وكالة أنباء الحوزة - أكد سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي خلال محاضرة ألقاها في جمعٍ من القادة العسكريين في الحشد الشعبي أن الصراع مع قوى الشر والظلم والاستكبار يتزايد يوماً بعد يوم ولابد لمواجهته من الصبر والثبات وإدامة زخم المعنويات ورفعها باستمرار، فهي السلاح الفتاك الذي نمتلكه والذي استطعنا به - بالرغم من عدم تكافؤ العدة والعدد - مواجهة القوى العاتية والمتجبرة كما استطاع المسلمون الأوائل في صدر الإسلام مع قلة عدتهم وعددهم أن يواجهوا قوى الكفر والجاهلية، ويحققوا انتصارات باهرة، قال تعالى: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) [الأنفال : 65] لأن خصومنا قوم ليس لهم إيمان بالله تعالى ولا معرفة به جل وعلا وليس لديهم إلتزام بالأمور الدينية وهي مصدر القوة المعنوية والعقائدية؛ إنما همهم الدنيا وملذاتها.
وأشار سماحتُهُ خلال المحاضرة إلى أن مصدر الصمود والثبات والشجاعة والبسالة التي أظهرها إخواننا المجاهدون وأهلنا في غزة وفي ساحات المواجهة مع جيش الكيان الغاضب المتفوق عسكرياً مما أذهل العقول، إنما هو لارتفاع روحهم المعنوية في القتال والارتباط بالله تعالى وإلا كيف يفسّر المختصون بالتحليلات العسكرية الميدانية مشاهد الاشتباك مع العدو من مسافة (الصفر) بالأسلحة التقليدية ويحقق الانتصارات الرائعة ضد عدوٍ فاقهم في العدد والتسليح؟
وفي هذا السياق استذكر سماحتُهُ شطراً من حديثه مع الشهيد أبي مهدي المهندس لدى زيارته له في مكتبه عام 2017 حيث أشار سماحتُهُ الى هذا الموضوع وهو - إدامة الزخم المعنوي - لدى أبناءنا من مقاتلي الحشد الشعبي فإن مستواه قد ينخفض ويضعف التأثير ويخبو وهج الحماسة الذي كان في بدايات المعارك بمرور الزمن وطول أمد المعركة لعدة عوامل، لذا لابد من العمل على تغذية هذه الروح وتنميتها وتحصينها باستمرار فالصحابة الأوائل كانوا متحمسين ومتفانين في عملهم وفي جهادهم ولكن بمرور الوقت ضعفت في نفوسهم روح الإيمان وبعد سنين خرج بعضهم لقتال أمير المؤمنين (عليه السلام) في معركة الجمل.
وفي ذات السياق لفت سماحتُهُ إلى عدة نقاط مهمة:
1. التأكيد على استشعار عظمة نعمة الله تبارك وتعالى إذ جعلكم منتمين إلى مؤسسة جهادية عقائدية مرجعية والإحساس بشرف الانتماء إليها فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في إحدى خطبه في نهج البلاغة (إن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه لخاصة أولياءه) لاحظوا أنه لم يقل لعموم أولياءه أي أنه ليس متاحاً لكل أحد بل لخاصة أولياءه، فالانضمام لهذه المؤسسة شرف عظيم ومسؤولية كبيرة ويصف الإمام (عليه السلام) الجهاد فيقول: (وهو لباس التقوى ودرع الله الحصين وجنته الوثيقة) وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الله عز وجل يباهي بالمتقلِّد سيفه في سبيل الله الملائكة) (وهم يصلّون عليه مادام متقلده) والسيف هو إشارة للسلاح ويقول (صلى الله عليه وآله) فهذه هي إذن مكانة من يقف للدفاع عن العقيدة وعن مقدرات الناس ومقدساتهم.
2. معرفة مسؤولية الانتماء لهذه المؤسسة فحينما نقول إن الله تعالى يباهي الملائكة بالمجاهد في سبيل الله تعالى وهو شرف وامتياز عظيم ومقابل كل امتياز توجد حقوق وواجبات فينبغي أن نعرف أيضاً أن هذا الأمر يحملنا مسؤولية وهي مسؤولية الانتماء لهذا الكيان الجهادي المبارك وقبل ذلك فنحن مسلمون من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) وللأئمة (عليهم السلام) خصوصاً الباقر والصادق والرضا (عليهم السلام) كلمات في ذلك: قال الإمام الصادق (عليه السلام): (.... فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور) فينبغي أن نشعر بمسؤوليتنا ونتحملها ونؤدي حقّها والقرآن صريح في نصوصه: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) [المطففين: 1- 2] ومعلوم أن التطفيف أوسع معنى وأبعد دلالة من قضية الوزن والميزان ويتسع المعنى ويشمل كل من يحصل على امتيازات ماديّة أو معنوية أكثر مما يبذل ويقدّم، فهذا يعتبر تطفيف في الميزان وقال سماحتُهُ: وأنا عندما أقول امتيازات معنوية فأنني أتحدث عن مكانة المجاهد عند الله جل وعلا ومنزلته في نفوس الناس ومحبتهم له وتلمسون اليوم مودة الناس ومحبتهم للحشد الشعبي. وهذه الأمور المعنوية لا يقاس بها غيرها من الامتيازات المادية مهما بلغت وبماذا نجازي المجاهدين؟ وماذا نعطيهم؟ فهو قليل بحقهم.
3. أن نصحح نياتنا ونراقب أنفسنا، والمفروض أن يكون عملنا خالصاً لوجه الله تعالى والخطاب القرآني يتضمن العتب والحث في نفس الوقت (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ.....) [النساء: 75] ووجه سماحتُهُ خطابه للمجاهدين قائلا: وأنتم جزاكم الله خيراً استجبتم لنداء الله وقاتلتم دفاعاً عن المستضعفين من الرجال والنساء والأطفال الذين وقعوا تحت ظلم وقتل شذّاذ الآفاق المتحجرين وعليكم الاستمرار بالمحافظة على نياتكم وأن يستمر خلوصها لله تعالى فجزائكم عند الله تعالى عظيم فاسعوا للحصول على الدرجات الكاملة العليا ولا تفرطوا بها أو تقصروا فيقل نصيبكم وتنخفض درجاتكم لا سمح الله تعالى.
4. الالتزام بالواجبات الدينية والورع عن محارم الله تعالى، ليكون عملنا زاكياً في موضع قبول من الله تعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27] والالتزام بالدين والأوامر الإلهية واجتناب ما نهى الله جل وعلا هو مصدر ومنبع وجود الأجواء الإيمانية والروح المعنوية وهو القوة التي نواجه بها التحديات ونقاوم بها الأعداء وهي سر انتصارنا وتفوقنا؛ قال تعالى: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) [البقرة: 45].
ولم يحدد نستعين على ماذا؟ لم يحدد النص، أي أننا ينبغي أن نستعين في كل أمورنا بالصبر والصلاة لأنهما منطلق الروح المعنوية وهما أمضى سلاح بأيدينا نواجه به التحديات والصعوبات في كل المجالات.
وفي نهاية محاضرته أشاد بالجهود المباركة التي يبذلها القائمون على هذه الدورات مؤكداً على ضرورة استمراريتها لأن الإنسان قد ينشغل بمسؤولياته فيغفل وتضعف همته وهو أمر طبيعي عند الإنسان وهذه الدورات من شأنها أن تشحذ الهمم وترفع المعنويات وتذّكر بالهدف الكبير وهو التمهيد لدولة العدل الإلهي.
واستثمر سماحته وجود هذه الثلة طيبة من القادة في الحشد الشعبي، لافتاً إلى أن مسؤوليات القائد الكبيرة تجعله محلاً لعناية الله تعالى وتوفر له فرص الطاعة والأجر أكثر من غيره لأنه سيكون سبباً لهداية وصلاح الكثيرين والتأثير فيهم ويحكي لنا التاريخ حينما أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى اليمن قال له من ضمن وصاياه: (لا تقاتلهم وأدع إلى الإسلام يا علي لأن يهدي بك الله رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت)(1) .
ودعا سماحتُهُ المسؤولين في البلاد والمعنيين بشؤون الحشد الشعبي إلى عدم التقصير في رعاية أبناء الحشد وتقديم الخدمات لهم وإيصال استحقاقاتهم وتنظيم شؤونهم الإدارية فإن الأحاديث الشريفة تحث على أن يُخلف المجاهد بالمعروف وتحذِّر من إيذاء المجاهد في سبيل الله تعالى فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إتقوا أذى المجاهدين في سبيل الله فإن الله يغضب لهم كما يغضب للرسل ويستجيب لهم).
وهذه مسؤولية الجميع لا سيما ذوي الشأن إذ لابد أن يشعر المجاهد لكي يؤدي واجبه بأنه محلٌ للرعاية ومستند إلى ركن وثيق وأنه سوف لا يضيع بين ظهراني قومه وإن كان عمله لله تعالى.
ـــــــــــــــــ
1 - ميزان الحكمة، ج ٤، ص ٣٤٤٣