وكالة أنباء الحوزة - کتب مرتضی نجفی قدسي مؤسس دار القرآن للعلامة الطباطبایی بقم المقدسه وأحد الناشطین في مجال القرآن الکریم مقالا یحمل عنوان: «هل الظهور امر قریب أو بعید؟» بمناسبة ذکری سنویة ولادة الإمام الحجة الثاني عشر المهدي (عج)، الذي ولد في الیوم الخامس عشر من شعبان لعام 255ق.
و یأتیکم المقال بالتالي:
(یا بَنيَّ اذهَبُوا فَتَحَسسَّوُا مِن یُوسُفَ وأخیهِ ولَاتَیأَ سُوا مِن رَّوحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا یَیْأَس مِن رَّوحِ اللَّهِ إِلا القَومُ الکافِرونَ) (یوسف/ 87)
قال النَّبيُّ یعقوبُ لأولاِدِه: إِذهَبُوا وابحَثُوا عَن یُوسُفَ وأخیهِ ویُوصیهِم بالتَّحَسُّس ولا تَجَسُّس!
ما الفرق بین التَّجَسُّسِ والتَّحَسُّس؟
اولا: الفرقُ الواضح بینهما «نقطة»، ثانیا: التَّجَسُّس یعنی حبٌّ لِلْاِستطلاعِ والنَّمیمةُ والوِشایةُ بینَ الناسِ وکشفِ أسرارِهم، وهذا من وُجُهَةِ نظرِ الاخلاقِ الاسلامیة أمرٌ قبیحٌ ومذمومٌ کما جاءَ في سورةِ الحُجُراتِ: (و لا تَّجَسَّسُوا ولَا یَغْتَب بَّعضُکم بَعْضاً) (الحجرات/12)
إذَنْ مِن مِنظارِ القرآنِ الکریمِ تُسْتَخدَم کلمةُ التَّجَسُّسِ في الامورِ السَّلبِیَّةِ والقَبیحَةِ ولکنَّ التَّحَسُّسَ یَسْتَخدِمُها النّاسُ في الأمورِ الایجابیةِ والمفیدةِ، کما رأینا نبيَّ اللهِ یعقوب (ع) یأمُر أولادَهُ أنْ یَذهبوا ویَجِدُوا یوسفَ وأخاهُ حَیثُ کانَا شَریفَیْنِ وطاهِرَیْنِ وطَیّبَیْنِ فلا یقولُ لهم تجسّسوا بل یقولُ تحَسَّسُوا لِوجودِ المعنیَ الایجابيِّ في «التَّحسُّسِ».
کان یعقوبُ (ع) یَنتَظِرُ مَجيءَ یوسفَ (ع) وکما نَعلَمُ طالَتْ مدّةُ غیابِ یوسفَ عَنْ أبیهِ وإثْرَ ذلكَ (ابیَضّتْ عَینَاهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ کَظیمٌ) (یوسف/84)
حَصیلَةُ الکلامِ أنَّني أقولُ أیها الناسُ أیها الاعزّاءُ ویا أیُّها الکِرامُ! إِعْلَمُوا أنَّ لَنا وللعالم الاسلامی بل للبشریة جمعاء یوسف آخر وهو غائبٌ عَنِ الأَنظارِ، وواجِبُنا أن نُذَکِّرَ بَعضَنَا البعضَ لیلَ نَهارَ بِأنَّ المنجيَ الحقیقيَّ سَیَظهَرُ یومًا ویُنیرُ العالَمَ بِظهورِهِ فعَلَینا الدُّعَاءُ والاستغاثَةُ عَلَی اللهِ ونطْلُبُ إِلَیهِ بِإِلحاحٍ وإِصْرارٍ لِکَيْ یُعَجِّل اللهُ في ظُهورِ سَیِّدنَا ومَولَانَا الإمامِ المهديِّ (ع).
اُهمِّیَّةُ الدُّعاءِ في أمرِ الفَرَجِ
کلٌّ یَعرِفُ إذا أرادَ اللهُ ظهورَا الحُجةِ (ع) فَیکونُ ذَلِكَ ولَا شَكَّ فیهِ، ولکنْ لَنا کَمُنتَظِرینَ لِظُهورِ الامامِ (ع) أیضاً واجِبٌ وتکلیفٌ وهو الإعلانُ بِأمسِّ الحاجةِ الی حَضْرَتِهِ عِنْدَ اللهِ، ونَدْعُوهُ بِکُلِّ اخلاصٍ أنْ یُعَجِّلَ في ظهورِهِ، ولَو کُنَّا عدیْمَي الإنْتباهِ وغَیر مُکْتَرِثين بِالدُّعاءِ لَمَا تَحَّقَقَ الأمرُ، قَولُهُ تعالی: (قُلْ ما یَعبَأُ بِکُم رِبّي لَو لَا دُعاؤُکُم) (الفرقان/77) أَنَّهُ سبحانَهُ وتَعالی یُحَرِّضُ المؤمنینَ عَلَی الدُّعاءِ ویشجعهم عَلَی ذَلكَ کَیْ لَا یکونوا غافلینَ عَنهُ کما یقولُ: (أُدْعُوني أسْتَجِبْ لَکُم) (الغافر/60) إِذَنْ في حیاة الانسان لِلدُّعاءِ دَوْرٌ عَظیمٌ في الحُصُولِ عَلَی مَقاصِدِهِ وأَهْدافِهِ المَنْشُودَةِ.
نَظَراً اِلَی المَشاکِل والصُّعوبات الَّتي واجَهَتْهَا البَشَریّةُ الیومَ خاصَّةً المُسلِمینَ والشّعیة، إذن بِالنسبةِ لهذه المشکلة هَناكَ سؤالٌ یَطرح نَفْسَهُ وهُو: أَلَیسَ لَنَا واجِبٌ تِجاهَ أمْرِ الفَرَجِ؟ بَلی وهو الدُّعاءُ، ألَمْ یَمْلأ العالَمَ الظُّلمُ والجَورُ والفَسادُ؟! ألَا یَحکُمُ العالَمَ الطُّغاة الظَّلمَةُ المُستَکبِرونَ؟! وهَل یَرحم الحُکّامُ الفَسَقَةُ الضُّعَفاءَ والمُستَضْعفینَ والمحرومینَ؟ ألَا یفکر أنْصارُ الفِراماسُونِ وأمثالُ کیسینجر وزیر الخارجیة الامريکي الاسبق بِتقلیلِ نفوسِ الکرةِ الارضیَّةِ؟ بَلَی واللهِ، ولذلكَ یُشِیعُونَ وباءَ الکُرونَا والأَمْراض المُعْدِیَة في القارّاتِ الخَمسِ کَحَربٍ بیولوجِیَّةٍ لِإِماتَةِ وإِزالَةِ الشُّعوب في العالَمِ تقلیلاً لِنُفوسِهِم!! ومُکافَحَةً لِاِزْدیادِ السُّکّانِ في العالَمِ ویَجِبُ أَنْ یُقْتَلَ ثُلْثُ نُفوسِ العالَمِ! وهَذا رأيُ کیسینجر الَّذي لا یُفکّر الّا بِقَتْلِ الخَلْقِ وإِبادَتِهِمِ! واللهُ سبحانه وتعالی البارِیءُ الخالِقُ لَمْ یَکْتُبْ هکذا وَصْفَةً مُراقَبةً لازدیادِ النفوسِ فی العالمِ!
ولکنْ مَعَ الأَسَفِ الشَّدیدِ هَذا هُو نَفْسُ الإنسانِ الَّذی لَایَعْرِفُ حَدّاً لِطُمُوحاتِهِ الشَّخصِیَّةِ وأهُوائِهِ الشَّیطانِیَّةِ ومَقاصِدِهِ الجُنونِیَّةِ فَیَقُلُ الآخَرینَ بَقاءً لِنَفْسِهِ وحِفاظاً لِحُکْمِهِ وسَیْطَرتِهِ الإسْتِکبارِیَّةِ . سَتَمضي هَذِهِ الأیامُ المُرَّةُ وبِالتّالي ستجيءُ أیَّامٌ أُخَرَ وسَتُفْشَی الأسرارُ. وسَیَطَّلعُ الرأيُ العامُّ علی مُستَوَی الْعالَمِ ما کانَ یَجْری خَلفَ الکَوالِیسِ؟ وسیُدرِكُ البشرُ فی العاجِل القریب باذن الله، أنه مَن هو الّذی قامَ بِانْتاجِ وتَولید الفیروس الکرونا وأشاعَهُ کَمَرضٍ مُعْدٍ لِاِبادَةِ بَني نَوعِ الإنسانِ عَلَى مُستَوَی الکُرَةِ الأرضیَّةِ؟
في هذا الأَثناءِ أَلایَجبُ أنْ نُقَّدرَ بعضنا الآخَرَ؟ وفي هذه الظروف ألا یجب أن نحافظ علی الوحدة الاسلامیة التي یخاف منها أعداءنا؟ فیجب علینا أن نکون شاکرین قبال نعمات ربنا العظیم وقبال شهداء الثورة الاسلامیة المبارکة وکذلك علینا أن نکون خاضعین أمام إخلاص شعبنا المؤمن المضحیّ وشاکرین تجاه مفجر الثورة الاسلامیة ومؤسسها الامام الخمینی (رضوان الله تعالی علیه) الذي مهّد أرضیة ظهور الامام المهدی (عج)
سیدنا القائد سماحة آیة الله العظمی الخامنئي عند تبیین الخطوة الثانیة للثورة الاسلامیة یُرینا حضارة فیها مقدمات ظهور الإمام الحجة (عج)، ویرشدنا سماحته استقبالا للفرج، والقائد المعظم یَری عادةً مستقبل ایران الاسلامیة وشعبها زاهرا منیرا نحو التقدم والتطور المتواصل ویصفه بمستقبل ساطع لامع، ویقول: إننا في هذا المنهج نسیر نحو الذروة وبما أننا نخطو خطواتنا نحو الأعلی، فبالطبع نواجه مشاکل وصعوبات في هذا الطریق والقائد یبشرنا بالنجاح والانتصار دائما وهذا یدل علی اتکاله علی الله سبحانه وتعالی ونحن کشعب خاضع لمنویاته