۲ آذر ۱۴۰۳ |۲۰ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 22, 2024
تقرير المرحلة الثانية من المؤتمر الرابع للتجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي

وكالة الحوزة - تنشر العلاقات العامة في المؤتمر الدولي الرابع، التجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي (جدليّة الأسلمة والعلمنة) تقريراً يسلّط الضوء على أبرز مجريات المؤتمر، الذي يتناول محور التربية والتعليم.

وكالة أنباء الحوزة - وقد ألقى المحاضرون من مختلف الدول في هذا المؤتمر كلمات استعرضت مختلف جوانب التربية والتعليم في رؤية الإمام السيد علي الخامنئي وآراء سماحته المتقدّمة في هذا المجال بصفته نموذجاً من نماذج الشخصيات التي خاضت في مجال التربية والتعليم.

استكمل معهد المعارف الحكمية المرحلة الثانية من أعمال المؤتمر الرابع للتجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي (دام ظله) التربية والتعليم/جدلية الأسلمة والعلمنة، وذلك يومي الاثنين والثلثاء 13و14/7/2020، كانت البداية في اليوم الأول مع الدكتور محمد إسحاقي من إيران الذي اعتبر في مداخلة ألقاها على هامش المؤتمر أنه ومن أجل تحقيق عمليّة تعليم وتربية صحيحة؛ نحن بحاجة إلى التعرّف بشكل دقيق وعميق على أسس، وأصول وأساليب التربية الإسلامية. 
ورأى الدكتور إسحاقي أنه لتحقيق هذا المراد علينا أن ننهل من علوم أستاذ يتّصف بـ:
أوّلًا: أن يكون عالمًا بالإسلام ويحمل بيده مخطط الفكر الإسلامي العام، ويستطيع اكتشاف واستنباط تفاصيل المسارات.
ثانيًا: أن يدرك بصفته عالمًا تربويًّا ميزات، وحاجات، وميول ومصلحة الأجيال الشابّة والناشئة في العصر الرّاهن، مع الالتفات لتعقيدات العالم المعاصر.
ثالثًا: أن يكون محيطًا بالأنظمة الثقافيّة والتربويّة غير الإلهيّة والاستكباريّة ومشاريعها ومخططاتها المعادية للثقافة. 
رابعًا: أن تكون لديه على المستوى الشخصي تجربة التعليم، والأنشطة التربويّة خلال الأعوام المتمادية في تعامله مع مختلف فئات المجتمع.

أضاف الدكتور إسحاقي، أن آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي مجتهدٌ عارفٌ بالإسلام، وقد كان قبل سنوات من انتصار الثورة الإسلامية أستاذًا للشباب وطلاب الجامعات والحوزات في مختلف الصفوف. ثمّ بعد انتصار الثورة الإسلامية وحتى اليوم، كان يهتمّ بشؤون الأمّة الإسلاميّة ويحافظ على علاقته المتبادلة مع مختلف فئات الشباب والمسؤولين الثقافيّين والتربويّين.
وختم الدكتور محمد إسحاقي مداخلته بالقول: إنّ الإمام الخامنئي بحث في إطار رسم مخطط النظام التربوي الفاعل عن السياسات والأساليب، ووجد أنّ الهدف النهائي يتمثّل في تربية قوى بشريّة تليق بمستوى الإسلام إضافة لاكتساب الإنسان والمجتمع البشري الحياة الطيبة والكمال والقرب الإلهي.

بعد ذلك كانت محاضرة للدكتور عادل بيغامي من إيران بعنوان: التعليم والتربية وبناء المجتمع في سيرة وفكر الإمام الخامنئي، دراسة حالة المعرفة الاقتصاديّة. حيث صنف عملية التربية والتعليم بأنها تتم في 3 مراحل: التربية والتعليم الرسميّة، التربية والتعليم غير الرسمية، التربية والتعليم اللارسمية.
وأضاف الدكتور بيغامي أن دراسة آثار الحضارة الإسلامية -الإيرانية تشير أيضًا إلى أنّ عمليّة التربية والتعليم المضافة كانت تُتابع في مختلف المجالات ومن بينها الاقتصاد بشكل لا رسمي ضمن إطار الأشعار، القصص ورسائل الوعظ والحكمة و... بحيث يمكن العثور على الأقلّ على أربعة تيّارات تتمثّل في: الحكماء، الفقهاء، العرفاء ومؤلّفي رسائل الوعظ والنّصح ضمن هذا المستوى من التربية والتعليم، وكلّ تيّار يتبع أبعاده ومناهجه الخاصّة.
وعن ضرورة وأهميّة التعليم والتربية الاقتصادية رأى الدكتور بيغامي أنه ينبغي عدم اعتبار ازدواجيّة الاقتصاد والثقافة أمرًا ثانويًّا. فالاقتصاد جزءٌ من ثقافة أيّ إنسان وكلّ هويّاته الجمعيّة والاجتماعيّة (العائلة، المنظّمة والمجتمع)، وهو متأثّرٌ بها بشكل كامل ومؤثّر أيضًا. 
