وكالة أنباء الحوزة - جاء ذلك في بيان للشيخ قاسم أكد فيه أنه إذا فقد النظام قاعدته الشعبية التي تحتضنه وتحميه وتتجاوب مع سياسته، وتثق في أهدافه ومشاريعه وخططه، وحلَ محل ذلك التحسس الدائم مما يتبناه ويدعو إليه وتتجه إليه سياسته فالنتيجة الوحيدة لذلك هو اهتزاز وضع البلد وضعف الإنتاج والتخلف وخوف الشعب من الحكومة، والحكومة من الشعب، وارتماء النظام في أحضان الخارج، وبذل أكبر الأثمان من استقلال الوطن وعزة الشعب والدين وكرامة الإنسان طلبًا للأمن من الشعب.
وما لجوء بعض الحكومات العربية إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي، والتحالف بينها وبين أمريكا وإسرائيل، إلا بسبب انفصالها عن شعوبها.
وهذا نص البيان كاملًا:
بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلةٌ أساس
أي نظام حكم إما أن يقوم على قاعدة صلبة، وأرضية ثابتة من علاقة إيجابية قوية، وتواصل جمعي أصيل مع شعبه أو أمته يجعله محتضناً منها. قلبه ولسانه ويده معهما وعينه في حراستهما، وهما يحرسانه.
وهذا له سببه الخاص ولا يأتي بلا سبب، أو من أي سبب.
وسببه أن يجد الشعب والأمة في هذا النظام الحارس لدينهما إذا كان لهما دين، ولكل المصالح التي تهمهما في الحياة، وأن يريا أن في أمنه أمنهما، وفي استقراره استقرارهما، وفي قوته قوتهما. وأن عزتهما بعزته، وغناهما مرتبط بغناه، وأن نصر الطرفين واحد، وهزيمتهما واحدة.
كلما كان التوافق بين طرف الأمة أو الشعب وطرف النظام أكبر وأعمق وأشمل وأصدق في الفكر والشعور والعواطف والرؤى والمصالح والأهداف كلما كانت الأرضية التي يقوم عليها الحكم أكثر متانة وصلابة، والطريق إلى نجاح النظام في سياسته مفتوحاً أكثر، واطمئنانه على أمنه وتمكنه أشد.
ولما كانت أهدافه وأهداف الشعب واحدة، كان النجاح في الأهداف نجاحاً للجميع، والمصالح المتحققة كذلك، والقوة الناتجة، والخير الحاصل مشتركاً ودافعاً لتعاون أكثر.
وبهذا يتحصن الوضع الداخلي للشعب والنظام، ويرتفع شأن الدولة في الخارج، وينغلق باب الابتزاز والاستغلال من القوى الخارجية الطامعة في استغلال التفكك الداخلي. كما ينسد باب الحاجة عند النظام للاستقواء بالخارج.
أما إذا فقد النظام قاعدته الشعبية التي تحتضنه وتحميه وتتجاوب مع سياسته، وتثق في أهدافه ومشاريعه وخططه، وحلَ محل ذلك التحسس الدائم مما يتبناه ويدعو إليه وتتجه إليه سياسته فالنتيجة الوحيدة لذلك هو اهتزاز وضع البلد وضعف الإنتاج والتخلف وخوف الشعب من الحكومة، والحكومة من الشعب، وارتماء النظام في أحضان الخارج، وبذل أكبر الأثمان من استقلال الوطن وعزة الشعب والدين وكرامة الإنسان طلباً للأمن من الشعب.
وبذلك يتم ارتهان الحكومة وقرارها فيما يتصل بالسياسة الداخلية والخارجية بيد القوى الخارجية التي صارت تعتمد عليها في بقائها واحتمائها من الشعب.
ويبدأ الانفصال بين الأمة والشعب من جهة، والنظام الحاكم من جهة أخرى من فرض النظام نفسه على أي منهما خلافاً لإرادته ورغماً على أنفه، وهو انفصال لا يجعل لسياسته اهتماماً بشؤون دينهما ومصالح حياتهما، ويجعله قاسياً على قضايا الدين والدنيا محارباً لهما، وينقض حتى على لقمة العيش والمأوى ويصادر حريات الناس ظلماً، ويجمع ثروة الوطن من جميع وجوهها على حساب المحرومين للبذخ والترف والسرف، والاستقواء على المظلومين وشراء الذمم الخؤونة، ودفع الأثمان الباهظة للفساد ولطغاة الخارج الذين يتكفلون بحمايته ودعمه في عدوانه على شعبه وأمته.
والحكومات أول من يعرف ما ينتجه التباين الفكري والنفسي منها، والتجاوز لمقدسات الشعوب والمعاداة لمصالح المحكومين والتضييق عليهم في أسباب الحياة، والتسلط بالقوة والقهر، والفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والخلقي فيهم من فاصل ضخم لا يردم بينها وبين شعوبها. وهذا ما يجعلها في خوف دائم على حكمها من الشعوب، وأشد من وحش كاسر في تعاملها معها.
وهذه الغربة ما بين أي شعب وحكومة، والسياسة الظالمة الضارية التي تأخذ بها الحكومة، والخوف الذي تحدثه سياستها في نفسها من الشعب على وجودها الحاكم، وما تطلبه من الاطمئنان والأمن على هذا الوجود يدفعها لسلوك لا ترى لها بُداً منه، معرِضةً عن التفكير في الأخذ بالصواب وبناء علاقة صحيحة عادلة مع الشعب تقوم على احترامه والتعاون معه على البر والتقوى مما يرضي الله، ويبني الوطن البناء المتين والعلاقات الرصينة العادلة والحميمة بين أبنائه، وهو الخيار الذي لا معدِل عنه عند عاقل.
وحكومات المسلمين في ظل التوتر الدائم في العلاقة مع شعوبها بسبب الانفصال الفكري والعاطفي وعلى مستوى المصالح الحياتية بينهما والذي يثير خوفها الدائم من الشعوب تلجأ إلى عدد من الأمور لتأمين وضعها الذي تشعر بتهديده لظلمها:
1- تعتمد سياسة التجهيل بالإسلام، ومحاربة الوعي الإسلامي عند شعوبها، وإضعاف ضميرها وأخلاقيتها، وعموم ارتباطها بالإسلام، والعمل على إيجاد فاصل كبير بين شعوبها وبين الإسلام على مستوى الفكر والعاطفة والهدف والسلوك، وإحداث حالة غربة متعاظمة بين هذه الشعوب والهوية الإسلامية، وخلق نفسية مستثقلة للإسلام مستوحشة من تكاليفه، وثقافة استسلامية لظلم الأنظمة ونتاجها البعيد عن الحالة الإسلامية، وتقديس قلبي لأولي الأمر وإنْ خانوا أمر الدين وأمانة الأمة، وارتكبوا ما ارتكبوا من الإضرار بالدين وأمته.
2- اعتماد لغة البطش والاستئصال لكل صوت حر ينادي بالعدل والحرية القويمة واحترام القيم.
3- إيجاد صف مفرغ من صوت الضمير وتقوى الله من وُعاظ السلاطين يكون حسب طلب السلطة في قلب معروف العقل والدين منكراً، ومنكر العقل والدين معروفاً، تبريراً لكل مواقفها ومبتغياتها.
وهؤلاء الوعاظ الأشرار يجيدون تصبير الناس على الباطل ويَعِدون بالأجر عليه، ويزينونه في نفوس الناس خدمةً للظالمين، ويحقرون الصبر على الحق وينفرون منه ويقبحونه ويجرمونه ويكادون لا يبقون لأحدٍ على حقٍ صبرا. عندهم اِصبِر عن الحق، واصبِر على الباطل تكُن من المتقين.
4- العمل على تفكيك المجتمع، وإيجاد العديد من التناقضات الاجتماعية بين مكوناته، وإضعاف قواه حتى لا تبقى له قدرة على التخلص من ظلم السلطة الجائرة، وحتى تكون كل فرقة منه حرباً على أختها كلما أرادت السلطة المستغلة للجميع.
5- الارتماء في أحضان قوة طاغوتية جبارة معادية للإسلام والأمة طلباً لحمايتها من سخط الشعب الذي لا تثق فيه للإمعان في ظلمه وابتزازه ومضادته، مرتهنة في إرادتها لتلك القوة، خاضعة في سياستها لسياستها، واضعة الوطن وأهله في حالة استرقاق شامل من تلك القوة. أما حكم الحكومة من هذا النوع فهو بالوكالة عن عدو الخارج الذي يعيش أعمق العداوة للإسلام والأمة.
وإذا سألت عن التطبيع بين بعض الحكومات العربية والعدو الإسرائيلي، والتحالف بينها وبين أمريكا وإسرائيل، فلا يمكن أن يأتي عن علاقة التلاحم بين الحكومات والشعوب، ولا يمكن ترشحه إلا عن درجة وأخرى من درجات الانفصال.
وما من حكومة إلا وتعرف كيف تعود لشعبها، وما من حكومة إلا وتعرف أين مصلحة الشعوب والأوطان، وكيف تنال ثقة شعبها.
عيسى أحمد قاسم