۲ آذر ۱۴۰۳ |۲۰ جمادی‌الاول ۱۴۴۶ | Nov 22, 2024
الإمام موسى الصدر

وكالة الحوزة ـ قرأ الكاتب المسيحي، الأستاذ سليمان الكتاني كتابه "فاطمة الزهراء (ع) وتر في غمد" علی الإمام موسى الصدر فکتب الإمام هذه المقدمة التي تناول فيها شتى زوايا حياة السيدة الزهراء عليها السلام، و قد اشترک الکتاب في مسابقة في النجف الأشرف و نال الجائزة الأولی بتاریخ 22 سبتمبر 1968.

وكالة أنباء الحوزة ـ قرأ الكاتب المسيحي، الأستاذ سليمان الكتاني كتابه "فاطمة الزهراء (ع) وتر في غمد"  علی  الإمام موسى الصدر فکتب الإمام هذه المقدمة التي تناول فيها شتى زوايا حياة السيدة الزهراء عليها السلام، و قد اشترک الکتاب في مسابقة في النجف الأشرف و نال الجائزة الأولی بتاریخ 22 سبتمبر 1968. وفيما يلي الحلقة الخامسة من التعليق:


لقد لاحظ القارئ خلال الحلقات المتقدمة من مجموعة فاطمة (ع) قدوة وأسوة ، نماذج من جهادها عليها السلام في بيت أبيها، وفي بيتها، وفي مواقفها الإيجابية والسلبية تجاه الأحداث العامة، وحتى في وصيتها، حيث جعلت من سريع دفنها وإخفاء قبرها سندين لاعتراضها على الوضع العام. وقد اشتركت فاطمة في مقدمة النساء المسلمات في الحروب التي خاضها المسلمون دفاعًا عن عقيدتهم، وصيانة لكرامتهم وحريتهم. وقامت بدورها، الدور الذي كان على المرأة المجاهدة في ذلك العصر، من ضماد الجرح وغسل الثياب وتمريض الجرحى وتحضير كافة وسائل الحياة في الحرب.
لكنها أي فاطمة لعبت دورًا بارزًا وشاقًا في نصرة الحق، والدفاع عن وصية الرسول حينما كانت تقوم بزيارات سرية لأصحاب الرسول تشجعهم على الوقوف بجانب علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد وقفت بشكل لا مثيل له وبصورة حادة، حسب نقل المؤرخين، مع علي في أحرج أيام حياته، مؤكدة أن الجبهة الداخلية في حياة علي صامدة لا تشعر بالضعف، ولكنها تترك تقدير الظروف وانتخاب المواقف لقائدها وزوجها الإمام يقرر ويصمم ويأمر فيطاع.
وسيرة فاطمة تتحدث أنها في كل غداة السبت كانت تأتي قبور الشهداء، وقبر حمزة، وتترحم عليهم وتستغفر لهم. وهذه البداية لأعمال الأسبوع تفصح عن مدى تقدير فاطمة للجهاد وللشهادة وتعبر بوضوح عن حياتها العملية، التي تبدأ بالجهاد وتستند على الجهاد والتضحية إلى درجة الإستشهاد.

فاطمة (ع) في المحراب:
يقول الإمام الحسن بن علي سلام الله عليهما: "رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح. وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء".
وفي سيرتها أنها كانت تخصص الساعة الأخيرة من نهار الجمعة للدعاء.
وأنها في العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك لا تنام الليل وتحرِّض جميع من في بيتها بإحياء الليل بالعبادة والدعاء.
وأنها كانت تشكو من تورم قدميها لكثرة وقوفها بين يدي ربها خاشعة ومتهجدة.
وهل خرجت فاطمة في حياتها كلها عن المحراب؟ وهل كانت حياتها كلها إلا السجود الدائم؟ فهي في البيت تعبد الله في حسن التبعل، وفي تربية أولادها، حيث: "إن مسجد المرأة بيتها"، وهي في قيامها بالخدمات العامة، كانت تطيع الله وتعبده في خلقه الذين كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله.
وهي في مواساتها للفقراء وللمتعبين والمعذبين، كانت تقوم بعبادة الله بنفسها وبأهل بيتها، حيث إنهم كانوا حسب نقل القرآن الكريم: ﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا﴾ [الإنسان، 8]، حين كانوا ﴿يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ [الحشر، 9]. والغاية على لسانهم وفي قلوبهم: ﴿إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا﴾ [الإنسان، 8]، صفحة من حياتها وركعة من صلاتها.

الكوثر:
مات في السنة الثانية من الهجرة النبوية إبراهيم آخر أبناء الرسول الثلاثة، وبذلك بقي الرسول بلا عقب حسب المنطق الجاهلي. وبدأ الشامتون المنافقون يفرحون وينتظرون موت رسالة محمد مع موته. حيث إن الرسالة في زعمهم كانت وسيلة وملكًا، وإن الولد الذكر هو دون الأنثى استمرار لشخصية والده وبقاء لمجده وذكره، وقد فقد محمد أولاده الذكور وهو يعيش في العقد السادس من عمره.
ولكن الوحي الإلهي أوضح خطاهم وزيف منطقهم وأعلن: ﴿إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شائنك هو الأبتر﴾ [الكوثر].
فالرسالة باقية والإسلام خالد، ومجد محمد مقترن مع مجد الله وذكره يملأ الأبد. وذريته هم حفظة الرسالة وأعلام الهداية، والشامت المنافق هو الأبتر.
وفاطمة هي تجسيد للكوثر، فذرية الرسول منها وأبناؤها هم الأئمة المعصومون ثاني الثقلين اللذين تركهما محمد في أمته، وجعلهم لا يفترقون عن الثقل الأول، القرآن الكريم، يصونونه ويضحون لأجله والثقلان هذان، الكتاب والعترة استمرار لوجود محمد ورسالته ووسيلة لسلامة سيرة الأمة في الخط الصحيح دون الانحراف والضلال وهذا الشأن الفاطمي العظيم، ورد على لسان رسول الله في أماكن مختلفة فقد قال: "ذريتي من نسل علي وفاطمة". وقال: "الحسن والحسين إبناي إمامان". وقال: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".
وقد قامت بنتها زينب بدور مصيري في إنجاح حركة الحسين، لإعادة روح الإسلام إلى الأمة وللقضاء على الظلم والاستعباد والإنحراف عندما كانت تتحكم باسم الإسلام، وما بقي من الإسلام إلا اسمه. ومواقف زينب وخطبها وشعاراتها وجهادها وعلمها صورة حية عن فاطمة، وهكذا نجد فيما قدمنا وفي غيره مما لا يسعه هذا المختصر، نجد الكوثر العظيم الذي أعطاه الله لنبيه.
هذه هي فاطمة، ابنة أعظم نبي، وزوجة أعز إمام وبطل وأم اينع بزغتين في تاريخ الإمامة، التي يقدم فيها الأستاذ الكريم سليمان كتانة كتابه الأدبي الملون، الذي هو فيض إشراقةٍ لأطهر وجهٍ عرفه تاريخ الإسلام.
فلنتابع مع هذه الريشة المغموسة بالطيب وباللون قراءة الكتاب على مهل مكتشفين مع كل صفحة لوحة فنية رائعة نستشف ضمن خطوطها ومن بين كل ظل من ظلالها وجه فاطمة الزهراء مشرقًا وضاءً وعفيفًا سنيًا.

 

ارسال التعليق

You are replying to: .
captcha