ولفت الدكتور بيغامي إلى أنه ينبغي أيضًا الاهتمام بالتربية الاقتصادية في معناها الواسع بشكل جدّي؛  بحيث تكون متناسقة مع فلسفة التربية والتعليم العامّة. 
وأشار الدكتور بيغامي إلى أنه عقب انتصار الثورة الإسلامية وتغيير الهيكلية السياسيّة وتأكيد قادة الثورة الإسلامية على الشؤون الثقافية وأهميّة التعليم والتربية، أجرى أصحاب الاختصاص أبحاثًا موسّعة. بعض هذه الأبحاث آل إلى "طرح تحوّل جذري في نظام التربية والتعليم". 
أضاف دكتور بيغامي بأنه يجدر اعتبار أنّ رؤية الإمام الخامنئي (دام ظلّه) بشأن انتهاج مسار تربية وتعليم مثاليّ يهدف إلى بناء المجتمع في مجال الاقتصاد، له الدّور في تأمين وضمانة تجليّ هذه العناصر في نوعي التربية والتعليم الرسمي والواضح والضمني والخفي، وفي تحقّقها في الساحة المعرفيّة والعقليّة والسلوكيّة للمتربّين والمدنيّين في المجتمع.
واعتبر الدكتور بيغامي أنّ الساحة الاقتصاديّة والحرفيّة (الوظيفيّة) هي إحدى الساحات الكبرى التي طُرحت في مجال التربية والتعليم ضمن وثيقة التغيير الجذرية لنظام التربية والتعليم في الجمهورية الإسلامية في إيران، حيث إنّ "النموذج الإسلامي الإيراني للتربية والتعليم الاقتصاديّ والمالي" و"نموذج المعايير الفحوائية للتربية والتعليم الاقتصاديّ والمالي الشخصي والعائلي" باتا يشكّلان اليوم منافسين للنموذج الأمريكي الاحتكاري. 
وختم الدكتور عادل بيغامي محاضرته بالقول: إنه ومع استخراج العناصر الأساسيّة والاستراتيجية من سيرة البناء الاقتصادي الذي يطالب به الإمام الخامنئي، وخاصّة في العقدين الأخيرين، سنحصل على صورة لنموذج التعليم والتربية الاقتصادية الفحوائية التي تتناسب مع المجتمعات الإسلامية، وتنافس النموذج الأمريكي في العلم الاقتصادي الذي تستفيد منه حاليًّا بلدانٌ عديدة. 

ثم كانت محاضرة الدكتورة فائزة سادات عظيم زاده أردبيلي من إيران بعنوان: مكانة التربية والتعليم في تأسيس الحضارة الإسلاميّة الحديثة، حيث اعتبرت أنّ التوجّه العام للنظام الإسلاميّ وغايته النهائيّة هي الوصول إلى الحضارة الإسلاميّة الحديثة؛ والهدف الغائيّ من إرساء الحضارة الإسلاميّة الحديثة هو في حقيقة الأمر تحقيق الرّسالة الدينيّة، الثقافيّة، الإنسانيّة والإسلاميّة الخاصّة بنا من أجل تأمين حياة أكثر نقاء، والتحرّك باتّجاه الحياة الطيّبة.
ورأت الدكتورة أردبيلي أنّ إرساء حضارة إسلاميّة -كأيّ حضارة أخرى- يحتاج إلى عنصرين: الأول هو الإنتاج الفكري، والآخر هو تربية الإنسان (....). وإذا أراد بلدٌ أن يبني نفسه بالمعنى الحقيقي للكلمة، يجب أن يصبّ كلّ اعتماده واهتمامه على الإنسان والقوى البشريّة. 
واعتبرت الدكتورة أردبيلي أن كلّ حضارة ترتكز على نظامين: الأوّل قيمي، والثاني تنفيذي؛ ودين الإسلام مهتمٌّ بكلا هذين النظامين.
ثم قامت الدكتورة أردبيلي باستعراض عناصر ومؤشّرات الحضارة الإسلامية الحديثة، وذلك من وجهة نظر الإمام الخامنئي، وهي عبارة عن: الكرامة الإنسانيّة. العلم والمعرفة. بسط العدل. العزّة. الولاية. الحريّة. الثّبات والمقاومة. طلب الإصلاح. الاستقلال. الأخلاق العامّة والسلوكيات الاجتماعيّة.
وفي معرض حديثها عن مكانة العلم في بناء الحضارة، من وجهة نظر الإمام الخامنئي، اعتبرت الدكتورة أردبيلي أنّ إحدى أهم المؤشرات والعناصر الممهّدة للحضارة الإسلاميّة هي العلم والتكنولوجيا، العلم يمهّد الأرضيّة لإرساء الحضارة ويساعد أيضاً على استمرارها وتألّقها؛ والإمام الخامنئي يعتقد أنّ "إرساء الحضارة الإسلامية كأيّ حضارة أخرى، يحتاج إلى عنصرين أساسيّين: إنتاج الفكر والخطاب الحديث المرتكز على المصادر الإسلامية الأصيلة، التي تبرز في مختلف الأجواء العلميّة والتنويريّة، والعنصر الآخر هو تربية الإنسان(...)". 
