الخميس 25 سبتمبر 2025 - 17:30
زينب نصر الله تكشف أسراراً من حياة والدها الشهيد

وكالة الحوزة - كشفت زينب حسن نصر الله، ابنة سماحة الشهيد السيد حسن نصر الله، بمناسبة مرور عام على ذكرى استشهاد والدها، عن جوانب خاصة من حياته والجانب الإنساني فيه، بالإضافة إلى تفاصيل حول واقعة استشهاده.

وكالة أنباء الحوزة - في حديث خاص لبرنامج ضيف وحوار علی شاشة قناة العالم، قالت زينب حسن نصر الله، بمناسبة مرور عام على ذكرى استشهاد والدها، إن المشاعر لا يمكن وصفها بالكلمات. ومهما حاول الإنسان التعبير، تبقى الكلمات عاجزة عن نقل ما يشعر به من ألم وحزن على استشهاد سماحة السيد. وهذه ليست مشاعر عائلته فقط، بل هي أيضاً مشاعر الناس الذين يشعرون بنفس الحرقه والألم بسبب عظمة مكانته في قلوبنا.

وأضافت أنه رغم أن الفراغ الذي تركه جسدياً كبير، إلا أنه روحياً حاضر بيننا. وأشارت إلى أنه كان دائماً يتمنى أن يختم حياته بالشهادة، حيث كان يقول إنه لا يطمح أن يختم حياته على الفراش. وبينت أنه رغم ذلك لم تكن مهيأة، مثل أغلب الناس، لاستشهاد بهذا القرب لما له من دور في الأمة.

وقع خبر استشهاد السيد نصر الله على عائلته ومحبيه

وتابعت أنه في اللحظة التي سمعوا فيها خبر الاستشهاد، لم يكن لديهم أي ذرة من الشك أن السيد مستشهد. وذلك لمعرفتهم بأخلاق سماحة السيد وإيمانه ومحبته للأمة والشعب، وأنه لم يفضل أمنه وسلامته على حزنهم وآلامهم. ودائماً كان حزب الله يتمتع بمصداقية، حيث كان البيان الذي أصدره واضحاً، ولم يكن هناك أي غموض.

وحول محاولة الناس البحث عن سبب يقول إن سماحة السيد ما زال موجوداً، وأنه لم يستشهد من شدة محبتهم، وتعلقهم بأي أمل، حتى لو كان سراباً بأن السيد ما زال حياً، أشارت زينب نصر الله إلى أنها دائماً ما يطرح عليها هذا الأمر، حيث يقولون إنهم لم يروا السيد، وأنه لم يستشهد، وأنه في مكان ما، وإن شاء الله، عندما يتحسن الوضع سيظهر.

وأوضحت أنها تتفهم محبتهم، التي كانت متبادلة بينهم وبين سماحة السيد، لكنها عبرت عن رغبتها في ألا يستكثروا عليه أن يستشهد. فقد تحمل ما لا تحمله الجبال، وهو أمر عايشته عائلته، وخاصة خلال حرب الإسناد، حيث كان يحمل هموم الناس ويتألم لآلامهم. ولو كان موجوداً ليرى كمية الشهداء وعوائل الشهداء والجرحى، لكان اعتصر قلبه. هو بحاجة إلى الراحة. وأكدت أن مهمتنا هي أن نكمل بدلاً عنه الطريق، وأن نبرهن له عن محبتنا له ليس بالحزن والفقد، بل بالعكس، سنكون مستمرين، وسنكون أكثر إصراراً.

علاقة السيد نصر الله بأبنائه وأحفاده

ولفتت ابنة الشهيد السيد نصر الله إلى أنه من ضريبة كونهم من عائلة سماحة السيد، كانوا الأقل حظاً بالتواجد معه، والأقل حظاً بوفرة الذكريات. وهذه كانت ضريبة عندما تكون لديك نعمة كسماحة السيد.

وبينت أنها تتذكر عندما كان يزورهم، حيث كانوا يجتمعون عند الباب في انتظار دخوله، ويتسابقون للسلام عليه، والابتسامة التي كانت مرسومة على وجهه، حيث جمع بين هيبة الأبوة والحنان والعاطفة. مضيفة أنه كان يجتمع أحياناً مع العائلة بأكملها، وأحياناً كان يخصص وقتاً لكل عائلة في شهر رمضان، ليعطيهم مجالاً أكثر، فكان يوزع عليهم الأوقات.

وبينت أنه رغم بُعده جسدياً، إلا أنه كان دائماً حاضرًا في حياتهم. كان يتطمئن عبر والدتها عنهم وعن أحفاده، ويتحدث مع احفاده ويستمع إليهم، ويترك لهم المجال للتعبير كما يريدون. كان يتمتع بسعة صدر كبيرة، وكان يحب أحفاده. كانوا يركضون حوله، وهو سعيد بهم كأب. وأكدت أنه كان يتمتع بأعلى مستويات الحنان والرفق واللطافة مع عائلته. حتى عندما كان يوجه لهم ملاحظة، كان يفعل ذلك بطريقة لا تؤذي المشاعر، فهو انسان حساس ويراعي مشاعر الناس جميعا، فلم يكن شخص عصبي او عبوس. وانه كان يعبر عن عاطفته عند بالجلوس معهم، والسؤال عن أحوالهم. فكان التعامل أكثر تأثيراً من الكلام. حيث يشعرون بمشاعره واهتمامه ولهفته.

وقالت إنه بسبب مسؤولياته، لم يكن يتدخل في تفاصيل حياتهم اليومية، لكنه كان حريصاً على التواجد والتواصل معهم، واطمئنانه على أحوالهم كان يتم عبر والدتها. كما كان يطلب صوراً للأحفاد ليشاهد كيف أصبحوا، ويستمتع بسماع أصواتهم.

وأوضحت أنهم كانوا يرونه كأب قبل أن يصبح أميناً عاماً، وكان له مكانة كبيرة في قلوبهم. فالأمين العام هو قائد، وبالتالي اجتمع القائد والأب معاً. بطبيعة الحال، كنا نتمنى العيش معه حياة أسرية طبيعية، وأن نتزود منه أكثر، وأن تكون لدينا ذكريات أكثر معه، وأن نستفيد من علمه وإيمانه، لأنه كان إنساناً مميزاً حقاً. لكن إذا خُيّرت بين مصلحة الأسرة أو أن يكون معهم كأب أو أن يكون قائدًا، فإن كفة المصلحة العامة ستغلب.

احلام السيد نصرالله

وقال كريمة السيد الشهيد نصرالله انه دائماً يعتبر أن المسؤولية تكليف وليست تشريف. فأي شخص آخر يمكنه أن يتولى عبء الأمانة العامة كان سيسلمها له بطيب خاطر، لكنه كان هو المسؤول والمكلف. هذا يبين أنه ليس طالب دنيا أو منصب.

واردفت انه كان يتحدث عن هموم الناس ويعمل من أجلهم، لأنه يعتبر أن هذه الأمانة لديه. في إحدى المرات، أخبرتها والدتها عن حادثة مع القائد الحاج محسن، الله يرحمه، حيث كانوا في السيارة في الضاحية. بسبب الزحام، أوقفوا السيارة بجانب بائع الخضروات، فقال السيد نصر الله للحاج: "هل يمكن أن يبادل مع بائع الخضروات الأماكن؟" فلم يكن طالب دنيا، وكان يكرر دائماً: "سأقف بين يدي الله"، فكان يحمل مسؤولية الناس ويشعر بثقل الوقوف بين يدي الله.

وبينت انه وكان يسعى لطلب العلم. كان لا يزال يدرس البحث الخارج، ويحرص على حضور دروس سماحة القائد. فكان يطمح لأن يكون أستاذاً وإمام مسجد. وان يقضي المزيد من وقته مع عائلته وزوجته وفي القراءة والمطالعة، لأنه كان محباً جداً للقراءة في جميع المجالات. كان يحب أن يستمر في التعلم، وكان يعتبر أن زكاة العلم هي إنفاقه.

لحظات حزينة في حياة السيد نصرالله

قالت ان المرّة الوحيدة التي رأت فيها السيد نصرالله يبكي بشدة كانت عند وفاة الإمام الخميني. حيث كانت في الرابعة من عمرها، فعندما جاء اتصال بوفاة الإمام، أغلق الخط وقال لوالدتي: "توفي الإمام"، وبدأ يبكي. ومنذ ذلك الحين، لم تراه يبكي أبداً.

أما بالنسبة لاستشهاد ابنه هادي، فبينت ان الألم كان شخصي لفقده خاصاً ويتفرد به هو وبوالدته. لكننا لم نرَ دموعه على أي شهيد يخصه، سواء كان هادي أو غيره. بل كانت دموعه تنزل على الشهداء بشكل عام، وكان يعتبر كل شهيد كأنه هادي،و كان صادقاً في مشاعره، ولم يكن لديه خجل من البكاء على الشهداء أمام الناس، لكنه لم يكن يبكي على فقد ابنه هادي.