واهدافه المبارکة نشکر الله علی قیادته الداهیة کقائد للشعب الایراني ومستضعفي العالم، لأن السید الخامنئي حفظه الله ورعاه من اولاد سیدة نساء العالمین زهراء البتول سلام الله علیها وهو قائد فقیه مهذب ومتعبد وعارف وصاحب التضرع والخشیة ومتوکل علی الله، یقود هذا الشعب ونتمنی أن تکون الجمهوریة الاسلامیة فی ایران، تحت اشراف وعنایات سیدنا ومولانا الامام المهدی صاحب العصر والزمان اروحنا فداه وترتقی وتتقوی یوما بعد یوم وتکون فی أهبة الاستعداد لظهور الامام المهدی ناشر العدل والقسط فی العالم.
قضیة الانتظار عند الشیعة
النقطة الثانیة التي أنا بصدد طرحها، هی أصل الانتظار عند الشیعة، إن الانتظار لدی الشیعة قضیة اساسیة هامة جدا، ولا یُعتبر شیعي من لا یعتقد ولا یلتزم باصل الانتظار وظهور الحجة (عج)، نحن الشیعة نقرأ فی زیارة الامام المهدی صاحب الزمان (عج) ونخاطب ساحته المقدسة ونقول له: «السلام علیك یا مولاي، أتقرب الی الله تعالی بِك وبآل بیتك وانتظر ظهورك وظهور الحق علی یدیك وأسأل الله أن یصلي علی محمد وآل محمد وأن یجعلنی من المنتظرین لك والتابعین والناصرین لك علی اعدائك والمستشهدین بین یدیك في جملة اولیائك.»
أحد الأدعیة التی یجب علینا الاهتمام بها هو أن تطلب من إمامنا أن یجعلنا من منتظریه، طبعا الانسان الذی یَعتبر نفسه من المنتظرین لظهوره، یُعد نفسه لتلك الفترة المنیرة المبارکة مادیا ومعنویا، والکلام عن مقدمات هذه الاستعدادات لفترة ما قبل الظهور بحث طویل یحتاج الی فرصة سانحة سنتحدث عنه ان شاء الله
هل الظهور أمر قریب أو بعید؟
المهم أننا نری امر الظهور قریباً أو بعیدا؟ ما جاء فی تراثنا الدیني في هذا الصعید، یجب أن نری أمر الظهور قریباً کما جاء في دعاء الندبة الذی نقرأه أیام الجمعة صباحاً، نخاطب الامام الحجة (عج) ونقول له: «هذا یوم الجمعة وهو یومك المتوقع فیه ظهورك». أي یُقرأ هذا الدعاء في الجمعات ومعناه یجب أن ننتظر ظهوره فی یوم الجمعة من الصباح الی المساء، لعله یحدث!
أن ننتظر ظهور الام (عج) کل جمعة، ألیس معناه أن الظهور قریب؟ أُریدَ منا هکذا منتظرا! ولو لم ننتظر بهذا الاسلوب لما حدث امر الظهور!
و لو افترضنا أن الظهور أمر بعید، فلیس هذا اعتقاد بناء، وإذا قیل سیظهر الامام بعد ألف سنة! هل من فائدة فیه؟! إذَنْ یفقدُ الانتظار مکانته وأصالته وفائدته وجاء فی القرآن: (إنَّهُم یَرَوْنَهُ بعیدًا ونَراهُ قریباً) (المعارج/6 و7)
الظهورُ مِنْ وُجُهةِ نَظَرِ القُرآنِ
تُشبة المسأَلَةُ بِیَومِ القیامَةِ مِن حَیثُ الزَّمانِ، لِأَنَّ الکُفّارَ کانوا یَعْتَقِدونُ أنَّ عَذابَ القیامَةِ أمرٌ بَعیدٌ ولکنَّ المؤمنینَ یَرَونَهُ قَریباً ولِذلكَ یقول (إنَّهُم یَرَونَهُ بَعیداً ونَراهُ قریباً) (المعارج/6 و7) ونحنُ نَراهُ قریباً، أو مثلاً، القرآنُ بِشأنِ الموتِ یقولُ: (فَإنَّه مُلاقیکم)(الجمعة/8) ولایقولُ (یُلَاقیکُم) والقرآن لا یُحوّلُ القیامَةَ إلی مُستَقْبلٍ بعیدٍ جِدًّا بل یُریها قریبا ویمکن حدوثُها في کل لحظة.
هکذا قضیة الظُّهور، فعامّة الناس یرونه بعیداً والمؤمنون الملتزمون یرونه قریباً لأنه یمکن وقوعه وحدوثه في کل لحظة ولمسألة الظهور میزات خاصة، منها أن الإنسان یری نفسه دائماً فی الساحة ویُعد وجوده لذلك الیوم البهیج أي ظهور ولی الأمر(عج).
بشارة العلماء لظهور الام الحجة الثاني عشر علیه السلام
المرحوم آیة الله بهجة من المراجع العظام استناد علی الآیة الشریفة التی تقول: (إنَّهُمْ یَرَونَهُ بَعیداً ونَراهُ قریباً) یری أن الظهور قریب.
ألّف آیة الله المرحوم السید حسن میرجهاني (ره) کتاباً بشأن الظّهور في ثلاثة مجلّدات یحمل عنوان: (نوائب الدُّهورِ في عَلاماتِ الظّهور) ویُعتبر السِید میرجهانی من الأصدقاء والزّملاء الملازمین للمرجع العظیم المرحوم آیة العظمی السید ابوالحسن الاصفهاني (ره).
السید میرجهاني في کتابه القیم جدا ، یروي روایات واخباراً تتعلق بقضیّة الظهور ویطرح في کتابه ملاحظات هامة جدیرة بالتدبر والتامل، وهو نفسه کان من الذین یبشّر ظهور سیدنا ومولانا الحجة الثانی عشر (عج) ولیس معنی کلام سماحته توقیت، بل هدفه تقریب ظهور الامام کي یستعد الناس لظهور ولي الأمر (عج).
حكاية من الاستاذ المرحوم برورش
کاتب المقال الأستاذ مرتضی نجفي قدسي، یحکي حکایة جرت بینه وبین الأستاذ السید علياکبر برورش (الذي کان أحد أنصارٍ للثورة الاسلامیة)، أنه عندما کنّا نتحدّث حول المهدویة وقضایا عصر الظهور قال لي: یا سید نجفي! هل رأیتني حتی الآن أن أدعي فی أمرما! قلت له: لا، ثم قال السید برورش: نعم ولم أکن مِنَ المدّعین في أیة مسألة ولکن القضیة التي أقولها الآن، أُشهد اللهَ أنه حق، ثم قَسَمَ بالله وقال: (و اللهِ أشم رائحة مجيء حضرة الحجة، کما کان یشم نبي الله یعقوب رائحة یوسف !!
الاستاذ برورش کان یری امر الظهور قریبا، ثم بعد ذلك ارتحل الی جوار ربه في سنة 1392ش، ونظرا الی أن الشخص یقول: أری امر الظهور قریبا وبعد مدة قصیره یموت ، وهو نفسه ولم یدرك فترة الظهور، لیس هناك تناقض بل هذا یدل علی قوّة ایمانه وتفکیره الصحیح الذی کان یری امر الظهور قریباً.
الاستاذ نجفی قدسی یقول: بعد سماعِ هذه البشاره من الاستاذ المرحوم برورش، نقلتُ کلامه لأحد أصدقائه فضحك ضحکة شدیدة ثم قال: یا سید نجفی لایظهر الامام العصر ولو بعد ألفي سنة! تعجبت من کلامه فخطر ببالي أن أقرأ له هذه الآیه الشریفة: (إنَّهُم یَرَونَهُ بَعیدًا ونَراهُ قریباً) ثم سألته: فلماذا هکذا یقول القرآن؟! هو بعد أن انسحب من موقفه قبال ما قاله آنفا، قال: مازحتک ، طبعا ما قاله الاستاذ المرحوم برورش هو الصحیح.
و في الختام ، علی العموم یجب ألّا نعیب علی العلماء الکبار الّذین یبشّرون بظهور ولّي الامر (عج)، بل علینا تصحیح افکارنا وآرائنا ووجهات نظرنا، ولِنعلم أنه بناء علی تعالیم القرآن الکریم، امر الظهور قریب ولیس ببعید.