وكالة أنباء الحوزة - التقى الرئيس السوري “المؤقت” احمد الشرع وفدا إعلاميا معظمه يمثل قادة مؤسسات صحافية وقنوات تلفزيونية خليجية، وخاصة دولة الامارات والمملكة العربية السعودية، الى جانب وزير الإعلام الكويتي الأسبق، سامي عبد اللطيف النصف، في أول اطلالة رسمية للشرع في هذا المضمار.
أكثر ما يلفت النظر في هذا اللقاء والصورة الرسمية التي وثقته، تأكيد الشرع انه جرى تحقيق بحث “متقدم” بشأن اتفاق أمني محتمل بين دمشق وتل ابيب، وضع اللقاء الذي جرى في باريس بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر الأسبوع الماضي اسسه الأولية.
اما النقطة الأخرى، والتي تعتبر الأكثر أهمية في رأينا ان الشرع لم يعارض في حديثه مع الإعلاميين توقيع اتفاق سلام كامل مع الإسرائيليين، وقال انه مستعد للتوقيع على هذا الاتفاق اذا خدم مصالح سورية والاقليم، دون ان يوضح ما هذه المصالح السورية او الإقليمية، او حتى القضية الفلسطينية ومقدساتها.
بمعنى آخر، ان سورية تقف الآن على اعتاب اتفاق كامب ديفيد جديد، ولكن بالتقسيط السريع، وبدءا بالاتفاقات الأمنية التي تبدو أخطر بكثير من الاتفاقات السياسية وتبادل السفارات في نهاية المطاف التي ستتم في آخر نفق اللقاءات التي باتت تتسم بالعلانية برعاية أمريكية ومباركة خليجية، فأكثر ما يهم الإسرائيليين هو الأمن الذي زعزعته المقاومتان الفلسطينية واللبنانية، والصواريخ والمسيرّات اليمنية.
الرئيس السوري المؤقت اكتفى بالحديث عن العموميات المتعلقة ببنود الاتفاق الامني مع دولة الاحتلال، في لقائه مع الوفد الإعلامي، ولكن “القناة 12” الإسرائيلية كشفت البنود الرئيسية له، يمكن اختصارها كالتالي:
أولا: وقف كامل لاتفاق وقف اطلاق النار في البر والبحر والجو.
ثانيا: القضاء على النفوذ الإيراني في سورية، واجتثاثه من جذوره، وربما لبنان لاحقا.
ثالثا: ضمان الأمن لدولة الاحتلال ومنع أي أعمال تهدد هذا الأمن من قبل عناصر سورية او من دول أخرى.
رابعا: منع تركيا من إعادة تسليح الجيش السوري وحظر نشر أي أسلحة استراتيجية مثل الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي داخل الأراضي السورية.
خامسا: إقامة ممر انساني الى جبل الدروز في السويداء لدعم الطائفة الدرزية، وتحركها بكل حرية وبلا اي قيود.
سادسا: نزع السلاح كليا في جنوب سورية (درعا، والقنيطرة، والسويداء) وخاصة من مرتفعات الجولان لوقف الهجمات ضد “الحدود الإسرائيلية”.
سابعا: تعهدات بإعادة إعمار سورية بدعم امريكي ومساهمات خليجية مما يؤدي الى إعادة الاستقرار في سورية.
القاء نظرة سريعة على هذه البنود التي نشرتها القناة الإسرائيلية، وجرى تسريبها من قبل السلطات الاسرائيلية حتما، تؤكد في حالة إقرارها رسميا، وهذا غير مستبعد، وقريبا جدا، انها تكرس التطبيع الأمني مع دولة الاحتلال، وبما يوفر الحماية التامة لها، ولعب سورية الدور الأكبر في هذا الاطار، وهذا الهدف، أي الحفاظ على أمن “إسرائيل” هو العمود الفقري في جميع ما يسمى “اتفاقات السلام” ابتداء من كامب ديفيد، ومرورا بإتفاقات أوسلو ووادي عربة، وانتهاء بما يسمى بالسلام الابراهيمي الذي وقعته ثلاث دول هي البحرين والامارات والمغرب.
اللغة، والصياغات، هي التي تغيرت في اتفاقات التطبيع الجديدة، ولكن الجوهر لم يتغير مطلقا، بل ازدادت بنوده تشددا في فصل العلاقة بين القضية الفلسطينية وجوارها العربي، وتحويل دول الطوق او المواجهة، الى دول حماية للكيان الإسرائيلي، وإدارة الوجه عن حروبه الإبادية والتجويعية لأبناء القطاع والضفة الغربية، على غرار ما يجري حاليا منذ طوفان الأقصى قبل 23 شهرا تقريبا في القطاع.
سيظل التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي “خيانة عظمى”، سواء كان سياسيا او أمنيا من وجهة نظرنا، وآلاف الملايين من أبناء الامتين العربية والاسلامية والشرفاء في العالم.
اقدام سورية على التطبيع مع دولة الاحتلال، وفي وقت تمارس فيها حرب الإبادة والتجويع حتى الموت لأهلنا في قطاع غزة، وتحولها (أي سورية الجديدة) الى شرطي لحماية هذا الاحتلال، والتصدي لاي مقاومة سورية او عربية له، ولتحرير الأراضي السورية والفلسطينية المحتلة، هذا الاقدام طعنة مسمومة في قلب العروبة والعقيدة، لا يمكن الا ان نكون في الخندق الآخر الرافض والمقاوم لهذا التحول الصادم والمؤلم، وعزاؤنا ان الشعب السوري العظيم الذي خاض كل حروب الأمة بشجاعة ورجولة وقدم آلاف الشهداء، ويتربع على إرث حضاري يمتد لأكثر من ثمانية آلاف عام.
لا يمكن ان يقبل بهذا التحول الخطير، وسيعيد سورية الى مكانتها الحقيقية في قيادة المقاومة للاحتلال وتحرير جميع الأراضي العربية المحتلة وعلى رأسها القدس وهضبة الجولان وجنوب لبنان.. والأيام بيننا.
الکاتب: عبد الباري عطوان
المصدر: رأي اليوم
تعليقك