وكالة أنباء الحوزة - ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريراً يعرض الأسباب التي تجعل مقاومة الشعب اليمني ضدّ العدوان الاستكباري عليه دفاعاً عن كلّ الشعوب المستقلّة في منطقة غرب آسيا والشعوب المستضعفة حول العالم، حيث أنّ هذه المقاومة تأتي ضمن مسار محاربة مشروع تغيير وجه المنطقة الذي أطلقه الأمريكيّون في حرب تمّوز عام 2006 وحاولوا دفعه إلى الأمام في حرب الإثنين وعشرين يوماً في غزّة ولا زالوا يحاولون إنجاحه حتّى اليوم.
كان من المفترض أن يكون شيئاً آخر! يمكن فهم هذا تماماً من منتصف حرب الـ 33 يوماً. عقدت وزيرة الخارجية الأمريكية البالغة من العمر 52 عاماً حينها مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في الأيام التي اشتعلت فيها نيران الحرب ضد لبنان وانتشرت أنباء القصف العنيف وقتل المدنيين اللبنانيين في وسائل الإعلام، حيث عملوا على إيجاد الإطار النظري للحرب. صدمت تصريحات السيدة كوندوليزا رايس الكثيرين في ذلك اليوم: "ما نراه هنا والحرب الإسرائيلية على لبنان هو، بمعنى ما، مخاض ولادة. مخاض الولادة التي تصيب الشرق الأوسط الجديد". كل ما تفعله الولايات المتحدة، يجب أن يطمئن بأننا نتجه نحو شرق أوسط جديد وليس العودة إلى الشرق الأوسط السابق". الجمل أوضح وأكثر صراحةً من أن يتم تفسيرها وتحليلها.
حلم استعماري
كان لدى الأمريكيين والإسرائيليين تجاه غرب آسيا الحلم نفسه الذي كان لدى الاستعمار البريطاني والفرنسي للمنطقة قبل 106 سنوات. في ذروة الحرب العالمية الأولى والنيران التي اجتاحت الأراضي الإسلامية في المنطقة، وحتى إيران لم تسلم من ذلك، التقى البريطانيون والفرنسيون سراً ووقعوا اتفاقية سايكس بيكو التي أرست الأساس لتقسيم أراضي أكبر إمبراطورية إسلامية في المنطقة، وحولتها إلى منطقة أرادت السلطات الصهيونية والبيت الأبيض بعد سنوات تقسيمها مجدداً وبحلة جديدة. كان من المقرر أن يكون لبنان المحطة الأولى في خطة إعادة التقسيم في غرب آسيا؛ لكن هذه المرة في مصلحة الولايات المتحدة والصهاينة.
كان الخط الأمامي للمقاومة في لبنان ضد الصهاينة في حرب الـ 33 يومًا أقل من مائة كيلومتر في الناحية الجغرافية، لكن في باطن هذا الخط الأمامي كانت المقاومة والعالم الإسلامي كله ضد الكفر والاستكبار كله. ذلك الحلم الذي كان يعدّه البيت الأبيض للمنطقة، وكما كان الحال قبل قرن من الزمان، تتحول الأمور لصالح الاستعمار مرة أخرى، أو ...
كانت الهزيمة أو النصر في الخطوة الأولى مقدمة لهزيمة أو انتصار لاحق. لهذا صمدت المقاومة بقوة. لقد كانت جمهورية إيران الإسلامية، وبناءاً على هويتها الإسلامية وموقعها، كانت لاعباً مهماً في هذه المواجهة والمقاومة ضد المخطط الاستعماري لهذه المنطقة. "اسرائيل" كانت تعتمد على أمريكا، وكانت تعتمد المقاومة على الجمهورية الاسلامية. اصطفاف جبهة الباطل مقابل جبهة للحق.
البيت الأبيض؛ «منبت داعش»
مرت خمسة عشر عاماً منذ أن أعلن قادة البيت الأبيض رسمياً وبصراحة من على المنبر الإعلامي عن حلمهم بتغيير منطقة غربي آسيا. لم يجرِ الوضع في حرب الـ33 يوماً وفق ما يحلم به الأميركيون وخرجت المقاومة من تلك المعركة مرفوعة الرأس. فاصطدمت الخطة الأمريكية لقلب هوية المنطقة بالحائط. أثارت سلسلة الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية في الدول العربية، من مصر وتونس إلى سوريا والبحرين ثم اليمن، طمع البيت الأبيض في حرف هذه التحركات نحو التيارات المنبهرة بالغرب وأمريكا. في هذه الحالة، فإن الخطة الأمريكية لتغيير المنطقة، والتي فشلت عبر التدخل المباشر للصهاينة والأمريكيين، هذه المرة تنجز بفعل عوامل ذات توجهات تتفق مع البيت الأبيض من قلب المجتمعات في المنطقة نفسها.
في هكذا ظروف، تدخل أمريكا والكيان الصهيوني وحلفاؤهم العرب في المنطقة بشكل علني مرحلة دعم الجماعات الإرهابية في المنطقة. راند باول، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي في حينه، انتقد قبل خمس سنوات البيت الأبيض لسياساته الخاطئة والتدخل المفرط في الأزمة السورية، واصفاً هذه البلد بأنها المسبب في نشوء الملاذ الآمن للإرهابيين من غربي آسيا، والفوضى في شمال العراق، مستخدماً عبارات عجيبة: «كان تنظيم داعش حليفنا في سوريا. أعطينا المسلحين أسلحة لصد القوات الموالية لحكومة دمشق وخلقنا مكاناً آمنا لهؤلاء في سوريا. برأيي إن تدخّلنا في سوريا أدّى إلى الأوضاع الحالية في العراق». وأيضاً صرّح مايكل تي. فلين، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الدفاعية في البنتاغون، في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة، أن صعود داعش كان نتيجة مباشرة للدعم الأمريكي للمتمردين السوريين، الذين كان تنظيم القاعدة في العراق يشكّل نواة مقاتليهم الأساسيين.
ما يحدث حالياً في اليمن اليوم وحتى هذه اللحظة؛ هو الحلقة الأخيرة من سلسلة الإجراءات الاستكبارية لتحقيق حلمٍ كانت قد وصفته كوندوليزا رايس قبل خمسة عشر عاماً بأنه ألم مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد. إن باطن الصراع في اليمن اليوم هو باطن صراع المقاومة اللبنانية مع الجيش العبري في حرب الـ 33 يوماً.
أنْ يتصوّر المرء بالمقاتلين اليمنيين في هذا البلد اليوم يقاتلون المحتلين الذين حاصروا أبناء هذا البلد براً وجواً وبحراً بقيادة السعوديين؛ فهذه نظرة سطحية للأمور. إن باطن حرب اليمن اليوم هو نفس باطن حرب الـ 33 يوماً في لبنان، وحرب الـ 22 يوماً في غزة، والمواجهات القائمة بين محور المقاومة ضد التكفيريين المصنوعين بأيادي أمريكا و"إسرائيل".
الوضع في اليمن اليوم هو بيد أمريكا والصهاينة الاستعماريين، وقد انبثق من السعودية ويسعى لوضع حمله غير الشرعي الذي تم إجهاضه قبل خمسة عشر عاماً.
لقد حطّم اليمن الحلم الاستعماري بتغيير هوية المقاومة في غربي آسيا، كما فعلت المقاومة في العراق وسوريا ذلك من قبل. يجب ألا ننسى أن داعش كان يحلم بإنشاء دولة ثالثة بين العراق وسوريا... بل نشر أيضاً خريطة لسيادة أراضيه.
من خلال هذه النظرة، يمكن للمرء أن يفك شيفرة الصمت المميت للمحافل الغربية التي تدّعي حقوق الإنسان فيما يتعلق بالفجائع الحالية في اليمن؛ في حين أن مدينة صنعاء تعرّضت في الأيام والأسابيع الأخيرة، وفي بعض الأحيان خلال بضعة ساعات متوالية، لهجمات من قبل طائرات التحالف بقيادة السعودية، وحتى المدارس والسجون والمستشفيات ليست في مأمن من هذه الهجمات؛ لكن يبدو أن حقوق الإنسان قد ماتت في الغرب.
القضية لا تقتصر على هذا الصمت. ما زالت شحنات الأسلحة مستمرة إلى السعودية، ولا فرق بين جو بايدين ودونالد ترامب وباراك أوباما وأنجيلا ميركل في هذا المجال. الخطة الاستعمارية الأمريكية في إعادة ترتيب منطقة غربي آسيا من أجل مصالح البيت الأبيض والصهيونية اصطدمت بجدار المقاومة المتين في لبنان وسوريا والعراق. وقد وصلت هذه الموجة الآن إلى اليمن.
المقاتلون اليمنيون ليسوا مجرد مدافعين عن التراب اليمني، بل إنهم المدافعون عن غربي آسيا كلّها، وينتظرهم المستقبل نفسه الذي نراه اليوم في لبنان والعراق وسوريا: «من الواضح أنَّ أمريكا اليوم أضعف في هذه المنطقة مما كانت عليه قبل عشرة أعوام وعشرين عاماً. ومن الواضح أنَّ الكيان الصهيوني الخبيث أضعف اليوم من الماضي. قبل سنوات من الآن انهزم الكيان الصهيوني مقابل حزب الله في لبنان. استطاع هذا الكيانُ المقاومة لثلاثة وثلاثين يوماً ثم انهزم. وبعد عامين استطاع المقاومةَ مقابل الفلسطينيين مدة 22 يوماً ثم انكسر. وبعد سنوات استطاع المقاومةَ مقابل أهالي غزة المظلومين ثمانية أيام ثم انهزم... إذا صمد المسلمون وقاوموا فسوف ينتصرون على كل مُعدات القوى الطاغوتية والمستكبرة. الشعب اليمني اليوم يعاني أشدّ العذاب الذي تفرضه عليه الحكومة السعودية وأتباعها وأمريكا [التي تساندها]، إنهم [الشعب اليمني] يصبرون ويتحملون ولكن اعلموا أنَّ الشعب اليمني وأنصار الله سوف ينتصرون بالتأكيد... والسبيل الوحيد هو المقاومة، وصمود الشعوب المسلمة هو الذي فرض التخبّط اليوم على أمريكا وحلفائها فراحوا يلجأون للكلام الفارغ والأعمال المغلوطة، وهذا الصمود سوف يؤتي ثماره»، (25/11/2018).