهم يُريدونَ النيلَ من النظام والقانون والأمن، ويُريدونَ الفُرقة والاختلاف الداخلي والحرب وإراقة الدماء فما هوَ حكمُ مثل هؤلاء شرعاً وقانوناً؟
فجاءَ الرَّدُّ من شورى القضاء، أنَّ هذا خروجٌ و فتنةٌ واعتداءٌ على القانون والحكومة ومن يفعل ذلك فهوَ مهدور الدم، وهكذا تحرَّك ضدَّ الإمام الحسين شخصياتٌ مثل عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد وشمر، وكانَ الأخير من ضُبَّاط الإمام علي عليه السلام، وكانَ من قادة جيش أميرالمؤمنين في معركة صفين، حيثُ حاربَ ضدَّ معاوية، وكانَ الإمام يتولَّى أحد محاور القتال، وكانَ شِمرٌ يُديرُ محوراً منها، والمحاور الأخرى كانت بيد الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام أو مُحمَّد بن الحنفية.
وهكَذا يتبين أنَّ شِمراً كانَ من رفاق الإمام الحسين في صفين لكنهُ في عاشوراء أي بعدَ نحو عشرينَ عاماً أصبحَ ضدَّ الإمام الحسين عليه السلام. وفي ظُهرِ عاشوراء خَطَبَ الإمام الحسين في الأعداء لكنهم لم يسمعوا له وظلَّوا يُصفِّرون ويقطعونَ كلام الإمام، حتى لا يصل صوته. بعدها يقول الإمام لهم اهدؤوا، أما لكم أن تسمعوا آيات الله وأنا أتلوها عليكم؟ ويستمر الصفير والاستخفافُ إلى أن يقولَ الإمام أعلمُ لماذا لا يمكنكم سماعُ آيات القرآن. لأنَّ بطونكم امتلأت من المال الحرام الذي أغدقهُ عليكم بنو أميَّة، وهوَ حقُّ الناس والمحرومين، وأعلمُ مدى خَوفِكُمْ وهَلَعِكُمْ من سماع القرآن، لأنَّ ذلكَ ليسَ في صالحكم بعدَ الآن، لأنَّ إقامة أحكام الله والعمل بشرع الله لا يُناسبكم.
لقد جاءَ أدعياء التنوير اليوم بنفس الجُمَل التي نطقَ بها يزيد حيثُ يقول:
لم يكن هناكَ وحيٌّ ولا خبرٌ عندما حَكَمَت بنو هاشم، وأنَّ الأمر عبارةٌ عن أقوالٍ تَقَوَّلَها جدُّ الحسين ليجذبَ    الناس إليه فتعادلنا بعدَ قتل الحسين وأصبحت واحدةً بواحدة.
وعندما كانَ يُقالُ لهم ماذا نفعل بالآيات القرآنية الموجودة؟ كانَ ردُّهم: أنها من ابتداع واختراع الرسول وكان عوام الناس يُخدَعونَ بهذه الكلمات، ويتساءل هؤلاء ساخِرين، كيفَ كانَ الله قريباً من الرسول ولم يكن مع الآخرين؟

يزيد وأهل البيت بعد واقعة الطف

لقد كانَ المُشككونَ يحترمونَ في الظاهر القرآن والرسولَ في حياته، ويُصرِّحونَ بذلك، لكنهم انقلبوا على أعقابهم بعدَ فترةٍ زمنيةٍ ليست بالطويلة، وهنا لا بُدَّ من التذكير بخطبة الإمام السجاد عليه السلام، حيثُ لم يكن إلا شاباً يتجاوز العشرينَ ونيِّف وكانَ مُكبَّلاً بالأصفاد في مجلس يزيد حيثُ عرَّى الأخير. بعدها نهضت زينب سلام الله عليها عقيلةُ بني هاشم لتَرُدَّ على قول يزيد: (كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وَ أَهْلِ بَيْتِكِ )؟
بالقول: (مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ، وَ سَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ .)
ثُمَّ تُزلزلُ بخطابها مُلكَ يزيدٍ وبكت كافةَ نسائهِ والجواري حتى ثار القصر ضدَّ يزيد بفعل خُطَب الإمام زين العابدين وعمته زينب وفاطمة بنت الحسين عليه السلام، وهكذا يضطر يزيد لإقامة مجلس العزاء، ويُنكِرُ أنَّ لهُ ضلعاً في قتل الإمام أصلاً ويُلقي باللوم على عبيد الله بن زياد وبن سعد وقال: أنَّهُ قالَ لهذين الرَجُلَين أن يُخمدا الفتنة ولم أقصد إراقة الدماء، إنَّ هؤلاء من الحمقى أفرطوا في الأمر ولستُ المُقَصِّر في ذلك.
وبعدَ إقامة مجلس العزاء طَلَبَ من أتباعهِ احترام الأسرى. تُرى لماذا؟ لأنَّ خُطبة الإمام زين العابدين وعقيلة بني هاشم ألَّبَتْ الموقف ضدَّ يزيد، وانقلبَ الموقف في دمشق ضدَّ يزيدٍ ما اضطرَّهُ إلى تغير التعامل مع الأسرى من آل بيت الرسول، وبخلافه فقد كانَ وضعُ هؤلاء في خرابةٍ أول الأمر وكان الناسُ يقذفونَ الأسرى بالحجارة ويبصقونَ عليهم، ويجرُّونَ شعورَ بناتِ آل محمدٍ لا بل يَجرُّونَ الأطفال على التُراب ويضربونهم أمام الجميع.
لكنَّ الموقف قد انقَلَبَ عَقِبَ الخطب التي ألقاها الإمام السجاد عليه السلام والعقيلة زينب سلام الله عليها، بعد ذلك كانت نساء القصر والجواري يأتين لزيارة الأسرى أفواجاً أفواجاً ويُظهرنَ لهم المواساة ويبكينَ لمصابهم، حتى اضطرَ حكام دمشق إلى إقامة مراسم العزاء ومعاملتهم باحترام وقال لهم مبعوثو يزيد بإمكانكم البقاء أو الرجوع إن شئتم العودة إلى المدينة.

محاولة تشكيك الناس بواقعة الطف

وفي يومنا هذا ترونَ أن أدعياء التنوير يُردِّدونَ أنَّ القرآن هو كلام الله مجازاً، لكنهُ في الحقيقة ناجمٌ عن تجربةٍ نفسيةٍ خاضها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله مع نفسه وبعدَ هذه الرياضة النفسية خرجَ الرسولُ من الغار فخطر على باله مجموعةٌ من الجُمَل والعبارات التي ادَّعى أنها كلام الله يوحى إليه وما هذه الأقوال إلا تجارب باطنيةً ونفسيةً يقوم بها الدراويش في العادة.
وكان تصرفهم مع قضية الإمام الحسين عليه السلام بهذه الصورة حيثُ قالوا: ومن يكون الحسين؟ وماذا حَصَلَ في عاشوراء؟ إنها قضيةٌ تاريخيةٌ تخصُّ العرب ما بالُنا كُلَّ عامٍ نُردِّدُ مأساة الحسين ونضرب الوجوه ونلطم على الصدور ونبكي؟ تُرى أيُّ شيءٍ نستذكرهُ في هذه الواقعة التاريخية؟ فقد قتلَ بعضٌ بعضاً. ألم نشهد في التاريخ قتلاً في مواطنَ عدَّة والتاريخ يُذكرنا بالكثير من المظالم التي اُرتُكبت؟
ومقابل هذا النمط من التفكير ظهرَ خطٌ آخر أفرطَ في إقامة مراسم العزاء الحسيني وكانَ بمثابة الإفراط مُقابل التفريط، وخرجَ الطور عن التعاليم الإسلامية خاصةً في ذِكرِ واقعة الطف فقد غالا هؤلاء كثيراً سواء في تدوين الواقعة، على سبيل المثال ذكروا أنَّ أبا الفضل العباس كانَ يحملُ رمحاً فألقى به صوبَ العِدا وإذا به يمضي ويقتل حتى قَتَلَ ألفاً وخمسمئةٍ و أربعةٍ وثلاثينَ شخصاً، ثمَّ اعترضهُ أحد الأشخاص وضربهُ بالسيف فَقَذَفهْ فصعدَ إلى السماءِ ولم نشهد عودته! وأمثالُ ذلك.
فقد أوجدَ هؤلاء وقائع وأحداثاً لم تحصل أساساً ويمكن تفسيرها على أنها محاولةٌ من البعض لضرب الشيعة، وربما حاول البعض إيجادَ ذلك لضرب الاتجاه الحكومي، والتحركات ذات الطابع الثقافي ضدَّ واقعة الطف، وعليه تَصَوَّروا أنَّ تعبئة الجماهير صوبَ واقعة الطف لابُدَّ وأن تُحشَّى بأمورٍ تُثيرُ الناس حتى لو كان هذا الأمرُ بصورةٍ غير صحيحة. المهم هو تحريك العواطف والشجون عندَ الناس وهكذا اختلقوا مجالس ووقائع لم تحصل ولم يُسجل التاريخ أيًّ من هذه الروايات المُبتدعة عن واقعة الطف.
كذلك تمَّ التضخيمُ في وقائع عاشوراء في أدب المراتب الحسينية. بالطبع كان هذا الوضع مألوفاً قبلَ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وقد تحسَّنَ الوضع بعد الثورة من هذه النواحي. وكانَ الوضَّاعون ينسبونَ للأئمة أشياءَ غيرَ صحيحةٍ لإثارة عواطف الناس، على سبيل المثال ومن أجل تحريك عواطف الناس كانوا يقولون: بلى، لقد ضربوا زينب فجلست والتمستَ العِدا وبَكَتْ، وقالت أنا بنتُ الرسول لِمَ تُعامِلونني بهذه المُعاملة؟ لماذا تُعنِّفونَ الأطفالَ والصغار؟
وكانَ بعضُ رواد المنبر يُكرِّرونَ ما يجري في بيوتهم وعلى نسائهم، إن اختلفَ الزوجان أو ضَرَبَ الزوجُ زوجته فتقومُ بالتماسه ِوكذا تفعلُ الأختُ مع أخيها على المنابر على أنهُ لسانُ حالِ زينب سلام الله عليها. لقد أضافوا الكثير من هذه الحواشي إلى الواقعة الحقيقية بُغيةَ إثارة العواطف. بالطبع هذه فئةٌ جاهلة فعلت هذا بقصدِ إثارة المشاعر، لكنَّ هناك أيادي فعلت ذلكَ عن قصدٍ بُغيةَ النيّلِ من الشيعة، حتى إنَّ البعضَ أضافَ إلى مراسم العزاء، فوضعَ الأثقالَ وعلقها على جلده، أو يُدخلونَ السيوفَ والإبَرَ أو يطرقونَ المساميرَ في أجسامهم وتسيلُ الدماء منهم.
هذه صورةٌ من العزاء الحُسيني التي وجِدت لمواجهة الأفكار الثقافية العلمانية التي كانت الأنظمة المُختلفة تُثيرها لحرف الناسِ عن عزاء أبي عبد الله، حيثُ ردَّدوا كثيراً في أدبياتهم: لِمَ البُكاء ولِمَ الحزنُ كُلُ عام؟ وما ربطُ هذا التصرف مع الواقعة التاريخية القديمة؟
تعلمونَ أنَّ الحُكامَ قاموا بتخريب مقام الإمام الحسين عِدةَ مرات بُغيةَ طمس واقعة الطف، لمحَو ذِكرى الإمام الحسين عليه السلام، فلقد سوَّوا القبرَ بالتراب وأقاموا الحدائق، لكنَّ الشيعةَ حَفِظت الموضع الأصلي للقبر وظلَّ هذا الأمر ينتقل من صَدرٍ إلى صدر وكانوا يعلمونَ الموضعَ بواسطة الأشجار وظلوا يأتونَ إلى موضع القبر ويُسلمونَ عليه ويزورونهُ من بُعد، ثُمَّ تأتي حكومةٌ آخرى وتفتح المياه على موضع القبر وتُغرقُ المنطقة بالمياه وقد فعلوا ذلكَ في زمن بني أمية وتكرر الأمر مع بني العباس الذينَ جاؤوا إلى السلطة تحتَ يافطة الدفاع عن أهل البيت والثأر لهم.
وظلَّ الشيعةُ يُعلمونَ أبنائهم موضعَ القبر الشريف تحديداً حتى يُشيرونَ إلى موضع قَتْلِ الحسين وأخيه العباس عليهما السلام وفعلوا ذلكَ مع مقام السيدة زينب سلام الله عليها. الشيعة حَفظت أماكنَ ومواضعَ قبور الأئمة والأولياء رغمَ كيد الأعداء، ورغمَ أنَّ يزيداً وجلاوزته قاموا بقتل السلالة الطاهرة من أهل بيت النبوة، وبهذا العمل كانَ جوابُ الشيعة على بني أمية ومن لفَّ لفهم إلى يومنا هذا. أننا سنُحي ذكرى الطف وكل الوقائع يعني كل وقائع المعركة من عصر يوم التاسع من مُحرم إلى ظهر العاشر من محرم الحرام كل عام، حتى إنَّ بعضَ رواياتنا تقول عندما يأتي ذِكرُ الحسين تباكوا .. في إشارةٍ نوعيةٍ إلى واقعة الطف، حتى وإن لم تتأثر عواطفكم في ذلكَ الوقت وطأطِئوا رؤوسكم وتفاعلوا مع المجلس لأنَّ اسمَ الحسين يعني الوقوفَ بوجه الظلمِ والربا والفقر والاستبداد والتكبّر والنفاق.
(1). الأحزاب: 35.
(2). المائدة: 32.

 المصدر: رابطة الحوار الديني للوحدة

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha