وكالة أنباء الحوزة - بمناسبة يوم الشهيد في اليمن ولبنان، كتبت كاتبة يمنية مقالا تناولت فيه معاني الشهادة الحقيقية وشروط نيل هذه الدرجة الرفيعة. وفيما يلي نص المقال:
ونحن نعيش في الذكرى السنوية للشهيد في اليمن ولبنان، لا بد أن نقفَ لحظةَ نتأمل ونتساءل عن هذه المعاني الروحية لهذه المناسبة.. موكب الشهداء مُستمرّ في العطاء، وأبواب الجهاد في سبيل الله مفتوحة لكل من أراد الدخول منها.
والقافلة مُستمرّة، والمعركة بين الحق والباطل مُستمرّة إلى قيام الساعة، والموت هو النهاية الحتمية لكل المخلوقات الحية، فلا يوجد من يتخلد في هذه الدنيا كان من كان ومهما كانت مكانته، ولكن يوجد من يتخلد ذكره، ويوجد من يتخلد عمله، ويوجد من لا يموت أبدًا حتى وإن غاب ذكره في الدنيا لكنه حي، وليست أية حياة ولكنها حياة متواصلة حياة أبدية لا موت فيها أبدًا، وحياة كريمة يرزقك فيها أكرم الأكرمين وهو رب الوجود المعبود، وخلودهم وحياتهم هي مثبتة بآيات قرآنية خالدة، قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)..
فهنيئًا لمن تقبله الله شهيدًا سعيدًا، وهنيئًا لمن جاهد في الله حق الجهاد وفاز بضيافة الله تعالى ونجى بنفسه من عذاب يوم عظيم.
وأولى كرامات الشهادة يراها الشهيد ويلمسها ولا زال في الدنيا..
فكثير من الشهداء يحيون حياة الشهداء وهم لا يزالون أحياءً في الدنيا؛ فترى تعاملهم مع من حولهم وكأنهم ملائكة وليسوا بشرًا، ترى النور في وجوههم والصدق في تحَرّكاتهم ودعواتهم والإخلاص في أعمالهم والحرص على عدم جرح أَو إيذاء مخلوق، ترى من وجوه بعضهم نورًا صادعًا، يحدثك بعضهم وأنت تشعر بأن روحه عرجت إلى السماء ولا يزال في الدنيا.
وهنا نستحضر جملة قالها شهيد الأُمَّــة الإسلامية قاسم سليماني، الشهيد الذي جاهد في سبيل الله أكثر من أربعين عامًا وهو ينكل بأعداء الله في مختلف الجبهات حتى لقى الله شهيدًا عزيزًا على يد أعداء الله وهم طواغيت الكفر أمريكا وكيان الاحتلال، نعود إلى جملته الشهيرة وهي قوله: "شرط الشهادة هو أن تحيا شهيدًا!" فكيف يمكن أن تحيا شهيدًا وأنت لا زلت على قيد الحياة؟
كثير منا عرفوا شهداء في حياتهم وقبل ارتقائهم إلى مرتبة الشهداء، عاشوا معهم والتمسوا منهم الصفات المميزة والروح التي تسمو بنفسها لترتقي وترتقي، ربما سمعوهم وهم يدعون الله بصدق بأن يبلغهم مراتب الشهداء وهم يسعون لذلك، ومنهم من كان منتظمًا لصلاته وأوراده وبارًّا بوالديه ويتصفُ بمكارم الأخلاق في حُسن السلوك والقدرة على احتواء الآخرين، ومنهم من كان من المحسنين في بيته وفي حيه وفي مسجد الحي، ومنهم من كان حريصًا على متابعة محاضرات القادة بانتظام وعكسها على واقع سلوكه وتعامله مع الآخرين، ومنهم من كانت ثقته بالله تعانق عنان السماء ويمتلك من العزيمة والثبات والإيمان ما لو توزع على أهل الأرض لكفاهم، ومنهم من كان من القائمين الليل العاملين بالنهار من نذروا كُـلّ حياتهم ومماتهم لله رب العالمين، ومنهم من كان يمتلك زوجة وأبناء وبيوتًا دافئة وأمًا حنونة ولكنه ترك كُـلّ شيء وانطلق حبًّا في الله واستجابة لدعوات الله ورسوله للجهاد في سبيل الله، ومنهم ومنهم ومنهم... إلخ، كم نستطيع أن نكتب ونرصد في هذا المقال الصغير من قبسات من حياة هؤلاء العظماء قادة وأفرادًا، ولكن نستطيع أن نقول إن في حياة كُـلّ شهيد دروس وعبر لنا جميعًا، واسألوا ذوي الشهداء وأهاليهم، اقتربوا منهم واطلبوا منهم أن يحدثوكم عن هؤلاء، ستجدون قصصًا وحكاياتٍ تستحق أن تدون للأجيال القادمة لتحيا بها وتتخذها قُدوة ومنهاجًا وطريقًا للفلاح والعز.
للسيد الشهيد حسن نصر الله أَيْـضًا جملة خالدة وهي أن أوصى بالاستماع لوصايا الشهداء، وهذه من أهم الوصايا لو نعلم، وذلك لما لهذه الوصايا من أثر كبير وعظيم على النفوس والأرواح التي تسمعها وتدرك معنى أن تسمع وصايا شهداء عمّدوها بدمائهم الطاهرة والزكية، وصايا صادقة أصحابها غادرونا وتركوا لنا الطريق لنكمله على دربهم.
وفي هذه الذكرى نحمد الله كَثيرًا أن السيد العلم القائد بين أيدينا وبأن وصايا قادتنا الشهداء متوفرة ونستطيع الحصول عليها بسهولة، وبأن الموجهات في متناولنا، وفي كُـلّ عام لدينا خطابات جديدة، وفي كُـلّ عام يرتقي شهداء أكثر وأكثر منضمين لقافلة الشهداء المُستمرّة في المسير والعطاء، والتي تصنع خلفها كرامة للأُمَّـة وعزة وهيبة في قلوب أعداء الله وأعداء رسوله الذين قذف الله في قلوبهم الرعب والذلة والمسكنة، وحاولوا بكل قوتهم أن يبعدوا هذه الأُمَّــة عن ثقافة الجهاد والاستشهاد والتضحية في سبيل الله التي هي الطريق الوحيد لمواجهة أعداء الله وعدم الخوف منهم ولا من حشودهم ولا من إمْكَاناتهم؛ لأن من يملك عقيدة وثقافة الجهاد والاستشهاد لن تهزه كُـلّ قوى العالم كما قال قادتنا في خطاباتهم، فلا خسارة مع الله في كُـلّ الحالات، في حالة النصر والشهادة كلاهما فوز عظيم.
ولا ننسى أن نهتم بأبناء الشهداء فهم أمانة في أعناقنا جميعًا وليسوا فقط مسؤولية مؤسّسة الشهداء، ولكنهم بحاجة لعطف وحنان واحتواء، فآباؤهم تركوهم وذهبوا للدفاع عنا وعن كرامتنا وعزتنا وأمننا وأماننا وشرفنا وديننا.
ولا ننسى أن نعلم أبناءنا زيارة رياض الشهداء بشكل مُستمرّ وليس فقط في مناسبة الشهيد، بل تصبح ثقافة راسخة لديهم الاهتمام بهذه الزيارات وقراءتها بتفهم وبقلوب واعية؛ كي ننشئ جيلًا يعشق الشهادة ويتحدى أعداء الله ويقوم بواجبه الديني والأخلاقي في الاستجابة لتوجيهات الله تعالى بالجهاد بالمال والنفس حتى يتحقّق لنا العز في الدنيا والأُخرى.
الكاتبة: أمة الملك الخاشب
المصدر: المسيرة نت





تعليقك