وكالة أنباء الحوزة - فقد خصص الله (عز وجل) آيات بينات وضح فيها أثر العقوبة وكيفيتها وأسبابها ونتائجها، ويبدو من ذلك سعيا لتحقيق العدالة الاجتماعية بشكل يناسب الجميع ويرضيهم دون تمييز بين شخص وأخر او بين مجتمعاً وأخر .
وتختلف طبيعة الضرب في القرآن الكريم باختلاف الجرم حدةً وخفة، كان تصل في الشدة حد القتل أو بالعكس تصل من الخفة ما ليصل الى تخفيف العقوبة جهد الإمكان لأن الله تعالى قال (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) [1]، ويبدو من الآية القرآنية ان الله ارشد المؤمنين الى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين إذا واجهتموهم فاضربوا رقابهم بالسيوف، بينما الأسرى الذين يقعون بأيديكم فيكون مصيرهم اما إطلاق سراحهم دون قيد أو شرط أو تحرير رقابهم لقاء مبلغ من المال.
وهناك حالة أخرى أمر الله تعالى فيها بالضرب بشدة ليتعض الإنسان في حياة الدنيا ويحمي نفسه من عذاب الآخرة حتى في الساعات الأولى من موته (َفكَيف إِذاَ تَوِفَّتهُمُ المَلائكَةُ يَضرِبُونَ وُجُوهَهُم وَأَدبَارَهُمْ) [2]، يبدو ان الانسان قد يواجه العقاب حتى في آخر لحظة من حياته وقت انتزاع الروح من الجسد وتكون هذه العقوبة نتيجة للإعماله السيئة في الحياة الدنيا فيتعرض لهذا العقاب الدنيوي والأخروي في نفس الوقت.
أما الضرب لغير البشر فقد وصفه الله (عز وجل) بقوله :( فرَاغَ عَلَيهِم ضَرباً ِباليَمينِ )[3] ، ويفسر السيد الطباطبائي ذلك أن نبي الله إبراهيم (عليه السلام) مال على آلهتهم يضربهم ضربا باليد اليمنى أو بقوة بناء على كون المراد باليمين القوة، في الوقت نفسه بين الله (عز وجل) أنواعاً أخرى للضرب في قوله : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [4]، ويفسر هذه الآية الكريمة السيد المدرسي سيلقي في قلوب الكفار الرعب وهو الخوف والذلة و يبين الله في هذه الآية مواضع الضرب بمختلف أشكاله كي يرتدع الناس عن القيام بأي عمل قد يؤدي الى الخروج عن طريق الإسلام وتعاليمه الحنيفة . وكما يستخلص منها ان الهدف هو الجمع بين مصلحة الدين ومصلحة المجتمع من أجل خلق مجتمع يخلو من العداء والبغضاء حتى وان كان هذا الأمر يتطلب استخدام العقوبة الشديدة .
وكذلك وأوصى الله (عز وجل) عباده بالضرب بخفة حين قال ( وَخُذ ِبيَدِكَ ضِغثاً َفأضرِب بِّهِ َوَلا تَحنَث)، في هذه الآية المباركة يخاطب الله (عز وجل) نبيه أيوب (عليه السلام ) فيقول : خذ بيدك ضغثاً وهي حزمة من الشجرة والحشيش والشماريخ ونحو ذلك لضرب زوجتك ذلك أنه (عليه السلام) قد حلف لئن عوفي أن يجلد امرأته مائة جلدة لأمر أنكره عليها على ما سيأتي من الرواية فلما عافاه الله تعالى أمره أن يأخذ بيده ضغثا بعدد ما حلف عليه من الجلدات فيضربها به ولا يحنث، وفي سياق الآية تلويح إلى ذلك وإنما طوي ذكر المرأة وسبب الحلف تأدبا ورعاية لجانبه.
يمكن القول ان في أغلب الأحيان يكون الغرض من الضرب هو التأديب وقد أنزل الله تعالى في هذا المجال عقوبة صريحة بقوله :( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلى النِّسَاءِ... وَاللاَّتي َتخَافونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهجُرُوهُنَّ في المضَاجِعِ واضرِبُوهُنَّ فإِن أَطَعنَكُم فَلاَ تَبغُواْ عَلَيهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَه كَانَ عَليّاً كَبِيراً ) ، فعن الامام علي (عليه السلام):" ان رجلا من الأنصار أتى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بابنته فقال يا رسول الله ان زوجها فلان بن فلان الأنصاري وانه ضربها فأثر في وجهها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس ذلك لك، فأنزل الله (عز وجل) قوله: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض و بما أنفقوا من أموالهم) أي قوامون على النساء في الأدب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أردت أمرا وأراد الله غيره ، وقوله (واضربوهن إذا لم يرتدعن بالموعظة والهجران فلكم أن تضربوهن ضرباً غير مبرح)، لم يكن هنا الغرض من الضرب إيقاع الألم الشديد بل التأديب فحسب بعد الموعظة ، على أن ألا يحدث أضراراً كبيرة بالمرأة ، فالعلاقة الزوجية ينبغي أن تخلو من الضرب والأذى وان حصل الضرب فهو للإصلاح والتقويم لتأسيس حياة زوجية متينة.
نستنتج من ذلك إن تطبيق عقوبة الضرب هو استجابة لأوامر الله (عز وجل) ورسوله الاعظم (صلى الله عليه وآله)، والغاية من هذه الاوامر هي حماية دماء المسلمين اولا، احترام حق الناس في العيش الكريم ثانيا، تأمين مجتمع مستقر وهادئ رابعا، و إن العقل البشري اثمن ما خلق الله فهو يهدف الى حمايته من الخلل الذي يؤدي الى المفاسد والاغرار بالنفس والمجتمع على حداٍ سواء من التجاوز عليها من ضعاف النفوس خامساً.
جعفر رمضان
[1] سورة محمد ، الآية 4
[2] سورة محمد ، أية 27
[3] سورة الصافات ، أية 93 .
[4] سورة الأنفال ، أية