وعن ما هو دور تربية الأفراد في تأسيس الحضارة الإسلامية الحديثة؟ قالت الدكتورة أردبيلي: إن الحضارة من الظواهر البشريّة المصنوعة، نحن الناس من نصنع الحضارة؛ بمعنى أنّ الحضارة تنشأ نتيجة لجهود تُبذل من أجل حلّ الشؤون البشريّة. 
ولفتت الدكتورة أردبيلي إلى أن أصحاب الرّأي يرون أنّ الحضارة الإسلامية نظام اجتماعي كلّي يُبنى على ركنين: الرؤية الكونيّة المحددة (الإسلامية)، والنظام التاريخي المحدّد؛ والرؤية الكونية الإسلامية تبني هيكليّة الأنظمة الصغيرة ويتأثّر فحوى هذه الأنظمة بها.
وتابعت، من هنا يجدر القول: إنّ إرساء الحضارة الإسلاميّة لا يتمّ إلا عبر إنشاء رؤية كونيّة، وفكر إسلامي، وهذا في حدّ ذاته يحتاج إلى التمتّع بالتعليم والتربية الإسلامية.
وأشارت الدكتورة أردبيلي إلى أن النظام التربوي في البلاد اليوم لو شاء أن يلعب دوره في بناء مستقبل البلاد وإرساء الحضارة، يجب أن يجعل هدفه العام، تربية قوى بشريّة مؤسسة لهذه الحضارة، وأن يوائم بين توجّهاته وبناء الحضارة الإسلامية الحديثة ويسير على هذا الخطى. 
ثم ختمت الدكتورة فائزة سادات عظيم زاده أردبيلي محاضرتها بالقول: إن التربية عمليّة شاملة، تجمع بين كلّ الجهود الممهّدة للتحوّل الاختياري والواعي لدى الإنسان؛ وهي تتعاطى كأمر واحد ومنسجم مع كافّة أبعاد الإنسان الوجوديّة ككلّ؛ ومع تثبيت المعتقدات والرؤى والقيم الإسلامية في وجود كلّ فردٍ من الأفراد، وتربية الأشخاص الواعين وذوي الأهداف المحدّدة، تخطو أوّل وأهمّ خطوة في سبيل إرساء الحضارة الإسلاميّة الحديثة.

بعد ذلك كانت محاضرة للدكتور يوسف أبو خليل من لبنان استعرض فيها الوثيقة التربوية (وثيقة الحياة الطيبة)، فاعتبر أن العلوم التربوية هي علوم تتولى مسؤولية دراسة الفكر التأمّلي والتطوري للتربية: فلسفة التربية، أصول التربية، التخطيط التربوي، أيضًا هي علوم تتولى مسؤولية دراسة العملية التربوية من الداخل، كما أنها علوم تتولى مسؤولية دراسة الظروف العامة والخاصة للمؤسسات التربوية.
ورأى الدكتور أبو خليل، أن المباني الفلسفية للتربية هي مجموعة من القضايا الحملية الخبرية المتمحورة حول نظرتنا الفلسفية إلى الوجود، الله، الإنسان، الدين، المعرفة والقيم. والمأخوذة كقضايا مسلّمة في التربية، بنحو تشكّل الإطار النظري الإسلامي الحاكم على الوثيقة التربوية من حيث الأهداف والسياسات العامة، وهي إما أصول مقارنة بيّنة بذاتها، وإما أصول موضوعة.
وفي معرض تعريفه للتربية والتعليم، قال الدكتور أبو خليل: إن التربية عملية تفاعلية، تمهّد للتشكّل والتسامي المستمرين لهوية المتربين، بنحو منسجم، وذلك بهدف هدايتهم في مسار الاستعداد والتهيؤ للتحقق الواعي والاختياري في مراتب الحياة الطيبة بكافة الأبعاد الإنسانية، على أساس النظام المعياري الإسلامي.
وفي ما يتعلق بمفهوم الحياة الطيبة، أشار الدكتور أبو خليل إلى أن الحياة الطيبة هي الوضعية المنشودة لحياة البشر في الأبعاد والدرجات كافة، وهي حصيلة السعي الواعي والاختياري للإنسان في التشكل والتسامي في هذه الحياة الدنيا بإضفاء الصبغة الإلهية عليها.
وختم الدكتور يوسف أبو خليل محاضرته بالقول: إن الهوية والحياة الطيبة يؤكّدان على البعد الاجتماعي للتربية؛ لأنه تقدّم في المباني الإنسانية أن الهوية الإنسانية لها بعدين: فردي واجتماعي، وأن الحياة الطيبة تشمل البعدين الفردي والاجتماعي معًا. فالتشكّل والتسامي للهوية يطال البعد الاجتماعي أيضًا، والعيش في مراتب الحياة الطيبة يشمل الحياة الاجتماعية، وبالتالي فإن التربية عملية تحصل داخل مجتمع معين، وهذا يقتضي توفير النظام التربوي الاجتماعي الذي يعمل على نشر القيم الاجتماعية للنظام المعياري الإسلامي، وتهيئة الأرضية الضرورية لهداية أفراد المجتمع من خلال المؤسسات الاجتماعية المطلوبة من أجل تشكيل المجتمع الصالح وتقدّمه المستمر،  وهذا ما نقصده بالبعد الاجتماعي للعملية التربوية.

ختام اليوم الأول من المرحلة الثانية من المؤتمر كانت مع الأستاذ الدكتور هاشم عواضة من لبنان بمحاضرة تحت عنوان: مناهج التربية والتعليم، تطرّق فيها بداية إلى تعريف المنهج العلمي الذي هو عبارة عن خطّة منهجيّة ونظاميّة لنشاطات تعليم وتعلّم خاصّة بمؤسّسة تربويّة (مدرسة)، أو صفّ، أو مقرّر (مادّة) تعليمي، منفّذة في المؤسّسة وخارجها.
ثم استعرض الدكتور عواضة عناصر المنهج التعليمي ومكوّناته، فحدد العناصر بــ:  الأهداف التربويّة والتعلّميّة. الطرائق ونشاطات التعليم والتعلّم. المحتويات المعرفيّة والوسائل المعينة الأخرى، التقويم. أمّا مكوّنات المنهج التعليمي فالمقصود بها العناصر المحصّلة في إنتاج المنهج؛ أي: كتاب التلميذ، كتاب التمارين، دليل المعلّم، اللّوحات الجداريّة، والأقراص المدمجة والأفلام. 
بعدها انتقل الدكتور عواضة إلى الحديث عن المنهج التعليمي والبرنامج الدراسي، حيث اعتبر من الصعب تعريف البرنامج الدراسي موضوعيًّا، فهو عرض مكتوب ومنشور، يصدر عادة عن وزارة التربية (...). يوازي البرنامج الدراسي المنهج الرسمي، ويكتسب قوّة القانون الذي على المدارس تطبيقه.
وأشار الدكتور عواضة إلى أن فلسفة التربية تحتوي على بيانات بالمعتقدات بشأن غايات التربية والمجتمع والمتعلّم ودور المعلّم. يمكن أن تُقدّم للفريق التربوي فرصة لتبادل وجهات النظر وإيجاد أرضيّة مشتركة للّقاء.
كما لا يرى الدكتور عواضة  أنه من المفيد اعتماد فلسفة تربويّة واحدة كمرجعيّة في بناء المناهج التربويّة؛ لأنّ كلّ واحدة منها تضيء عنصرًا أو جانبًا من الحقيقة التربويّة المركّبة. بل يتبنّى الاقتراح القائل باختيار الأفضل من الفلسفات التربويّة؛ أي اعتماد مقاربة انتقائيّة، وصياغة غايات تربويّة متّسقة مع فلسفة المدرسة ناتجة عن عمل مشترك بين المعلّمين، الإداريين، الأهل، والمتعلّمين.
ثم عدد الدكتور عواضة أنواع (مظاهر) المناهج التعليميّة، وهي: المنهج الرسمي. المنهج المكتوب. المنهج الداعم. المنهج المعلَّم. المنهج المتعلَّم. المنهج المقوّم. المنهج الملغى. المنهج الخفي. المنهج الموازي.    
واعتبر الدكتور عواضة أن بناء المنهج التعليمي يمر بمراحل متلاحقة، هي: التخطيط، التصميم، الإنتاج، التنفيذ، التقويم، والتطوير.
وختم الدكتور هاشم عواضة محاضرته بالحديث عن منهج الأصالة التعليمي (نموذج خاص)، حيث قال: إننا لم نشأ تبنّي فلسفة تربويّة معيّنة أساسًا مرجعيًّا لنموذج المنهج المقترح من قِبلنا، فالفلسفات التربويّة تتقاطع في ما بينها، ولا تفي كلّ واحدة منها برأينا، منفردة، بالتعبير عن المطلوب من التربية والتعليم(...). إنّنا نلتقي هنا مع اقتراح اعتماد الانتقائيّة والتداوليّة، في تبنّي المناسب من هذه الفلسفات التربويّة من قبل المعنيين بالمنهج التعليمي. وبالتالي فإنّنا نترك الخيار في هذا المجال الحسّاس، احترامًا للكرامة الإنسانيّة، لجماعة المدرسة المعنيين المباشرين بالمنهج التعليمي.

أما بداية اليوم الثاني من المرحلة الثانية من المؤتمر الرابع للتجديد والاجتهاد الفكري عند الإمام الخامنئي (التربية والتعليم/جدلية الأسلمة والعلمنة)، كانت مع سماحة الشيخ حسن الهادي من لبنان في محاضرة بعنوان: التفاعل بين الحوزة والجامعة/ جامعة المصطفى(ص) العالمية أنموذجًا، فاعتبر سماحته أن الكلام عن الحوزة العلمية يقودنا إلى خوض غمار البحث حول التربية والتعليم التي تمثّل محور حركة الأنبياء(ع)، والمصلحين في التاريخ الإنساني، لما لهما من دور في صنع الإنسان وبناء شخصيته، وبناء المجتمع والأمة بشكل عام.
أما عن الدور الريادي للحوزة العلمية، فاعتبر الشيخ الهادي أن الحوزة العلمية تمثّل عمق الفكر الإسلامي الإمامي، والكيان الذي عبّر طيلة التاريخ الإمامي عن توجّه يمثّل منهج أهل البيت (ع) في قضايا الدنيا والآخرة، وتوفير السعادة فيهما للإنسان. وقد حفل تاريخها الطويل بإنجازات وأدوار هامّة على مستوى الأمّة الإسلامية سواء في الجانب الروحي والفكري أو في الجانب العملي والإجتماعي.
ولفت الشيخ الهادي بأن الحركة الحوزوية لم تقتصر على القيام بالدعوة وتبليغ الشريعة الإسلامية وتعزيزها، بل أفلحت في كل مرحلة من مراحلها، برفد التراث العلمي الإسلامي الزاخر في مختلف الاختصاصات والمجالات.
وعن وظائف ومسؤوليات الحوزة العلمية، أشار الشيخ الهادي إلى أن مسؤولية الحوزة العلمية عالمية وشاملة، وفي سُلَّم أولوياتها الإنسان والمجتمع، ومتابعة واقع العصر والإنسان المعاصر.
ثم تطرق الشيخ الهادي إلى وظائف الحوزة التي هي عبارة عن: مواكبة العصر، والتركيز على المباني العلمية والمعرفية، ومعرفة التيارات الفكرية السائدة، وتثمير الفلسفة التربوية للحوزة العلمية وتعريف واستثمار فقه أهل البيت(ع).
وفي معرض حديثه عن مشروع الإمام الخامنئي لإصلاح الحوزة العلمية، قال الشيخ الهادي: إن ما طرحه الإمام الخامنئي حول مشروع إصلاح الحوزة العلمية يمثّل مرحلة راقية للفكر الإصلاحي في الحوزات العلمية المعتمدة على جملة من المعطيات والضرورات والحاجات التي لا يمكن أن تكون منفصلة عن واقع الحوزة، وعن أهدافها، ورسالتها والمبادئ العامة التي يستند إليها الكيان الحوزوي.
 تابع الشيخ الهادي، أنه وانطلاقًا من هذه الرؤية الشمولية إلى قضايا الحوزة، فإن الإمام الخامنئي يطرح جملة من المبادئ الأساسية التي ينبغي أن تعتمدها أيّة حركة إصلاحية تطويرية حوزوية في عملها، وهي: أصالة وعمق الحوزة، والتخطيط، وضرورة سيادة النظام، واستقلال الحوزة العلمية، وتقدير الحاجات الواقعية (معرفة المشكل)، وتقديم الأولويات والحاجات الملحّة   والعمل الفريقي (الجماعي).
أما في ما يتعلق برؤية الإمام الخامنئي للعلاقة التفاعلية بين الحوزة والجامعة، فلفت الشيخ الهادي إلى أن سماحته قد أوضح نوع العلاقة والصلة بين الحوزة والجامعة، ويمكن إيجازها بما يلي: عدم ذوبان الحوزة في الجامعة أو العكس. الحوزة والجامعة مؤسستان مستقلتان. تكامل الوظائف والأدوار. تقريب الجامعة من الحوزة. وبناء المجتمع النموذجي.
ثم ختم الشيخ حسن الهادي محاضرته بالحديث عن نموذج جامعة المصطفى(ص) العالمية، فقال: إن جامعة المصطفى (ص) هي مؤسّسة علميّة ذات هويّة حوزوية أصيلة وفق منهج أهل البيت(ع)، لها حضورها العلميّ الخلاّق، ذي كفاءة عالية ومتميّزة في التربية والتعليم، والبحث العملي في الدراسات العامة والتخصّصية في العلوم الإسلامية والإنسانية الإسلامية، وتربّي علماء ربّانيين، ومحقّقين بارعين، ومفكّرين ومنظّرين نيّرين من الطراز الأول، ومبلّغين واعين مؤثّرين في الساحة المحليّة والإقليمية (...) كما وتساهم بفعّالية في نشر الدين الإسلامي وترويجه والدفاع عن مقدّساته بالحضور العلميّ الفاعل والمؤثّر في الميادين العلمية، والبحثية، والفكرية، والتبليغية، والاجتماعية، والتربوية والثقافية.

بعد ذلك كان الكلام للدكتورة مها خير بك من لبنان بمحاضرة تحت عنوان: المرتكزات العرفانيّة الأخلاقيّة للتربيّة والتعليم والرؤى المستقبليّة في خطاب الإمام الخامنئي. حيث اعتبرت أن مفهوم العرفانية يرتبط بالمعرفة، فلا عرفانيّة من دون معرفة عميقة  تحثّ العارف على البحث عن علاقته بذاته وبالعالم والكون والله.
ورأت الدكتورة خير بك أن مجاهدة النفس والتغلّب على الميول والأهواء والرغبات الماديّة تنتج مجموعة من القيم التي أسّس عليها العارفون/العرفانيون رؤيتهم للوصول إلى أعلى المقامات الوجوديّة.
ثم تطرقت الدكتورة خير بك إلى الرؤية العرفانيّة التي باح بها الإمام الخامنئي في قصيدة موجهة إلى الإمام الخمينيّ (قده)، بوصفه العاشق النشوان بحبّ معشوق محتجب لا يُرى، فاكتفى بالتماس مظاهره وبارتشاف النشوة من نبيذ الغم الدال على العشق الروحيّ (...)، فقال: "أسكر بخفائه من جرّة نبيذ الغم".
ولفتت الدكتورة خير بك، أنه وعلى الرغم من بلوغ نشوة الوصال والهيام بالمعشوق، فإنّ الإمام الخامنئي يؤكّد على ضرورة القيام بالواجبات الاجتماعيّة والدينيّة والسياسيّة، لأنّ السير إلى الله لا يكون من دون العمل بالقرآن وبالحديث وبكلام المعصومين، وبتحمّل المسؤولية التي ركّز عليها الإمام الخميني في تجلّياته العرفانيّة، فأشار إلى أنّ ترك الدنيا لا يعني القعود عن العمل والسعي.
وأشارت الدكتورة خير بك إلى أن قراءة خطاب الإمام الخامنئي الشعريّ الموجّه إلى الإمام الخمينيّ قد كشفت عن سلوك عرفانيّ قوامه السعي والسير إلى المنازل والمقامات، وإعمال العقل والتفكير، والمواظبة على العبادات وتهذيب النفس، فتحقّقت المعرفة الحاصلة عن طريق المشاهدة والوصول إلى أعلى مراتب الكمال الإنسانيّ، حيث تلمّس الحقائق الغيبيّة الواقعة وراء عالم الشهادة، فنعم بالوصال وبخلوص النفس له، وصفاء الباطن والإيمان بوحدة الوجود، فكان خطابًا عرفانيًّا له يرشح بالدلالات والمقاصد الأخلاقيّة والتربويّة والتعليميّة، ويؤسّس لرؤى مستقبلية.
وفي معرض حديثها عن النواتج الأخلاقية والتربوية والرؤى المستقبلية في خطاب الإمام الخامنئي، اعتبرت الدكتورة خير بك أن الخطاب الشعريّ لسماحته يقوله عرفانيًّا، غير أنّ عرفانيته تقوله قائدًا فكريًّا، وموجّهًا تربويًّا لا يتخلّى عن دوره الاجتماعيّ والسياسيّ والإنسانيّ.
وأضافت، لقد بيّنت قراءة الخطاب الشعريّ عن حضور مستتر للحضّ على التمسّك بأصول التربية القيميّة التي تساعد على ترقّي النفس البشريّة، وتطوير المجتمعات،  فزاوج الإمام الخامنئي في خطابه بين السلوك العرفانيّ والحياة الاجتماعيّة والسياسيّة السليمة المعافاة من مادّية اغتالت الجانب الروحيّ والدينيّ والأخلاقيّ في المجتمعات الغربيّة (...).كذلك أسّس الإمام في خطابه العرفانيّ لرقيّ إنسانيّ قوامه القيم التربوية والأخلاقيّة والدينيّة.
وختمت الدكتورة مها خير بك محاضرتها بالقول: إن النصّ الشعريّ المتمايز ببنية منطقيّة وبموسيقى إيمانيّة قد نطق ببعض مكنونات قائد دينيّ وسياسيّ استطاع أن يتسلّم الأمانة بأمانة من مؤسّس عظيم عرفانيّ، فكشف الخطاب عن بلوغ الإمام مقامات عرفانيّة وظّفها في عملية تبليغ المقاصد والغايات والأهداف الاجتماعيّة والدينيّة والإنسانيّة، فابتكر دلالات مغايرة للمفردات العرفانيّة التي وظّفها في سياقات لغويّة أشبه بسبائك يصعب تفكيكها(...)، فتجلّى في شعره المرتكزات الأساس للعرفان، وللقيم الأخلاقيّة وللواجب الوطنيّ والإنسانيّ، فتدمّر نظرة الغرب السالبة  إلى الثورة الإسلاميّة، ويزداد ألقها من خلال تشجيع الإمام القائد على قرض الشعر وتوظيف الأدب والفنون في خدمة القضايا الإيمانيّة والإنسانيّة.

ثم كانت محاضرة للدكتور فوزي العلوي من تونس بعنوان: "التربية على الوعي المقاوم للاستكبار في فكر سماحة القائد علي الخامنئي (حفظه اللّه)"، تطرق فيها إلى أن الصراع إذا كان سجالًا بين ثنائيات الحقّ والباطل، والمعروف والمنكر، فإنّ مقارعة محور الشرّ والاستكبار، لا بدّ أن تستند إلى وعي تربوي إيمانـي متخلّق ومتعقّل، ملتزم باستخلاف الإنسان ودوره الرّسالي في العمران ووراثة الأرض. 
واعتبر الدكتور العلوي أن العلم بلا إيمان - كما يرى الإمام الخامنئي- هو سبب ظهور الاستكبار الجديد في العالم الحديث الذي صار فيه العلم وسيلة لتقدم البشر.
وعن البديل الاستراتيجي ورهانات الوعي المقاوم للاستكبار عند سماحة الإمام الخامنئي، أشار الدكتور العلوي إلى أن هذا يتطلّب في المقام الأوّل التحرّر من  أسر المركزية الغربيّة الرّأسمالية، ذات التوجّه السياسي الليبرالي المتوحّش والذي يقسّم العالمين إلى حيزين: حيز اللاوجود، حيث تقطن الأغلبية العظمى في هذا النظام- العالم-الحضارة. مقابل حيّز الوجود المتشكّل من أفراد كاملي الحقوق والامتيازات. فنحن لا نستطيع أن نفهم حيّز اللاوجود انطلاقًا من نظريات نقدية تمّ إنتاجها في حيّز الوجود. والعكس صحيح، إذ يتحدّد شكل المقاومة حسب نوعية الاضطهاد والاستبداد في كلّ حيّز.
تابع الدكتور العلوي إلى أن هذه الملاحظات لا تكتمل إلا عبر تنزيلها ضمن الفضاء الدّولي العام وفق ما يلي: العمل على كسر مركزية الغرب وبيان وجاهة "لا مركزية المعرفة". العمل على إنهاء "اللاعدالة الإبستيمية". نزع الطّابع الاستعماريّ عن أنظمة الحكم في أمّتنا من خلال تزكية العلم وتخليص الإنسانية من هيمنة وتداعيات "الحرب الناعمة". التكامل بين العلم والقيم التربويّة، وتطوير استراتيجيات عدالة ثقافية متظافرة مع الحضارات الأخرى. تحقيق التوازن الكافي(...)، والعمل على ترسيخ فكرة "المساواة التّامة" على صعيد واسع. الاستفادة من قيمنا التقليدية وتنشيطها وتطويرها. تحرير العقول الأسيرة وإطلاق حركات ذاتية النشوء مضادّة للاستعمار. 
ثم ختم الدكتور فوزي العلوي محاضرته بالقول: يبقى تناول مسألة التربية على الوعي المقاوم للاستكبار في فكر سماحة القائد علي الخامنئي (حفظه اللّه) ضمن المرجعية الوحيانية والولائية هو ترشيد لموقف شاذّ ولا يستقيم مع مرجعيّة الوحي وسنن الكون والتّاريخ ومنطق الفطرة(...) فرؤية سماحة القائد علي الخامنئي للتربية والعلم تستند إلى ضرورة إحياء القيم الرّوحيّة ومنظومات الالتزام الذّاتـي، بما يشكّل حصانة أمام نزعات التوحّش والغرائزيّة. وضرورة تضافر جهود المستضعفين، واتّحادهم في أشكال من التّنظيم الشبكي؛ لبناء استراتيجيات مواجهة شاملة لبقايا الظلم وغياب العدل.

وختام اليوم الثاني من المرحلة الثانية من المؤتمر كان مع الشيخ سمير خير الدين من لبنان في محاضرة تحت عنوان: الركائز الفلسفية بين وثيقة "التحول البنيوي للتربية والتعليم، ووثيقة التنمية المستدامة 2030"، حيث تطرّق فيها إلى أنّ المقصود بالركائر الفلسفية والمعرفية هي تلك الأسس التي تستند إليها كل من الوثيقتين، بناء على أن لكل رؤية من الرؤى فلسفة وركائز تستند إليها وتنبثق منها، وتلك الركائز تعبّر عن المبادئ والغايات.
تابع الشيخ خير الدين، يتمحور الإنسان وشؤونه في الوثيقتين تمحورًا يجعله محل العناية الكاملة فيهما. وهذا يعني أن الإنسان وشؤونه هو الموضوع المشترك بين الوثيقتين، فمن مدخلية الإنسان تتولّد القضايا المشتركة بينهما؛ أي القضايا التي تُعنى بالشأن الإنساني كقضية التنمية والتعليم، والحقوق والعدالة الاجتماعية وغيرها من الأمور.
واعتبر الشيخ خير الدين، أن وثيقة التحول البنيوي قرأت المقام والذات الإنسانية كحقيقة شريفة، خُلقت لأجلها الأشياء وتدور مدارها، وأن العالم "مهد تكاملها"؛ فسارت من الطبيعة الإنسانية وغاية وجودها إلى ما تقتضيه من حاجاتها وشؤونها؛ مشيرًا إلى أن الإمام الخامنئي قد أكّد على ضرورة التحول البنيوي في هذا النظام، وإعادة بنائه استنادًا إلى تعاليم ومعارف الإسلام لصناعة الإنسان (...) فكانت الغاية في كلامه هو "صناعة الإنسان"، وليس مجرد قضاء حاجته. أما وثيقة التعليم 2030 فقد اعتنت بالموضوعات التي تهم الإنسان وسارت عكس ذلك. فكان الدافع للتحول هو الشأن الإنساني، لا الإنسان بما هو إنسان ترتقي ذاته وتسمو؛ وبذلك تم أخذ حاجات الإنسان محل ذات الإنسان، والحال أن محور العالم هو ذات الإنسان لا شؤونه، ومن ذاته تتحدد شؤونه.
وأشار الشيخ خير الدين إلى أن وثيقة التحول البنيوي قد لحظت الطبيعة الإنسانية المطلقة، والصادقة على كل فرد من أفرادها في الحاضر أو الآتي، فكان طرحها غير مقيد بزمان ومكان؛ وذلك لأن مشروعها تربية الذات الإنسانية (...). أما وثيقة التعليم 2030 فقد ركّزت على الحلول التي تعالج مشاكل الناس الخارجيين دون مقدّري الوجود؛ فكانت مقيّدة بزمانهم ومكانهم، أكثر من علاجها للذات الإنسانية.
واعتبر الشيخ خير الدين أن مرد هذا التغاير بين الرؤيتين هو التغاير الفلسفي بينهما لجهة تحليل المفاهيم وبنائها وفهمها، ولجهة الركائز التي ينطلق منها كل منهما، وهذا يعود إلى أمرين أساسيين: الأول الاختلاف في تحليل حقيقة الإنسان ومفهومه، والثاني الاختلاف في فهم النظام الغائي الشامل للعالم وللإنسان.
وفي معرض حديثه عن التغاير في الركائز الفلسفية والآثار المترتبة عليها، رأى الشيخ خير الدين أن وثيقة التحول البنيوي تذهب إلى  التلازم بين الركائز الفلسفية والركائز الدينية المعتبرة؛ أي التعاليم الإسلامية المستقاة من القرآن الكريم والسنة المعتبرة، والمعارف الإسلامية الأصيلة. مشيرًا إلى أن هذا التلازم قد استلزم مجموعة من النتائج والاعتقادات التي انعكست في المفاهيم:
أ‌. هي فلسفة تؤمن بالواقعية.
ب‌. محورية التفكير الاستدلالي التعقلي.  
ج‌. محورية الدين الإسلامي.
د‌. محورية الدين للحياة الإنسانية الطيبة.

أما في ما يتعلق بفهم النظام الغائي للعالم والإنسان، فقد أشار الشيخ خير الدين إلى أمور منها: 
أ. فهم الغاية طريق لفهم العالم ومساره؛ فالغاية هي الكمال الأخير الذي يسير إليه الشيء؛ وعليه سيبدو لنا الاختلاف بين الوثيقتين في الغاية لناحية وجودها الخارجي كناتج متأخر عن الفعل، أو لناحية وجودها الذهني كدافع ومحرك الفعل.
ب. تكامل الغايات بين الغاية العالمية وغاية الإنسان؛ وهذا ما سارت عليه وثيقة التحول البنيوي، حيث ربطت بين غاية الإنسان وغاية العالم، وأن غاية الوجود الإنساني تأتي في طول غاية وجود العالم. بينما في وثيقة التعليم 2030 لا تتعدى الغاية عالم الطبيعة وشؤون الحياة الطبيعية المادية، فهي أمور تسهم في إصلاح الحياة وشؤونها، وهي تتمحور حول تغيير حياة الناس.
ج. المسانخة بين الوسيلة والغاية. فلكي تُحقق التربية هدفها يجب أن تتسانخ مع الغاية التي تنشدها.
د. الترابط بين تربية الإنسان وتعليمه بالنظام الغائي، التعليم في سياق التكامل وبناء الإنسان في كل أبعاده، لا التعليم لحل المشاكل.
واعتبر الشيخ خير الدين أن التربية تعلب دورًا وسيطيًّا لتحقّق الغاية، وليست التربية لأجل التربية، فهي تحصل لأجل شيء، فهي تهدف إلى الارتقاء بالإنسانية، وليست غايتها سد حاجاتها المادية.
وأضاف الشيخ خير الدين أن أصالة التربية للتعليم في وثيقة التحول، أما في وثيقة التنمية فالملحوظ هو غلبة التعليم على التربية.
وأشار الشيخ خير الدين إلى الترابط بين المفاهيم المطروحة مع الخلفية النظرية من ذلك: مفهوم العالمية، المواطنية، والتلازم بين الإنسانية والعالمية؛ حيث إن القيم الإسلامية التي طرحتها وثيقة التحول هي قيم إنسانية؛ وبالتالي فالقيم الإسلامية هي قيم عالمية، وبهذا يمكن أن تكون مدخلًا متينًا للتأسيس لفكرة المواطنة العالمية. 
وختم الشيخ سمير خير الدين محاضرته بالقول: إن المواطنة ليست مجرد اشتراك بالجغرافيا أو التاريخ أو اللغة، فهذه أمور من خارج ذات المواطن، ولكي يكتب لفكرة المواطنة النجاح يجب أن ينطلق عنوان المواطنية من ذات المواطن وطبيعته (...) فضمانة المواطنة العالمية وقوتها تكمن بالقناعة بها والميل إليها، والقناعة محلها في الذات لا خارجها، وإن لم تكن كذلك فستكون شكلًا بلا محتوى، وجسدًا بلا روح. 
إنّ العَلَم بذاته ليس إلّا رُقعة إن لم يكن يرمز لعمق المعاني لدى حامله، فهو قبل أن ينغرس في الأرض ليكون رمزًا، يجب أن تنغرس قيمه في الروح، وإلا فإنّه سريعًا ما سيُرمى؛ لأنه إذا افتقد المعنى فقد افتقد القيمة.

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha