وکالة أنباء الحوزة، وقال السيد عمار الحكيم في الملتقى الثقافي الاسبوعي اليوم الاربعاء " لقد اصدرت المرجعية الدينية العليا الاسبوع المنصرم بيانا تحت عنوان {نصائح وتوجيهات للمقاتلين في ساحات الجهاد} ، وهذا البيان يحتاج منا وقفة متأنية في شكله ومضمونه ، حيث ان لدى المرجعية العليا وسائلها وقنواتها المعروفة التي من خلالها تقدم كل ماهو مفيد وموجه ومقوم للمجتمع والأمة ، ولكن ان تقوم بإصدار بيان مفصل ومطول بهذا الشكل فهو يعد وثيقة تاريخية أكثر مما هو بيان ارشادي وتوجيهي ، ومن نعم الله علينا ان وهبنا هذه المرجعية الرشيدة التي كانت ومازالت وستبقى بوصلة المؤمنين وصمام الامان للوطن والمواطن للحاضر وتوثق للمستقبل كي تحفظ للتاريخ المواقف واضحة من دون تشويه او تحريف " .
واضاف سماحته ان " المرجعية التي دعت الى الجهاد وحماية العقيدة والامة والوطن هي أيضا من تحمي الجهاد والمجاهدين من أي تدليس او تشويه او انحراف ، وفي هذه الظروف المقلقة والمتداخلة جاء البيان التاريخي للمرجعية ليميز بين جهاد مزعوم منحرف وضال واخر مقدس يخضع بصرامة لضوابط الدين المحمدي الأصيل ، فالإرهاب الاعمى اليوم يغتصب النساء ويسبي الحرائر ويستبيح الدماء بعنوان الجهاد ويرتكب أبشع الآثام تحت غطاء ومسمى الخلافة الإسلامية ، فجاء بيان المرجعية العليا كي يبين للامة وللعالم اجمع معايير الجهاد المقدس الذي نتحدث عنه نحن وما يميزه عن الجهاد المزعوم للقوى الإرهابية كي لا تختلط المسميات في زحمة الاحداث ، ويبدأ البيان بمخاطبة المقاتلين في جبهات القتال مع المعتدين ، فجهادهم المزعوم اعتداء وجهادنا المقدس دفاع ، وهذه هي المفصلية الأساسية بين جهادنا وجهاد الإرهاب".
وتابع"وبعدها يستمر البيان وعلى امتداد 20 فقرة من التوضيح والشرح والتحديد ما يرتقي الى اعتباره وثيقة دولية إنسانية في تحديد وضبط اليات العمل العسكري وحماية المدنيين في ساحات القتال ومنهجاً اسلامياً اصيلاً في تحديد الاطار الشرعي للجهاد استناداً الى النصوص الدينية في التعامل مع مختلف الحالات التي يتعرض لها المقاتلون في الجبهات سواء كانت حالات أخلاقية او ظروف نفسية واجتماعية وعسكرية ، ونرى في البيان انه ابتدأ بالتركيز على الجانب المعنوي من الالتزام بالصلوات في اوقاتها والاكثار من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم بقوله {ولا يفوتنكم الاهتمام بصلواتكم المفروضة ".
واوضح "ان الصلاة لهي الادب الذي يتأدب الانسان مع خالقه والتحية التي يؤديها تجاهه ، واستعينوا على انفسكم بكثرة ذكر الله سبحانه وتلاوة كتابه واذكروا لقاءكم به ومنقلبكم اليه} ، كما ركز البيان في جانب آخر على اهمية التحلي بالاخلاق الاسلامية الحميدة حيث قال {واحرصوا اعانكم الله على ان تعملوا بخُلق النبي واهل بيته (صلوات الله عليهم) مع الاخرين في الحرب والسلم جميعاً حتى تكونوا للاسلام زيناً ولقيمه مَثَلاً ، وعلى الجميع ان يَدَعوا العصبيات الذميمة ويتمسكوا بمكارم الاخلاق ، فلا تغلِبَنَّكم الافكار الضيقة والانانيات الشخصية وقد علمتم ما حلَّ بكم وبعامة المسلمين في سائر بلادهم حتى اصبحت طاقاتهم وقُواهم واموالهم وثرواتهم تُهدر في ضرب بعضهم البعض ، فأتقوا فتنة لا تصيبنَّ الذين ظلموا منكم خاصة , امّا وقد وقعت الفتنة فحاولوا اطفائها وتجنّبوا اذكائها واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} ، كما سلط الضوء على فقرة تحدد الجهاد بآدابه وحدوده سواء كان مع المسلمين او مع غيرهم ، فالدين المحمدي الأصيل هو دين الإنسانية جمعاء ومنها ما يرويه عن الرسول الكريم {ص} ، {لا تغلوا ولا تمثّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطرّوا إليها} ، .. هذه هي اخلاق الإسلام الأصيل وهذا هو جهادهم اما جهاد الإرهاب والانحراف والفكر المسموم فهو جهاد يتلذذ بحرق الاسرى وهم احياء واغتصاب النساء وتسميم الأنهر وجلد الأطفال وقتلهم " .
وتابع السيد عمار الحكيم " ويؤكد البيان على حرمة قتل النفس البشرية او التعرض للاموال والممتلكات بغير ما أحلّ الله تعالى فيقول {الله الله في النفوس ، فلا يُستحلَنّ التعرّض لها بغير ما أحلّه الله تعالى في حال من الأحوال فما اعظم الخطيئة في قتل النفوس البريئة ، الله الله في حرمات عامة الناس ممن لم يقاتلوكم , لا سيما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء , حتى اذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم ، الله الله في اموال الناس فانه لا يحلُ مال امرئٍ مسلم لغيره الا بطيب نفسه ، الله الله في الحرمات كلها ، فاياكم والتعرض لها او انتهاك شيءٌ منها بلسان او يد واحذروا اخذ امرئٍ بذنب غيره ، ولا تمنعوا قوماً من حقوقهم وان ابغضوكم ما لم يقاتلوكم} ، وبهذا تؤكد المرجعية العليا ان عدوكم هو من يحمل السلاح من الإرهابيين ويروم قتلكم ، ويؤشر البيان الى بعض التفاصيل العملية التي قد تلتبس فيها الامور ويقول {فإن وجدتم حالة مشتبهة تخشون فيها المكيدة بكم ، فقدّموا التحذير بالقول أو بالرمي الذي لا يصيب الهدف أو لا يؤدّي إلى الهلاك ، معذرةً إلى ربّكم واحتياطاً على النفوس البريئة} ، هذا هو جهادنا وهذا هو ديننا وهذه هي عقيدتنا وعلى العالم الذي يدعي التحضر ان يميز جيدا بين جهاد الانحراف الإرهابي وجهاد الاسلام المحمدي ، وبين جهاد الطلقاء وجهاد الاصلاء " .
واردف السيد عمار الحكيم قائلا " ويستمر البيان في توثيق الحدود الشرعية لجهادنا ضد الهجمة الإرهابية المنحرفة فيقول {الله الله في حرمات عامّة الناس ممن لم يقاتلوكم} ، {الله الله في اتهام الناس في دينهم نكاية بهم واستباحة لحرماتهم} ، {واعلموا إنّ من شهد الشهادتين كان مسلماً يُعصم دمُه ومالُه وإن وقع في بعض الضلالة وارتكب بعض البدعة} ، اين هذا الفكر الانساني الاسلامي الراقي من فكر التكفير المنحرف ، .. ان جوهر المشكلة ليس في القاعدة او داعش او بوكو حرام او التسميات الاخرى التي يطلقونها هنا او هناك ، وانما هو في الفكر المنحرف والتكفيري المتشدد الذي يخلق البيئة الملوثة التي تساعد على نمو الإرهاب باسم الدين والعقيدة " .
واشار سماحته الى ان " البيان يستمر في اشاعة روح التسامح بقوله {واعلموا ان اكثر من يقاتلكم انما وقع في الشبهة بتضليل آخرين فلا تعينوا هؤلاء المعتلين بما يوجب قوة الشبهة في اذهان الناس حتى ينقلبوا انصاراً لهم , بل ادرؤوها بحسن تصرفكم ونصحكم واخذكم بالعدل والصفح في موضعه , وتجنب الظلم والاسائة والعدوان , ليفتح نافذة للتعامل حتى مع المغرر بهم واعادتهم الى الصف الوطني والى صفوف الشعب وعدم خسارتهم بسبب ما التبس عليهم من امور في لحظة ما " .
واسترسل السيد عمار الحكيم ان " البيان يؤكد في مقطع آخر ان الجرائم الوحشية والظلم الكبير الذي ارتكبه الارهاب الداعشي لا يُواجه باعتداء مقابل وظلم في معاملة الناس والمناطق التي يتواجد فيها الداعشيون بقوله {ولا يظُنَنَّ احدٌ في الجور علاجاً لما لا يتصالح بالعدل فانَ ذلك ينشأ عن ملاحظة بعض الوقائع بنظرة عاجلة اليها من غير انتباه الى عواقب الامور ونتائجها في الامر المتوسط والبعيد ولا اطلاع على سنن الحياة وتاريخ الامم حيث ينبه ذلك على عظيم ما يخلّفه الظلم من شحنٍ للنفوس ومشاعر العداء مما يهد المجتمع هداً} ، وهكذا الاشارات المهمة في سائر فقراته ، ان هذا البيان لا يخص المقاتلين وحدهم ، وانما يعنينا جميعا ، وعلى كل مسلم وعراقي ان يطلع عليه ويتعمق فيه ويعمل به فهو وثيقتنا امام التاريخ في لحظة تاريخية مضطربة توقدت فيها الفتنة ، ومن المهم ان يترجم هذا البيان الى كل اللغات الحية كي يعرف العالم اننا في زمن القتل على الهوية نلتزم بتعاليم رسولنا الكريم محمد {ص} ، وان اتباع اهل البيت لا يقاتلون انتقاما او تشفياً ولا يحرقون اسراهم ولا يقتلون الناس على الهوية كما يصنع ادعياء الجهاد الداعشي في سبايكر وبادوش ومواقع كثيرة اخرى ، ان الفكر المنحرف لم يعد مجرد اجتهاد خاطئ في طيات الكتب ، وانما تحول الى ثقافة منحرفة تنتشر وتنمو وتسبب ضياع الامة وهلاك ابنائها في الخندقين ، خندق غرر بهم وخندق المدافعين عن كرامتها ، علينا جميعا ان نتمسك ببيان المرجعية العليا ونجعل منه نقطة انطلاق نحو مواجهة جديدة وحاسمة مع الإرهاب والانحراف والتأكيد على هويتنا الإسلامية الاصيلة واخلاقنا المحمدية الاصيلة " .
وفي محور اخر قال رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي السيد عمار الحكيم " لقد حدث في الاسبوع المنصرم اختراق أمني كبير تمثل باغتيال الشيخ قاسم الجنابي وابن أخيه وحمايته ومرافقيه ، وهو عمل شائن ومدان ومكشوف الغايات ، حيث يرمي الى تعميق الفتنة الطائفية ونشرها على اكبر مساحة ممكنة من الوطن ، واننا اذ نستنكر هذه الجريمة النكراء بأشد العبارات ونحمل الجهات الأمنية المعنية مسؤولية الكشف عن الجناة بأسرع وقت .. فأننا ندعو جميع الاخوة الشركاء الى عدم التسرع في اطلاق الاتهامات وتوجيه أصابع الاتهام نحو مكون محدد من مكونات الشعب ، وقد كان معيباً للغاية ما انتشر في بعض المقاطع الصوتية من كلمات طائفية غير مسؤولة تفوه بها البعض ، اننا ننتفض لاغتيال الشيعي والسني على السواء لأننا نؤمن ان الشعب مستهدف بكافة مكوناته بسنته وشيعته وعربه وكرده وتركمانه وشبكه , بمسيحييه وصابئته وايزديته ، والغاية من اغتيال الشيخ قاسم الجنابي هي ان تكون سبباً لتبادل الاتهامات وأثارة النعرات الطائفية ، وعليه اوصي الجميع ان لا يشاركوا القتلة في جريمتهم ويساعدوهم على تحقيق مآربهم بقصد او بدون قصد ، ويجب ان نضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه التلاعب بدماء العراقيين ومستقبلهم ووحدتهم ، كما أوجه ندائي الى الاخوة في الأجهزة الأمنية فالظروف الحرجة التي يمر بها الوطن تحتم عليهم ان يكون اكثر يقظةً وحذراً وحرصاً وكفاءة وتنسيقاً فيما بينهم للحد من حدوث خروق بهذا المستوى الكبير في التجاوز على الدولة ومؤسساتها ، وان صبر العراقيين قد نفذ والكيل قد طفح ولا زلنا نستمع الى نفس المبررات غير المقنعة من بعض القادة العسكريين " .
وبشان الاضطراب الامني والارهاب الداعشي فقد قال السيد عمار الحكيم " لقد تابعنا الأسبوع المنصرم جريمة الدواعش من خلال ظهورهم في سيناء المصرية واعتدائهم على عدد من المواطنين المصريين الاقباط على الاراضي الليبية ، وهو تطور متوقع من قبلنا على الرغم من انه قد فاجئ البعض فقد كنا نبهنا اكثر من مرة ومن هذا المنبر على ان الإرهاب ليس حالة خاصة في الجغرافيا العراقية ، وانما هو غدة سرطانية خبيثة لا توجد أي ضوابط لمنع انتشارها ، وقلنا .. انه لا يمكن لأي دولة إقليمية ان تنئى بنفسها عنه وانما هي مسالة وقت ، والان اعيد وأؤكد على ان كل الدول العربية والإسلامية معرضة وبقوة للدخول الى نادي الفوضى ، وان الإرهاب لم يعد حالة محددة بتنظيم او مساحة معينة او مهتماً بقضية محددة ، انما بات ثقافة وهي سريعة الانتشار ، خصوصا ان منافذ الفكر المنحرف مازالت مفتوحة وهي تغذي الإرهاب بالتبريرات والفتاوى المنحرفة التي تمنحه الغطاءات الشرعية والدينية التي يحتاجها ، ولا يمكن الانتصار على الإرهاب بالوسائل العسكرية والأمنية فحسب ، وانما يجب ان تتم مواجهته فكريا وثقافيا وجماهيرياً ، ويجب ان تكون المعركة مع الإرهاب شاملة ومتعددة الجبهات ، لقد ظن البعض ان داعش جاءت كي تقتل الشيعة وحدهم بناء على ادبياتها وشعاراتها ، ولكن تبين اليوم انها باتت تقتل الشيعة والسنة ، وأعلنها اليوم ومن هذا المنبر ان داعش ستقتل من اهلنا السنة اضعاف ما ستقتل من الشيعة او الأديان الأخرى ، وأنها ستتحول الى السرطان الخبيث الذي يعيث الفساد في أكثر من دولة عربية وإقليمية ، ولذلك علينا ان نوحد جهودنا في مواجهة الإرهاب من الموصل الى بنغازي ، فداعش هي وصمة عار على جبين الامة التي سمحت لأصحاب الفكر المنحرف فيها بإصدار أفكارهم المسمومة لينتج عنها داعش واخواتها " .
واستطرد سماحته " وردتنا انباء عن قتل اسرة مسلمة في الولايات المتحدة ، وان دوافع القتل كانت عنصرية أي قتلوا لانهم مسلمين ، وحقيقة ان ردة الفعل العالمية كانت بائسة ومعيبة ، فلم نر أصوات الاستنكار تعلو ولا مسيرات عالمية تحشد ، ولو كان القاتل مسلماً والاسرة من ديانة اخرى تصوروا ماذا ستكون ردة الفعل ، حتى ان الرئيس الأمريكي تأخر عدة أيام كي يصدر استنكاراً على اغتيال اسرة كاملة من مواطني الولايات المتحدة ، فهل هناك عنوان أوضح لمفهوم ازدواجية المعايير ؟ ، وهل هناك عنوان أوضح لمفهوم الارتباك العالمي في تعريف الإرهاب والسلوك العالمي ؟ ، .. القاتل ان كان اسوداً فهو سارق وان كان مسلماً فهو ارهابي وان كان من ديانة اخرى فهو دفاع عن النفس ، ان الإرهاب واحد لأنه دائما ينشا من فكر منحرف سواء كان حامل هذا الفكر مسلم او مسيحي او يهودي ، والفكر المنحرف ينتج إرهاباً وارهابيين ، فلماذا هذه الازدواجية في المعايير ، ولماذا هذا السلوك الدولي المعيب والمحيط في نفس الوقت ، .. اسرة مسالمة تقتل لا لشيء الا لأنها مسلمة على يد شخص إرهابي متطرف باسم المسيحية والدفاع عن السيد المسيح ليستبيح دماء الأبرياء ، وهل نجد من يتهم المسيحية بالارهاب كما يتهم الاسلام من البعض ؟ ، ان ازدواجية المعايير والتعامل الانتقائي مع القيم هو جزء من الفكر المنحرف وهو جزء من العوامل المساعدة على نمو الإرهاب " . انتهى ك