وكالة أنباء الحوزة - في ظل استقبال أیام عاشوراء الخالدة، أعلن علماء البحرین شعار هذا العام تحت عنوان "إیمان وإباء"، مستلهمین من القرآن الکریم وملحمة الإمام الحسین(ع). وشدّدوا في بیانهم على ثلاثة أبعاد رئیسیة: البُعد الإیماني، والبُعد الرسالي، والبُعد الجهادي، داعیاً إلى التمسك بالصمود والکرامة في مواجهة الظلم.
وفيما يلي نص البيان:
بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا…} آل عمران ١٧٣.
الأفراد والمجتمعات والأمم إنّما تبقى وتخلَّد وتصلح وتفلح من خلال الصَّبر والتحمُّل وتحدِّي الصِّعاب على قاعدة الإيمان والتوكُّل على الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} آل عمران ٢٠٠. وقال سبحانه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمران ١٧٣.
وقدْ كان ولا زال وسيبقى عاشوراء عنوانًا لهذا النَّهج الإسلاميِّ القويم، فقد جسَّد فيه الإمام الحسين عليه السَّلام وأهل بيته الأخيار وأصحابه الأبرار، معاني الإيمان والإباء، والصَّبر والثَّبات، وقدَّموا في هذا الطَّريق أغلى التَّضحيات، حتَّى تحوَّلت هذه المعاني وهذه التَّضحيات نهجًا مستمرًّا خالدًا في الأجيال وبين الأحرار.
فعاشوراء وإنْ كان مأساةً إنسانيَّةً كبيرةً، ومصيبةً عظيمةً ليس لها نظير (مُصِيبَةً ما أعظَمَها وَأعظَمَ رَزِيَّتَها في الإسلامِ وَفي جَمِيعِ السَّماواتِ وَالأرضِ)، إلَّا أنَّها في نفس الوقت تمثِّل ملحمةَ دِينٍ وشرفٍ وعزّةٍ وكرامة، ملحمة (إيمان وإباء) مِنْ عطاء مدرسة الإيمان وعلى خطه، فهي عنوان الوعي والبصيرة والصَّلابة في الإيمان مِنْ جهة، وعنوان العزِّة والكرامة والإباء من جهةٍ أخرى.
فشعار هذا العام “إيمان وإباء” مِنْ معين قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا…}آل عمران ١٧٣، يعبِّر عن هذه الثنائيِّةِ العظيمةِ العميقةِ الساطعةِ بأنوار الإيمان، والنَّابضة بروح العزِّة والإباء، ويقرِّر حقيقة أنَّ خيارات جبهة الإيمان لا يفرضها الواقع المأزوم الذي اجتمع فيه أهل الكفر والنِّفاق وحاصروا فيه أهل الإيمان، بلْ هي نتاج الإيمان الصَّلب والمبادئ الثَّابتة، ويستهدف التَّأكيد على مجموعة قيم تمثِّل الأساس لحياةٍ كريمةٍ عزيزةٍ حقيقيَّة:
١- البُعد الإيماني؛ فهو قيمة لا غنى للحياة عنه، فالحياة بدون الإيمان حياة حيوانيَّة ساقطة خاوية فاقدة للمحتوى الحقيقي للحياة، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} الأعراف ١٧٩ .
بل يكون واقع الحياة بلا إيمان واقعًا مأساويًّا يهيمن فيه منطق الأهواء والمصالح الدَّنيئة، ومنطق القوُّة والظُّلم، ومنطق الباطل والفساد، وتكون الحياة حينئذٍ مظهرًا للفتنة، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ..} الأنفال ٣٩. ويسير الإنسان فيها نحو الخسران المبين، قال سبحانه: { وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} سورة العصر.
٢- البُعد الرِّسالي؛ المتمثِّل في الوعي والبصيرة والمسؤوليَّة، قال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا} الأحزاب ٣٩.
وقال سبحانه: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يوسف ١٠٨.
وبذلك يعيش الإسلام حيويَّته ويحتلُّ موقعه الطَّبيعي في الحياة، فتبنى الكيانات أفرادًا ومجتمعات في ضوء وعي الإسلام في الفكر، وحيويَّته في النُّفوس، وحركيّته في الحياة. وفي حال تخلَّى المؤمنون وفي مقدِّمتهم علماء الإسلام عن مسؤولياتهم الرِّساليّة – لا قدّر الله – فهم يساهمون في تفريغ الإسلام من محتواه، وتحجيمه في حيويَّته وحركيَّته.
٣- البُعد الجهادي؛ المتمثِّل في الصَّبر والثَّبات والمقاومة والإباء والتَّضحية والفداء.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت ٦٩.
وقال سبحانه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ..} هود ١١٢.
وقال عزَّ وجلَّ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آل عمران ١٧٢، ١٧٣.
وقال عزَّ اسمه: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} التوبة ٤١.
وقال تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} الصفّ ٤.
وقال سبحانه: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} آل عمران ١٤٦.
وقال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ..} الأنفال ٦٠.
وقال تقدَّست أسماؤه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} محمد ٣١.
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الحاضِّة على الجهاد والإعداد له والثَّبات عليه، والمؤكَّدة على الصَّبر والإباء والتَّضحية والفداء في سبيل الله تعالى.
وبهذا وفي إطاره فقط يعلو الإسلام وتقوى شوكتِه ويعزُّ أتباعه وتحمى دياره وتصان حوزته، وفي تركه انتشار للفساد والباطل، وسقوط الأمّة في حضيض الضَّعف والذلّة والصَغار، والعياذ بالله.
فعَنْ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: (من ترك الجهاد ألبسه الله ذلًّا في نفسه، وفقرًا في معيشتِه، ومحقًا في دينه، إنَّ الله تبارك وتعالى أعزَّ أمَّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها).
وعَنْ الإمام عليّ عليه السَّلام في حديثٍ له عن ترك الجهاد: (…فمن تركَهُ رغبةً عنهُ ألبسَهُ اللهُ ثوبَ الذلِّ، وشمِلَهُ البلاءِ، ودُيِّثَ بالصَّغارِ والقَماءَة).
ويتفرَّع عَنْ هذه الأبعاد الأساسية أفكار وقيم عديدة تملأ حياة الإنسان المؤمن نورًا وصفاءً، وحيويَّةً ونشاطًا، وقوَّةً وانطلاقةً، وعزَّةً وكرامةً وإباءً.
وفي رحاب عاشوراء الإمام الحسين عليه السَّلام يعلن علماء البحرين عَنْ شعار العام ١٤٤٧هـ وهو: (إيمان وإباء)
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا…{ آل عمران ١٧٣.
ويدعون العلماءَ والخطباءَ والشعراءَ والرواديدَ وكوادرَ الخدمة الحسينيّة، وجميعَ الشخصيات المثقَّفة والمؤثِّرة في المجتمع، ومؤسَّسات المجتمع الفاعلة وجميعَ الأفراد مِنْ الرِّجال والنِّساء ، والشَّباب والنَّاشئة، إلى التَّفاعل مع الشِّعار والمشاركة في تفعيله على أرض الواقع قولًا وعملًا بقدرِ المستطاع.
وما توفيقنا إلا بالله تعالى.
اَعْظَمَ اللهُ اُجُورَنا وَاُجُورَكُمْ
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
المصدر: اللؤلؤة
تعليقك