ذكرتِ أنه كان يبكي على الجرحى البيجر، وكان متاثرا بشده ويبكي هذا ما اخبرتنا به والدتي. وكان يظهر مشاعره بوضوح في المقابلات والخطابات. لم يكن يخجل من دموعه عندما يتحدث عن أهل البيت، وعندما يذكر الإمام الحسين (ع)، كان يغشى بالبكاء. كان يبكي عندما يخاطب الشهداء، وعندما يتحدث إلى عوائل الجرحى والشهداء وبيئة المقاومة الذي يضحوا، وكانت عيونه تدمع بسبب حبه وشفافيته. لذلك، لا أستغرب محبة الناس له، لأنه كان صادقاً جداً في مشاعره، والناس شعرت بهذه المحبة.

صدق مشاعر المحبة بينه وبين عموم الناس

وصحرت انهم كانوا يوصلون له مشاعر الناس تجاهه. وقالت لم نكن نلتقي بأحد، سواء من عوائل الشهداء أثناء تأدية العزاء أو من عموم الناس، إلا وكانوا يرغبون في إيصال السلام والتحية له، معبرين عن محبتهم له. خاصة عوائل الشهداء، حيث كان يتأثر كثيراً عندما أخبره أن أم الشهيد أو زوجة الشهيد تقول: "المهم أنت لا تحزن". كان لهذا تأثير عميق عليه، مما زاد من تواضعه وتحمله للمسؤولية. فكانت محبة الناس تصل إليه عبرنا أو من خلال المقابلات التلفزيونية. في إحدى اللقاءات، عندما سُئل عن مشاعر الناس تجاهه وحبهم له، قال: "أنا أحبكم"، معتبراً أن محبة الناس هي أغلى شيء لديه في هذه الدنيا.

زواج ابنته الوحيدة

اشارات الى انه عادةً، كان والدها لا يحب أن يظهر مشاعره، فهو كان يفضل أن نكون مرتاحين، لذلك لم يكن يعبر عن مشاعره بشكل واضح. على سبيل المثال، عندما كنت أخبره أنني سأذهب إلى بيت زوجي أو بيت عمي مع خطيبي، لم يكن يظهر أي مشاعر، حتى لو كان يشتاق إلينا. كان المهم بالنسبة له هو راحتنا وسعادتنا.

لم نكن نعرف مشاعره بشكل مباشر، لكن والدتي كانت تخبرنا بذلك. كان دقيقاً جداً في تعاملاته معنا، سواء تعاملي مع زوجي أو أخواتي مع زوجاتهم. كان نموذجاً يحتذى به في تقديره للمرأة، سواء كانت زوجة أو ابنة أو أخت. كان دائماً يؤكد على أهمية حقوق الزوجين، لدرجة أنه إذا جاءت ابنته تسأله عن شيء، كان يتأكد أولاً من رضا زوجها قبل اتخاذ أي قرار.

كان يكرس هذه المفاهيم من خلال سلوكه، وليس فقط بكلماته. كثيراً ما كنت أتحدث معه، وعندما كنت أريد الذهاب إلى مكان ما، كان يقول لي: "إذا كان زوجك موافقاً، اسأليني". بالطبع، كان زوجي دائماً يتفق مع السيد، ولم يكن هناك أي خلاف.

زوج زينب نصرالله يلحق بوالدها الشهيد

ورداً على سؤال حول شعورها بعد استشهاد زوجها بعد اقل من اسبوع على استشهاد والدها السيد نصرالله، بينت انه بالتأكيد، الفقد صعب جداً. لكن كل ما تقوله عوائل الشهداء عن فقد سماحة السيد يخفف من وقع ووجع فقدان شهدائهم. حتى أنا، على الرغم من أنني فقدت سماحة السيد كأب وقائد، إلا أن ذلك خفف من وجع فقد زوجي. أحياناً، يصبح الفقد مضاعفاً، وتكون المصيبة أعظم، لكن مصيبة تخفف عنا أخرى .

واضافت عندما نتحدث عن فقدنا لسماحة السيد، نحن لا نتحدث عن إنسان فقدناه من عائلتنا فقط، بل فقدنا إنساناً كان وجوده أماناً وطمأنينة ودعماً للناس. لذلك، فقدنا شخصاً أعظم من أن يكون مجرد شخص خاص بالنسبة لنا. لذلك تعبر عوائل الشهداء أن فاجعتهم بفقده كانت أكبر من فقدان أي شخص آخر، لأنه كان حبيباً وقائداً في نفس الوقت.

زوجة الشهيد السيد نصرالله

وحول صفات زوجة الشهيد السيد نصرالله، قالت ان الله سبحانه وتعالى اختارها لتكون شريكة حياة سماحة السيد. مشيرة الى انن أي زوجة ترتبط بمجاهِد عادي يجب أن تكون واعية للتضحيات التي تتطلبها هذه الحياة، وأن تدرك أن هناك صعوبات قد تكون أصعب من حياة أي إنسان آخر. ويجب أن تتحمل وتسانده في كل الظروف، فما بالك عندما يكون زوجها مثل سماحة السيد، الذي كانت لديه مسؤوليات وانشغالات منذ بداية ارتباطهما، وقد زادت تلك المسؤوليات خاصة بعد توليه منصب الأمانة العامة، وازدادت أكثر بعد حرب تموز.

واضافت ان حياتها أصبحت مرتبطة به بشكل أكبر، عندمت كان صار من الصعب علينا رؤيته. ولقد كرست حياتها له، ولديها صفات مميزة لا يمكننا أن نوفيها حقها بالكلام. فتربيتها لنا كانت استثنائية، فقد كانت حاضرة فعلياً في كل شيء، ويعود صبرها وتحملها إلى إيمانها العميق بأنها تريد السير على هذا الخط معه ودعمه في تضحياته.

وتابعت لقد كانت تخفف عنه عندما يعود إلى البيت، وكانت من أسعد لحظاته عندما يعود إلى المنزل في جو من الود والمحبة بينه وبين والدتي. كانت العلاقة بينهما مميزة ونموذجية. ولم تكن تتململ من هذه الحياة المتخفية، بل كانت مستعدة للتخلي عن رؤية أي شخص آخر، المهم أن تكون بجانبه وتخدمه، لأنها كانت تشعر بأن الله سبحانه وتعالى أنعم عليها بأن تكون زوجته. ولأن السيد شخص، كلما عشت معه، كنت تشعرين برغبة أكبر في التزود من حكمته وتجربته.

اللقاء مع سماحة القائد

وعن سؤالها عن ان كانت قد قابلتِ سماحة السيد القائد قبل شهادة أو بعد شهادة السيد حسن نصرالله، اوضحت انه كان هناك لقاء مع سماحة القائد قبل استشهاد السيد. وبعد استشهاد السيد، التقت به في ثانوية الشهيد رئيسي مع باقي الشهداء، لكن اللقاء كان سريعاً. واشارت الى ان ما أثر في نفسها هو أن سماحة القائد، عندما يعرف أنها ابنة السيد، كان دائماً يقول لي: "الله يطول بعمره، والله يحفظه"، ويدعو له ويثني عليه. لكن بعد استشهاد السيد، اختلف الدعاء، وهذا كان له وقع مختلف في قلبها. فبدلاً من أن يقول: "الله يطول بعمره"، قال: "الله يعلي درجاته"، مما جعلني أشعر بحسرة عميقة.

آخر لقاء مع السيد حسن نصرالله

وروت زينب تفاصيل اخر لقاء جمعهم مع السيد، وقالت كانت هناك فترة زمنية، حوالي سنة وشهرين قبل الاستشهاد، لم أره خلالها. منذ أن بدأت أحداث طوفان الأقصى، زادت انشغالاته، ولم يكن يلتفت إلى الوقت الذي مضى دون أن يرانا. كنا دائماً نقول له إننا نشتاق إليه، لكنه كان مشغولاً، ولم نكن نريد أن نزيد عليه عبء عدم رؤيتنا.

وبينت انه لم تتيسر لهم فرصة للقاء. وفي إحدى المرات، كان من الممكن أن يحدث لقاء، لكن جدتها توفيت، فتأجل اللقاء. وبعدها اندلعت الحرب. واشارت الى انها كانت في زيارة الأربعين مع زوجها وابنها واخيها. عادةً، عندما نكون في الزيارة، يأتي لزيارتنا ويسألنا عن الأوضاع والأجواء، لكن في ذلك الوقت لم يكن الجو مهيأً لذلك، ولم نشعر بتلك المشاعر.

ولفتت الى انه حتى لو كان هناك لقاء قريب قبل الاستشهاد، كان سماحة السيد من النوع الذي لا يتحدث أبداً عن نفسه. كل شيء يخصه كان بينه وبين الله، ولم يكن يعطي أي إشارة. لكن ما يجعلني أشعر أنه كان لديه شعور ما، وليس فقط استشهاده هو رغبته الخاصة، أثناء وداعه للشهيد محسن. كما انه في يوم الاثنين، 23 سبتمبر 2024، ودع زوجته قائلاً لها إن هذا هو آخر لقاء. بعد استشهاد السيد، استرجعت والدتها تلك اللحظة، ولم يكن يخطر ببالها أنه سيكون آخر لقاء. هنا، قلنا إنه ربما كان يشعر بذلك، لكنه لم يشاركنا مشاعره.

المصدر: العالم

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha