۱ آذر ۱۴۰۳ |۱۹ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 21, 2024
استشهاد الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

وكالة الحوزة - يوافق الخامس والعشرون من شوال الذكرى الأليمة لاستشهاد الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فبهذه المناسبة نسلط الضوء على ما ورد عن مكانته العلمية.

وكالة الحوزة ـ يوافق الخامس والعشرون من شوال الذكرى الأليمة لاستشهاد الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام رئيس المذهب، فبهذه المناسبة نقف على محطات من حياته المباركة. شهد القاصي والداني، والمُؤالف والمخالف، أنَّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) هو صاحب المقام العلميِّ الرفيع، الذي لا ينازعه فيه أحد . حتى توافدت كلمات الثناء، والإكبار، والإعجاب عليه ( عليه السلام )، من قِبَل الحكَّام، وأئمَّة المذاهب، والعلماء، والمؤرِّخين، وأصحاب السِيَر، وتراجم الرجال، ما تزدحم، فلا يجمعها إلاَّ كتاب، ونكتفي من تلك الكلمات بإشارات :

يقول أبو حنيفة : ما رأيت أفقهَ مِن جعفر بن محمَّد، لمَّا أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال : يا أبا حنيفة، إنَّ الناس قد افتُتِنُوا بجعفر، فهيِّئ له من المسائل الشِداد . فهيَّأتُ له أربعين مسألة، فلمَّا أبصرتُ به دخلَتْني من الهيبة لجعفر ( الصادق ) ما لم يدخلني لأبي جعفر ( المنصور ) . فجعلتُ أُلقي عليه فيُجيبني فيقول : ( أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربَّما تابعناهم، وربَّما خالفنا جميعاً ) . حتى أتيت على الأربعين مسألة، ثم قال : ( ألَسْنا رَوينا أنَّ أعلم الناس، أعلمُهم باختلاف الناس ) ؟ .
واعترف أبو جعفر المنصور، وأقرَّ بفضله حين قال : إنَّ جعفراً كان ممَّن قال اللهُ فيه : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )، ( فاطر : ۳۲ ). وكان ممَّن اصطفاه الله، وكان من السابقين في الخيرات .
ورغم اعترافه بفضل الإمام الصادق ( عليه السلام ) في قوله : سيِّدُ أهل البيت، وعالِمُهم، وبقيَّة الأخيار منهم، إلا أنه كان يضيِّق على الإمام ( عليه السلام )، ويكيد له، حتى اغتاله بعد أن قال : هذا الشجا المعترِضُ في حَلْقي مِن أعلم الناس في زمانه . وقد امتازت الفترة التي عاشها الإمام الصادق ( عليه السلام ) بأنها مرحلة نمو العلوم، وتزاحم الثقافات المتنوِّعة . وذلك لانفتاح البلاد الإسلاميَّة على الأمم الأخرى، ولانتشار الترجمة التي ساعدت على نقل الفلسفات الغربيَّة إلى العرب .
فبدأ الغزو الفكري باتجاهاته المنحرفة، وعاداته الهجينة، ونشأت على أثره تيَّارات الإلحاد، وفِرَق الكلام، والآراء الغريبة، والعقائد الضالَّة . وقد تطلَّبت تلك الظروف أن ينهض رجل، عالِم، شجاع، يردُّ عادِيَة الضلال عن حصون الرسالة الإسلاميَّة .
فكان أن قيَّض الله جلَّ وعلا وليَّه الإمام الصادق ( عليه السلام ) الذي فاضت حياته بالعطاء، والعلوم الغزيرة المتعدِّدة، من : الحديث، والتفسير، والعقيدة، وسائر أبواب الفقه، والشريعة .
ونَقلَها ( عليه السلام ) نقلاً أميناً، عن معارف النبوَّة المُحمَّديَّة الخاتمة، ونقلاً نزيهاً عن منابع التشريع، والرسالة، حتى لُقِّب ( عليه السلام ) بـ( المحقِّق )، و( كاشف الحقائق ) . لأنه ( عليه السلام ) كان مَرجِعَ الأمَّة بِحَقٍّ، وإمامَها الذي تتلمذ على يديه مئات الأعلام من الفقهاء، والمشايخ، بعد أن فتح لهم باب التخصص العلمي في العلوم العقلية، والطبيعيَّة، كالكلام، والكيمياء، والرياضيات، إضافةً إلى أبواب الشريعة الإسلاميَّة .
كما وضع ( عليه السلام ) القواعد الواضحة لمسائل الأصول، والفقه، ليُربِّي في تلامذته مَلَكةَ الاجتهاد، والاستنباط، كقاعدة الاستصحاب، والبراءة، والضمان، والتخيير، وغيرها . وبما أنَّ الغزو الفكري الغربي قد رافقَتْه حريَّة غير موجَّهة، وانفتاح في إبداء الآراء، هيَّأتهما السلطة الحاكمة . لذا أحدث ذلك الغزو ارتباكاً في عقائد المسلمين، فجنَّد الإمام الصادق ( عليه السلام ) جهوده العلمية الهائلة لمواجهة الانحراف والتحريف، بمواقف علميَّةٍ، وعقائدية . وذلك كان من خلال إجابته ( عليه السلام ) على كلِّ المسائل، وردِّ كل الشبهات، وإفحام كلِّ التشكيكات، والأضاليل، وبيان كلِّ أمرٍ من أمور الدين، والدنيا، ممَّا يُتساءَل عنه . حتى استطاع ( عليه السلام ) بذلك الجهاد العلمي المؤيَّد برعاية الله وعنايته، أن يوقف الزحف الضلالي على العالم الإسلامي، ويكشف زيفه، ويبين أباطيله.

تأسيس المدرسة :

كان الإمام الصادق ( عليه السلام ) قد ساهم مع أبيه الإمام محمَّد الباقر ( عليه السلام )، في تأسيس مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) في المدينة المنورة . وقد اتخذا من الحرم النبوي المنور مركزاً لإلقاء الدروس، حتى تحوّل إلى أكبر معهدٍ من المعاهد الإسلامية في زمانه . فربّى جيلاً عالماً انتشر في أنحاء البلاد، يبث حقائقَ الدين، ويُبيِّن معالمه .
وقد أجمع العلماء، مثل : الشيخ المفيد، والشيخ الطبرسي، والفتَّال النيسابوري، والشهيد الثاني، وابن شهر آشوب وغيرهم، أنّه نُقل عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) من العلوم ما لم يُنقَل عن أحد . حتى أن أصحاب الحديث جمعوا أسماء الرواة الذين رووا عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) – على اختلاف آرائهم –، فكانوا أربعةَ آلاف راوٍ .
وهكذا كانت جهوده المباركة ( عليه السلام ) جهاداً علميّاً كبيراً، أرسى من خلاله قواعدَ الدين، وثبَّت أصوله، وفروعه، وعقائده
واليوم، وبعد مُضِيِّ ما يقرب من ثلاثة عشر قرناً على تأسيس مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) لا تزال العلوم الإسلاميَّة، من : فقهٍ، أو حديثٍ، أو تفسير، أو فلسفة، أو أخلاق، وغيرها من العلوم الإسلامية، عيالاً على مدرسة الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) . تستمد من آراء مؤسسها الحكيمة، وتوجيهاته القَيِّمَة .وليست العلوم الإسلاميّة وحدها عيالاً على مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام )، بل إنَّ كثيراً من العلوم الحديثة كان له ( عليه السلام ) اليدُ الطُّولَى في تأسيسها .

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha