الجمعة 8 أغسطس 2025 - 18:12
مقالة | وثيقة عار أم وثيقة سيادة؟ نزع سلاح المقاومة تحت مجهر وعي الشعوب

وكالة الحوزة - قرار الكيان الصهيوني بضمّ الضفة الغربية وقرار الحكومة اللبنانية باحتكار السلاح بيد الجيش يضعان المنطقة أمام تحديات جديدة، وسط تفاعل محور المقاومة الذي يؤكد استمراره في مواجهة مؤامرات الأعداء بحكمة وعزيمة.

وكالة أنباء الحوزة - في ظلّ التطورات الجارية في المنطقة، ولا سيما القرارات الأخيرة للكيان الصهيوني بشأن توسيع رقعة نفوذه، بات من الضروري إعادة قراءة جذور هذه الأزمة من زاوية تاريخية واستراتيجية.

إنّ "الضفة الغربية"، في أدبيات القانون الدولي، تُعدّ جزءًا من الأراضي الفلسطينية التي احتلها الكيان الصهيوني بعد حرب حزيران/يونيو 1967، ولم تُعترف بها يومًا كجزء من الأراضي الرسمية للكيان، بل تُعتبر وفقًا للقرارات الدولية أراضي محتلة. إلا أن قرار "الكنيست" – البرلمان الصهيوني – الأخير بضمّ الضفة الغربية رسميًا، ليس إلا محاولة جديدة لفرض واقعٍ قسري، واقعٌ واجه رفضًا دوليًا واسعًا، لكنه ما زال مدعومًا من قبل بعض القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ويُشكّل جزءًا أساسيًا من جدول أعمال الكيان.

إنّ هذه الخطوة ليست قرارًا فرديًا من نتنياهو، بل تعبّر عن إجماع صهيوني يعود إلى نشأة الكيان الزائف، الحالم بإقامة "دولة يهودية من النيل إلى الفرات".

في كتابه "أسرار تشكيل إسرائيل"، يكشف الباحث اليهودي الأمريكي جون بي. جوديس عن وثائق تاريخية عديدة تؤكد أنّ الصهاينة، منذ أواخر القرن التاسع عشر، سعوا إلى تحقيق حلم استعماري يتجاوز حدود فلسطين التاريخية، حيث شملت خرائطهم الأولى أراضي من الحجاز والكويت والعراق وسوريا ولبنان وسيناء المصرية.

ومع مرور الزمن، نُفّذ هذا المشروع بشكلٍ تدريجي؛ إذ قبل الصهاينة بالبداية بجزء من أرض فلسطين، على أمل استكمال مشروعهم التوسّعي في مراحل لاحقة، وقد تمّ ذلك بدعم مباشر من بريطانيا ثم الولايات المتحدة، عبر وعود رسمية ودعم سياسي وعسكري.

ومع وصول ترامب إلى سدة الحكم، اتّخذ هذا المشروع طابعًا أكثر عدوانية، إذ أعلنت واشنطن صراحةً أن الاعتراف بـ"الدولة اليهودية" سيكون ممكنًا في حال القضاء على تهديدات حزب الله في لبنان، وإنهاء منظومة الحكم الديني في إيران. لكن المقاومة الإقليمية، ولا سيما محور لبنان–إيران–العراق، أحبطت هذا السيناريو. كما أدّت تطورات ما بعد 7 أكتوبر، وعجز الكيان الصهيوني عن تحقيق أهدافه العسكرية، إلى مراجعة واشنطن لاستراتيجيتها الداعمة لإسرائيل دون قيد أو شرط.

لقد تراجعت الولايات المتحدة عن تنفيذ هذا المشروع بشكل مباشر، وقيّدته في الوقت الراهن بحروب بالوكالة، ومساعٍ لزعزعة الاستقرار الداخلي في دول محور المقاومة.

خطة احتكار السلاح؛ مقدّمة لانهيار المقاومة

وفي هذا السياق، تكتسب التطورات الأخيرة في لبنان أهمية خاصة. فقد صادق مجلس الوزراء اللبناني، بالإجماع، على قرار احتكار السلاح بيد الجيش اللبناني، وفق ما صرّح به وزير الإعلام اللبناني.

وهذا القرار، وإن عُرض في ظاهره كخطوة لتعزيز "السيادة الوطنية"، إلا أنه في الواقع محاولة منظّمة لنزع سلاح المقاومة الشعبية، وتقويض قدرة لبنان الرادعة أمام العدو الصهيوني. إنه ترجمة عملية للمطالب الأمريكية والصهيونية في إطار مشروع احتواء المقاومة واستئصالها من المعادلات الإقليمية.

من منظور جبهة المقاومة، لا يُعدّ هذا القرار سوى خيانة صريحة لدماء الشهداء، وللكرامة الوطنية، وللذاكرة التاريخية للشعب اللبناني. فلا ننسى أنّه في الحروب والأزمات الماضية، كانت المقاومة وحدها هي التي وقفت سداً منيعاً بوجه العدوان الصهيوني، في حين كانت العديد من المؤسسات الرسمية – وعلى رأسها الجيش – إمّا غائبة أو محدودة الفعل.

إن احتكار السلاح ضمن الهيكل الرسمي، دون مراعاة واقع التهديدات الميدانية، لا يُشكّل عامل ردع، بل يُعتبر فخًا للحدّ من قدرة الدفاع الشعبي، ومقدّمة لانهيار الأمن القومي اللبناني.

النتائج والاستنتاجات الأساسية:

1. مشروع "إسرائيل الكبرى" باء بالفشل.

مساعي الكيان الصهيوني لتوسيع رقعته الجغرافية اصطدمت بجدار مقاومة شعوب المنطقة، مما أجبر القوى الكبرى على التراجع.

2. تغيير في الاستراتيجية الأمريكية.

بعد فشلها في احتواء المقاومة، انتقلت واشنطن من الصدام العسكري المباشر إلى استراتيجية التفكيك الداخلي عبر الحروب الناعمة والنفوذ السياسي.

3. المقاومة لا تزال حيّة وقوية.

رغم الضغوط، فإنّ المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وإيران، في أوج جهوزيتها وعطائها، وترفع راية الصمود والعزّ.

4. مخططات الاختراق والخيانة ستفشل بوعي الشعوب.

الشعوب الواعية والمؤمنة في المنطقة لن تسمح لقرارات كاحتكار السلاح بأن تُسلّم مصيرها لأعدائها.

5. الشهداء وقادة المقاومة هم مشاعل الدرب.

في ثقافة المقاومة، الشهداء أحياء، وهم مصدر إلهام مستمرّ للشعوب في مسيرتها نحو التحرر. أرواح القادة الكبار، أمثال الشهيد السيد حسن نصرالله، والشهيد أبو مهدي المهندس، والشهيد الحاج قاسم سليماني، ليست فقط قيادات ميدانية، بل مشاعل نورٍ معنوية للأمة الإسلامية في مواجهة مشروع الاستكبار والصهيونية العالمية. (1)

الكاتب: حجة الإسلام الشيخ محمد هادي ملكي - باحث وناشط في الشؤون الدولية

المصدر: وكالة أنباء الحوزة


(1) إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي وكالة أنباء الحوزة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها.

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha