وكالة أنباء الحوزة - منذ أن أعلنت إيران عن إكتشاف أولى الإصابات بفيروس كورونا في مدينة قم المقدسة جنوب العاصمة طهران حاول خصومها أن يتشفوا ويشمتوا بهذا البلد من خلال هذا الفيروس، في ظل الحظر الأمريكي الظالم على المستلزمات الطبية والصحية، ناسين أو بالأحرى متناسين الأبعاد الإنسانية والأخلاقية لهذه الأزمة في وقت كانت منظمة الصحة العالمية تحذر من تفشي وباء عالمي جراء كورونا.
وبمجرد إعلان وزارة الصحة الإيرانية عن إكتشاف إصابات بمدينة قم بدأت الماكنات الاعلامية والجيوش الالكترونية التابعة للأعداء ببث السموم والشائعات والمبالغة في تهويل المشهد إعلاميا، محاولة ربط إسم "قم" بفيروس كورونا وتعريف هذه المدينة المقدسة للرأي العام العالمي كبؤرة لانتشار الفيروس في المنطقة وكأن انتشار الفيروس في العالم قد بدأ منها وليس من مدينة ووهان الصينية.
طبعا هذا الموضوع ليس غريباً ولا جديداً على مدينة قم المقدسة فهي تتعرض لشتى أنواع الهجمات التشويهية والتضليلية منذ انتصار الثورة الإسلامية قبل أكثر من أربعة عقود وحتى الآن، فهم يعرفون جيداً مكانة هذه المدينة وخصوصياتها الروحية والمعنوية والدينية ومدى ولاء أبناءها للجمهورية الإسلامية في إيران وقيمها ومبادئها كونها مهد انطلاق الثورة الإسلامية بقيادة الامام الخميني "قدس" ومركز الحوزات العلمية التي تحتضن طلاباً من أكثر من مئة بلد ومن شتى بقاع الأرض.
من هذا المنطلق يمكن تقسيم خلفيات وأهداف الهجمات التشويهية التي شنت على مدينة قم المقدسة ومن يقف وراءها إلى قسمين؛ الأول يتمثل بالتيارات التكفيرية والمتطرفة وعلى رأسها الوهابية التي حاولت توظيف هذه الأزمة وهذا الفيروس المشؤوم لتشفي أحقادها الطائفية مستهدفة البعد الديني والمذهبي لمدينة قم التي تحتضن أشهر الأماكن المباركة والمدارس العلمية في البلاد وتحظى بقدسية ورمزية خاصة في العالم الإسلامي، أما القسم الثاني فقد تمثل بالحركات والجماعات التابعة للمحور الصهيوأمريكي في العالم وفي مقدمتها زمرة خلق الإرهابية التي تتخذ من ألبانيا مقراً لها في محاولة للثأر من مدينة قم التي كانت سبّاقة دوماً في إفشال وإحباط مخططاتهم الرامية للنيل من الثورة الإسلامية في إيران.
الهجمات الاعلامية لهذین المحورین المعادیین لإيران كانت ترتكز على ايجاد شرخ أو تقابل موهوم بين الحكومة الإيرانية والمؤسسة الدينية في البلاد من جهة، و بين الشعب الإيراني وحكومته و المؤسسة الدينية من جهة أخرى، حيث كانوا يكررون دوماً أن الحوزات العلمية تقف حجر عثرة أمام ارادة الحكومة الإيرانية بفرض حجر صحي كامل على مدينة قم في حين أن الحكومة وعلى لسان أكثر من مسؤول كانت تؤكد أن الحجر الكامل على المدن لا يجدي نفعاً ويعد أسلوباً أكلت وشربت عليه الدهور.
التكافل والتعاون التام بين الحكومة و المؤسسات الدينية في إيران سرعان ما كشفا زيف ادعاءاتهم على أرض الواقع، فطلاب الحوزات العلمية هم أول من قام بتشكيل فرق تطوعية التحقت بالخطوط الأمامية لمكافحة الفيروس وهي تساعد اليوم الكوادر الطبية في المستشفيات وفي أصعب الظروف؛ كما أن الأمانة العامة للعتبة المعصومية المقدسة أغلقت بدورها أبواب الحرم أمام الزوار حفاظاً على سلامتهم وإستجابة لقرارات اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا التي تم تعيينها من قبل الحكومة الإيرانية.
مع كل هذه التفاصيل ربّما يبقى السؤال مطروحاً في أذهان الكثيرين، ما الذي جرى حقيقة في مدينة قم المقدسة، ولماذا تم الكشف عن أولى الحالات والاصابات بفيروس كورونا في هذه المدينة بالذات؟
من زار مدينة قم المقدسة سابقاً أو حتى من يبحث قليلاً عبر الإنترنيت سيعرف جلياً أن هذه المدينة ليس فيها مطار دولي ولا حتى مطار محلي والزائرون والوافدون إلى هذه المدينة من الخارج إمّا أن يأتوا عن طريق مطار الإمام الخميني "قدس" الدولي في العاصمة طهران أو المطارات الدولية في المحافظات الأخرى كمطار اصفهان أو شيراز، ومن هنا فإنّ مدينة قم المقدسة التي تقع وسط البلاد وليس لها أي خط جوي مباشر مع الخارج لا يمكن أن تكون مركزاً لانتشار الفيروس حتى على صعيد الداخل الإيراني. هنا يمكن الإشارة أيضاً إلى تصريحات نائب وزير الصحة الإيراني "علي رضا رئيسي" التي أكد فيها "أن المعلومات الأولية تفيد بأن محافظة "جيلان"، قد تكون مركز إنتشار الفيروس في البلاد، حيث عاد إليها عدد من المواطنين وطلبة الجامعات من مدينة ووهان الصينية قبل فرض الحجر الصحي عليها".
كذلك هناك نقطة في غاية الأهمية يجب أن نبينها وهي أن الكشف عن أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا لا يعني بالضرورة أن مركز الكشف هو نفسه مركز إنتشار الفيروس؛ فمدينة قم المقدسة تتمتع بكوادر صحية وأطباء حاذقين وكفاءاتهم مشهودة لدى الجميع حيث كانت المدينة على مدى السنوات الماضية مركزاً للسياحة الطبية من مختلف دول الجوار وهؤلاء الاطباء هم أول من كشف عن أولى حالات الإصابة بالفيروس وأعلنوها بشجاعة وبشفافية عالية للجميع تفادياً لتفشي الفيروس أكثر مما هو عليه، خاصة وأن المعلومات المتاحة تشير إلى أن إحدى حالات الوفاة الأولية بالفيروس كانت لرجل أعمال عاد من الصين إلى قم.
بطبيعة الحال العالم اليوم يخوض معركة الحياة والموت مع هذا الفيروس المشؤوم، وإيران ليست بمعزل عن هذه الأزمة العالمية، بل هي تعيش ظروفاً أكثر تعقيداً بسبب الحظر الأمريكي الظالم المفروض عليها.
بعون الباري وبفضله تعالى ستنتهي أيام كورونا في المستقبل القريب في كافة أرجاء المعمورة لكن علينا إعادة صياغة أفكارنا من جديد بما يخدم الأخلاق والإنسان، فالتشفي بانتشار المرض صفة غير أخلاقية ولا إنسانية وهي مدانة من قبل كافة الاعراف والمواثيق البشرية وهي ليست من شيم الرجال.
بقلم: محمد جواد أرويلي