وكالة أنباء الحوزة - «الاحترام»، «اللعب بمروءة»، «محاربة العنصرية»، «الاتحاد»، «الودّ»، «التعايش» و... هي كلمات ومفاهيم لطالما ادعت ظاهرة كرة القدم أنها تدعمها وتتباهى بها. من وقت لآخر، تظهر أخبار في العناوين الرئيسية حول نشاط إنساني وخيري مرتبط بطريقة ما بكرة القدم ومؤسسات كرة القدم. نسمع أحياناً عن الدعم الهادف لمجموعة من لاعبي كرة القدم وأصدقاء كرة القدم لرياضيّ ملوّن البشرة بهدف أداء دور في تحقيق العدالة العرقية في المجتمع. إن إقامة مباريات ودية لدعم المهجرين واللاجئين أو لحماية أو تمويل أي حدث اجتماعي مهم آخر هو أمر شائع في ثقافة كرة القدم. طبعاً لا بد من القول إن هناك كثيرين يعتبرون حقيقة كرة القدم مناقضة لما تم وصفه آنفاً. لكن إذا تجاهلنا مثل هذه النظريات من وجهة نظر المنظرين والخبراء في الوقت الحالي، فإن صورة كرة القدم في نظر الجمهور هي صورة سعيدة ومُوَحِدَة وحميمة ومُحبّة للسلام.
في 12 شباط/فبراير 1987 كانت تجري مباراة لكرة القدم في منطقة تسمى تشفار (چَوار) الواقعة في محافظة إيلام غربي إيران. ومما لا شك فيه أن هذه اللعبة كانت تسعى إلى تحقيق المهام الإنسانية والاجتماعية لكرة القدم. في الواقع، كانت تسعى أن تضخ الفرح والأمل في المجتمع في ظل ظروف إيران الصعبة في ذلك الوقت. ولكن عاقبة هذا الجهد الإنساني لكرة القدم، صارت في نهاية المطاف بعيدة عن الجو المفعم بالأمل والسلام المذكور في الفقرة السابقة.
كانت المباراة تجري بين فريق مدينة تشفار وفريق شباب مدينة إيلام. بدأت المباراة في حوالي الساعة 14:30، وبحلول نهاية الشوط الأول كان كل شيء يسير بشكل طبيعي لأي لعبة كرة القدم. كان اللاعبون مشغولين بالمباراة وكان المتفرجون غارقين في شغف متابعة فرقهم المحبوبة. بعد دقائق قليلة من انطلاق الشوط الثاني، في الدقيقة 55، تعرّضت مباراة كرة القدم لهجوم عسكري. في ذلك العام، أي في العام 1987، كانت إيران منهمكة في حرب استنزاف فرضها صدام حسين لما يقارب سبع سنوات. تعدّى هذا الهجوم العسكري إلى حدّ أبعد بكثير من الهجوم الفردي والأرضي. ما حدث كان قصفاً جوّياً لمباراة كرة قدم. طائرات صدام استهدفت المباراة.
فجأة تحولت أجواء ملعب كرة القدم المفعمة بالحيوية إلى جو مليء بالدخان والاضطراب والقلق. اللاعبون الذين أتوا لإقامة لعبة كرة القدم هذه بهدف مكافحة اليأس والقلق الناجمين عن الحرب (وهما ظاهرة وتأثير طبيعيين في المجتمعات التي تتعرض للحروب)، وبهدف استبدالهما بروح النشاط والحيوية عند الأطفال واليافعين وشباب مدينة إيلام الحدودية، الذين كانوا يعيشون تجربة ظروف الحرب منذ سنوات عدّة. لكن لاعبي كرة القدم الإيرانيين من اهالي إيلام تمزقوا إرباً إرباً وفارقوا الحياة خلال هذه المَهمة الإلهية والإنسانية. كما قُتلَ بمنتهى الظلم الحكمُ الذي كان مسؤولاً عن تنفيذ العدالة في المباراة. الأمهات اللواتي ذهب أبناؤهن لمشاهدة المباراة من أجل اكتساب الطاقة والمُضيّ في تحمّل مشقات الحرب بروح مُعزَّزَة بالمقاومة؛ إما لن يرين أبناءهن بعد الآن، أو في أفضل الأحوال عليهن تحمّل وطأة إصاباتهم إلى الأبد.
من وجهة نظر عسكرية، من المستبعد جداً أن يتم الاشتباه بين ملعب كرة قدم وهدف عسكري وقصفه. بالطبع، فإن سلوك نظام صدام وأخلاقياته في الهجوم على إيران يلغي الحاجة إلى أدلة عسكرية حول ما إذا كان قصف ملعب كرة القدم متعمداً أم غير متعمد. خلال السنوات الثماني من الحرب المفروضة على إيران، قَصَفَ صدام مناطق سكنية إيرانية بشكل متكرر ونفّذ أيضاً هجمات كيميائية على الأراضي الإيرانية وحتى على المناطق الكردية في العراق. على أية حال، ما حدث في مباراة كرة القدم في تشفار هو بلا شك جريمة مفجعة في ميزان حقوق الإنسان.
هذه الظاهرة تثير تساؤلات في الذهن. لماذا لم تُدِنْ دول العالم مرتكبي هذه الجريمة النكراء ضد الإنسانية عام 1987، وحتى بعد ذلك؟ وكيف يمكن لكاميرات وسائل الإعلام العالمية أن تغطي بشكل كامل دخول حيوان مثل الكلب أو القطة أو السنجاب إلى أرضية الملعب أثناء مباراة كرة قدم... لكن قصف مباراة كرة قدم الذي أدّى إلى مقتل عدد من اللاعبين والحكم والمتفرجين... ألا يلفت نظرها؟ وليس ذا قيمة إخبارية بالنسبة لها؟ أليست هذه الجريمة كبيرة بما يكفي ومرتبطة بكرة القدم لكي يقوم الفيفا بخطوة رمزية لإحياء ذكرى القصف؟ أليس نقص التغطية السياسية والإعلامية والرياضية لمثل هذه الفاجعة ضد الإنسانية بحد ذاته نوعاً من القصف؟ قصف الحق والعدالة والكرامة الإنسانية...
رمز الخبر: 364580
٥ ديسمبر ٢٠٢١ - ١٩:٢٥
- الطباعة
وكالة الحوزة - ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريراً حول مجريات الأحداث التي جرت في مباراة القدم في مدينة إيلام إبان الحرب المفروضة على إيران والتي أشار إليها الإمام الخامنئي بتاريخ 21/11/2021 في كلمته التي ألقاها خلال لقاء مع القيّمين على مؤتمر تكريم شهداء محافظة إيلام.