الخميس ٢ يناير ٢٠٢٥ - ٠٠:٢٣
مقال | العراق في منعطف خطير.. فما عدا مما بدا؟!

وكالة الحوزة - كما يشير "قاسم سلمان العبودي"، الكاتب العراقي، يواجه العراق حالياً منعطفاً خطيراً يهدد مستقبله السياسي والأمني. يتمثل هذا المنعطف في نزع الشرعية عن المقاومة العراقية، مما يفتح المجال أمام احتمالية التطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما يرفضه الشعب العراقي. إن التحركات السياسية الأخيرة، بما في ذلك اللقاءات مع شخصيات مثيرة للجدل مثل الجولاني، تثير تساؤلات حول توجهات الحكومة العراقية وقراراتها في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة.

وكالة أنباء الحوزة - خلال الأيام القليلة الماضية، شهدنا تحركات سياسية في العراق تتعلق بالتطورات السياسية في سوريا، وقد تم تحليلها ونقدها من قبل الخبراء والمراقبين السياسيين العراقيين داخل البلاد وخارجها. إن زيارة وفد عراقي قبل عدة أيام لزعيم مجموعة "تحرير الشام" الإرهابية في سوريا أثارت العديد من التساؤلات في الساحة السياسية العراقية. ويأتي ذلك في الوقت الذي تم فيه إجراء مشاورات دولية مع بعض المسؤولين والعلماء العراقيين بشأن حل الحشد الشعبي، وهو ما لم يُقبل من قبل المراجع والعلماء والمسؤولين الداعمين للحشد الشعبي.

وفي هذا السياق، كتب "قاسم سلمان العبودي"، الخبير العراقي، ملاحظة حول لقاء الوفد العراقي مع الجولاني، زعيم مجموعة "تحرير الشام" الإرهابية في سوريا.

ونص الملاحظة كما يلي:

في حدث مفاجئ جداً للأوساط السياسية العراقية، وعلى غير العادة، ذهب وفد عراقي برئاسة مدير جهاز المخابرات العراقي إلى سوريا حاملاً "غصن زيتون" لسلطة النظام التي كانت بالأمس تصنف عراقياً على أنها فصائل إرهابية دموية لا تريد الخير للأمة. فما الذي جعل العراق أن يتخذ هكذا خطوة مبكرة نحو تلك السلطة الإرهابية؟؟

التسريبات التي سبقت زيارة الوفد العراقي أشارت إلى أن تأمين الحدود العراقية هو الهدف الأساسي لتلك الزيارة! وهنا يبرز سؤال مهم: هل إن العراق اليوم، وبعد تلك المعارك الشرسة مع التنظيمات الإرهابية التي دخلت العراق، وكانت إحداها مجموعة الجولاني، يشعر بالضعف والخواء؟ وهل إن عديد القوات المسلحة العراقية، سواء كان الجيش العراقي أو الحشد الشعبي أو باقي الأجهزة الأمنية، غير قادر على ضبط الحدود مع الجانب السوري؟ قطعاً لا. لأن قطعات الجيش وقطعات الحشد الشعبي تتميز بجهوزية تامة لصد أي محاولة لعبور الحدود العراقية من أجل خلق الفوضى في الداخل العراقي.

المتابعون للشأن السياسي العراقي ذهبوا مع نظرية الضغط الأمريكي على العراق للذهاب إلى الجولاني، ويبدو أن هناك طرفاً عربياً آخر هو من رتب اللقاء في دمشق مع الجولاني الذي كان يحمل سلاحاً بدا واضحاً جداً من وراء ملابسه، مما يشير إشارة واضحة أن التوتر كان سائداً في هذا اللقاء الذي لم ينته بتصريحات إعلامية كما هو معمول به في هكذا مواقف تعقب اللقاءات السياسية بين الوفود. إذا ذهبنا مع نظرية الضغط الأمريكي على العراق، نتوقف أمام مسألة أخرى: أليس واشنطن صنفت الجولاني على لائحة الإرهاب، وقد رصدت مكافأة مالية قدرها عشرة ملايين دولار أمريكي للذي يدلي بمعلومات تقود إلى الإمساك به؟ نقولها على مضض إن المصلحة الأمريكية اقتضت غض الطرف عن ذلك الإرهابي، فأوعزت للجانب العراقي بضرورة إيفاد رئيس جهاز المخابرات إليه، وإن كنا غير مقتنعين بهذا التبرير. إذن ما هي رؤية القيادة العراقية في هكذا قرار؟

إن زيارة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة سبقت الوفد العراقي الذاهب إلى سوريا، بزيارة النجف الأشرف إلى المرجع الأعلى علي السيستاني، الذي رفض مقابلة ممثل الأمين العام لعلمه المسبق من أهداف تلك الزيارة (الأممية)، والتي رافقت تلك الزيارة دعوات داخلية وخارجية إلى حل الحشد الشعبي ودمجه في الأجهزة الأمنية العراقية في سابقة خطيرة وتدخل سافر في الشأن العراقي. الرفض الحكومي العراقي لفكرة حل الحشد الشعبي أو دمجه في الأجهزة الأمنية كان موضع ابتزاز من قبل الحكومة الأمريكية. فقد عرض الأمريكيون الموافقة على بقاء الحشد مقابل الذهاب إلى دمشق ومصافحة الجولاني الذي يُعتبر رجل المرحلة الصهيونية بامتياز. إن صحت هذه المعلومات فإن العراق يقف أمام منعطف خطير جداً. هذا المنعطف يتمثل بنزع الشرعية عن المقاومة العراقية أولاً، وثانياً التمهيد للعراق بدخول فورمة التطبيع المذل مع الكيان الصهيوني، وهذا مرفوض شعبياً ودستورياً كون القانون العراقي لا يسمح بذلك.

نرى بأن بوصلة الحكومة العراقية قد أضلت طريقها في ظل الظروف السياسية الراهنة التي تمر فيها منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً بعد سقوط نظام بشار الأسد الدراماتيكي، وترويج فكرة الخروج من المحاور الإقليمية وتحديداً المحور الإيراني. إن كان هناك ضغط يمارس على العراق فإننا نراه من قبل المحور الخليجي الذي بارك نجاح وصول الإرهابيين إلى سدة الحكم في سوريا بقيادة ما يسمى بأحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) المحكوم غيابياً في العراق بحكم الإعدام كونه منتمي إلى مجموعة داعش الإرهابية التي روعت العراقيين من خلال التفجيرات الكثيرة التي راح ضحيتها أكثر من ألفي شخص على يد الجولاني. إذن ما الذي حدا مما بدا [ ما عدا مما بدا ] [1] كي ينسى الجانب العراقي تضحيات الشعب التي ذهبت سدى على يد داعش الإرهابي وصنيعه أبو محمد الجولاني؟ نرى بأن هناك تماهي حكومي عراقي مع الأجندة الدولية والإقليمية الخليجية في ظل المتغيرات السياسية الكبيرة التي حدثت على المستوى الإقليمي.

الكاتب: قاسم سلمان العبودي

المحررة: و. س. ح


[1] "ما عدا مما بدا" مصطلح معروف مأخوذ من الخطبة 31 في نهج البلاغة، وقد أصبح مثلاً يُستخدم للدلالة على معنى "ما الذي منع مما كان قد بدا". يبدو أن هذا التعبير قد ذُكر بالخطأ في عبارة الكاتب، ونحن لم نتدخل فيه حرصاً على الأمانة. (تنبيه الناشر)

المصدر: وكالة أنباء الحوزة

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha