الأحد 28 ديسمبر 2025 - 00:39
الرئيس بزشكيان: ممرات الربط أولويتنا وقد رصدنا الموارد اللازمة لمساري «شمال - جنوب» و «شرق - غرب»

وكالة الحوزة - في حوار مع موقع KHAMENEI.IR، أكد الرئيس بزشكيان أن أولوية الحكومة هي تطوير ممرات النقل الدولية "شمال-جنوب" و "شرق-غرب"، مشيراً إلى تخصيص الموارد اللازمة لها.

وكالة أنباء الحوزة - في مساءٍ شتويٍّ بارد، استقبل رئيس الجمهورية الدكتور مسعود بزشكيان في مقر رئاسة الجمهورية موقع KHAMENEI.IR الإعلامي. وقد شكّلت برامج الحكومة لمعالجة الثغرات، وشرحُ الإجراءات المهمة والاستراتيجية التي اتخذتها الحكومة خلال العام الماضي، والثناءُ على الشعب وصبره ونُبله في ظل الضغوط الاقتصادية الأخيرة، والتأكيدُ على القدرات الوطنيّة وعزم الحكومة على معالجة مشكلات البلاد، وشرح تفاصيل لقاءات رئيس الجمهورية مع قائد الثورة الإسلامية ومتابعاته للقضايا المعيشية والاقتصادية، أهمَّ محاور الحوار مع رئيس جمهورية إيران الإسلامية، الدكتور مسعود بزشكيان.

سعادة الدكتور بزشكيان، لقد أشاد قائد الثورة الإسلاميّة في أحد خطاباته الأخيرة على نحو خاص بخدمات الحكومة، وأكد ضرورة دعمها؛[1] وبعد ذلك صرح في خطاب آخر بأنّ البلاد في طور التقدّم رغم المشكلات والنواقص الموجودة.[2] بالنظر إلى هذين الخطابين وهاتين النقطتين اللتين أشار إليهما قائد الثورة الإسلاميّة، نرجو منكم تقديم تقرير موجز عن أهم الإجراءات التنفيذية للحكومة في العام المنصرم، وشرح مسار تقدم البلاد وتوضيحه للمشاهدين؛ فأنتم بصفتكم رئيساً للجمهورية والمسؤول التنفيذي الأول في البلاد، مطلعون أكثر من الجميع على مسار هذا التقدم.

بسم الله الرحمن الرحيم. قبل كل شيء، يجب أن نثمن دور قائد الثورة الإسلامية الذي قدم دعماً كاملاً للحكومة حتى الآن، سواء في الاجتماعات العلنية أو في اللقاءات الخاصة؛ ولولا دعمه وتوصياته، لواجهنا بالتأكيد كثيراً من المشكلات، ولذا إن هذا الأمر يستحق التقدير.

إن ما نسعى إليه الآن ونعمل على إصلاحه هو موضوع الاختلالات. إذا أردنا الحديث في هذا الشأن، فعلينا القول إن المسار القائم في البلاد يواجه اختلالات كبيرة في كثير من المجالات. قضية الطاقة -التي برزت منذ البداية - وقضية المياه، والقضايا المالية، والإدارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، والثقافية؛ كلها قضايا نواجه فيها هذه المشكلة على نطاق واسع.

عندما تسلمنا الحكومة، كان لدينا عجز في الطاقة قدره 20 ألف ميغاواط؛ هذا العجز في الطاقة نشأ على مر السنين، وبطبيعة الحال، كان الاستهلاك يتزايد من جهة، ومن جهة أخرى لم تكن لدينا تنمية في مجال تقديم خدمات الطاقة، كما كان هذا العام عاماً شحيح الأمطار، إذ انخفض متوسط هطول الأمطار بنسبة تقارب 40% مقارنة بالسنوات السابقة، ولم تكن هناك مياه خلف السدود، وكان لدينا ما يقرب من 14 ألف ميغاواط من الطاقة الكهرومائية، ولكن بسبب نقص المياه خلف السدود، لم نتمكن من الاستفادة منها بالكامل؛ أي إن عجز الطاقة لدينا وصل إلى حوالى 30 ألف ميغاواط. حسناً، بطبيعة الحال كانت هناك حرب، وكان لا بد من حل المشكلات في خضمّ الحرب.

إنّ الجهد الذي بُذل في ما يخص هذه الاختلالات تمثل في البدء بتقليل التكاليف والاستهلاك أو التحكم فيها من جهة، ومن جهة أخرى كان أسرع طريق يمكننا الوصول إليه لتوفير الطاقة اللازمة هو الألواح الشمسية، التي تُعد وسيلة قيمة جداً من الناحية البيئية؛ إذ تمنع انبعاث ما يقرب من مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي مقابل كل ألف ميغاواط. لقد استطعنا حتى هذا العام إدخال أكثر من ثلاثة آلاف ميغاواط من الألواح في دورة إنتاج الطاقة، في حين لم يكن هناك سوى ألف ميغاواط فقط قيد التشغيل طوال السنوات الماضية. هذا المسار مستمر، وغداً أيضاً سيُدخل ما يقرب من ثمانمئة ميغاواط من الألواح الشمسية في الدورة، والأمر يتقدم بسرعة، إذ يُشغّل حوالى ثلاثمئة ميغاواط من الألواح الشمسية كل أسبوع، كما إن العقود المبرمة تصل إلى ما يقرب من ثمانين ألف ميغاواط؛ أي إذا تمكنا من المضي قدماً في مثل هذا المسار، فسنقلل من استخدام الوقود الأحفوري على نحو كبير. من ناحية أخرى، كنا قد أنشأنا محطات تعمل بنظام الدورة المركبة لكنها كانت تستخدم الغاز فقط؛ لدينا ما يقرب من سبعة آلاف ميغاواط من طاقة الدورة المركبة، استطعنا إدخال ثلاثة آلاف ميغاواط منها إلى الشبكة، ولكن لا يزال هناك أربعة آلاف ميغاواط يُعمل عليها.

كان مسار استهلاك الكهرباء يزداد على نحو خمسة إلى ستة بالمئة كل عام، ونسبة خمسة إلى ستة بالمئة تعني احتياجاً إضافياً يبلغ ثلاثة إلى أربعة آلاف ميغاواط. بفضل التوصيات التي قُدمت والبرامج التي نُفذت، حققنا تراجعاً في النمو بنسبة خمسة بالمئة؛ فلم يقتصر الأمر على تفادي الزيادة بنسبة خمسة بالمئة، بل استطعنا تحقيق خفض بنسبة خمسة بالمئة أيضاً؛ أي إننا تمكنا من السيطرة على ما يقرب من ثلاثة إلى أربعة آلاف ميغاواط في هذا الجانب أيضاً. من جهة أخرى، استطعنا خفض الاستهلاك على نحو ألفي ميغاواط عبر الرقابة على أجهزة التعدين الموجودة وجمعها. بناءً على ذلك، أدت هذه الإجراءات إلى حل مشكلات الطاقة إلى حد ما. بالطبع، إن هذه الأعمال مستمرة الآن أيضاً، وسنحاول إن شاء الله ألا نواجه في الصيف المقبل انقطاعاً للكهرباء على النحو الذي كان قائماً، إلا إذا حدث حادث ما لا قدر الله، أو تعطل أحد الخطوط، أو توقف مصنع عن العمل؛ ولكن إنشاء الألواح الشمسية يتقدم بسرعة تجعلنا نأمل، ألا تنشأ مشكلة في تعويض الطاقة، إن شاء الله.

موضوعنا التالي كان يتعلق بالسيطرة على تلك الغازات التي كانت تُحرق. إن العائد الناتج من السيطرة على هذه الغازات التي تُحرق يبلغ نحو خمسة إلى ستة مليارات دولار، وإذا تمكنا من السيطرة عليها، فسيتحقق توفيرٌ كبير. لقد استطعنا حتى الآن السيطرة على ما يقرب من 15 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، في حين أنه في المدد الماضية كلّها، لم يُتمكن من إدارة سوى 9 ملايين متر مكعب إجمالاً. حالياً، أُبرمت عقود مع مقاولين مختلفين بهذا الخصوص في بقية الحقول التي يُحرق فيها الغاز، ويُعمل على المتابعة لإبرام عقود مع الحقول التي لم يجرِ إبرامُ العقود فيها بعد؛ لقد عقدنا اجتماعات ونتابع هذه القضايا لنتمكن من إنجاز مهماتنا.

في ما يتعلق بالممرات التي هي ذات أهمية بالغة، نتابع أعمال ممر آستارا - رشت، زاهدان - تشابهار، والشلامجة - البصرة وعلى الأرجح سننهي هذا العام ممر زاهدان - تشابهار. لقد خُصص حتى الآن ما يزيد ربما على عشرة إلى اثني عشر ألف مليار تومان لهذا الأمر، ومن المحتمل أن علينا دفع مبلغ مماثل أيضاً. اليوم أيضاً عقدنا اجتماعاً في الحكومة عن هذا الموضوع ذاته، وإذا لم تطرأ أي مشكلة، فسننهي العمل المتعلق بهذه الممرات هذا العام بحول الله وقوته. بخصوص ممر الشلامجة - البصرة، فقد أُنجزت الأعمال الرئيسية وارتفعت أعمدته. كان أصعب جزء في هذا الممر هو المكان الذي يجب أن يعبر فيه المسار من ذلك النهر الواقع بيننا وبين البصرة؛ وبالنسبة إلى الأعمدة التي ثُبتت هناك تحت الماء، فقد أُنفِق ما يقرب من ستين مليون دولار، بالإضافة إلى عمليات تطهير الألغام التي كان ينبغي إنجازها وقد أنجزناها. بالطبع، على الجانب العراقي أيضاً إنجاز بعض الأعمال وهم يتابعونها كذلك. ممر آستارا - رشت كان أيضاً مشروعاً متوقفاً ونحن بصدد المضي به قدماً. عندما تسلمنا المسؤولية، كانوا قد تمكنوا من استملاك حوالى 30 كيلومتراً فقط من أصل 160 كيلومتراً من المسار. أما الآن، فقد استملكوا ما يقرب من 115 كيلومتراً؛ أي إن عدد الأراضي التي تُستملك يزداد كل أسبوع، وقد وعدوا بإتمام هذا المشروع بحلول نهاية هذا العام إن شاء الله. نحن نتابع أسبوعياً لنتمكن من استملاك المسار بالكامل، وهناك قرض متاح وسيبدأ هذا المشروع بموجب ذلك القرض، والآن حضر الخبراء وهم يباشرون هذا العمل.

تحسنت علاقاتنا بالجيران كثيراً. لقد تقدّمت علاقاتنا مع دول الجوار في كثير من المجالات، سواء الثقافية أو العلمية أو الاقتصادية. تحسّن مسار العلاقات كثيرًا مع أذربيجان وأوزبكستان وتركمانستان وأفغانستان وباكستان والعراق وتركيا، وكذلك في الخليج الفارسي مع عُمان والإمارات وقطر وما شابه ذلك. رغم هذه المشكلات الموجودة كلها، فإن مسار اتصالاتنا الدولية آخذ في التعزّز، وقد أُقيمت اتصالات جيدة جداً مع الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان. نحن الآن بصدد إصلاح المسارات، فالممرات هي أولوية الحكومة حالياً. لقد رصدنا الموارد اللازمة لمسار الشمال - الجنوب والشرق - الغرب، وسنتحرك في العام المقبل بسرعة أكبر بكثير؛ سواء من حيث إنشاء الطرق والقطارات والسكك الحديد، أو من حيث العربات والمحركات والمعدات التي يجب أن تتوافر. نحن نتابع هذه الأعمال كلها لنحل المشكلات.

في مجال القضايا الاجتماعية، أُنجزت أعمال كبيرة في ما يتعلق بمحوريّة المساجد، ومحوريّة الأحياء، ومشاركة الناس. بطبيعة الحال، وبما أنها قضايا اجتماعية، فربما لا يمكن التعبير عنها بلغة الأرقام؛ كما إن هذه القضايا تستغرق وقتاً، وتغيير السلوك ليس بالأمر الهين بالتأكيد. في هذا الصدد، وجّه قائد الثورة الإسلاميّة أخانا العزيز الحاج الشيخ علي أكبري بالتنسيق، وقد أدخلوا نحو عشرة آلاف مسجد في صلب العمل. لقد أشركنا مراكزنا الصحية في هذا الإطار، وأشركنا المدارس، كما أُنجز عمل كبير في ما يخص التربية والتعليم؛ إذ شاركنا الشعب بإزالة المدارس المتنقلة جميعها، وإزالة المدارس الحجرية، وبُنيت مدارس في الأماكن التي كانت تفتقر إليها. ذلك كله أُنجز بفضل مساعدة النّاس والعلاقات بين القطاعات والمتبرعين الذين كانوا موجودين. لقد بُني أكثر من عشرة ملايين متر مربع من المساحات، والبناء مستمر حالياً بسرعة. إضافة إلى بناء المدارس، كان هناك موضوع التجهيزات داخل المدارس وما يحتاجه أبناؤنا ليتلقوا تعليماً كافياً في تلك البيئة. الأهم من ذلك هو أسلوب التعليم وطريقة التدريس في صفوفنا. لقد تغير الآن ترتيب الصّفوف الدراسية، وتغيّرت كيفيّة التدريس، وسيُصلح أسلوب أنواع التعليم هذه يوماً بعد يوم، وهي في طور الإصلاح فعلياً. بالطبع، ينصبُّ جل تركيزنا على المدارس الحكومية ومدارس المناطق المحرومة، ونحن نتابع تحقيق العدالة التعليمية التي نتحدث عنها.

إحدى القضايا المهمة هي مسألة الإدارة وتفويض الصلاحيات. في الاجتماع الذي عقده قائد الثورة الإسلاميّة مع المحافظين، كانت توصيته هي أن يتمتع المديرون بالصلاحيات، وهذه هي رؤية قائد الثورة الإسلاميّة منذ زمن بعيد. لقد تجلت هذه الصلاحيات بوضوح خاصة في حرب الاثني عشر يوماً، إذ كانت المحافظات تؤدي مهماتها دون أن نواجه أي مشكلة؛ وكان ذلك بفضل الصلاحيات التي فُوّضت. بالطبع، سجل مجلس الشورى الإسلامي الموقّر بعض الإشكالات القانونية التي نحن بصدد حلها أيضاً. إن إيماننا وقناعتنا يكمنان في ضرورة تفويض الصلاحيات للمحافظات لتمكينها من إنجاز أعمالها، إذ لا يحتاج المحافظ أو القائم مقام أو رئيس الجامعة أو المدير العام للمجيء إلى طهران لطلب الإذن عند كل إجراء. في هذا الصدد أيضاً، اتُخذت إجراءات مفيدة جداً وحققنا نتائج طيبة جداً، وهي مفصلة بالطبع، ولو أردت عرضها عليكم لاقتصر حديثي على هذا المسار الذي يتبلور الآن.

في ما يخص الصحة والعلاج، بدأنا مشروع «طبيب الأسرة»، ونحن حالياً بصدد الوصول إلى لغة ورؤية مشتركة؛ ذلك أن ما يجب فعله واضح نظرياً، ولكنه في كثير من الأحيان لا يُطبق عملياً كما يُقال. في الاجتماعات التي عقدناها، اختير ما يقرب من 63 مدينة ومنطقة لإنجاز هذا العمل، وفي خمس من هذه المدن، اختيرت المقاطعة بالكامل. على أي حال، إن أسلوب العمل واضح؛ وما عليهم سوى أن يتعلموا كيف يؤدون المهمة. المسألة واضحة جداً؛ فخطة طبيب الأسرة تحدد من المسؤول عن أي مجموعة، وما هي الخدمات التي يجب تقديمها لتلك المجموعة، وفي النهاية كيف تُدفع المستحقات لمقدم الخدمة هذا. إذا أنجزنا هذا العمل، فهذا يعني أنه لن يبقى إنسان في كامل البلاد غائباً عن أعين نظام الحكم؛ لأن الموجودين كلهم - سواء أكانوا فقراء أم أغنياء، في مناطق نائية أم قريبة - سيتضح من يجب أن يقدم لهم أي خدمة وبأي جودة، دون وجود علاقة مالية مباشرة. إذا استطعنا إنجاز ذلك، فسنطبق العدالة بمعناها الحقيقي في نظام الصحة والعلاج. بالطبع، إن هذا التغيير في السلوك ليس بالأمر الهين، وهذه المسائل بحد ذاتها محل نقاش.

في القضایا المالية والنقدية أيضًا، أنشأنا منظمة تحسين وإدارة استهلاك البنزين والمازوت، ولديهم الآن برامجهم الخاصة. في الواقع، لقد كسرنا ذلك الـ«تابو» المتمثل في محظورية المساس بسعر البنزين. بدأنا بأنفسنا؛ أي إن السيارات الحكومية الآن لم تعد تملك بطاقات وقود، وعليها أن تتزود به بالسعر الحر؛ وكذلك في المناطق الحرة، وللمركبات الجديدة. لم نتدخل حالياً في بقية الأمور، ولكننا نسعى إلى إصلاح قضايا قطارات ضواحي المُدن، وتحسين النقل العام، لكي نتمكن لاحقاً من التدخل أيضًا في أسعار النقل بين المدن. إن أهم قضية نتابعها هنا هي معيشة الناس؛ فهذا هو الهاجس الذي ربما نناقشه كل أسبوع مع الحكومة ومع هؤلاء الأعزاء. يجب أن نأخذ الموارد في الحسبان لكي تتوافر المصادر اللازمة، وبناءً على هذه الموارد نتمكن من تحسين معيشة الناس.

سيادة الدكتور، أنتم تستيقظون عند الساعة السادسة والنصف صباحًا وتكونون على رأس عملكم عند الساعة السابعة؛ في أيّ ساعة تنامون ليلًا؟

يختلف الأمر؛ فنحن في كثير من الأحيان نستيقظ مثلاً في الساعة الخامسة صباحاً ونعود في الساعة الثانية عشرة ليلاً.

سألتُ عن هذا الأمر لأن بعض وسائل الإعلام الغربية، وعبر تحريف بعض مواقفكم وتصريحاتكم، تروج لمسار دعائي مفاده أن مؤسسة الحُكم في الجمهورية الإسلامية ورئيس الجمهورية عاجزان عن المحاربة وحل المشكلات. فما هو رد الدكتور مسعود بزشكيان على هذه الادعاءات المغرضة والمعادية؟

التفت، بناءً على التحليلات كافة التي كانت لديهم، كانت قناعتهم أن النظام سينهار إذا هاجم الكيان الصهيوني إيران. لماذا لم ينهر؟ لقد كانت حساباتهم كلها قائمة على أنه إذا شنّ هؤلاء هجومهم، فسينزل الناس إلى الشوارع، وستظهر الأزمات، وتتأزم معيشة الناس، وتتعطل مختلف القضايا الخدمية.

وبالطبع، في أيام الحرب، كانت الخدمات الحكومية مستمرة على نحو منتظم.

كانت أفضل من الماضي، لأن الصلاحيات كانت بيد المحافظين؛ فعلى سبيل المثال، استطاعوا في تلك الأيام الاثني عشر نقل أكثر من عشرة ملايين طن من البضائع في جماركنا. أولئك السائقون أنفسهم الذين كانوا معترضين، نزلوا إلى الميدان بشهامة ورجولة؛ والشعب الذي كان معترضاً، دافع ببسالة عن النظام وعن وحدة أراضي البلاد؛ أي إنهم في الحقيقة عبّروا عن التناغم الداخلي في مواجهتهم، كما أثبتوا حضورهم ومواكبتهم. هذه قيمة عالية جداً تظهر أن على الحكوميين والسياسيين أن يؤمنوا بهذا الشعب وأن يكونوا رحماء به. مسعانا كله هو أن نخدم هذا الشعب بكل ما أوتينا من قوة، بصدق ودون أي مَنٍّ، وأستطيع القول إننا لا نسعى إلى شيء آخر سوى خدمة هذا الشعب. الشعب بدوره، رغم هذه الضغوط الموجودة كلها، كان داعمًا لنا جداً. كانت حسابات هؤلاء كلها أن البلاد ستنجر إلى الفوضى إذا شنّوا هجومهم؛ لكن الناس دافعوا عن عزيزتهم إيران، وعن بلدهم، وعن دينهم، وعن ثقافتهم، وعن القيادة. في عام 2022 حدث حدث ما. أما في عام 2025، فقد نزل الجميع إلى الشوارع وقالوا أرواحنا فداء للقائد. ماذا حدث؟ إن هذه الرؤية لدى الشعب وعودة ذلك الرأسمال الاجتماعي كانتا تبعثان على الأمل الكبير، ومهما قدمنا من خدمة لهذا الشعب فسنبقى مقصرين؛ لذا آمل ألا نكون في موضع خجل أمام شعبنا العزيز.

ما هو ردكم على هذه الادعاءات المغرضة التي ذكرتُها؟ فعلى سبيل المثال، تنشر وسائل الإعلام الغربية أخيراً تحليلات عن شخصكم تزعم أن السيد بزشكيان يقول «أنا لا أستطيع!»؛ في حين أن هذا يتناقض تماماً مع ما تؤدونه من أعمال.

بالطبع، لقد قلتُ مراراً «أنا لا أستطيع»، بل «نحن نستطيع». مشكلات البلاد ليست من النوع الذي أستطيع حلها بمفردي - وقد قلت هذا مراراً - ولكننا سنتخطّى بكلّ قوّة هذه المشكلات، والحظر، والضغوط التي يمارسونها. من المستحيل أن نكون معاً ويتمكنوا من الإيقاع بنا. حين أقول بضرورة الوحدة والوفاق، فذلك لأنني أؤمن بهذا وأعتقد به. إذا اتحدنا، سواء داخل البلاد أو مع جيراننا، فلن تتمكن أمريكا من استغلال دول المنطقة على هذا النحو. نحن من نملك القدرة على حل المشكلات. بالطبع، إن المشكلات القائمة لا يمكن حلها بهذه السهولة. لقد أجروا حساباتهم؛ فليس الحال أنّهم أتوا دون أن يُجروا حسابات؛ هم يعملون في الجوانب كافة: اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وأمنياً وإعلامياً. إن بلادنا تقف على قدميها. قد وضعوا خطة تقضي، على سبيل المثال، بضرورة إسقاط إيران في 36 شهراً! حتى الأمس كانوا يقولون إنها قد تسقط في غضون اثني عشر يوماً، والآن كتبوا: ستة وثلاثين شهراً. إذا كنا معاً، فلن يتمكنوا من فعل ذلك ولو بعد ستة وثلاثين ألف عام. لكي نكون معاً، يجب أن نصل إلى لغة ورؤية مشتركة، وعلينا أن نسير خلف سياسات قائد الثورة الإسلاميّة، ونعمل على تنحية الخلافات جانباً؛ لأن كل خلاف يؤدي إلى انعدام التناغم في مسار نظام الحكم. لقد سدّ هؤلاء الطرق أمامنا، ولكننا سنجد الطريق، وإن لم نجد طريقاً فسنصنعه. إذا كنا معاً، فهذا ممكن؛ أما إذا تخاصمنا، فليس ممكناً؛ لأنها قضية جماعية وعامة، ويجب أن نتحرك في هذا الإطار ونعمل بتنسيق وتناغم.

أشار قائد الثورة الإسلامية إلى أنه رغم تغير الحكومة، فإن بعض السياسات والمشاريع الكبرى للنظام لا تزال تمضي قدماً، وإن السيد بزشكيان شخصياً، بوصفه رئيساً جديداً للجمهورية، يواصل استكمال بعض مشاريع الحكومة السابقة.[3] نرجو منكم أن تقدّموا لنا توضيحات بشأن بعض هذه المشاريع، وأن تفيدونا بما إذا كانت قد حقّقت نتيجة، أم غُيِّر في مسارها بناءً على تقديركم التخصصي.

التفتوا! في رأيي، كانت مشكلتنا حتى الآن هي أن كل من يأتي يضع برنامجاً خاصاً به؛ في حين أننا لو قَبِلنا بأن لدينا سياسة عامة، ولدينا رؤية وبرنامجاً لعشرين عاماً، [لاختلف الأمر]. لقد حدد قائد الثورة الإسلاميّة في وثيقة الرؤية العشرينيّة أين يجب أن نكون في عام 2025؛ فلو كنا قد عملنا بتلك السياسات، فهل كنا سنصبح في المكان الذي نحن فيه الآن؟ لماذا لسنا هناك؟ لأن كل من جاء اعتقد أن لديه برنامجاً؛ بينما كان لدى نظام الحُكم برنامج، وسياسته كانت واضحة، وكان على كل من يأتي أن ينفذ ذلك البرنامج وتلك السياسة. في مدة الانتخابات، كان الجدل المثار معي يتمحور حول هذا الأمر، إذ كانوا يقولون «أنت لا تملك برنامجاً». لا يمكن أن يكون للدولة سياسة وبرنامج، ثم يأتي شخص ليطرح برنامجاً آخر. أنا لا أستطيع أن أنحي جانباً البرنامج الذي نفذه هؤلاء في إطار تلك السياسات، لأختار برنامجاً آخر وطريقاً آخر. رغم المشكلات الموجودة كلها، نحن نواصل السير ضمن ذاك المسار بقوتنا كلها.

تلك الأعمال كلها التي كانت قائمة منذ الماضي وافتتحناها - سواء في ما يتعلق بالإسكان، أو المشاريع غير المكتملة في الطرق، والسكك الحديد، أو المياه والصرف الصحي - فقد أعلنا هناك أيضاً أن هذا كان عملهم ونحن من افتتحناه؛ فقد يكونون قد أنجزوا ثمانين بالمئة، وأكملنا نحن العشرين بالمئة المتبقية. ينبغي ألا نتصور أننا نؤدي أعمالاً لم يؤدِّها الآخرون؛ في الواقع، نحن نواصل الطريق الذي سلكوه، ونرتب حالياً الأولويات. لدينا مشاريع متوقّفة تقدر قيمتها بنحو سبعة آلاف ترليون تومان وهذا أمر غير مقبول بتاتاً من الناحية العلمية والإدارية. نحن الآن عندما نذهب إلى أي محافظة، نتابع كل قرار من القرارات وننفذه حرفياً. ابحثوا وتابعوا لتروا في أيٍّ من هذه المحافظات التي زرناها، كان لدينا قرار ولم ننفذه؛ ففي بعض الأماكن، يُعمل بنسبة مئة بالمئة وفقاً لما قيل وكُتب. ينبغي لنا ألا نطلق وعوداً لا ننفذها أو لا نستطيع تنفيذها. نتيجة لذلك، نحن نسعى الآن إلى متابعة تلك المسارات والمشاريع القائمة بناءً على الأولويات، وبقوة وحزم.

أرجو أن تذكروا نموذجين أو ثلاثة.

على سبيل المثال، مشروع «مسكن مهر»؛ لقد أنجزنا أكثر من خمسين ألف وحدة سكنية للمحرومين، بالإضافة إلى الوحدات السكنية التي لم تكن مكتملة. في ما يتعلق بمشاريع إمداد المياه، كان المسار المقرر لإيصال مياه طالقان إلى طهران مشروعاً كبيراً؛ وقد خصصنا له الميزانية وأتممناه، وهو المسار ذاته الذي كانوا قد واصلوا العمل فيه. مثلاً ممر زاهدان - تشابهار كان قد بدأه هؤلاء ونحن بصدد إتمامه؛ وحتى مسار آستارا - رشت بدأوه هم، ولكننا نمضي قدماً بقوة لإنهاء العمل فيه. حالياً يُعمل على المشاريع المتعلقة بالطاقة النووية في بوشهر، التي ستنتج قرابة ألفي ميغاواط من الكهرباء؛ ونحن نتابع هذه الأمور بكل قوة. بالطبع، سيستغرق الأمر وقتاً وليس بهذه البساطة. نحن لم نبتدع شيئاً من عندنا؛ فهذه قضايا كلها كانت موجودة من قبل ونحن نواصل المسار ذاته.

سيادة الدكتور، لقد نبّه قائد الثورة الإسلاميّة مراراً بشأن معضلة الإسراف في مختلف المجالات، مثل المياه، والخبز، والطعام، والوقود، والطاقة، وعدّ ذلك معضلة كبرى. ما هو برنامج حكومتكم على نحو محدد للحد من الإسراف في مختلف المجالات؟

نحن ننجز هذا العمل، وقائد الثورة الإسلاميّة يساعدنا كثيراً بدعمه وتوصياته. بفضل التوصيات التي قُدمت، انخفض استهلاك المياه بنسبة 10%. هل تعلمون كم مليون متر مكعب سنوياً تعادل هذه النسبة؟ من جهة أخرى، كما خفضوا مقدار استهلاك المياه، فقد خفضوا استهلاك الطاقة الكهربائية أيضاً. لقد قلتُ مراراً إننا ننتج ما يقرب من 180 مليار دولار، أي يومياً مثلاً قرابة 9 ملايين برميل من النفط والغاز؛ نصدر منها حوالى مليون ونصف مليون برميل، ونستهلك الباقي؛ فإذا وفرنا 10% فقط - وهو أمر ممكن ومن السهولة بمكان - سيعادل ذلك يومياً نحو تسعمئة ألف برميل من النفط والغاز. هذه النسبة وحدها كفيلة بسد الثغرات الموجودة كافة؛ أي تلك المشكلات كلها التي يستاء الناس من وجودها حالياً؛ سواء في المعيشة، أو الطرق، أو المسارات، والأمور التنمويّة اللاحقة. فبدلاً من أن نحرق مثلاً تسعة ملايين برميل من النفط والغاز، لنوفّر 10% منها؛ إن هذا رقم ضخم جداً.

نحن نستهلك من الكهرباء ضعفي أو ثلاثة أضعاف ما تستهلكه أوروبا؛ أما الغاز الذي نستهلكه، فلا يمكن مقارنته بهم أبداً. نحن الدولة الثانية من حيث الغاز والطاقة، ولكننا الآن نقطع الغاز عن الصناعات والبتروكيماويات والمصانع؛ لماذا؟ لأننا لم نُدِر الأمر على نحو صحيح، ولم نخصص الموارد على نحو صحيح، ولا نستهلك على نحو صحيح. ليس من الضروري أن نستهلك بهذه الطريقة التي نستهلك بها الآن. نحن نضبط درجة الحرارة على 28 أو 30، بل ونخلع قمصاننا أيضاً؛ وفي بعض الأحيان نفتح النافذة بينما المدفأة أو جهاز التدفئة يعمل! يقول القرآن الكريم: {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31)؛ لا يحب الله من يسرف. نحن نجلس في غرفة واحدة ونشعل أربعين مصباحاً! ما الضرورة لذلك؟ لو سيطر كل فرد على استهلاكه قليلاً، لاستطعنا حل كثير من مشكلاتنا. نحن لسنا بحاجة إلى الآخرين أبداً، بشرط أن نتمكن بأنفسنا من إدارة ما نملك. بلادنا مليئة بالذهب والمعادن، ولكن سلوكنا هو الذي يحدد ما إذا كنا سنحقّق نتيجة وفائدة من هذا الذهب وهذه المعادن أم لا.

هل يعني هذا أن درجة الحرارة هنا لا تتجاوز 21 درجة؟

لقد اعترضت فور وصولي إلى هنا؛ إذ ليس من حقهم أبداً تدفئة المكان في حال غيابنا.

لا، لم يكن الجو دافئاً يا دكتور.

كانوا يقولون إنهم أشعلوا التدفئة لتوّهم، وإلّا فنحن قد أطفأناها. لقد توقفنا عن تشغيل «الشوفاج» (المدافئ) في معظم غرفنا؛ فلا داعي لأن تظل المدفأة تعمل في مكانٍ لا أتواجد فيه. هل يُعقل أن أحتاج إلى غرفةٍ ساعةً واحدة، فتُدفأ طوال الأربع وعشرين ساعة؟ أنا أنجز أعمالي في مكان واحد ولا أتنقل من غرفة إلى أخرى؛ فما الحاجة إلى ذلك كله؟

إنَّ ترشيد الاستهلاك أمرٌ في غاية السهولة؛ هذه هي توصية سماحة القائد، والله تعالى يقول: «إن كنتم مسلمين فلا تسرفوا».

حين أريد قراءة كتاب في مكتبي الآن، يضيئون مبنىً كاملاً لمجرد أنني جالس هناك! لماذا؟ لقد وضعنا مصباحًا للقراءة وننجز أعمالنا على ضوئه، ولا حاجة لي ببقية المكان، لذا نطفئ سائر الأضواء. ما الداعي لإضاءة الغرفة بأكملها من أجل توقيعين؟ لو استطعنا توفير 10% فقط، لكان ذلك رقماً ضخماً بحدّ ذاته، ورغم ذلك فنحن نراقب الأمر بدقة تفوق هذه النسبة بكثير.

لقد كان هناك مسبحٌ هنا يُدفأ باستمرار، فسألتهم: لماذا تُبقون هذا المكان دافئاً؟ قالوا: لعلكم تأتون يوماً للسباحة! فأمرتُ بإغلاقه، فلا ضرورة له أبداً. متى ما أردتُ السباحة سأذهب إلى مسبحٍ عام؛ ليس من الضروري صيانة مسبحٍ خاص وتدفئته على مدار الساعة تحسُّباً ليومٍ قد يخطر ببالي فيه أن أسبح.

في اعتقادي، نحن نعيش حرباً شاملة مع أمريكا و"إسرائيل" وأوروبا؛ إنهم لا يريدون لبلدنا أن يقف على قدميه. هذه الحرب أشدّ من حرب العراق علينا؛ فإذا أدرك المرء حقيقة الأمر، سيجد أن هذه الحرب أكثر تعقيدًا وصعوبة من تلك. في الحرب مع العراق، كانت الصورة واضحة؛ كان يطلق صاروخاً فنعرف أين نرد. أما هنا، فهم يحاصروننا من كل جهة، ويضيّقون ويضغطون علينا، ويفتعلون لنا الأزمات - اقتصاديًّا وثقافياً وسياسياً وأمنياً - وفي الوقت ذاته يرفعون سقف التوقعات لدى المجتمع؛ فهم من جهة يمنعون مبيعاتنا وتبادلاتنا وتجارتنا، ومن جهة أخرى تتصاعد المطالب في الداخل! بناءً عليه، علينا جميعاً أن نبذل قصارى جهدنا للمساعدة، والعمل على معالجة أوضاع البلاد.

سعادة الدكتور، يبدو أن العدو، بعد إخفاقه وهزيمته في «حرب الـ12 يوماً»، قد عمد إلى تغيير سلوكه وسياسته، ولجأ إلى نوع من العمليات النفسية والإعلامية القائمة على الترويج بأن إيران عموماً، والحكومة خصوصاً، في موقع ضعف، ولا خيار أمامنا سوى الاستسلام. بوصفكم رئيساً للجمهورية ورئيساً للمجلس الأعلى للأمن القومي، ما هو ردكم على هذا الخط الإعلامي؟

دعهم يغرقون في أوهامهم هذه؛ فبمثل هذه الأوهام هاجمونا من قبل، ولكن النتيجة كانت زيادة الوحدة والتناغم الداخلي. إن ما يفعله سماحة القائد حالياً من إيجاد تنسيق بين السلطات خلف قيادته، وإذا ما تحقّق التآزر والتعاضد، فلن تستطيع أيّ قوّة أن تُقعد شعبًا متماسكًا ومتّحدًا. الهمّ الذي يشغلني - وهو أهمّ من أيّ قوّة عسكرية - هو التناغم والوحدة الداخلية، ووضع الخلافات جانبًا، ومدّ الأيدي بعضُنا إلى بعض، والعمل على حلّ المشكلات.

لماذا نادينا بأن تكون الأعمال محليّة ومحورها الأحياء ومحورُها المساجد وإشراك الناس في الأمر؟ لأن الشعب يجب أن يشارك ويسهم في صنع السياسات. علينا أن نُشرك الشعب في القرارات. كيف أدرنا دفّة الحرب؟ هل كانت الحكومة تملك المال آنذاك؟ في ذلك الوقت، كانت أمريكا والدول العربية تدعم العراق وتمدّ صدام بالعون؛ فهل استطاعوا انتزاع شبر واحد من أرضنا؟ لقد ساندتهم القوى الكبرى كلها، ولكن الشعب هو من تصدى وصنع النصر.

نحن نريد ذاك الشعب، وتلك الإدارة بالروحيّة ذاتها؛ أي نحتاج إلى مواطنين ومديرين يؤمنون بأن هذا البلد بلدهم، وأن هذه المنطقة ملكهم، وأنهم قادرون بكيانهم كله على حل مشكلاتهم.

نحن ماضون في حل معضلاتنا؛ وما يقلقني - وقلته مراراً - هو قدرتنا على تنحية الخلافات جانبًا. إنهم يسعون إلى تأجيج نيران الاختلاف، وعلينا الحذر كي لا تستفحل. إن وُجدت خلافات، فلتُناقَش خلف الأبواب المغلقة؛ ولكن حين نخرج إلى العلن، يجب أن يصدر صوت واحد من النظام، وهو الصوت الذي يجسد التوجهات والمسارات التي يحددها سماحة القائد. قد يضمر قلبي شيئاً آخر، ولكن حين يتحدد المسار، على الجميع السير فيه.

إذا كنا جميعًا يداً واحدة، فسنتغلب على هذه الصعاب مهما فعلوا. إذا استطعنا إرساء العدل والإنصاف في البلاد وإشراك الناس في القرارات والسياسات، ورأى الشعب حجم التحديات التي نواجهها، فإنه سيهبّ بنفسه للمساعدة، وسيعمل على حلها.

في الوضع الراهن، تشتد الضغوط الاقتصادية، وكثير من الناس يدركون ذلك. إلى أي مدى يشعر السيد رئيس الجمهورية بالظروف المعيشية للمواطنين ويتابعها؟

نحن ندرك المشكلات الاقتصادية التي يواجهها الناس بكياننا كله. لقد كنا نبيع النفط بنحو 75 دولاراً، والآن نبيعه بـ50 دولاراً؛ أي إننا نبيعه بأقل من سعره السابق بـ25 دولاراً. فمن جهة، اشتدت الضغوط وانخفضت عوائدنا، ومن جهة أخرى كانت هناك ظروف الحرب التي أدت إلى تراجع في مستوى الخدمات والإنتاج. رغم ذلك كله، تقرر تحويل ما يقرب من مليارين ونصف مليار دولار وصرف القسائم التموينية الضرورية، لنتمكن من دفعها للفئات المستهدفة قدر الإمكان.

حتى عائدات البنزين هذه - ورغم أن مبلغ خمسة آلاف تومان ليس رقماً كبيراً - فقد تقرر أن ما تحصله الحكومة من هذه الزيادة، سينفق كله بالكامل على القسائم التموينية أو في تحسين معيشة الناس. لقد تحدثنا مع البرلمان بشأن العام المقبل لتأمين معيشة المواطنين على أي نحو؛ إذ يجب أن نصل مع البرلمان والنواب، بل ومع أركان الحكم كافة، إلى لغة ورؤية مشتركة؛ فالمواضع التي ينبغي ألا نُنفق فيها المال يجب ألا نُنفق فيها، وحيث يجب ألا يُقدّم الدعم الحكومي فلن نفعله، أما حيث يجب التقديم، فعلينا أن نتفق على ذلك.

في قضية البنزين هذه، هل تتخيلون حجم الدعم الذي نقدمه لكل خزان وقود؟ بناءً على هذه الحصص التي نوزعها، يصل الدعم شهرياً إلى ما يقرب من ثمانية ملايين تومان، هذا إذا كان استهلاك الفرد في حدود 60 أو 100 لتر؛ أما إذا استهلك أكثر، فقد يصل الدعم إلى نحو عشرين مليون تومان لكل خزان! إذا كان لدى الشخص سيارتان، فانظروا كم سيبلغ حجم الإنفاق. لماذا ننفق المال بهذه الطريقة؟ لماذا لا نوزع هذا الدعم على الجميع بالتساوي؟ حين نتدخل للإصلاح، تتعالى صرخات بعض الأشخاص متسائلين: لماذا ترفعون الأسعار؟ نحن لا نرفع الأسعار، بل نريد أن نوزع العوائد على الجميع. إذا كان من المقرر أن أمنح دعماً لخزان وقود سيارة واحدة بمقدار 7 أو 10 أو 20 مليوناً، فمن الأحرى أن أمنحه للناس كلهم، كلٌ حسب حصته.

على إعلامنا أن يدافع عن هذا التوجه ويرسخ ثقافته. لن نقتطع أي مبلغ لسد عجز ميزانية حكومتنا، ولن نأخذ شيئاً من الدعم، لكننا نريد توزيع هذا الدعم على الجميع. ليس من العدل أن أحصل أنا - الذي أملك سيارات عدة في منزلي - على دعم يصل إلى 8 أو 9 أو 10 ملايين عن كل خزان وقود.

بناءً على الإحصاءات، يبدو أن 50 إلى 60 بالمئة فقط من المواطنين يملكون سيارات خاصة.

نعم، وهذا موضوع يستحق النقاش وهو واضحٌ تماماً. لماذا لا نعطي المال للجميع ونخص به فقط من يملكون سيارات؟ هذه الثقافة يجب أن تترسخ. لقد قررنا في العام المقبل أن نتحاور بشأن هذا الأمر مع الناس ومع النواب ومع أعضاء الحكومة لنصل إلى لغة مشتركة. نحن لا نريد مالاً للحكومة؛ نريد أن نمنح هذا المال للجميع، لا أن يستحوذ من يملك سيارات عدة على الدعم كله. لقد استوردنا هذا العام بنزيناً بنحو خمسة مليارات دولار؛ اشتريناه بـ60 ألف تومان ونبيعه بـ1500 أو 3000 تومان! لماذا؟ وفي المقابل نعجز عن تأمين معيشة الناس.

وبناء جسور الثقة معهم. إن إجمالي الميزانية التي قدمناها للبرلمان هذا العام شهدت نمواً بنسبة 2% فقط، بينما كانت في السنوات السابقة ترتفع بنسبة 40% أو 50%. لقد سعينا إلى تقليل نفقاتنا، وقلنا للبرلمان: قللوا من نفقاتنا قدر المستطاع، ولا حاجة إلى إضافة تكاليف جديدة.

قالوا إنكم أعددتم موازنة العام المقبل على نحو انكماشي جدًا.

لا يزال هناك مجال كبير؛ لا يزال هناك مجال كبير لأن نتمكن من خفض كثير من نفقاتنا. لماذا نتكلّف نفقات إضافية؟ إن إنتاجية الموارد البشرية ونوعية خدماتنا يمكن أن تكون أفضل بكثير من ذلك، وهذا عمل يحتاج إلى تعاون وتناغم وتفاهم. هناك أفعال كثيرة يمكننا تجنّبها. إن معيشة الناس أولوية بالنسبة إلينا. يمكنني ألّا أدفع على الهاتف المحمول، ولكن يجب أن أدفع لمعيشة الناس. حتى الآن دُفع مليار ونصف لاستيراد الهواتف المحمولة، بينما نحن اليوم نعاني في معيشة الناس وفي المواد الأولية والسلع الأساسية. صحيح أننا لم نمنحها عملة تفضيلية، لكننا في النهاية قدّمنا عملة. إذًا يجب أن أوجّه العملة أولًا إلى معيشة الناس، ثم إن بقي فائض أوجّهه إلى سائر الشؤون؛ وإن لم يبق فائض، فليقم بالتصدير، وعلى أساس صادراته يحصل أيضًا على خدماته من تلك الصادرات.

هذا الأمر يحتاج إلى تغيير في الفكر، ويحتاج إلى تثقيف. الكهرباء على هذا النحو، والغاز كذلك. هذا أمر ينبغي أن تُسهم فيه منظمة الإذاعة والتلفزيون لدينا، ونوّابنا الأعزّاء، والحوزويون الأعزّاء، وأحزابنا السياسية، لكي نُقيم العدالة والإنصاف في هذا البلد. عندها لن يعاني أحد من مشكلة الجوع أو المعيشة. لدينا المال، لكننا نسيء إنفاقه؛ ويجب أن نُحسن إدارة ذلك.

سيادة الدكتور، هل عقدتم هذا الأسبوع أو الأسبوع الماضي لقاءً مع قائد الثورة الإسلامية بشأن القضايا الاقتصادية والمعيشية؟ في آخر اللقاءات التي عقدتموها معه، ما الملاحظات والنقاط المحدّدة التي طرحها سماحته في ما يتعلّق بمعيشة الناس والقضايا الاقتصادية؟

طبعاً، نجد فرصةً كلّ أسبوع للتشرّف بلقاء سماحة قائد الثورة الإسلامية، ونتشاور معه بشأن التقارير والتوجّهات القائمة. يقدّم سماحته لنا، ولسائر السلطات، وللجهات الأخرى حيثما يلزم، توصياتٍ تُسهم في ضبط الأمور إلى حدٍّ ما. انظروا: إنّ هاجس سماحة قائد الثورة الإسلامية، في الأولوية الأولى، هو معيشة الناس؛ أي إنّ أهمّ هواجسه هو معيشة الناس. الأعمال التي ننجزها والبرامج التي نضعها تحتاج إلى أن نتشارك جميعًا فيها ونتقدّم معًا؛ فإذا تحقّق ذلك، وتناسقت وسائل إعلامنا، ومجلسنا، وبقيّة الأجهزة، ففي وسعنا على الأقل في العام المقبل أن ننجز عملاً يمنع وقوع الناس في ضيقٍ معيشي، وأن لا تعود الأسعار إلى الارتفاع في ما يخصّ احتياجاتهم الغذائية؛ يمكننا إنجاز ذلك. لقد عرضنا هذه المسألة على سماحته، وكان رأيه إيجابيًّا. قدّمنا برنامجًا يضمّ نحو عشرين بندًا، وقد تنسّقت المجموعات الاقتصادية المختلفة في الحكومة والمجلس وبعض المؤسّسات الأخرى لتنفيذ هذه البنود العشرين عمليًّا. بما أنّ سماحته كان قلقًا من وضع العملة والسلع الأساسية والمواد الأولية والتضخّم وما إلى ذلك، فقد كان هناك سبعة عشر أو ثمانية عشر بندًا ينبغي لنا أن نقدّم بشأنها تقارير.

نحن لدينا مشكلة في هذا المجال، وهذا يحتاج إلى تدخّل، وهذا التدخّل مؤلم. على الناس أن يعلموا أنّ نيّتنا هي أن نُصلح تلك الجروح، وأنّ خياطة هذه الجروح لها كلفة. أن تقول: أُعطي هذا، وأُعطي ذاك، وأُعطي ذاك، نعم، الجميع يفرح؛ لكن عندما تقول: لا أعطي هذا، ولا أعطي ذاك، يغضب الجميع ويسألون: لماذا لا تعطي؟ يجب أن نضبط استهلاكنا. لا أقول ألّا نستهلك؛ أقول يجب أن نضبط استهلاكنا. خفض الاستهلاك بنسبة عشرة بالمئة ليس أمرًا صعبًا أبداً. الجميع يمكنهم أن يخطوا خطوة لمساعدتنا، ولمساعدة بلدنا، وإيراننا، والمجتمع الذي نعيش فيه. عندئذٍ نخرج من هذه المشكلات كلّها بسلاسة.

عندما أقول: تعالوا وساعدوا، فمعنى ذلك ليس أنّنا لا نؤدي عملنا؛ نحن ننجز أعمالنا بكل قوّة، وننجز أيضًا سلسلة من الأعمال التي لا أريد أن أذكرها الآن، لأنّ بعض الأشخاص سيشاكس ويذهب ليعرقلها؛ لكنّنا نؤدي أعمالنا بكل قوّة. غير أنّه إذا قدّم كلّ شخص، أينما كان، مساعدةً ولو بسيطة في هذا المجال، فإنّ الأوضاع ستنقلب رأسًا على عقب. نحن لا نريد أن نحرم أنفسنا من مساعدة أيّ أحد؛ كلّ من يستطيع، فليأتِ ويساعد.

هذه المشكلات التي واجهناها لم تظهر الآن، ولم تظهر في زمن الشهيد رئيسي؛ بل كانت مسارًا تراكمت فيه المشكلات باستمرار، وعلينا الآن أن نقف بوجهها؛ وإذا وقفتَ بوجهها فهي تحتاج إلى خياطة، وأحيانًا تحتاج إلى جراحة أوسع. ينبغي لخبرائنا وعلمائنا ونخبنا ومستثمرينا ومنتجينا جميعًا أن يصلوا معًا إلى تفاهمٍ مفاده أنّ هذا التدخّل الذي نؤديه هو لمصلحة مجتمعنا، لا أنّنا نريد أن نُحدث مشكلةً لشعبنا. نحن هنا لنكون خدّامًا للشعب؛ وعلى الأقل أنا شخصيًّا لا توجد في قلبي نيّة أخرى إلّا أن نتمكّن من حلّ مشكلات شعبنا.

سيادة الدكتور، بسبب دعاية العدو، هناك بعض من أبناء شعبنا يشعرون بالقلق من احتمال أن يشن الأعداء الأمريكيون والإسرائيليون مرة أخرى هجمات على بلادنا. ما هو ردّ رئيس الجمهورية على هذه المخاوف؟ بالطبع، شهدنا في «حرب الـ12 يومًا» أنه حتى الخدمات الحكومية المعتادة لم تتأثر، وأُدير المجتمع بسلاسة عبر التنسيق والتعاون والتخطيط المسبق.

انظروا، قواتنا العسكرية العزيزة تعمل بقوة، والآن من حيث المعدات والقوات، رغم المشكلات كلها التي نواجهها، فإننا أقوى مما كنا عليه عندما شنّ العدو الهجوم. بالتالي، إذا قرروا المواجهة، فسيواجهون ردًّا حاسمًا. لكنني أعود إلى ما كنت أقوله دائمًا، إذا كنا جميعًا متحدين ويدًا بيد، فإنهم سيشعرون بالإحباط من الاعتداء على بلادنا. هم يعوّلون على شيء واحد، كما ذكروا في تصريحاتهم، وهو أن يحدث شيء داخلي ليتسنى لهم التدخّل. السبب في أنني أكرر القول إننا إذا كان هناك خلاف، يجب أن نناقشه داخل الغرف، لكن في الخارج يجب أن نكون صوتًا واحدًا، وإذا كنا متحدين ومتناغمين فإنّ الشعب سيفهم أننا حقًا نريد خدمة الجميع دون التمييز بين جنس أو قومية أو عقيدة. بصفتي مسؤولًا عن البلاد إنّني مكلّف بأن أقدّم الخدمة للجميع على أساس العدالة. إذا كنّا شيعة، وإذا كنّا نقول إنّنا نتّبع الإمام علي، فإنّ الإمام علي لم يُعطِ أخاه عقيلًا شيئًا حين طلب زيادة من بيت المال. الله، لو كنّا قد فعلنا ذلك، هل كان الناس سيسخطون علينا؟ في بعض المواضع لم نفعل، ومع ذلك الناس ساخطون علينا. حسنًا، يجب الآن أن يثبت هذا الأمر. لا يمكن بالتنظير ولا بالكلام فقط. يقولون لي تعال وتكلّم؛ حسنًا، نحن نتكلّم منذ عمر! يجب أن أثبت أنّني لن أفرّق بين جنس ولا قوميّة ولا عِرق ولا لغة. هذه كلّها من تعاليم الله والنبي والإمام؛ إذن علينا أن نعمل بها. إذا عملنا بالإسلام وبتعاليم رسول الله وتعاليم الإمام، تتكوّن في مجتمعنا وحدة وتناغم ووفاق يحسدنا عليه الآخرون ويتمنّون لو كانوا كذلك. ينبغي ألا نخاطب بعضنا بكلام لا يليق. إنّ الشيطان عدوّ الإنسان، ويريد أن نتكلّم معًا بخشونة وبسوء، لكي نتنازع.

نشكركم على الوقت الذي خصّصتموه لنا، ونتمنّى لكم وللحكومة الموقرة التوفيق.

نحن جميعًا واحد؛ وبناءً على ذلك، فإنّنا والحكومة نبذل الجهود. يقول [الشاعر]:

هذه «النحن» و«الأنا» كلّها من العقل والعِقال *** في خلوة العارفين ليس هناك «أنا» ولا «نحن»

كلّه هو. نرجو الله أن نوفَّق لمواصلة المسار الإلهي، وأن نُجسّد ذلك النموذج الذي يريده سماحة قائد الثورة من الإسلام ومن [نمط] العيش الإسلامي؛ في سلوكنا لا في أقوالنا، فقد تكلّمنا بما فيه الكفاية. وفّقكم الله، بوركت جهودكم.


الهوامش:

[1]. كلمة الإمام الخامنئي المتلفزة الموجّهة إلى الشعب الإيراني، 27/11/2025.

[2]. کلمة الإمام الخامنئي في حفل ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزّهراء (س)، 11/12/2025.

[3]. كلمة الإمام الخامنئي المتلفزة الموجّهة إلى الشعب الإيراني، 27/11/2025.

المصدر: موقع KHAMENEI.IR الإعلامي

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha