۱۳ اردیبهشت ۱۴۰۳ |۲۳ شوال ۱۴۴۵ | May 2, 2024
الإمام موسى الصدر

وكالة الحوزة ـ ألقى الإمام موسى الصدر خطابا في الاحتفال الرسمي السنوي الذي يقام بمناسبة ذكرى عاشوراء في الكلية العاملية تحدث فيه عن الامام الحسين(ع) و عن المعرکة التاريخية بين الحق و الباطل.

وكالة أنباء الحوزة ـ ألقى الإمام موسى الصدر خطابا في الاحتفال الرسمي السنوي الذي یقام بمناسبة ذكرى عاشوراء في الكلية العاملية تحدث فیه عن الامام الحسین(ع) و عن المعرکة التاریخیة بین الحق و الباطل و کذلک عن اسرائیل و وجوب الدفاع عن جنوب لبنان، وكان ذلك بتاريخ 22/1/1975، ونقدم لکم فیما یلي مقتطفات من هذه المحاضرة:

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله محمد وعلى أنبياء الله المرسلين، وسلام الله على آل بيته وصحبه الطاهرين، ومن اتبعهم بإحسان الى يوم الدين.

......
هذه الزيارة التي نقرؤها في كل يوم من أيام عاشوراء. سنبدأ من الفقرة التالية: "السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله"، من أول سلام نقوله نحن نعتبر أن "الحسين" هو وارث "آدم"، وارث "نوح"، وارث "إبراهيم"، وارث "اسماعيل"، "موسى"، "عيسى"، "محمد"، "علي". وارثهم بأي شيء؟ بالنبوة؟ كلا، "الحسين" ليس نبيًا، ولا يوحى إليه، ولا نؤمن بنبوته، النبوة انتهت مع "محمد" (ص). إذًا، وارثهم في أي شيء؟ وارثهم في محاربة الظلم، وارثهم في المعركة، وارثهم في القيادة، وارثهم في تقديم الشهادة، وارثهم في خوض معارك الموت للنهاية دون تراجع. لذلك نربط بين "الحسين" وبين الماضي، و بلا شك بين "الحسين" وبين المستقبل لأننا إذا أخرجنا الحركة، إذا أخرجناها من جمودها الزمني وما اعتبرناها أنها حادثة ظاهرة منفردة في تاريخ الصراع بين الحق والباطل، إذا أخرجناها من هذا الجمود وربطناها بالماضي من الطبيعي أن الحادثة ترتبط بالمستقبل، وعند ذلك تنتهي. وكما نقول أن "الحسين" وارث السلف نقول أنه قائد الخلف، كما أنه وارث "آدم" و"نوح" و"موسى" و"عيسى"، نقول أنه مورث "الصادق" و"الباقر" و"الرضا"، مورث كل من يصرع الباطل وكل من يناضل في سبيل الحق وكل من يسعى ويقدّم جهده وحياته في سبيل الدفاع عن الحق، لأن الحق والباطل كانا متصارعين منذ الأزل، سُنة الله في خلقه. الإنسان يعرف الخير والشر: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس، 8]. الله سبحانه وتعالى هو الذي علّمني وألهمني ووضع في نفسي وخلقني، وأنا شاعر بالخير وشاعر بالشر، متمكن من الخير ومتمكن من الشر: ﴿وهَدَيْنَاهُ النجدين﴾ [البلد، 10]، وسُنّة الله في خلقه أن في الكون إمكانية ممارسة الخير وإمكانية ممارسة الشر.
لسنا معصوبي الأعين، نسلك سبيل الخير من دون الانتباه إلى الشر. هناك خير وشر في العالم وهناك خير وشر في النفس، ولذلك عندما يختار الإنسان الخير يختاره بعد الصراع. عندما يقف أمام أي موقف يجد نفسه بين الخيارين: هناك ما يجتذبه إلى الشر وهناك ما يجره إلى الخير، وهو مع كل موقف يعيش صراعًا مرًا فيختار الخير أو يسقط في أحضان الشر. إذا اختار الخير يكتمل لأن الاختيار جاء بعد الصراع، بعد المعركة الطاحنة النفسية، عند ذلك يستمر. ليس الإنسان مثل النحلة، النحلة لا تقدر إلا أن تجني العسل لا تستطيع فعل شيء آخر، مثل الخروف، مثل الشمس، مثل الحيوانات الطيبة لا تقدر أن تعمل إلا الخير. غير أن الإنسان يقدر أن يعمل خيرًا، ويقدر أن يعمل شرًا. إذًا، سُنة الله في الخلق وجود الإحساس بالخير والشر في النفس، وجود الخير والشر في الخارج، ولذلك الإنسان أمام الخيارين في كل موقف.
وجود الخير والشر شكَّل جبهتين أزليتين أبديتين، قاد الجبهة في الأساس "آدم" صفوة الله، فحصل الصراع بين "هابيل" و"قابيل"... قل أنها معارك رمزية، أو قل أنها حقائق تاريخية، لا فرق، المهم انعكاسها علينا. "هابيل" و"قابيل" قد نص على معركتهما القرآن الكريم، الصراع حصل. هناك جبهة الخير الصغيرة وقفت مقابل جبهة الشر الصغيرة في إطار محدود بين أخوين شقيقين من أب واحد وأم واحدة، فحصل الصراع، فقتل "قابيل" "هابيل" ودفنه تحت التراب. وبدأت المعركة وتلطخت المعركة بالدم من الساعة الأولى... من الساعة الأولى بدأت المعركة حامية حارة ووُضعت التجربة أمام الإنسان عبر الأجيال من أيامهم إلى أيامنا وإلى الأبد، وبعد ذلك المعارك استمرت. المعارك كانت بين من ومن؟!
لقد فسّرها الباحثون والمعلقون والفلاسفة وعلماء الاقتصاد ومؤسسو المدارس الاقتصادية القديمة والحديثة ووضعوا لها تصاميم، وضعوا لها أطر، وكلٌّ له حق لأنه حدد المعركة في إطار زمانه: بعضهم اعتبر المعركة بين الطبقات، بين الرأسمالية وبين الاشتراكية؛ بعضهم صنّف المعركة بشكل آخر، له الحق لأنه عاش فترة كانت الصفة البارزة في الصراع، صفة الصراع بين الطبقات. أنا لا أشك أنه لو عاش زماننا هذا لأعطى للمعركة طابعًا آخر، لأن المعارك اليوم خرجت عن كونها بين الطبقات... أحيانًا بين الطبقات، أحيانًا مع الطبقات، أحيانًا بين الشعوب... لا نريد أن نناقش هذا البحث، ولكن أولئك حددوا أطر المعارك حسب رؤيتهم، فعمموها واعتبروا أن التاريخ، كل التاريخ، يتكون من الصراع من الأساس وإلى النهاية.
ولكن الحقيقة أن المعركة الحقيقية كانت بين الظالم -والظلم له أشكال- والمظلوم، ، والظالم قد يكون ظالمًا شخصيًا: رجل يضرب رجلًا، زوج يضرب زوجته، أخ يظلم أخاه، إنسان يظلم جاره، قبضاي يظلم إنسانًا ضعيفًا في السوق... معارك شخصية. وأحيانًا الظلم يأخذ طابعًا أوسع، فالظلم سياسي: الاستعمار، والمستعمرون يظلمون الشعوب، يأخذون حريتهم وأرضهم ووطنهم. يأخذونه بالسياسة، يأخذونه بالسيف، يأخذونه بالمدافع، يأخذونه بالسلاح. هذا نوع من الظلم، المعركة بين الظالم والمظلوم، تتجسد المعركة بين الاستعمار والمستعمرين.
أحيانًا تأخذ المعركة طابعًا اقتصاديًا فتتجسد بين المستثمِر والمستثمَر. فئة تسرق أموال الآخرين بالقوة أو بالحيلة أو بالربا، -والربا كان منتشرًا في قديم الزمان، قبل الإسلام وبعد الإسلام، وحتى في زماننا هذا، بشكل أو بآخر- فئة تستغل فرصة تملكها للمال، فتمتص أموال وحاجات وطاقات وجهد الآخرين. هذا نوع آخر من الظلم، المعركة هنا بين المستثمِر والمستثمَر.
وأحيانًا المعركة تتجسد بطابع ثقافي فكري، أحد المؤلفين الكبار الباحثين يحاول أن يسميه بالاستحمار، يعني أولئك الذين يريدون أن يجعلوا الناس حميرًا، لا يعرفون، يجهلون. هنا أيضًا الظالم يغتصب عقل المظلوم وفكر المظلوم وثقافة المظلوم ووعي المظلوم وإحساس المظلوم... المعركة قائمة.
القرآن الكريم يجمع كل أنواع الظلم ويجمع كل أصناف المظلومين ويسميهم بالمستضعفين ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص، 5]، الاستضعاف يعني فئة اعتبرت فئة أخرى ضعيفة فاغتصبت منها مالها أو فكرها أو حريتها أو كرامتها أو استقلالها. القرآن الكريم منطقه التاريخي، القرآن الكريم رؤيته التاريخية، هي التالية: أن المستضعفين في الأرض أمام الظالمين، أمام المستضعفِين فئتان تتقابلان... يزداد الظلم ويطغى المستضعِف فيسيطر ويتحكم.
المستضعفون يفتشون، يتفقون، يلتمسون، يتوسلون، ينادون، يئنون، يرزحون تحت الأعباء، والله سبحانه وتعالى يبعث لهم قائدًا أو نبيًا أو وصيًا أو شهيدًا استشهد، يجمعهم يقودهم ويدافعون عن مصالحهم أمام الظالم. الأنبياء جميعًا، الأنبياء الإبراهيميون كما نسميهم، أولئك الذين نادوا بالله الواحد الأحد جميعًا، أولئك كانوا دائمًا محاطين بعدد كبير من المستضعفين يقفون معهم لا كرهًا بالأقوياء، فلا عقد أبدًا، بل كرهًا بالظلم، فلينزل الأقوياء والظالمين عن عروشهم ويعيشوا حقهم وحظهم وحصتهم في الحياة. ليس هناك من عقد ضد أي إنسان والنبي صافٍ عن العقد تمامًا.
الصراع يحتدم، المستضعفون يقومون ويلتفون حول نبيهم فيبدأون بالصراع ويقدمون التضحيات ويستمرون في المعركة حتى ينزلوا الظالم عن عرش طغيانه، ويمنعوه عن الاستعمار والاستثمار والاستحمار. ولكل من الأنواع الثلاثة من الظلم رجال، رجاله موجودون: كانوا موجودين والآن موجودون. ينكسر الظلم أمام الكثرة وينكسر الظالم ويسقط عن عرشه. سرعان ما يغير لبسه، الظالم يغير ملابسه من جديد، يلبس ثوب الأنبياء، ويلبس ثوب الدين، يلبس ثوب الدعوة الجديدة، يتغطى بغطاء الشعب، ينادي بالشعارات لمصلحة الناس، يعلن عن وقوفه إلى جانب المستضعفين. يعود المستضعفون فيرون أن الظلم بدأ من داخلهم، وأن الاغتصاب والتحكم والسيطرة والاستثمار والاستحمار والاستعمار جاءت من الداخل، وعند ذلك يبدأ صراع آخر... وهكذا في الزمن من الأول إلى الآخر، هذه المعركة، لماذا هذه المعركة؟ هذه سُنة الله في الخلق، كمال الإنسان والصراع الداخلي الدائم لكي يتمكن الإنسان من اختيار الخير والحق بملء إرادته فيكتمل.
إذًا، هذه السلسلة المستمرة من الصراع بين الظالم والمظلوم، بأي صفة وصفتَ الظالم والمظلوم، من خلالها بدأت المعركة من أيام "آدم" صفوة الله و"نوح" نبي الله و"ابراهيم" خليل الله و"موسى" كليم الله و"عيسى" روح الله و"محمد" حبيب الله و"علي" ولي الله، وهكذا. إذًا، معركة كربلاء ليست معركة منفصلة وظاهرة فريدة في تاريخ الإنسان، إنها حلقة مايزة. طبعًا تختلف عن الحلقات الأخرى، حلقة مايزة في تاريخ الصراع. كما أنها حلقة مرتبطة بالماضي فإنها حلقة مرتبطة بالمستقبل....

 

ارسال التعليق

You are replying to: .