۳۱ فروردین ۱۴۰۳ |۱۰ شوال ۱۴۴۵ | Apr 19, 2024
شیخ عیسی قاسم

وكالة الحوزة - ألقى آية الله عيسى قاسم ألقى كلمة في صحن الإمام الهادي (ع) في العتبة الرضوية المقدسة، جاء ذلك بمناسبة تكريم شهداء الفاطميين.

وكالة أنباء الحوزة - وفيما يلي النص الكامل لكلمته:

‏أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الأعظم الأكرم المصطفى محمد ابن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام على أمةِ الإسلام المجيدة وعلى مقاومتِها الباسلة الرشيدة.

الأمة الإسلامية أمةٌ واحدةٌ بحكم إسلامها العظيم، وهي كذلك واحدة عند كل الملتزمين حقا بالإسلام من أهله، وأي عدوانٍ على دينها هو عدوانٌ عليها كلِّها، وعدوانٌ عليها كلِّها ما كان عدوانًا على أي مسلم؛ بمعنى أن أي عدوانٍ على أي مسلم هو عدوانٌ على الأمة كلها في نظرها للنظر الاسلامي.
وعدوانٌ على جزء من أرضِ إسلام وعلى مقدسٍ من مقدساتِه وعلى حرمةٍ من حرماتِه وعلى مصلحةٍ من مصالحِه ومصالح أمته؛ هو عدوانٌ على الأمةِ كلها.
وثمّة وجود أمة و وجود أفراد، وموتُ أمةٍ وموتُ أفراد، وعزّ أمة وعزُّ أفراد، ووجود الأفرادِ لا يلازمُه وجودُ الأمة، وقوة بعض الأفراد لا تعني قوة الأمة، وعزُّ الأمة فيه عز لكل أفرادها وذلها فيه ذلٌّ لكل أفرادها على مستوى الخارجِ من النفس، وثمَّة قضايا أفراد وقضايا أمة، وهمومُ أفراد وهمومُ أمة، ومصالحُ أفراد ومصالحُ أمة، وفشلٌ ونجاحاتٌ للفردِ وأخرى للأمة.

والترابط في أمتنا وأخوتنا الإسلامية شاملٌ لكل قضايانا وهمومنا؛ صغيرها وكبيرها، والمسلم أخُ المسلم لا يخذله ولا يتأخر بنصرته عنه و إنقاذه له في مشاكله الخاصةِ ما استطاع، و يسارعُ في رد المظلمةِ عنه و في إرشاده ونصيحته، وهذا من مقتضى الأخوة القائمة بين أفراد المسلمين بحكمِ الإسلام.

أما قضايا الأمة بما هي أمة، كقضيةِ سلامة الدين وظهوره وعزه وانتشاره وغَلَبَتِه وكرامة مقدساته و أمن أرضه وحدوده وقداسة رموزه، فهي قضايا الجميع، والاشتراك في الدفاع عنها وحمايتها هو من الدفاع عن النفس وقضايا الذات، وليس ذلك من موقف النصرة للأخ المسلم فحسب؛ كإنقاذه من فاقته وسد حاجته الخاصه و عونه في مشاكله الشخصية، مع ما لنصرته هذه من شأن عظيم عند الله عز وجل. لا نقلل أبداً من نصرة المسلم لأخيه المسلم في مشاكله الخاصة، ولكن هناك نصرةٌ أخرى؛ هي نصرة الإسلام، وهي نصرة لنفسي كما هي نصرة لكل مسلم من المسلمين؛ لأن الإسلام قضية مشتركة، لأن الإسلام يسعد به الجميع إذا وُجد، ويشقى الجميع بفقده.

الأمة الإسلامية، الأفغان منها، العرب، الأتراك، الباكستانيون، سائر القوميات. بلدانًا؛ إندونيسيا، مصر، إيران، السعودية، عمان، كل الأقطار الإسلامية، كل من ذُكِر وغيرهم من أبناء الأمة مسلمون قبل أن يكون هذا الشيء أو ذاك، وكل المسلمين مسؤولٌ عن قضايا الأمة وهمومها.

العدو الخارجي لبلد من بلاد هذه الأمة الإسلاميةِ الواحدة، أو لقوم من أقوامها، عدوٌّ لها كلها، والمعتدي على مقدس من مقدساتها، وإن كان هذا المعتدي يرفع اسمها، معتدٍ عليها وعلى كل مقدساتها. والمعتدي لا بدَّ أن يُرد عدوانه، والأمة التي تُداس مقدساتها من الداخل أو الخارج وهي ساكتة؛ أمة منسلخة من هويتها.

والحرب على الإسلام وأمته من الدول الطاغوتية الكافرة وفي مقدمتها أمريكا واسرائيل، لم تعد مقتصرة على الحرب المكشوفة والمباشرة، فهناك اليوم الحروب بالنيابةِ والتي تخطط لها وتديرها من الخلف تلك الدول، و يتم تنفيذها على يد دولة أو أخرى من الدول التي تنسب نفسها للإسلام و تُحسب على المسلمين، أو على يد حزب أو تجمع هو كذلك، وإن كان فاقداً للأسس الإسلامية الصحيحة والأخلاقيات الإسلامية، ومنفصلاً عن ضرورة من ضرورات الإسلام. وكثيرًا ما توجد اليوم جماعات وأحزاب ناشئةٌ عميدةٌ للفكرِ الكافر والدول الطاغوتية، قائمةٌ في تكوينها على الاعتداء باسم الدين وتحمل أشد روح العداوة له وتستهدف هدمه من الأساس و تشتيت أمته، و يستوي واجب الدفاع عن الإسلام، كانت الحربُ التي يواجِهُ خطرَها حرباً مكشوفة مباشرة من دولة كافرة، أو حزب يعلن كفره، أو دولة تتسمى بالإسلام و تنتسب للمسلمين، أو حزب من هذا النوع ومن أهل البِدَع. وإذا وُجب الدفاعُ عن الإسلام لوجود موضوعه، لم يسقط حتى تتصدى القيام به الأمةُ إلى حد الكفاية.

 نعم يجب على الأمة كفايةً، ردُّ العدوان عن الإسلام وكيان الأمة نفسها ومقدساتها وأرضها وثروتها، ويستوي في ذلك أبيضُها وأسوَدُها، وكلّ ذي لسان من أبنائها وذكرها وأنثاها، وكل تنوعاتها.

وللمجاهدين الأبطال من أبناء الأمة الإسلامية بكل قومياتها ومذاهبها ومنهم الشهداء الفاطميون الأفغان، أدوارٌ جهادية استشهاديةٌ مشهودة نموذجية في الدفاع عن دينها ومقدساتها و أرضها و وحدتها، وفي المواجهة الحاسمة الفدائية المقدام الشجاعة لمؤامرات تفتيت الأمة و بعثرة وجودها والاستيلاء على أرضها وتحريف هويتها والاستبدال عن مسَلّماتِها وتركيعها لإرادة العدو الصهيوني و الغطرسة الأمريكية.

جزى الله مجاهدي هذه الأمة في سبيل الله عنها خيرَ الجزاء، ضحوا بما لا يملك الإنسان أعزَّ منه على نفسه، ضحوا بأنفسهم الغالية الشريفة لحماية ملايين الأبرياء و الصالحين و ذوي الإلهامات النيرة، ولحفظ أمن الناس من يد الإجرام، ولسلامة دينهم وأعراضهم، و لألّا يُهان ويُذل ولا يُضِلَّ أحدَهم ضالٌّ، ولا يسترخصَه مسترخص، أو يستغفله مستغفل، ولا تُسحق كرامةُ الإنسان، ولتبقى هذه الأمة عزيزةً رافعةَ الجبين لا يذلها شيء.

ضحوا وما خسروا ولا يعدل ما ربحوه بشهادتهم خيرُ الدنيا كلها، وإن نقص أمرهم المادي بعض الشيء، إلا أنهم ربحوا أكبر نتيجة تُرجى من هذه الحياة، ولا شيء يساوي هذه النتيجة و يبلغ قدرها.

ولولا الرجال الشرفاء المأثرون المضحون المسترخصون لأنفسهم في سبيل الله ممن يرجون ثوابه ولا تعدل الدنيا شيئاً  من وزن الآخرة في إدراكهم وشعورهم، لتحولت دنيا الأمةِ كلها إلى ظلام، ولتحولت الحياة الإنسانية إلى ما هو أضلّ من حياةِ الحيوان على يد الطغاة والجهلة والسفاكين و المستبيحين للحرمات و فراعنة الأمم.

 أما الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت فيَقتلون ويُقتلون، فهم من أدوات الشيطان والجندِ المفسدين في الأرض، والمقوضين لأمنها، والوحوش الهائجة، وهم مطية الظلم فيها ووقود الجريمة، وأين هؤلاء من شهدائنا الأبرار؟

وإن أي أمة لا تأمن أن تأتي عليها أيامُ عدوانٍ لم تعرف مثلها في سابق تاريخها، يتطلب منها أن تنفر في وجه العدوان بكامل قوتها، و بكل قادر من ذكر أو أنثى منها؛ لحماية وجودها.

تأتي أيام وتأتي ساعات لا يرُدُّ خطرها إلا أن تجتمع الأمة الباسلة المؤمنة الشجاعة في مقاومة عنيفة لها.

وكلما كانت الأمة متحسبة لأيام الطوارئ الكبرى والاعتداءات الهائلة التي قد تواجهها، كان ذلك منها أدَلَّ على الوعي والحزم، و كلما كانت بذلك أقدرَ على رد العدوان عنها ودفع خطر الطوارئ. وقد نبَّه الإسلام أمته على هذا الأمر، وطالبها بأن تكون دائمًا أقوى من الآخر وأكثر تحسبًا للمفاجآت، حتى لا تجد نفسَها في يوم من الأيام مكتوفةَ اليد أمام الظروف، مغلوبةً على أمرها أمام المعتدين. قوله تبارك وتعالى "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ".

فأمتنا الإسلامية عارفةٌ اليوم جداً بانحدار الكثيرين من أبناء الإنسانية عن الحد الإنساني انحدارًا شديدًا، وانسياقهم وراء الكفر والفسق والظلم والميوعة، وبعدهم عن قيم الدين الحق، وتحولهم إلى مسوخٍ في صورة بشر. وتعرِفُ أمتُنا كذلك أنه -وبالرغم من الغربة التي حدثت في داخلها عن الإسلام الحق-، لا زالت أقرب الأمم إلى الهُدى وأوفرها صلاحاً وأوضحها ارتباطًا بقيم السماء في كثير من قطاعاتها، و أرجى الناس في القيام بعبئ العودة الجادّة بالإنسانية إلى الربِّ العظيم على طريقه القويم.

ومن واقع الانحدار المذكور والأمل في إحياء الأرض بذكر الله على يد أمتنا، يشتد تربص الممسوخين من أهل الإلحاد والشرك والجهل والتوحش والشهوات الرخيصة بها الدوائرَ، واستهدافُهُم الإجهازَ عليها، ومن كان لا يستجيب للنداءات الساقطة والمفتوحة والمذلة والجائرة. فأمتنا فيما ينبغي عليها من إسلامها، ولا يتنازل عن حقه وعزه وكرامته وعلياء مجده وسماء هداه، فلا بد أن يستعد كل الاستعداد لمواجهة أكبر المعارك العدوانية وأن يكون على رغبة تامة دائمًا لمواجهة أسوأ التوقعات مما يمكن أن يأتي به عدوانُ القوى الطاغوتية الشيطانية المستكبرة.

وإن أمة تأبى الهوان وترفض الباطل ولا تقبل أن تستبدل عن هداها بضلال وعن عزها بذل وعن ريادتها بالتبعية، عليها أن تتخذ من كل يومٍ من أيام حياتها يومَ إعداد للقُوى ويوم مقاومةٍ وجهادٍ وكفاحٍ وأن تعتبر كل أيام حياتها أيام حربٍ وإن كانت الحالةُ حالةَ سلم، وأن تعتبر كل أيام حياتها حياة حربٍ من حيث الاستعداد ومن حيث التدريب ومن حيث التنظيم ومن حيث التنسيق ومن حيث الالتفاف بالقيادة.

والسلامُ على كل شهداء الأمةِ المؤمنة، والشهداء الفاطميين وكل الموتى المؤمنين والمؤمنات
السلام على المؤمنين والمؤمنات جميعًا ورحمة الله وبركاته والحمدلله رب العالمين أولًا وأخيرًا

ارسال التعليق

You are replying to: .