وكالة أنباء الحوزة_ افتتح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أعمال مؤتمر الحوار الإسلامي- المسيحي، الذي دعا اليه قادة الطوائف وشيخ الأزهر، والمنعقد في جامعة سيدة اللويزة في ذوق مصبح، في حضور ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الوزير غطاس الخوري، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب فريد الياس الخازن، الرئيس السابق العماد ميشال سليمان، الرئيس فؤاد السنيورة، وزير الداخلية نهاد المشنوق، ممثل شيخ الأزهر احمد الطبيب الشيخ عباس شومان، مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان ممثلا والده رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبدالامير قبلان، شيخ طائفة الموحدين الدروز نعيم حسن، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ محمد عصفور، القس سليم صهيون، السفير البابوي غابريال غاتشيا، السفير المصري رمزي النجاري، الوزير السابق طارق متري، السيدة حياة إرسلان، رئيس الرابطة المارونية انطوان قليموس، السيدة رباب الصدر وشخصيات.
استهل اللقاء بكلمة لعريف الحفل الدكتور سهيل مطر لفت فيها الى "أهمية هذا المؤتمر لأنه منذ العام 2000 نادى القديس بولس كل الناس قائلا: ياإخوتي، وسمعنا هذا الصوت في الازهر، وهو ما نردده اليوم في هذا الحضور الكريم، ونقول كلنا أخوة ولا فضل لأحد على الآخر إلا بالتقوى".
رئيس جامعة سيدة اللويزة موسى
بعدها ألقى رئيس جامعة سيدة اللويزة الأب وليد موسى كلمة دعا فيها الى "تجديد عقد الأخوة للانتصار على الإرهاب بكل وجوهه"، داعيا جميع الفاعليات الدينية والسياسية الى "وقفة تجعل الشباب أكثر إيمانا بهذا الوطن، فالخوف عليهم من الضياع كبير جدا".
الراعي
ثم ألقى الراعي كلمة أثنى فيها على "الجهود التي تقوم بها جامعة سيدة اللويزة"، ورأى أن لبنان "بحكم ميثاقه الوطني، يجعل العيش المشترك أساسا لنظامه السياسي ويجسده في المشاركة، المتوازية والمتوازنة بين مكوناته الإسلامية المسيحية، في الحكم والإدارة. ويقر أنظمة الأحوال الشخصية الخاصة بكل طائفة من طوائفه، فيأتي بالنتيجة نظامه السياسي ديمقراطيا، قائما على الحوار الوطني والوفاق، وعلى إقرار جميع الحريات المدنية العامة ".
وأضاف: "كل هذه الخصوصيات اللبنانية، تشكل ثقافة لبنان الواحدة، وتجعل منه نموذجا ورسالة في محيطه، كما قال القديس البابا يوحنا بولس الثاني، ولا يخفى على أحدكم أن الأحداث المؤلمة والدامية التي تمزق بلدان الشرق الأوسط، وأن استقبال لبنان لمليوني لاجئ ونازح هو على تزايد، ما خلف تداعيات خطرة على لبنان وكيانه وشعبه، وعلى اقتصاده وثقافته، فضلا عن المخاطر التي تهدد أمنه واستقراره، وبالتالي دوره ورسالته كعنصر إستقرار وتلاق في المنطقة".
وتابع: "تهدف هذه القمة إلى وعي أهمية لبنان في محيطه العربي، وإلى حمايته ومساعدته على تخطي هذه المرحلة الصعبة التي تلقي بثقل نتائجها وتداعياتها عليه. وإنه من الواجب حفظ لبنان كواحة لقاء وحوار للأديان والثقافات والحضارات، بوجه السعي المغرض والمبرمج إلى تأجيج الصراع في ما بينها، كما بات ظاهرا في الحروب الدائرة في المنطقة وفي الإعتداءات على المسيحيين في مصر من منظمات إرهابية مدعومة".
وأمل الراعي "الوصول إلى خطة عمل تقود خطانا جميعا إلى تعزيز خير لبنان وبلدان المنطقة، وإلى حماية الحضارة التي بنيناها معا مسلمين ومسيحيين على مدى ألف وثلاثمائة سنة".
الشیخ دريان
وألقى مفتي لبنان كلمة قال فيها: "هذا العمل الذي نقوم به اليوم متعاونين متضامنين، قادة دينيين، ومثقفين، ومن رجالات العمل العام، هو عمل وطني كبير بالفعل، وهو عمل إسلامي ومسيحي جليل. لقد بدأ الأزهر هذا العمل الرائد، من أجل المواطنة الكاملة، والدولة الوطنية الدستورية الجامعة، قبل ستة أعوام، على وجه التقريب، حين أصدر في العامين 2011 و2012 بياناته ووثائقه التي عنيت باستعادة فعاليات الوحدة الوطنية، والعيش المشترك في مصر والعالم العربي، وتجديد تجربة الدولة الوطنية العربية أيضا، في مصر والعالم العربي، وبلغت تلك المبادرة اللافتة والشجاعة ذروتها، في مؤتمر مكافحة التطرف والإرهاب، عام 2014، الذي يشارك فيه عشرات اللبنانيين، وبينهم قادة دينيون ومفكرون، ثم انعقد المؤتمران العظيمان بالأزهر أيضا، وبالتعاون مع مجلس الحكماء، الأول: للمواطنة والعيش المشترك، الذي دعا الأزهر إليه خمسة وخمسين لبنانيا، والثاني: في مؤتمر السلام العالمي، الذي شارك فيه لبنانيون كثيرون، وحضر جلسته الختامية، البابا فرنسيس الأول".
وأضاف: "عندي على ذلك أربع ملاحظات، اثنتان تتصلان بالدين ودوره، والثالثة بالدولة الوطنية، والرابعة بلبنان. الملاحظة الأولى، تتمثل في نهوض هذه المؤسسة الدينية الكبرى، بمهمة كبرى ذات شقين: استعادة السكينة في الدين، ومكافحة الانشقاقات، والانتصار لاتجاه التيار الرئيسي، أو السواد الأعظم الذي يريد الاعتدال والوسطية، والشق الآخر التدخل لإزالة هذا التنافر الذي صار شائعا في العالم، وبخاصة في العالمين العربي والإسلامي، بين الدين والدولة. هناك ترابط وتلازم بين التطرف والانشقاق الديني من جهة، وهذا النفور من الدول الوطنية ونظام العالم كله. وهذه مهمة جليلة جدا وبشقيها، الشق المتعلق بمكافحة التطرف والإرهاب، والآخر المتعلق باستعادة الثقة بين الدين والدولة الوطنية الجامعة. أما الملاحظة الثانية، فهي تلك المتعلقة بأفهامنا نحن أهل الدين، لدور الدين، وتصور الآخرين لهذا الدور أو الأدوار".
وتابع: "قيل الكثير في زمن العلمانية والعولمة، عن ضرورة إقصاء الدين عن الشأن العام، لكي تقوم المواطنة، وتسلم وحدة المجتمعات والدول. وقد علمنا الأزهر بمبادراته، أن هناك حاجة شديدة ووجودية للسلام الديني، في الدول والمجتمعات، وإن عزل الدين أو مؤسساته مضر جدا بالمجتمعات والدول. المؤسسات الدينية لا تريد أن تحكم أو تسيطر، شأن ما يريده أو يهدف إليه المتطرفون، وإنما تريد أن تدعم سلام الأوطان وسلامتها، ووحدة المجتمعات وانسجامها. ويكون علينا نحن القادة الدينيين، أن نتأمل هذا الدور أو الأدوات الجديدة والعريقة في الوقت نفسه، للدين ومؤسساته. إن تجربة الأزهر المستجدة والواعية، قدمت وتقدم دروسا، طالما طمحنا نحن القادة الدينيين في لبنان، للقيام بها، خلال النزاعات الكثيرة التي نشبت على أرض لبنان. كنا نسميها حوارا إسلاميا مسيحيا تارة، وقمما روحية تارة أخرى. وقد يكون ضروريا تأمل تجاربنا بدقة ونقدية، في ضوء ما يحاول الأزهر القيام به في الجوانب الوطنية والدينية والعالمية".
وقال: "الملاحظة الثالثة تتعلق بالدولة، الدولة الوطنية العربية بالذات، التي تواجه أزمنة صعبة وصعبة جدا. هناك عدة حروب أهلية أو غير أهلية ناشبة في عدة دول عربية، وهناك تكالب إقليمي ودولي على الدولة العربية، من أجل الإضعاف أو الإزالة. وهناك إصرار من كل اتجاه على اعتبار الثوران الديني أكبر المشكلات التي تواجه الدول العربية. وأنا أرى أن المتطرفين الانشقاقيين، يشكلون مشكلة كبرى للدين وللدولة. لكن دولنا وإداراتها، تواجه مشكلات أخرى غير دينية، كانت وما تزال بين أسباب تصدعاتها. وما أريد الوصول إليه، أن استنقاذ الدولة السياسية والوطنية في العالم العربي، يحتاج إلى تضامن كبير بين سائر الفئات السياسية والدينية والمدنية، والثقافية والاجتماعية. ما عاد يفيد القول: إما أن تكون الدولة على هذه الشاكلة أو تلك، أو نحن لسنا مستعدين لدعمها. هذا غير مقبول، بل غير ممكن، وأولى الفئات التي ينبغي أن تحس وتعي هذا الواجب، فئة القادة الدينيين والمؤسسات الدينية".
وأضاف: "هناك ضرورات أخلاقية، ومسؤوليات تتجاوز العلمانيات والعولميات، وهذا الانفلات الفوضوي الذي لا يعرف أخلاقا ولا قيما، ولا وجوه وعي رشيد. إن على القادة الدينيين في العالم العربي، أن يراجعوا تجاربهم لهذه الناحية: كم ساعدوا وكم عملوا على صون دولهم الوطنية التي تخدم الإنسان والعمران، وتكون مسؤولة عن إحقاق الاستقرار والأمن والمواطنة. لقد جعل مؤتمر الأزهر لهذه الدولة ركنين: العيش المشترك، والمواطنة أو العكس، وفي كلا الأمرين، نستطيع أن نجد ونعمل دون أن نتجاوز أحدا، ودون أن ندعي ما ليس لنا، أو ما ليس من صلاحياتنا. أما الملاحظة الرابعة والأخيرة، فإنها تتعلق بلبنان وتجربته. فقد اهتم الأزهر اهتماما خاصا بالتجربة اللبنانية، وإلا لما أشركنا في هذه الكثافة، نحن اللبنانيين شديدو الاعتزاز بالتجربة في المواطنة والعيش المشترك، التي نسميها الصيغة اللبنانية الفريدة. إن الذي أراه، أننا نحن اللبنانيين، وبخاصة الأجيال الشابة، ما عادت تقدر تلك التجربة حق قدرها. ثم إن التعثرات في التجربة هائلة وكثيرة، وكثير منها يتجه لفصل المسيحيين عن المسلمين، أو العكس، بحيث يصبح النظام نظام مساكنة لا مواطنة. إن واجبنا نحن القادة الدينيين، أن نضغط باستمرار، وبشتى الوسائل، للنهوض بقيم العيش المشترك وممارساته. وقد قيل لي: إن التعبير نفسه: العيش المشترك، هو من وضع أسلافنا في هذا الوطن".
الشيخ قبلان
ثم كانت كلمة الشيخ احمد قبلان قال فيها: "ان الإنسان اكبر المقدسات عند الله والتعدد الفكري والديني والطائفي ظاهرة متجذرة في الأرض، فمنطق الدولة في مفهوم الله يبدأ بضمان المصالح الجامعة للناس".
أضاف: "نحن مع الدولة الضامنة وليس الشخص الضامن، نحن مع المشروع السياسي الذي يؤمن حق المواطن ضمن مشروع مؤسسات وآليات أكبر من الأشخاص، وسياسات اجتماعية اكبر من الولاءات، نحن مع قانون انتخاب يعطي المواطن أكبر قدر من التأثير، ويلزم المسلم والمسيحي بالشراكة الإنسانية، ونحن مع المسيحي المظلوم ضد المسلم الظالم، وضد الطائفية والضمانات الشخصية والإعلام التاجر والتسيب الفكري وتسليع الإنسان، ولاسيما المرأة، كما إننا ضد فصل الإنسان عن السماء كفصل الجسد عن الروح".
الشيخ نعيم حسن
بعدها القى حسن كلمة لفت فيها الى "ان الثمرة المرجوة من هذا اللقاء الملاقاة لرؤية الآخر، والتقدم نحوه على قاعدة ترقى الى مقام عهد الأخوة، لهذا نجتمع في سيدة اللويزة عائلة روحية انسانية للمساعدة على الخروج من عقدة الشعور الأقلوي خدمة للأمة ولمستقبلها، فالمواطنة تطلب الوحدة الوطنية وليس السياسة المرتكزة على مقومات وحدة الثقافة، ووحدة التربية في المدارس الرسمية والخاصة، ونجاح هذا التلاقي الروحي يفرض وجود الدولة العادلة بمؤسساتها الدستورية لتوفير الضمانات اللازمة لحماية الناس".
الشيخ عصفور
وفي الختام القى عصفور كلمة أكد فيها ان "هذا المؤتمر هو من أهم المؤتمرات في عصرنا"، منوها بجهود الراعي لعقده، وقال: "لقد الحقوا بالأديان تشوهات لتصويرها أنها مصدر خلاف، فالله واحد وان اختلفت طرق العبادة، وعلى هذا بنيت الحضارات. ونحن كقادة روحيين أمام مسؤوليات كبيرة لتعزيز القيم الإنسانية وتعميم العيش المشترك، ويجب أن ينطلق الحوار من دون حدود الى العالم اجمع".
الجلسات
بعد إستراحة، إفتتحت الجلسة الأولى التي تمحورت حول ماذا بعد إعلان الأزهر، ترأسها متري الذي اعتبر أن "المواطنة لا تنفصل عن دولة الحق، وهي ليست غنيمة تقتسم بين الجماعات". ودعا إلى "إيجاد آلية لكيفية تعزيز روابط المواطنة في لبنان لنجدد شراكة الوطن".
السيدة رباب الصدر
وشاركت في هذه الجلسة رباب الصدر التي رأت أن "هذا اللقاء يعيدنا إلى بلادنا التي كنا نعيشها كما يعبر عنه أدبنا وشعرنا ونشيدنا، ونترك وراءنا كل ما أنتجته المحن"، مقترحة "تحويل هذا الملتقى إلى مجلس تربوي تأسيسي دائم لوضع منهج تربوي مدرسي وآخر توجيهي عام".
القاضي عباس الحلبي
أما القاضي عباس الحلبي، فأثنى على توقيت المؤتمر، "بإعلان لبنان بمسيحييه ومسلميه وشتى تشكيلاتهم ومذاهبهم وطوائفهم ليعيدوا الإعتبار إلى مضامين وثيقة الوفاق الوطني تعويضا لدور فقدوه في متاهات المنازعات المذهبية عوض أن يكونوا أمناء على رسالة لبنان ومعناه الإنساني".
القاضي البروفسور انطوان مسرة
من جهته القاضي البروفسور انطوان مسرة، دعا إلى "وقف الإستمرار بنمط معين من الخطابات كالسابق، لأننا أمام أوضاع جديدة (...)، فالإسلام، التعصب والإرهاب هي كلمات من تأثير الإعلام، ونحن الان بحاجة للتفكر".
الدكتور فارس سعيد
ورأى الدكتور فارس سعيد أن "خلاصات الحوارات والمراجعات والإعلانات منها ما هو ماثل في إعلان الأزهر وما ينبغي أن يمثل في إعلان اللويزة لهذا المؤتمر، تلتقي جميعا على غاية واحدة هي مطلب السلام العادل والشامل والدائم في منطقتنا، بوصفه حقا لشعوبها كافة وشرطا لاستقرار العالم. ونحن نعتقد بقوة أن مبادئ هذا السلام المنشود ومرجعياته هي على درجة عالية من الوضوح والتحديد في قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية ونداءات المرجعيات للمسيحيين والمسلمين في عالم اليوم، تلك النداءات الحارة التي تتجاوز بمضمونها واهتمامها وغايتها الأهواء الخاصة لبعض الملل والنحل والفرق، فضلا بطبيعة الحال عن أهواء السياسات السياسوية".
وأضاف: إن خصوصية هذا المؤتمر نابعة من رمزية إنعقاده في لبنان مع شركئنا المسلمين، وفي لبنان الذي يعيش خبرة إنسانية.
الدكتور أنطوان قربان
أما الدكتور أنطوان قربان، فعبر عن افتخاره "كلبناني، برسالة وطني الحضارية في ما يتعلق بالعيش المشترك الذي يختلف تماما عن التعايش (...) وحوار الأديان هو مسألة حيوية كي يتعرف المرء على جاره المختلف، ولكنه لا يكفي لأنه لا يؤسس للوحدة الوطنية".
الدكتور رضوان السيد
من جهته إعتبر الدكتور رضوان السيد، أنه "يجب من خلال هذا الإعلان إستعادة الثقة بالدين وبالمؤسسات الدينية، ومن جهة أخرى تجديد وإصلاح تجربة الدولة الوطنية".
البيان الختامي
وفي الختام، تلا الراعي البيان الختامي، والتوصيات الصادرة عن المؤتمر التي جاء فيها:
"أولا: يعلن المشاركون في مؤتمر جامعة سيدة اللويزة عن ترحيبهم وتأييدهم لإعلان الأزهر باعتباره دعوة مخلصة وصادقة من جانب كبرى المؤسسات الدينية العربية والإسلامية، لشراكة كاملة، في كل بلد عربي وفي دولة وطنية دستورية مدنية تميز بين الدين والدولة وتكون قائمة على المساواة بين كل أفراد الوطن الواحد، وتعزز التنوع والتعددية الثقافية والدينية، وتستبدل بالمواطنة لفظة "أقليات" و"أغلبيات"؛ وإذ يرحبون بنتائج "مؤتمر الأزهر للسلام العالمي" فإنهم يضمون صوتهم للتأكيد على تضامن المؤسسات الدينية وتعاونها في نشر السلام بين الأمم ونصرة قيم العدالة والإنصاف، ومكافحة نزعات التطرف والإرهاب، والمشاركة في صنع عالم جديد للأخوة والمودة والمحبة بين البشر. وهم يثمنون ويشجعون كل المبادرات الرامية إلى تثبيت ممارسات المواطنة والدولة الوطنية الدستورية والعيش المشترك في العالم العربي، للخروج من الأزمات والبلوغ إلى حياة أفضل.
ثانيا: يؤكد المجتمعون على أن حماية الاستقلال الوطني والسيادة اللبنانية، تقتضي تعزيز قاعدة العيش المشترك، والمحافظة على الثوابت الوطنية اللبنانية المتمثلة بالميثاق الوطني واتفاق الطائف والدستور. يؤكدون تمسكهم بالمبدأ الدستوري أنه "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، سواء لجهة الغلبة، أو لجهة الفصل بين أبناء الوطن الواحد على أساس الانتماء الديني أو المذهبي. إن المخرج من التوترات الطائفية، وإزالة المخاوف والاصطفافات، وتطوير النظام بما يشجع الفئات الشابة على المشاركة بفعالية إنما يتمثل بتعزيز روابط المواطنة والتحرر من العصبيات، ونشر قيم الديمقراطية وممارستها بما يؤدي إلى قيام الدولة المدنية.
ثالثا: إن المشاركين في هذا المؤتمر، ينظرون إلى العيش المشترك، في دولة وطنية دستورية مدنية، قائمة على المواطنة واحترام الاختلاف والتعددية، لا على أنه مجرد تدبير حصيف يمليه واقع التنوع المجتمعي، بل أيضا وخصوصا بوصفه فعل إيمان، سواء على قاعدة الشهادة للإيمان الخاص في بيئة إنسانية متنوعة التكوين، أو على قاعدة أن الآخر المختلف جزء من تعريف الذات، يكونك مثلما تكونه، وأن الوطن يكون بجميع بنيه أو لا يكون، ولجميع بنيه أو لا يكون. وهذا ما يفهمونه من فلسفة الكيان اللبناني في أصل نشأته، وفي تجربته التاريخية وفي صيرورته المستقبلية، وفي رسالته الإنسانية. ولئن كان هذا الخيار هو الأصعب بالمقارنة مع خيارات أخرى تبسيطية اختزالية، أو في ظل التوترات الدينية في بعض المراحل، إلا أنه الخيار الأكثر جدارة بكرامة الإنسان وحريته وازدهاره.
رابعا: يدعو المجتمعون المؤسسات الدينية والجامعية والتعليمية الإسلامية والمسيحية إلى إيجاد صيغ للتشاور والتعاون والانفتاح في المناهج التربوية، والتفكير في تطوير برامج مشتركة تبعث على المزيد من المعرفة المتبادلة والتعارف، وخلق أجواء للتشارك الديني والوطني والإنساني، كما يدعون إلى تفعيل مختلف أطر الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان والمنطقة. إن اللبنانيين والعرب الآخرين محتاجون في حياتهم المشتركة، وفي علاقاتهم بالعالم إلى تفعيل التزامهم ضد التشدد والتطرف والانعزال من جهة والتمسك بالوسطية والاعتدال من جهة أخرى. ولا سبيل لذلك إلا بالإقبال على بناء ثقافة مشتركة تقول بالتنوع والاعتراف المتبادل. ويشكل التعاون والتشارك بين المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية في شتى المجالات خطوة مهمة في بناء الثقافة الجديدة.
خامسا: يعلن المجتمعون عن إرادتهم في التوجه إلى الفاتيكان والمؤسسات الدينية العالمية المسيحية والإسلامية الأخرى للتعاون والتنسيق معها ويعبرون عن رغبتهم في إيضاح أهمية العيش المشترك في لبنان وتحدياته وهو الذي يشكل الضمانة الحقيقية للحريات والسيادة والاستقلال الوطني. وهذا ما جعله رسالة كما قال القديس البابا يوحنا بولس الثاني. وسط مآسي التقسيم والتهجير والفرز السكاني القسري والتطهير العرقي، واستهداف المسيحيين من جانب العصابات الإرهابية كما حصل في مصر مؤخرا واستهداف غيرهم في العراق وسوريا، ومخاطر الفتن المذهبية، والنزاعات والحروب المتفاقمة في عدد من دول الجوار العربي، فإن صلابة العيش المشترك، وتجذر الديموقراطية في لبنان يبعثان رسالة أمل إلى العرب والعالم بمستقبل آخر للبلدان والعمران؛ وينبغي أن نفعل كل ما بوسعنا نحن اللبنانيين ليظل الوعي بجدية وأهمية التجربة اللبنانية وجدواها لدى العرب ولدى المجتمع الدولي قائما وقويا وواضحا. إن علينا نحن اللبنانيين في حياتنا الدينية والثقافية والمدنية والسياسية أن نجدد السعي والعمل على جعل لبنان مركزا دوليا لحوار الأديان والثقافات والحضارات، بما يخدم العالم العربي والعلاقات المسيحية- الإسلامية في العالم.
سادسا: يرحب المجتمعون بموقف الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من الكنائس في العالم المتضامن مع الشعب الفلسطيني والمؤيد لحقوقه الوطنية، والداعي إلى تجذر المسيحيين في أرضهم، في القدس وسائر فلسطين. ويؤيدون دعوة القمة العربية المنعقدة في عمان في آذار 2017 لدعم أهالي القدس والمؤسسات المقدسة التعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والصحية الرسمية والأهلية، دعما لمدينة القدس المحتلة وتعزيزا لصمود أهلها ومؤسساتها. وفي هذا الإطار نفسه يرحب المجتمعون بالبيان الصادر عن المبادرة الأهلية اللبنانية الفلسطينية بتاريخ كانون الثاني 2017، تحت عنوان: رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان.
سابعا: يناشد المجتمعون الأسرتين العربية والدولية العمل الجدي على إيقاف الحروب والنزاعات في سوريا والعراق واليمن وأي بلد آخر، وإيجاد حلول سياسية لها، وإرساء سلام عادل وشامل ودائم، وعودة جميع المهجرين والنازحين واللاجئين والمخطوفين إلى أوطانهم وبيوتهم، حفاظا على ثقافاتهم الوطنية وحقوقهم".