وكالة أنباء الحوزة - ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي الحوار الذي أجراه مع عضو مجلس الشورى السياسي في حزب الله الدكتور بلال اللقيس والذي يجري فيه الحديث حول تأثير سيطرة الطلاب الجامعيين في إيران على السفارة الأمريكية عام 1979 على حركة المقاومة للاستكبار والدور التخريبي الذي تلعبه السفارات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، إن كان في الدول الحليفة لأمريكا أو المعادية لها، وبشكل خاص في لبنان.
* أقدمت السفارة الأمريكيّة في إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية على خطوات تخريبيّة منها انقلاب 28 مرداد 1332 ه. ش. (19/8/1953)، وأيضاً التواصل مع رؤساء العصابات المعادية للثورة الإسلامية في الأشهر الأولى بعد انتصارها بغية إثارة أعمال الشغب والفوضى في البلاد. أدّت أفعال السفارة الأمريكيّة في إيران إلى سيطرة الشباب الإيرانيّين عليها بعد انتصار الثورة الإسلاميّة. ما مدى التأثير الذي تركته هذه الحادثة في حركة المقاومة ومناهضة الاستكبار حتى اليوم؟
السفارة هي رمز، والواقع أن الهجوم على السفارة كان تعبيراً له رمزية استثنائية. من جهة هو جرأة من الأجيال الثورية الصاعدة ووعيها ومساندة القيادة لها، وأن الأجيال الثورية الواعية تستطيع أن تأخذ المبادرة وتكون سباقة إلى إرادة القائد الحميم الشجاع التقي. من جهة أخرى هو تعبير عن دخول إيران مرحلة التحرير الفعلي من الارتهان الخارجي والتبعية ولا سيما من الأمريكي الذي يُعدّ أخطر نموذج عيني في التاريخ الإنساني وأكثره تعقيداً وضرراً. لا شك أن هذا الفعل حفّز الشعوب المتضررة من الهيمنة كافة للامتثال للنموذج الثوري في إيران ورؤيته الاستقلالية وسعيه لبناء تجربة غير مستنسخة أو مقلدة أو مستلبة.
* إلى ما قبل تاريخ 4/11/1979، قلّما كان يجرؤ أحدٌ في العالم أجمع على التعرّض لمصالح الولايات المتحدة الأمريكيّة، وعليه، كان الأمريكيّون يرون لأنفسهم هيبة معيّنة بسبب هيمنتهم الواسعة. كيف أثّرت السيطرة على السفارة الأمريكيّة في طهران خلال ذلك الزمان في قدرة أمريكا وهيمنتها في العالم؟
لقد كان لهجوم الطلبة على السفارة آثار ضربت بعمق صورة أميركا باتجاهين، إذ أدت إلى انكشاف أميركا وأدوار السفارات الغربية وبالخصوص الأمريكية، وخروجها عن دورها الدبلوماسي إلى التآمر والتحريض وزرع الفتن وتأليب الناس واختلاق الفوضى، كما أثبتت ذلك الوثائق، وانكشفت أيضاً درجة إمساكها بالطبقة السياسية الحاكمة وقرارهم في صغير الأمور وكبيرها. أدى الهجوم أيضاً إلى الإطاحة بالرئيس الأمريكي كارتر لأنّه وقف عاجزاً أمام هذا الفعل ولم يعرف كيف يتصرف إزاءه، وبيّن أن صورة أميركا المتوهمة عند الناس أكبر بكثير من حقيقتها الفعلية وقوتها المدّعاة.
* يجري حالياً الحديث كثيراً عن كون السفارات الأمريكيّة في دول المنطقة مقرّات لقيادة الأعمال التخريبيّة، ومنها أعمال التجسس والشغب وإثارة الفوضى في هذه الدول. على سبيل المثال، تُمكن الإشارة إلى الدول الداعمة للمقاومة ومنها العراق ولبنان. أيّ نماذج ومصاديق على أعمال سفارة أمريكا التخريبيّة يُمكن أن نشير إليها خاصّة التي في لبنان؟
اليوم نشاهد الدور الخطير للسفارات [الأمريكية] في دول العالم كلها حتى عند حلفاء أميركا. هي تتجسس عليهم. نتذكر كيف تجسسوا على المستشارة ميركل في ألمانيا. وفي العراق سفارتهم وسياستهم خطر كبير على أمن ومصالحه، إذ تفتح علاقات من خلف الدولة مع بعض القوى لتهدد أمن جيران العراق (الأكراد مثلاً والقوى المعادية للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران). في لبنان لدينا ما لا يمكن إحصاؤه وعدّه من تدخلات السفارة الأمريكية لضرب قوى المقاومة أو حلفاء إيران كما تسميهم. مثلاً يعلن دبلوماسيو واشنطن أنهم يدفعون أموالاً قيمتها عشرون مليار دولار خلال السنوات الماضية لأهداف على رأسها تشويه صورة حزب الله. أيضاً هم يديرون بالمباشر وسائل إعلام لبنانية لتشوه صورة الحزب ويدفعون أموالاً طائلة للكتّاب والصحافيين ليكتبوا ضد المقاومة ويُضعّفوا عظيم إنجازاتها، كما يجمعون جماعات المجتمع المدني وكل من يعادي حزب الله في السفارة ويعطون التعليمات - هذا ما تعترف به جماعات أمريكا علناً - ويتصلون ويضغطون على القضاء علناً وجهاراً ليوجهوا الأحكام. كذلك يضغطون على المؤسسات الأمنية ولديهم علاقات مباشرة معها ويعلنون عقوبات بحق أفراد لبنانيين من المذاهب والطوائف كلها لسبب وحيد هو أنهم حلفاء حزب الله، وليس آخر ذلك أنهم منعوا الشركات الفرنسية كـ«توتال» من الاستكشاف والاستخراج للغاز (إلى ما قبل إنجاز التفاهم الأخير في البحر). من وجهة نظر السفارة الأمريكية ما دام لبنان ليس أمريكيّاً ممنوع عليه أن يستفيد من غازه ونفطه أو يستخرجهما.
الأمثلة أكبر وأكثر من أن تحصى، وتحتاج مجلدات، والقاصي والداني في لبنان يعرف ذلك، ورغم هذا، تراهم يفشلون في لبنان، من فشل إلى فشل، وتتقدم قوى المقاومة وحلفاؤها الصادقون.
أدارت السفارة الأمريكية والسفارات الغربية ثورة ملونة في لبنان منذ 2019 وكل ذلك مكشوف ومعروف وليس معلومات خاصة بل يقر بها الجميع بمن فيهم الغربيون. ليس لدينا شك أن ما يجري اليوم في إيران في جانب كبير منه هو دور للسفارات لضرب استقرار إيران ووحدة مجتمعها الذي قدم نموذجاً خلال كل العقود بالوئام والوحدة والأمان والتقدم على أكثر من صعيد. لذلك تجربتنا تقول إن الأمريكي والغرب يخلطون الأمور ليحققوا أغراضهم وليس مطالب الناس سواء أكانت محقة أم لا. هم يمتطون آراء بعض الفئات أو مزاجها أو نظرتها ليصلوا إلى ما يسعون إليه. لذلك الأصل مواجهتهم وإسقاط مشروعهم، ثم نبدأ عملية حوار إذا كان هناك من قضايا ملتبسة أو تحتاج إلى نقاش. فوحدة البلد وسلمه والحفاظ على إنجازاته والفرص الكبير التي تنتظره في لحظة تحول دولي تاريخي يجب أن تكون هي الأصل، ولاحقاً يمكن بحث أي أمر برعاية قيادة ربانية منفتحة وشجاعة ومخلصة ومحبة ورؤوفة كما الحال في إيران اليوم.
* ما مسؤولية الإعلام والناس والنّخب والحركات السياسيّة من أجل منع النجاح للمخطّطات والمشاريع من سفارات أمريكا في الدول كافة خاصّة الداعمة للمقاومة، وأيّ أعمال يُمكنهم فعلها في هذا الاتجاه؟
مسؤولية النخب والإعلام قبلية وبعدية واعترف أن إعلامنا مقصر أو قاصر، ولم يتمكن بعد من أن يكون بمستوى هذا التحدي. الكلام هنا نسبي طبعاً، لكن المهم أن نستفيد من الدروس ونعطي الإعلام المساحة المطلوبة للعمل المسبق وليس حيث تقع المشكلة فقط. فالإعلام الغربي يشكل الرأي لفئات عدة خلال مدة طويلة ويستثمر في البعض عن وعي منهم أو جهل. أيضاً مسؤولية المؤمنين بشموخ دولهم واستقلالها الحقيقي ألا يصمتوا في هذه اللحظة، بل أن يثبتوا ويعبروا ويبينوا. فعاجلاً ما ينكشف دور السفارات والغرب وسترون أن فئة واسعة سوف تعود وتتراجع إلى الخلف عندما تتضح الصورة. الوقتُ أحياناً كفيلٌ بذلك شرط صمود صوت الحق وعمله وفعاليته. نحن من الآن معنيّون جميعاً أن نفضح ونهاجم ولا نتوقف عن مواجهتنا للهيمنة، فمتى توقفنا، انتهينا، إلا إذا كانت وقفة أو استراحة محارب أو تحيزاً لقتال أو استعداداً لتصعيد جديد.