وكالة أنباء الحوزة - شارك آية اللّه عليرضا الأعرافيّ، مدير الحوزات العلميّة في إيران، في الجلسة الثامنة من جلسات التفكير الإبداعيّ في مسار تنفيذ رسالة «الحوزة العلميّة الرائدة والمتفوّقة»، والتي نظّمتها معاونيّة التعليم في الحوزات العلميّة بالتعاون مع المراكز التخصّصية لعلم الكلام، في مكتب إدارة الحوزات العلميّة.
واستهلّ سماحته الكلمة بتقديم التهاني والتبريكات بمناسبة حلول شهر رجب المرجّب والأعياد المباركة فيه، خاصّةً ذكرى مولد الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)، واصفًا أشهر رجب وشعبان ورمضان المباركة بأنّها تمتلك طاقاتٍ متميّزةً للسموّ الروحيّ والأخلاقيّ، وذلك من خلال ما اشتملت عليه من أدعية وزيارات مخصوصة، مبيّنًا أنّ أحد التجلّيات الهامّة للمعارف الإسلاميّة هو دور الدعاء والزيارة في ترسيخ الأسس العقديّة، حيث تجلّى في مرآتهما جزءٌ كبيرٌ من معارفنا الاعتقاديّة.
وأكّد سماحته على جملة من الأولويات الضرورية، تشمل: إعطاء الأولوية للاجتهاد العقلي في مجال المعارف الاعتقادية، وتوسيع نطاق دروس الخارج في علم الكلام، وإعادة صياغة النصوص الدراسية، والانتباه إلى التحولات العلمية العالمية، فضلًا عن الحضور الفاعل للحوزة في الساحات الفكرية العالمية.
وأعرب آية اللّه الأعرافيّ عن شكره لمعاونيّة التعليم في الحوزة العلميّة والقائمين على تنظيم هذا اللقاء، متمنّيًا استمرار هذه الجلسات التشاوريّة، بما يسهم، عبر تعاون مختلف أقسام الحوزة، في استكمال وتعميق المباحث الكلاميّة.
كما ثمّن سماحته الجهود الواسعة المبذولة في مجالات التعليم، والبحث، والتبيين، والترويج للقضايا الاعتقاديّة والكلاميّة، مشيرًا إلى أنّ جزءًا مهمًّا من هذه الأنشطة يتمّ داخل الحوزة ولاسيّما بجهود الأساتذة الأفاضل، وجميعها تستحقّ التقدير والثناء.
وأشار آية اللّه الأعرافيّ إلى الأهمّيّة المضمونيّة للمباحث الاعتقاديّة، مبيّنًا أنّ الأولويّة القصوى للحوزة ينبغي أن تكون الاستكشاف والاجتهاد في حقل المعارف الأساسيّة والاعتقاديّة على نحوٍ جامعٍ ومنطقيٍّ وعقلانيٍّ وصحيحٍ، وفي الوقت ذاته، لابدّ من متابعة الترويج والتبيين ودفع الشبهات ومواجهة الغزو الفكريّ بوصفها أولويّةً من الدرجة الأولى.
وتطرّق مدير الحوزات العلميّة في إيران إلى مسار إدارة الحوزة خلال السنوات الأخيرة، موضحًا أنّه رغم الصعوبات والنواقص والمشاكل السائدة في العمل الحوزويّ، فقد بُذلت الجهود ليتسنّى تنظيم حركة الحوزة بناءً على منطقٍ جوهريٍّ وبما يراعي توجيهات قائد الثورة الإسلاميّة، ومطالب المراجع العظام، وتطلّعات الوسط الحوزويّ. وأضاف أنّه على الرغم من وجود فجوةٍ ملحوظةٍ تفصلنا عن الوضع المنشود، إلّا أنّ خطواتٍ واسعةً قد أُنجزت في مجالات التخطيط الكلّي وتشخيص الموضوعات، وتدوين الوثائق، وإعداد شجرة التخصّصات.
وأوضح سماحته أنّ ما يقارب 1000 شخصٍ شاركوا خلال الأعوام الخمسة الماضية في إعداد شجرة التخصّصات الحوزويّة والوثائق الشاملة، مؤكّدًا أنّ هذا المسار استمرّ رغم بعض الانتقادات، واليوم باتت هذه الوثائق تحظى باهتمام الأوساط العلميّة داخل البلاد وخارجها بوصفها إطارًا للعلوم الحوزويّة، ومع ذلك، فإنّ هذه الإجراءات لا تزال غير كافيةٍ أمام عظمة التحوّلات الفكريّة والديمغرافيّة التي يشهدها العالم المعاصر.

ولفت آية اللّه الأعرافيّ إلى تنفيذ أكثر من 100 مشروعٍ هامٍّ في مختلف المجالات، بما في ذلك تنظيم الشبكة الواسعة للمبلّغين، ودعم المدارس، والتعاون مع المؤسّسات التبليغيّة والحكوميّة، مبيّنًا أنّ بعض هذه الأعمال لا يندرج ضمن المهامّ الرسميّة لإدارة الحوزة، غير أنّ مقتضيات المسؤوليّة الدينيّة والحوزويّة استدعت بذل الجهود في هذه الميادين أيضًا.
وأشار سماحته إلى الظروف الفكريّة المضطربة التي يمرّ بها العالم المعاصر، معتبرًا أنّ الأنشطة الكلاميّة الحاليّة ضئيلةٌ جدًّا أمام حجم الشبهات والتحدّيات العالميّة، وأضاف مؤكّدًا أنّ علم الكلام بحاجةٍ إلى خطّةٍ شاملةٍ، وتقسيمٍ دقيقٍ للأدوار، وخارطةِ طريقٍ واضحةٍ لتغطية كافّة الميادين الفكريّة، بدءًا من الإلحاد الجديد وصولًا إلى الشبهات الداخليّة والفرقيّة.
واعتبر مدير الحوزات العلميّة توسيع نطاق دروس الخارج البحثيّة في علم الكلام من الضرورات الملحّة، موضحًا أنّ درس الخارج الكلاميّ ينبغي أن يبلغ ـ من حيث الوزن العلميّ ومنهجيّة البحث ـ مستوى أبحاث أصول الفقه. وأعرب عن توقّعه بأن تتشكّل في المستقبل القريب عشرات دروس الخارج في علم الكلام داخل الحوزة، مع ما يصاحبها من نتاجاتٍ اجتهاديّةٍ رصينةٍ.
كما اعتبر عضو المجلس الأعلى للحوزات العلميّة أنّ إحياء النصوص الكلاسيكيّة الكلاميّة والتفسيريّة والفلسفيّة يمثّل طاقةً مهمّةً أخرى ينبغي الإفادة منها، موضحًا أنّ الحوزة تمتلك تراثًا علميًّا عظيمًا لا يجوز تهميشه، بل يجب أن تُعاد قراءة هذه النصوص وتُستحضر بوصفها الهيكل العقليّ لتراث الحوزة ومكوّنًا أساسيًّا في مسارها العلميّ.
وتطرّق آية اللّه الأعرافيّ إلى ضرورة تصميم مستوياتٍ تعليميّةٍ عليا بعد المستوى الرابع، وتربية نخبٍ متخصّصةٍ في مجالات علم الكلام، والاهتمام ببناء الهويّة العلميّة لهذا العلم، مؤكّدًا أنّ المنهج الكلاميّ يؤدّي دورًا أساسيًّا في تبيين المعارف الدينيّة، وينبغي تعزيزه عبر الاستفادة الواعية من الفلسفة، من دون الوقوع في تعبّدٍ غير نقديٍّ.
وشدّد سماحته أنّ التواصل الفعّال مع الجامعات والحضور في الميادين العلميّة العالميّة من ضرورات الحوزة في عالم اليوم، مصرّحًا بأنّ النتاجات العلميّة الحوزويّة يجب أن تمتلك القدرة على الحوار والدفاع العقلانيّ في الجامعات الداخليّة والخارجيّة، والكنائس، والمجامع العلميّة الدوليّة.

وفي السياق ذاته، رأى مدير الحوزات العلميّة أنّ الإلمام بالعلوم الحديثة، والفلسفة الغربيّة، والعلوم الإنسانيّة، والعلوم الأساسيّة المرتبطة باللاهوت، ولا سيّما الفيزياء وعلم الكونيات، يُعدّ أمرًا ضروريًّا، موضحًا أنّ الكثير من الشبهات الجديدة تنبع من هذه المجالات، ولا يمكن الردّ عليها دون معرفةٍ عميقةٍ بها.
وأشار سماحته إلى التحوّلات المتسارعة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، معتبرًا هذا الحقل أحد أهمّ التحدّيات والفرص المستقبليّة، مصرّحًا بأنّ لاهوت الذكاء الاصطناعيّ وفلسفته وفقهه وأخلاقيّاته وحقوقه يجب أن تندرج بجدّيّةٍ في جدول أعمال الحوزة؛ لأنّ الذكاء الاصطناعيّ لم يعد مجرّد أداةٍ، بل سيتحوّل قريبًا إلى شريكٍ فاعل في إنتاج المعرفة.
وفي ختام كلمته، شدّد آية اللّه الأعرافيّ على ضرورة إعداد مواثيق اعتقاديّةٍ رصينةٍ، والاهتمام الجادّ بالمنهجيّة في علم الكلام، وتعزيز المنهج العقلانيّ الاجتهاديّ، وأعرب عن تقديره لحضور الأساتذة، مبديًا أمله في أن تُتابع المباحث المطروحة بروحٍ جماعيّةٍ وتُفضي إلى نتائج عمليّةٍ ملموسةٍ.
وجديرٌ بالذكر أنّ الجلسة الثامنة من جلسات التفكير الإبداعيّ في مسار تنفيذ رسالة سماحة قائد الثورة الإسلاميّة إلى الحوزات العلميّة، والمخصّصة لأساتذة علم الكلام، عُقدت من قبل معاونيّة التعليم في الحوزات العلميّة، بهدف دراسة القضايا العلميّة والتعليميّة والاستراتيجيّة لهذا العلم، والتشاور حول سبل الارتقاء بمكانة علم الكلام في مواجهة التحدّيات الفكريّة المعاصرة.




لمراجعة التقرير باللغة الفارسيّة يرجى الضغط هنا.
المحرر: أمين فتحي
المصدر: وكالة أنباء الحوزة





تعليقك